“الله نور السماوات والأرض” سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وقد ضرب لنا المثل لنوره في سورة النور، فهو سبحانه وتعالى نور السماوات والأرض، ونور الأفئدة والعقول، ونور الهداية، يهدي سبحانه وتعالى لنوره من يشاء.
وقد وصف القرآن الكريم أشياء كثيرة بأنها نور، مما يعطي مدلول “النور” معاني وآفاقاً كثيرة غير ما يتبادر الى الذهن عند ذكر هذه الكلمة وارتباطها بالضوء وبرؤية الأشياء في الكون:
القرآن الكريم
وقد وصف القرآن الكريم بالنور وذلك في قوله تعالى في سورة الشورى: “وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم (52)”، فقد وصف القرآن بأنه “روح” وأنه “نور” يهدي به الله من يشاء من العباد، فهو نور للعقل ونور للقلب يبدد ظلمات الكفر ويمحو ظلمات الضلال، فهو نور لا يصل الى من أعرض عن الله واتبع غير سبل الله وصراطه المستقيم، والقرآن هو السبيل الوحيد لخروج الناس من الظلمات الى النور كما جاء في سورة الحديد “هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات الى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم (9)”.
فالقرآن الكريم كتاب الله الحكيم ونور من عنده للعباد، وهم مأمورون لذلك بالإيمان به كإيمانهم بالله ورسوله الذي حمله وبلغه لهم، كما قال سبحانه وتعالى في سورة التغابن: “فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير (
”.
والله سبحانه وتعالى نور السماوات والأرض، والقرآن الكريم كلام الله فهو نور، ولن ينطفئ نور الله أبداً ولو كره الكافرون، “يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون” (الصف:
، “يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون” (التوبة: 32).
رسول الله والمؤمنون
يقول الحق تبارك وتعالى في سورة الأحزاب واصفاً الرسول الكريم وضارباً المثل له “يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً (45) وداعياً الى الله بإذنه وسراجاً منيراً (46)”.
والسراج كما هو معروف يشتعل فيه الفتيل ناراً فيصدر عنه الضوء والحرارة، ويتلألأ زجاج السراج بالنور، أو ينعكس ضوء السراج على الأشياء فنراها وندرك وجودها، وتصل الحرارة من السراج الى ما حوله من الأشياء بدرجة تتناسب مع بعدها عنه.
ولكن الحق تبارك وتعالى يصف الرسول عليه الصلاة والسلام بأنه سراج من نوع خاص، سراج ينير ولا يصدر حرارة تؤذي، فهو نور ينير القلوب وينير العقول وينير البصائر بما يحمله للناس من نور الحق ونور الوحي، فهو سراج يهدي ولا يؤذي، ينير ولا يضر.
والإيمان نور للقلوب والعقول، نور في الدنيا لا يراه أحد، ونور للمؤمنين في الآخرة يراه الجميع المؤمن والكافر على حد سواء، ويتفاوت نور المؤمنين يوم القيامة حسب حظ كل منهم من الإيمان، فمنهم من يحيط به نوره من كل جانب، ويسعى نوره بين يديه، ومنهم من يضيء نوره طرف اصبعه فقط، وبين هذا وذاك درجات كثيرة، والكل يدعو الله سبحانه وتعالى أن يتم له نوره وأن يغفر له ويرحمه ويدخله فسيح جناته.
ولنتدبر قول الحق جل وعلا في سورة الحديد “يوم ترى المؤمنين والمؤمنات نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (12)”. فهو نور الإيمان الذي حرمه الله على الكافرين وعلى المنافقين “يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب” (الحديد: 13).
والله سبحانه وتعالى يهدي لنوره من يشاء، وكما يقول سبحانه “هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات الى النور” (الأحزاب: 43)، وما الظلمات إلا ظلمات الكفر والفسوق والعصيان، وما النور إلا نور الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر بما فيه من حساب وثواب وعقاب.
الملائكة
خلق الله سبحانه وتعالى الملائكة من النور، كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، وهم عباد الله ورسله الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.ولأنهم من نور فنحن لا نراهم ولكنهم يروننا، وهم حفظة لنا وهداية، لا ضرر منهم ولا أذى، يسمعوننا ولا نسمعهم، ومنهم رقيب وعتيد يكتبون أعمالنا وأقوالنا ليل نهار.
ولأنهم من نور فإن حركتهم غير حركتنا وسرعة تنقلهم غيرنا، فهم يعرجون الى السماء في يوم مقداره ألف سنة مما نعرف من السنوات ومنهم من يعرج الى السماء في يوم مقداره خمسون ألف سنة، وربما هناك سرعات وأبعاد زمنية أخرى لا يعلمها إلا الله يتحرك فيها الملائكة الأطهار في ملك الله الذي لا حدود له من المكان أو الزمان.ولأنهم من نور فلا يضرهم شيء ولا تؤذيهم النار، فخزنة النار ملائكة غلاظ شداد، وكما يقول الحق تبارك وتعالى: “وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة...” (المدثر: 31).
وهم يرون الجن، ونحن لا نرى الجن، ويمنعون الجن من الصعود الى السماء أو اتخاذ مقاعد منها أو الاستماع لما فيها، وكما جاء في سورة الجن “وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً (
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً (9)”.
وهم يتحولون الى صور كثيرة منها التمثل في صورة البشر كما حدث مع ابراهيم عليه السلام، وكما حدث مع مريم عليها السلام، ومع لوط عليه السلام، ومع رسولنا عليه الصلاة والسلام حينما جاءه جبريل عليه السلام في صورة بشر يسأله عن الإسلام فرآه وسمعه من حضر من الصحابة رضوان الله عليهم.
أما صورتهم الحقيقية، وقدراتهم وأعمارهم وغير ذلك مما يمكن التساؤل عنه فهو غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” (الملك: 14)، غير أن القرآن الكريم قد أخبرنا عن بعض قدراتهم كما حدث مع قوم لوط حيث تم تدمير قريتهم وجعل عاليها سافلها، وكما حدثنا الرسول عليه الصلاة و السلام عن ملك الجبال الذي جاءه في الطائف وسأله إن أراد أن يطبق على الكفار الأخشبين (أي الجبلين) بياناً لقوته الهائلة، وكما أرسل الله سبحانه وتعالى يوم الأحزاب على الكفار ريحاً وجنوداً لم يرهم أحد، وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن للملائكة أجنحة مثنى وثلاث ورباع وغير ذلك مما لا ندري عنه شيئاً ولا يمكننا تخيله وذلك في قوله تعالى في أول سورة فاطر “الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير (1)”.
ويتغير خلق الإنسان في الآخرة فيرى ما لم يكن يراه في الدنيا، ويسمع ما لم يكن يسمعه في الدنيا “ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون” (السجدة: 12)، فهم الآن يرون كل شيء بعد ما رُفع عنهم الحجاب فرأوا حقيقة ما كذبوه من قبل، وانظر وتدبر قول الحق في سورة ق: “ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد (20) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد (21) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (22)”، فيرون الملائكة وغيرهم حيث لا ينفع الإنسان إلا ما قدم من عمل انطلاقاً من إيمانه بالغيب الذي أخبر به رسل الله في الدنيا “يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً (22) وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً (23) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً (24)” (الفرقان).