التشكيل الإيقاعي في القصيدة العربية الحديثة
جماليات التشكيل الإيقاعي في القصيدة العربية الحديثة
جماليات التشكيل الإيقاعي
في القصيدة العربية الحديثة
تمثل الحركة والتنظيم الأساس الذي يتولد منه الإيقاع، وإذا كانت الضربة والسكون يمثلان جانبا مهما من الإيقاع في الموسيقى، فإن مادة الإيقاع في الشعر تتحدد بطبيعة الوحدة الصوتية «الحرف والحركة »، إذ تشتمل الوحدات الصوتية على إمكانات إيقاعية كامنة يتم تفجيرها في سياق إيقاعي يشتمل على عنصري الحركة والتنظيم معا، بمعنى أن الشعر» يستمد موسيقاه من مادة صياغته وهي اللغة « [1]ولا يعني هذا أنَّ الإيقاع » لا يتألف من الحركة مطلقة بلا قيد ولا شرط ... الإيقاع يمتاز ... بالنظام « [2] ويخضع هذا النظام لتردد الوحدات الصوتية » على مسافات زمنية متساوية أو متقابلة داخل الوحدة الموسيقية، وقد تكون هذه الظاهرة صمتا خفيفا أو سكونا أو حركة معينة « [3] .
إن الحركة والنظام قد يتوافران في مكونات لغوية عديدة، غير أن هذه المكونات لا تقدم إيقاعا فنيا لخلوها من قيمة التناسب، » والتناسب هو أن تتفق العناصر في الوزن فتكون بالنسب اللازمة لا تزيد عليها ولا تنقص وفي النظام يحسن التآلف وكمال الانسجام، فالتناسب هو اعتدال النسب وتكافؤها به يكسب الإيقاع ثوب الروعة والجمال ويرتقي الفن إلى أسمى درجات الكمال « [4] ويؤكد محمد العياشي أن الغاية من هذا كله تحقيق ثمرتين هما القيمة الجمالية والقيمة التعبيرية، أي أن » جمال الإيقاع مستفاد من تناسب العناصر في وزنها وحركتها وشكل نظامها « فضلا عن قدرة الإيقاع على التعبير والتصوير والتأثير .[5]
ولا بد من التمييز بين نمطين من الإيقاع : إيقاع بسيط يتميز بالرتابة والتكرار ،ويتجلى ذلك في نبض القلب ودقات الساعة، ونمط مركب بالغ التعقيد يتجلى في الشعر، ويحدد علي يونس فوارق بين النمطين على النحو التالي :
أ ـ فالعلاقة بين العناصر في النوع الأول ظاهرة بسيطة يسهل قياسها، أماني النوع الثاني فهي أخفى وأكثر تركيبا .
ب ـ والعلاقات في النوع الأول توشك أن تكون حسية خالصة، ولهذا لا يتفاوت الناس في إدراكها وإن تفاوتوا في الثقافة أو العمر أو غير ذلك، بل أن من صور هذا الإيقاع ما يدركه بعض الحيوان وينفعل له .
أما العلاقات في النوع الثاني فهي عقلية حسية، ولا تكفي الحواس لإدراكها، بل تحتاج كذلك إلي الفكر، ولذلك يتفاوت الناس في فهمها وتذوقها وتقديرها ولا بد أن تتوافر في متلقيها درجة من النضج والعقلي والثقافي .
ج ـ والعلاقات بين العناصر في النوع الأول تنتظم انتظاما تاما أو شبه تام، أما في النوع الثاني فتجمع بوضوح بين النسق والخروج على النسق .[6]
2
ان الشعر لا يغير الوحدات الصوتية للغة، أو الألفاظ التي تتركب منها، ولا يغير من التراكيب، ولكن الشعر ينظم هذه كلها بطريقة خاصة مختلفة، لدرجة يصدق معها القول إن الشعر يمثل ظاهرة » ذات بنية أشد تعقيدا « [7]، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك تمايزا واضحا ـ والوضوح هنا لا يعني أهميته أو تبنيه ـ بين الشعر والنثر يتجلى بداهة في كيفية أدائيهما، وكيفية رسمهما، إذ اعتاد العرب قديما وحديثا تأدية النثر بكيفية تختلف عن الشعر، ولذا نقول : قرأ مقالة، أو رسالة، أو رواية، وانشد قصيدة، ولذلك فإن » الإنشاد عند الأداء إبراز الإيقاع « [8] .
ان كتابة الشعر تختلف وتتباين عن كتابة النثر، إذ بمجرد رؤية فضاء النص نستدل على ان هذا شعر أو نثر، غير أن تحديدا علميا يميز الشعر عن النثر هو التمايز الإيقاعي، أي انه يغلب عليه الانتظام » وهو النظام الذي يحكم عدد المقاطع وأنواعها ) من حيث هي قصيرة أو طويلة أو زائدة الطول ( وترتيبها « [9] .
وفي ضوء هذا فإن الشعر ليس قسيما أو مقابلا للنثر كما انه ليس خرقا أو انتهاكا له ـ بل هو خرق للكلام العادي ـ انه تشكيل جديد يمثل خلقا ليس بالقياس الى شيء موجود مسبقا، وإنما له استقلاله الذي يتجاور معه، ويختلف عنه في آن، أن النثر هو الآخر خرق وانتهاك متعمد للكلام العادي .