هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: سماحة الإسلام الخميس أبريل 02, 2009 2:11 pm | |
| سماحة الإسلام مع الأديان للأخرى بقلم الأستاذ الدكتور علي عبد الواحد وافي
وقف الإسلام حيال الأديان الأخرى وحيال أهلها موقفاً إنسانياً كريماً يتسم بالتسامح واحترام عقائد هذه الأديان وشعائرها، وعلى أساس هذا الموقف أقام الإسلام جميع ما قرره من قواعد، وما سنه من مبادئ لتنظيم العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين.
ومن أهم هذه المبادئ جميعها ما يقرر الإسلام اتباعه مع أهل البلد الذي يفتحه المسلمون. فالإسلام يوجب على المسلمين أن يتركوا أهل هذا البلد أحراراً في عقائدهم وعباداتهم وشعائرهم. وقد حافظ المسلمون على هذا المبدأ وسجلوه في كثير من المعاهدات التي عقدوها مع أهل البلاد التي افتتحوها. وفي هذا يقول عمر ابن الخطاب في معاهدته مع أهل بيت المقدس عقب فتحه له: (هذا ما أعطى عمر ابن الخطاب أهل إيلياء (بيت المقدس) من الأمان. أعطاهم أماناً لأنفسهم وكنائسهم وصلبانهم، لا ينتقص منها ولا من حيزها، لا يكرهان على دينهم، ولا يضار أحد منهم) ويقول عمرو بن العاص في معاهدته مع المصريين بعد فتحه لمصر: (هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وملتهم وكنائسهم وصلبانهم وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينقص) وكان الرومان أيام أن كانت مصر تابعة لهم، قبل فتح العرب لها، قد حاربوا المذهب المسيحي الذي كان يعتنقه المصريون حينئذ، وهو المذهب اليعقوبي، وفرضوا عليهم مذهباً مسيحياً آخر هو المذهب الملكاني الذي كان يعتنقه الرومان، وعينوا من قبلهم بطريركا ملكانياً على مصر، وعزلوا البطريرك المصري اليعقوبي، وهو الأنبا بنيامين، الذي اختفى فراراً من بطش الرومان. فلما تم تحرير مصر على يد عمرو بن العاص أعطى الأمان للأب بنيامين فظهر، وسمح له بفتح الكنائس اليعقوبية التي كان قد أغلقها الرومان، وبإعادة عباداتها وشعائرها إليها، وسمح لأتباع كل مذهب بممارسة عقائدهم وشعائرهم وعباداتهم وفق تعاليم مذهبهم في حرية وأمن واطمئنان. وهذا مع أن الإسلام يحكم بكفر كلتا الطائفتين ـ اليعقوبية والملكانية ـ فكلتاهما تعتقد أن المسيح إلاه، والإسلام يحكم بكفر الذين يعتقدون هذا الإعتقاد، وفي هذا يقول القرآن الكريم: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم)(1).
ويقول: (ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام)(2).
وكل ما بينهما من فرق في هذه الناحية ينحصر في أن الطائفة اليعقوبية تذهب إلى أن طبيعة المسيح إلاهية خالصة لا تشوبها شائبة من الناسوت، على حين أن الطائفة الملكانية تذهب إلى أنه قد امتزج فيه اللاهوت بالناسوت، فليس في مذهب أية طائفة منهما ما يمت بصلة ما إلى الإسلام وعقائده، ومع ذلك سمح الإسلام لكلتيهما بممارسة عقائدها وعباداتها وطقوسها في حرية وأمن واطمئنان.
ويبدو كذلك الموقف الإنساني الكريم الذي يقفه الإسلام حيال الأديان الأخرى وأهلها فيما يوجب على المسلمين اتباعه من قواعد وآداب في مناقشاتهم الدينية مع أهل الأديان الأخرى، فالإسلام يوجب على المسلمين في هذه المناقشات أن يسلكوا أحسن الطرق وأدناها إلى الأدب والمجاملة، وأن يلتزموا جادة العقل والمنطق، فيكون عمادهم قرع الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، وأن يفسحوا المجال لأهل الأديان الأخرى للاستدلال على صحة أديانهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وفي هذا يقول الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)(3).
ويقو مخاطباً المؤمنين: (ولا (1) ايتى 17، 72 من سورة المائده . (2) اية 75 من سورة المائدة . (3) اية 25 من سورة النحل .
تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)(1) ، ويقول مخاطباً أهل الأديان
الأخرى: (وقل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)(2) ، (هل عندكم من علم فتخرجوه لنا)؟(3) (قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلفوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو إثارة من علم إن كنتم صادقين)(4).
ولا يكتفي القرآن الكريم بذلك، بل إنه ليغري الكفار بالمناقشة والإتيان بالدليل على صحة دينهم، فيقول: (وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين).
أي إنه لابد أن يكون أحدنا على حق والآخر على باطل، فتعالوا نتناقش وليدل كل منا بحجته، ليتبين أينا على هدى وأينا في ضلال مبين.
ويبدو كذلك الموقف الإنسانى الكريم الذي يقفه الإسلام حيال الأديان الأخرى وأهلها فيما يوجب على المسلمين اتباعه مع غير المسلمين الذين يساكنون المسلمين في بلد واحد تابع للدولة الإسلامية. فالإسلام يقرر أن هؤلاء لهم ما للمسلمين من حقوق، وتطبق عليهم القوانين نفسها التي تطبق على المسلمين، إلا ما تعلق منها بشئون الدين فتحترم فيه عقائدهم، فلا توقع عليهم الحدود ولا العقوبات فيما يحرمه الإسلام ولا تحرمه أديانهم، فلا يعاقب النصراني مثلاً إذا شرب الخمر، لأن دينه في أوضاعه الأخيرة يحل شرب الخمر، ولا يعاقب اليهودي من فرقة القرائين مثلاً إذا تزوج بنت أخته أو بنت أخيه، ولا يفسخ عقده، لأن مذهب فرقته يحل هذا الزواج، ولا يدعون إلى القضاء، ولا إلى العمل في أيام أعيادهم، لقوله عليه الصلاة والسلام: (أنتم يهود، عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت).
ولا يقف الأمر في معاملة غير المسلمين الذين يساكنون المسلمين في بلد واحد تابع للدولة الإسلامية عند نصوص الشرع والقانون، بل إن المسلمين لمطالبون فوق
(1) اية 46 من سورة العنكبوت . (2) اية 111 من سورة البقرة . (3) اية 148 من سورة الأنعام. (4) اية 4 من سوؤة الأجقاف . (5) اية 24 من سورة سبأ.
ذلك بالمجاملة وحسن المعاملة زيادة على ما تقتضيه النصوص، وفي هذا يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: (من آذى ذميا فقد آذاني) ويقول: (من آذى ظلماً يهودياً أو نصرانياً كنت خصمه يوم القيامة) وعند ما جاء رسل نجران المسيحيون إلى المدينة ليفاوضوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وكانت مفاوضتهم تقتضي بقاءهم بعض الوقت، خصص لهم الرسول عليه الصلاة والسلام نصف مسجده ليؤدوا فيه صلاتهم المسيحية. ومرت يوماً جنازة يهودي أمام الرسول عليه الصلاة والسلام، فقام تعظيماً لها، فقيل له: إنها جنازة يهودي! فقال: (ولم لا، أليس إنساناً)?!. | |
|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سماحة الإسلام الخميس أبريل 02, 2009 2:11 pm | |
| وروى أن يهودياً شكى علي بن أبي طالب إلى عمر بن الخطاب في أيام خلافته، فاستقدم عمر علياً وأوقفه مع خصمه اليهودي على قدم المساواة، ولكنه عندما أخذ في تحقيق الشكوى خاطب علياً بكنيته، جريا على عادته في خطابه معه، فقال له: يا أبا الحسن، والخطاب بالكنية في اللغة العربية أسلوب من أساليب التعظيم، على حين أنه خاطب اليهودي باسمه، فظهرت آثار الغضب على علي، فقال له عمر: أغضبت أن كان خصمك يهودياً وأن مثلت معه أمام القضاء على قدم المساواة?! فقال علي: لا، ولكنني غضبت لأنك لم تكمل المساواة بيني وبينه، فخاطبتني بكنيتي، وخاطبته باسمه. وأوصى الرسول عليه الصلاة والسلام الجار المسلم أن يحسن إلى جاره غير المسلم، فقال: (الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق، فأما الجار الذي له حق واحد فجار غير المسلم (له حق الجوار ويجب الإحسان إليه بمقتضى هذا الحق) وأما الجار الذي له حقان فجار مسلم لا رحم له (أي ليس بينه وبين جاره قرابة) له حق الجوار وحق الإسلام.
وأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة).
وروى مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمر وغلام له يذبح شاة، فقال ابن عمر لغلامه: إذا سلخت هذه الشاة فابدأ بجارنا اليهودي، وكرر طلبه هذا ثانية وثالثة. فقال له مجاهد متعجباً من إلحاحه في طلبه، مع أن الجار يهودي: كم تقول هذا يا ابن عمر?! فقال له: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يزل يوصينا بالجار حتى ظننا أنه سيورثه) أي سيجعل له نصيباً من تركتنا بعد وفاتنا، ولم يفرق الرسول بين الجار المسلم والجار غير المسلم.
وأوجب الإسلام على بيت المال الإنفاق على الزمن (وهو العاجز عن الكسب) وعلى الشيخ الفاني، وعلى المرأة إذا لم يكن لواحد من هؤلاء من تجب عليه النفقة من أقربائه، ولا يفرق الإسلام في ذلك بين المسلم وغير المسلم.
فقد روى أبو يوسف في كتابه: (الخراج) أن عمر بن الخطاب في أيام خلافته قد مر بباب قوم وعليه سائل يسأل، وكان شيخاً كبيراً أعمى، ويبدو عليه أنه من أهل الكتاب، فضرب عمر بعضده وقال له: من أي أهل الكتاب أنت? فقال: يهودي. قال: وما ألجأك إلى ما أرى?! قال: أسأل الجزية والحاجة والسن.
فأخذ عمر بيده وذهب به إلى بيته وأعطاه شيئاً مما وجده في بيته، ثم ذهب به إلى خازن بيت المال، وقال له: أنظر هذا وضرباه، فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله في هرمه (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) وهذا من المساكين من أهل الكتاب، فله حق في الصدقة، ورد عنه الجزية وعن أمثاله، وأجعل له رزقاً في بيت المال.
* * *
من هذا كله يظهر مبلغ التجني على الإسلام والحقيقة والتاريخ فيما يفتريه بعض مؤرخي الفرنجة وبعض المستشرقين على الإسلام، إذ يلصقون به صفة التعصب، ويزعمون أنه قد انتشر بالسيف، فقد رأينا أن الإسلام برئ كل البراءة من جميع سمات التعصب ومظاهره، بل رأينا أنه يذهب في التسامح مع الأديان الأخرى وأهلها إلى أقصى ما يمكن تصوره في هذا السبيل، ورأينا أنه ينهى نهياً باتاً عن
الإكراه في الدين، ولا يعتد إلا بالعقيدة المنبعثة عن يقين وإقناع، ولا يقص علينا التاريخ حالة ما قد انتشر فيها الإسلام بقوة السيف، أو عن طريق الضغط والإكراه، وإنما يرجع الفضل في انتشار الإسلام في البلاد التي فتحها العرب وفي غيرها إلى ما يمتاز به هذا الدين القيم في عقائده وشعائره من يسر وسمو، واتساق مع المنطق السليم، ومجانبة لمظاهر العنت والحرج، وصلاحية لمختلف البيئات والعصور، وشمول لجميع شئون الحياة، وديموقراطية في الحكم، وحرص على احترام حقوق الإنسان، وتقرير لمبادئ الحرية والإخاء والمساواة على أكمل وجه، فكان يكفي أن تمتزج الجالية الإسلامية بأهل بلد غير إسلامي، وتدعو إلى دينها بالحكمة والموعظة الحسنة، ويقف أهل هذا البلد على أصول هذا الدين الحنيف، ويشاهدوا ما يضربه أفراد هذه الجالية من مثل علياً في عباداتهم وسلوكهم ومعاملاتهم بعضهم مع بعض، ومعاملاتهم مع غيرهم، مطبقين في ذلك مبادئ الإسلام وتعاليمه، كان يكفي ذلك لكي يدخل أهل هذا البلد في دين الله أفواجاً عن طواعية واقتناع.
| |
|