صراع البقاء
وللحشرات طرقها وأساليبها الكثيرة للحفاظ على وجودها واستمرار بقائها في الأرض في مواجهة تحديات كثيرة من مختلف مخلوقات الأرض. فالحشرات في الأرض سابقة لوجود الانسان بملايين السنين ومازالت تنتشر في جميع مناطق الأرض من دون استثناء.
وعلى سبيل المثال نجد مجتمع النمل والذي نراه في سورة “النمل” يستمع إلى تحذير نملة وظيفتها المراقبة والتحذير من خطر يقترب “قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون” (18).
وفي بعض غابات افريقيا يخرج النمل في جيوش يبلغ طولها عدة أمتار ويزيد عرضها على المتر وينطلق لمئات الأمتار (تخيل عددها بالمقارنة بطول النملة الذي يقل عن السنتيمتر الواحد)، ويقوم ذلك الجيش بشن غارات وحشية على أعشاش النمل الأخرى والحشرات الأكبر منه حجماً ليعود إلى موطنه محملاً بالغنائم والغذاء.
وتتجول يرقات نوع من الحشرات متسلقة سيقان النباتات للقبض على حشرات (المنّ) حيث تقوم بثقب جسمها وامتصاص محتوياته كما يفعل (دراكولا) الخرافي، ولذلك يطلق عليها اسم “أسود المن”.
أما “أسود النمل” فتقوم بعمل كمين للفريسة على شكل حفرة ملساء الجوانب، فإذا وقعت فيها حشرة قامت أسود النمل بتمزيق جسدها بفكوكها الحادة القوية، وتصب عليها عصاراتها الهاضمة ثم تبتعلها وتلقي بقاياها إلى خارج الحفرة، ثم تقبع بعد ذلك في هدوء انتظاراً لفريسة أخرى ووليمة جديدة.
أما قراصنة الجو فهو نوع من الذباب الذي يهاجم الحشرات الأخرى أثناء طيرانها حيث يقبض على الضحية ويدفع بخرطومه الى داخل جسدها الذي ينهار تماماً، وهذا النوع من الذباب يهاجم غيره من الذباب كما يهاجم الحشرات التي تفوقه حجماً وقوة مثل النحل والخنافس.
أما الحشرة المسماة “فرس النبي” فهي من آكلات اللحوم الشرهة، حيث تقوم بتمزيق فريستها بواسطة أشواكها الحادة ارباً ارباً لالتهامها.
وسائل دفاعية
وفي المقابل تتنوع وسائل دفاع الحشرات عن نفسها بطرق غاية في الغرابة والدقة والذكاء.
ومن ذلك ما تفرزه بعض الحشرات من مواد كريهة الرائحة تجبر المعتدي على الابتعاد عنها؛ ومنها إطلاق قذائف سامة تصيب المهاجم في مقتل قبل وصوله إلى الفريسة، وقد يصاحب انطلاق المادة السامة صوت فرقعة يصيب المهاجم بالذعر كما تفعل بعض الخنافس القاذفة. وقد تغير الحشرة من لونها فلا يستطيع العدو تمييزها بين أوراق وأفرع الأشجار، وقد يأخذ جسم الحشرة شكل فرع شجرة يتمايل يميناً ويساراً كالثعبان مخيفاً أعداءه.
وتقوم بعض الحشرات بإفراز مواد مطهرة قاتلة للميكروبات وذلك لتنظيف عشها ومنع دخول الحشرات الغريبة وتكاثرها فيه.
وتقوم بعض أنواع الحشرات عند شعورها بالخطر بنثر الغذاء للغزاة بعد خلطه بمادة سامة للقضاء عليه.
وتلجأ بعض شغالات النحل عند الدفاع الى افراز مادة لها رائحة مميزة أثناء لدغها للمهاجمين، وتجذب رائحة تلك المادة بقية النحل في عملية استنفار سريعة للقوى الدفاعية.
ومن غرائب الحشرات ما تقوم به بعض الأنواع من حقن الفريسة بطريقة خاصة عند اتصال الدماغ بالنخاع الشوكي ما يسبب لها حالة من الشلل التام، وبعد ذلك تقوم الحشرة المهاجمة بوضع بيضها على الحشرة المشلولة التي تمثل طعاماً شهياً لما يفقس عنه البيض من يرقات تتغذى عليها وتنفق الحشرة المشلولة في النهاية.
وبعد.. فهذا غيض من فيض وقطرة من بحر عالم الحشرات الذي ينتمي إليه البعوض، عالم مملوء بالآيات والمعجزات التي أبدعها الخالق سبحانه وتعالى وجعلها في متناول أبصارنا وأسماعنا وآلاتنا آيات بينات ودلائل على عظمة الخالق وقدرته سبحانه وتعالى “سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق” صدق الله العظيم.