منتديات امل الزاوية
نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 829894
ادارة المنتدي نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 103798
منتديات امل الزاوية
نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 829894
ادارة المنتدي نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 103798
منتديات امل الزاوية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات امل الزاوية


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6
كاتب الموضوعرسالة
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:22 pm

(قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " 94")

والله سبحانه وتعالى يريد أن يفضح اليهود .. ويبين إن إيمانهم غير صحيح وأنهم عدلوا وبدلوا واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا .. وهو سبحانه يريدنا أن نعرف أن هؤلاء اليهود .. لم يفعلوا ذلك عن جهل ولا هم خدعوا بل هم يعملون أنهم غيروا وبدلوا .. ويعرفون أنهم جاءوا بكلام ونسبوه إلي الله سبحانه وتعالى زورا وبهتانا .. ولذلك يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفضحهم أمام الناس ويبين كذبهم بالدليل القاطع .. فيقول: "قل إن كانت لكم الدار الآخرة": "قل" موجهة إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قل لهم يا محمد .. ولا يقال هذا الكلام إلا إذا كان اليهود قالوا إن لهم: "الدار الآخرة عند الله خالصة".
الشيء الخالص هو الصافي بلا معكر أو شريك. أي الشيء الذي لك بمفردك لا يشاركك فيه أحد ولا ينازعك فيه أحد .. فالله سبحانه وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: إن كانت الآخرة لهم وحدهم عند الله لا يشاركهم فيها أحد .. فكان الواجب عليهم أن يتمنوا الموت ليذهبوا إلي نعيم خالد .. فمادامت لهم الدار الآخرة وماداموا موقنين من دخول الجنة وحدهم .. فما الذي يجعلهم يبقون في الدنيا .. ألا يتمنون الموت كما تمنى المسلمون الشهادة ليدخلوا الجنة .. وليست هذه هي الافتراءات الوحيدة من اليهود على الله سبحانه وتعالى .. واقرأ قوله جل جلاله:

{وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } (من الآية 111 سورة البقرة)

من الذي قال؟ اليهود قالوا عن أنفسهم لن يدخل الجنة إلا من كان هودا والنصارى قالوا عن أنفسهم لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا .. كل منهم قال عن نفسه إن الجنة خاصة به. ولقد شكل قولهم هذا لنا لغزا في العقائد .. من الذي سيدخل الجنة وحده .. اليهود أم النصارى؟ نقول: إن الله سبحانه وتعالى أجاب عن هذا السؤال بقوله جل جلاله:

{وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شيءٍ }
(من الآية 113 سورة البقرة)

وهذا أصدق قول قالته اليهود وقالته النصارى بعضهم لبعض. فاليهود ليسوا على شيء والنصارى ليسوا على شيء .. وكلاهما صادق في مقولته عن الآخر .. في الآية الكريمة التي نحن بصددها .. اليهود قالوا إن الدار الآخرة خالصة لهم .. سنصدقهم ونقول لهم لماذا لا يتعجلون ويتمنون الموت .. فالمفروض أنهم يشتاقون للآخرة مادامت خالصة لهم .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى: "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" .. ولكنها أمانٍ كاذبة عند اليهود وعند النصارى .. واقرأ قوله سبحانه:

{وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير "18"} (سورة المائدة)

إذن هم يتوهمون أنهم مهما فعلوا من ذنوب فإن الله لن يعذبهم يوم القيامة ولكن عدل الله يأبى ذلك .. كيف يعذب بشرا بذنوبهم ثم لا يعذب اليهود بما اقترفوا من ذنوب .. بل يدخلهم الجنة في الآخرة .. وكيف يجعل الله سبحانه وتعالى الجنة في الآخرة لليهود وحدهم .. وهو قد كتب رحمته لأتباع محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين برسالة الإسلام .. وأبلغ اليهود والنصارى بذلك في كتبهم .. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل}

إذا كانت هذه هي الحقيقة الموجودة في كتبهم .. والحق تبارك وتعالى يقول:

{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين "85"} (سورة آل عمران)

فكيف يدعي اليهود أن الدار الآخرة خالصة لهم يوم القيامة؟ ولكن الحق جل جلاله يفضح كذبهم ويؤكد لنا أن ما يقولونه هم أول من يعرف إنه كذب.

************************************************** *************
(ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين " 95")

إنهم لن يتمنوا الموت أبدا بل يخافوه .. والله تبارك وتعالى حين أنزل هذه الآية .. وضع قضية الإيمان كله في يد اليهود .. بحيث يستطيعون إن أرادوا أن يشككوا في هذا الدين .. كيف؟ ألم يكن من الممكن عندما نزلت هذه الآية أن يأتي عدد من اليهود ويقولوا ليتنا نموت .. نحن نتمنى الموت يا محمد. فادع لنا ربك يميتنا .. ألم يكن من الممكن أن يقولوا هذا؟ ولو نفاقا .. ولو رياءً ليهدموا هذا الدين .. ولكن حتى هذه لم يقولوها ولم تخطر على بالهم .. انظر إلي الإعجاز القرآني في قوله سبحانه: "ولن يتمنوه".
لقد حكم الله سبحانه حكما نهائيا في أمر اختياري لعدو يعادي الإسلام .. وقال إن هذا العدو وهم اليهود لن يتمنوا الموت .. وكان من الممكن أن يفطنوا لهذا التحدي .. ويقولوا بل نحن نتمنى الموت ونطلبه من الله .. ولكن حتى هذه لم تخطر على بالهم؛ لأن الله تبارك وتعالى إذا حكم في أمر اختياري فهو يسلب من أعداء الدين تلك الخواطر التي يمكن أن يستخدموها في هدم الدين .. فلا تخطر على بالهم أبدا مثلما تحداهم الله سبحانه من قبل في قوله تعالى:

{سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } (من الآية 142 سورة البقرة)

ولقد نزلت هذه الآية الكريمة قبل أن يقولوا .. بدليل استخدام حرف السين في قوله: "سيقول" .. ووصفهم الله جل جلاله بالسفهاء .. ومع ذلك فقد قالوا .. ولو أن عقولهم تنبهت لسكتوا ولم يقولوا شيئا .. وكان في ذلك تحدٍ للقرآن الكريم .. كانوا سيقولون لقد قال الله سبحانه وتعالى: "سيقول السفهاء من الناس" .. ولكن أحدا لم يقل شيئا فأين هم هؤلاء السفهاء ولماذا لم يقولوا؟ وكان هذا يعتبر تحديا للقرآن الكريم في أمر يملكون فيه حرية الاختيار .. ولكن لأن الله هو القائل والله هو الفاعل .. لم يخطر ذلك على بالهم أبدا، وقالوا بالفعل.

في الآية الكريمة التي نحن بصددها .. تحداهم القرآن أن يتمنوا الموت ولم يتمنوه .. وكان الكلام المنطقي مادامت الدار الآخرة خالصة لهم .. والله تحداهم أن يتمنوا الموت إن كانوا صادقين لتمنوه .. ليذهبوا إلي نعيم أبدي .. ولكن الحق حكم مسبقا أن ذلك لن يحدث منهم .. لماذا؟ لأنهم كاذبون ويعلمون أنهم كاذبون .. لذلك فهم يهربون من الموت ولا يتمنونه. انظروا مثلا إلي العشرة المبشرين بالجنة .. عمار بن ياسر في الحرب في حنين .. كان ينشد وهو يستشهد الآن ألقى الأحبة محمدا وصحبه .. كان سعيدا لأنه أصيب وكان يعرف وهو يستشهد أنه ذاهب إلي الجنة عند محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته .. هكذا تكون الثقة في الجزاء والبشرى بالجنة .. وعبد الله بن رواحة كان يحارب وهو ينشد ويقول:
يا حبـذا الجـنة واقتـرابـها طيـبة وبـارد وشـرابـها
والإمام علي رضي الله عنه يدخل معركة حنين ويرتدي غلالة ليس لها دروع .. لا ترد سهما ولا طعنة رمح .. حتى إن ابنه الحسن يقول له: يا أبي ليست هذه لباس حرب .. فيرد علي كرم الله وجهه: يا بني إن أباك لا يبالي أسقط على الموت أم سقط الموت عليه .. وسيدنا حذيفة بن اليمان ينشد وهو يحتضر .. حبيب جاء على ناقة لا ربح من ندم .. إذن الذين يثقون بآخرتهم يحبون الموت. وفي غزوة بدر سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يا رسول الله أليس بيني وبين الجنة إلا أن أقاتل هؤلاء فيقتلوني .. فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم .. وكان في يد الصحابي تمرات يمضغها .. فيستبطئ أن يبقى بعيدا عن الجنة حتى يأكل التمرات فيلقيها من يده ويدخل المعركة ويستشهد.
هؤلاء هم الذين يثقون بما عند الله في الآخرة .. ولكن اليهود عندما تحداهم القرآن الكريم بقوله لهم: "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" .. سكنوا ولم يجيبوا .. ولو تمنوا الموت لانقطع نفس الواحد منهم وهو يبلع ريقه فماتوا جميعا .. قد يقول قائل وهل التمني باللسان؟ ربما تمنوا بالقلب .. نقول ما هو التمني؟ نقول إن التمني هو أن تقول لشيء محبوب عندك ليته يحدث. فهو قول .. وهب أنه عمل قلبي فلو أنهم تمنوا بقلوبهم لأطلع الله عليها وأماتهم في الحال .. ولكن مادام الحق تبارك وتعالى قال: "ولن يتمنوه أبدا" .. فهم لن يتمنوه سواء كان باللسان أو بالقلب .. لأن الإدعاء منهم بأن لهم الجنة عند الله خالصة أشبهة بقولهم الذي يرويه لنا القرآن في قوله سبحانه:

{وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون "80" } (سورة البقرة)

وقوله تعالى: "بما قدمت أيديهم" .. أي أن أعمالهم السيئة تجعلهم يخافون الموت .. أما صاحب الأعمال الصالحة فهو يسعد بالموت .. ولذلك نسمع أن فلانا حين مات كان وجهه أشبه بالبدر لأن عمله صالح .. فساعة الموت يعرف فيها الإنسان يقينا أنه ميت .. فالإنسان إذا مرض يأمل في الشفاء ويستبعد الموت .. ولكن ساعة الغرغرة يتأكد الإنسان أنه ميت ويستعرض حياته في شريط عاجل .. لأنه في هذه الساعة والروح تغادر الجسد يعرف الإنسان مصيره إما إلي الجنة وإما إلي النار .. وتتسلمه إما ملائكة الرحمة وإما ملائكة العذاب .. فالذي أطاع الله يستبشر بملائكة الرحمة .. والذي عصى وفعل ما يغضب الله يستعرض شريط أعماله .. فيجده شريط سوء وهو مقبل على الله .. وليست هناك فرصة للتوبة أو لتغيير أعماله .. عندما يرى مصيره إلي النار تنقبض أساريره وتقبض روحه على هذه الهيئة .. فيقال فلان مات وهو أسود الوجه منقبض الأسارير.
إذن فالذي أساء في دنياه لا يتمنى الموت أبدا .. أما صاحب العمل الصالح فإنه يستبشر بلقاء الله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:22 pm

نقول إن تمني الموت المنهي عنه هو تمني اليأس وتمني الاحتجاج على المصائب .. يعني يتمنى الموت لأنه لا يستطيع أن يتحمل قدر الله في مصيبة حدثت له .. أو يتمناه احتجاجا على أقدار الله في حياته .. هذا هو تمني الموت المنهي عنه .. أما صاحب العمل الصالح فمستحب له أن يتمنى لقاء الله .. واقرأ قوله تعالى في آخر سورة يوسف:

{رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين "101" } (سورة يوسف)



.. وقوله تعالى: "والله عليم بالظالمين" .. لأن الله عليم بظلمهم ومعصيتهم .. هذا الظلم والمعصية هو الذي يجعلهم يخافون الموت ولا يتمنونه.

************************************************** *****

(ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون " 96")

الحق سبحانه وتعالى بعد أن فضح كذبهم .. في أنهم لا يمكن أن يتمنوا الموت لأنهم ظالمون .. وماداموا ظالمين فالموت أمر مخيف بالنسبة لهم .. وهم أحرص الناس على الحياة .. حتى إن حرصهم يفوق حرص الذين أشركوا .. فالمشرك حريص على الحياة لأنه يعتقد أن الدنيا هي الغاية .. واليهود أشد حرصا على الحياة من المشركين لأنهم يخافون الموت لسوء أعمالهم السابقة .. لذلك كلما طالت حياتهم ظنوا أنهم بعيدون عن عذاب الآخرة .. الحياة لا تجعلهم يواجهون العذاب ولذلك فهم يفرحون بها.
إن اليهود لا يبالون أن يعيشوا في ذلة أو في مسكنة .. أو أي نوع من أنواع الحياة .. المهم أنهم يعيشون في أي حياة .. ولكن لماذا هم حريصون على الحياة أكثر من المشركين؟ لأن المشرك لا آخرة له فالدنيا هي كل همه وكل حياته .. لذلك يتمنى أن تطول حياته بأي ثمن وبأي شكل .. لأنه يعتقد أن بعد ذلك لا شيء .. ولا يعرف أن بعد ذلك العذاب .. واليهود أحرص من المشركين على حياتهم.

وقوله تعالى: "يود أحدهم لو يعمر ألف سنة" .. الود هو الحب .. أي أنهم يحبون أن يعيشوا ألف سنة أو أكثر .. ولكن هب أنه عاش ألف سنة أو حتى أكثر من ذلك .. أيزحزحه هذا عن العذاب؟
لا .. طول العمر لا يغير النهاية. فمادامت النهاية هي الموت يتساوى من عاش سنوات قليلة ومن عاش ألوف السنين ..
قوله تعالى: "يعمر" بفتح العين وتشديد الميم يقال عنها إنها مبنية للمجهول دائما .. ولا ينفع أن يقال يعمر بكسر الميم .. فالعمر ليس بيد أحد ولكنه بيد الله .. فالله هو الذي يعطي العمر وهو الذي ينهيه .. وبما أن العمر ليس ملكا لإنسان فهو مبني للمجهول .. والعمر هو السن الذي يقطعه الإنسان بين ميلاده ووفاته .. ومادة الكلمة مأخوذة من العمار لأن الجسد تعمر الحياة. وعندما تنتهي يصبح الجسد أشلاء وخرابا ..

قوله تعالى: "ألف سنة" .. لماذا ذكرت الألف؟ لأنها هي نهاية ما كان العرب يعرفونه من الحساب.
ولذلك فإن الرجل الذي أسر في الحرب أخت كسرى فقالت كم تأخذ وتتركني؟ قال ألف درهم .. قالوا له بكم فديتها؟ قال بألف .. قالوا لو طلبت أكثر من ألف لكانوا أعطوك .. قال والله لو عرفت شيئا فوق الألف لقلته .. فالألف كانت نهاية العد عند العرب .. ولذلك كانوا يقولون ألف ألف ولم يقولوا مليونا .. وقوله تعالى: "وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر" .. معناها أنه لو عاش ألف سنة أو أكثر فلن يهرب من العذاب. وقوله تعالى: "والله بصير بما يعملون" .. أي يعرف ما يعملونه وسيعذبهم به سواء عاشوا ألف سنة أو أكثر أو أقل.

************************************************** ************

(قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" 97")

الله تبارك وتعالى أراد أن يلفتنا إلي أن اليهود لم يقتلوا الأنبياء ويحرفوا التوراة ويشتروا بآيات الله جاه الدنيا فقط .. ولكنهم عادوا الملائكة أيضا .. بل إنهم أضمروا العداوة لأقرب الملائكة إلي الله الذي نزل بوحي القرآن وهو جبريل عليه السلام .. وأنهم قالوا جبريل عدو لنا.

الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولقد جلس ابن جوريا أحد أحبار اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من الذي ينزل عليك بالوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل .. فقال اليهودي لو كان غيره لآمنا بك .. جبريل عدونا لأنه ينزل دائما بالخسف والعذاب .. ولكن ميكائيل ينزل بالرحمة والغيث والخصب .. وأيضا هو عدوهم لأنهم اعتقدوا أن بيت المقدس سيخربه رجل اسمه بختنصر، فأرسل اليهود إليه من يقتله .. فلقى اليهودي غلاما صغيرا وسأله الغلام ماذا تريد؟ قال إني أريد أن أقتل بختنصر لأنه عندنا في التوراة هو الذي سيخرب بيت المقدس .. فقال الغلام إن يكن مقدرا أن يخرب هذا الرجل بيت المقدس فلن تقدر عليه .. لأن المقدر نافذ سواء رضينا أم لم نرضى .. وإن لم يكن مقدرا فلماذا تقتله؟ أي أن الطفل قال له إذا كان الله قد قضى في الكتاب أن بختنصر سيخرب بيت المقدس .. فلا أحد يستطيع أن يمنع قضاء الله .. ولن تقدر عليه لتقتله وتمنع تخريب بيت المقدس على يديه .. وإن كان هذا غير صحيح فلماذا تقتل نفسا بغير ذنب .. فعاد اليهودي دون أن يقتل بختنصر .. وعندما رجع إلي قومه قالوا له إن جبريل هو الذي تمثل لك في صورة طفل وأقنعك ألا تقتل هذا الرجل.

ويروي أن سيدنا عمر بن الخطاب كان له أرض في أعلى المدينة .. وكان حين يذهب إليها يمر على مدارس اليهود ويجلس إليهم .. وظن اليهود أن مجلس عمر معهم إنما يعبر عن حبه لهم .. فقالوا له إننا نحبك ونحترمك ونطمع فيك .. ففهم عمر مرادهم فقال والله ما جالستكم حبا فيكم .. ولكني أحببت أن أزداد تصورا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلم عنه ما في كتابكم .. فقالوا له ومن يخبر محمدا بأخبارنا وأسرارنا؟ فقال عمر إنه جبريل ينزل عليه من السماء بأخباركم .. قالوا هو عدونا .. فقال عمر كيف منزلته من الله؟ قالوا إنه يجلس على يمين الله وميكائيل يجلس على يسار الله .. فقال عمر مادام الأمر كما قلتم فليس أحدهما عدواً للآخر لأنهما عند الله في منزلة واحدة .. فمن كان عدوا لأحدهما فهو عدو لله .. فلن تشفع لكم عداوتكم لجبريل ومحبتكم لميكائيل لأن منزلتهما عند الله عالية.
إن عداوتهم لجبريل عليه السلام تؤكد ماديتهم .. فهم يقيسون الأمر على البشر .. إن الذي يجلس على يمين السيد ومن يجلس على يساره يتنافسان على المنزلة عنده .. ولكن هذا في دنيا البشر .. ولكن عند الملائكة لا شيء من هذا ..
الله عنده ما يجعله يعطي لمن يريد المنزلة العالية دون أن ينقص من الآخر .. ثم إن الله سبحانه وتعالى اسمه الحق .. وما ينزل به جبريل حق وما ينزل به ميكائيل حق .. والحق لا يخاصم الحق .. وقال لهم عمر أنتم أشد كفرا من الحمير .. ثم ذهب إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكد الرسول يراه حتى قال له وافقك ربك يا عمر .. وتنزل قول الله تبارك وتعالى: "قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" فقال عمر يا رسول الله .. إني بعد ذلك في إيماني لأصلب من الجبل.
إذن فقولهم ميكائيل حبيبنا وجبريل عدونا من الماديات، والله تبارك وتعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم .. إنهم يعادون جبريل لأنه نزل على قلبك بإذن الله .. ومادام نزل من عند الله على قلبك .. فلا شأن لهم بهذا .. وهو مصدق لما بين يديهم من التوراة .. وهو هدى وبشرى للمؤمنين .. فأي عنصر من هذه العناصر تنكرونه على جبريل .. إن عداوتكم لجبريل عداوة لله سبحانه وتعالى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:22 pm

(من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين " 98")

وهكذا أعطى الله سبحانه وتعالى الحكم .. فقال إن العداوة للرسل .. مثل العداوة للملائكة .. مثل العداوة لجبريل وميكائيل .. مثل العداوة لله. ولقد جاء الحق سبحانه وتعالى بالملائكة ككل .. ثم ذكر جبريل وميكائيل بالاسم. إن المسألة ليست مجزأة ولكنها قضية واحدة .. فمن كان عدوا للملائكة وجبريل وميكائيل ورسل الله .. فهو أولا وأخيرا عدو لله .. لأنه لا انقسام بينهم فكلهم دائرون حول الحق .. والحق الواحد لا عدوان فيه .. وإنما العدوان ينشأ من تصادم الأهواء والشهوات. وهذا يحدث في أمور الدنيا.
والآية الكريمة أثبتت وحدة الحق بين الله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل .. ومن يعادي واحد من هؤلاء يعاديهم جميعا وهو عدو الله سبحانه واليهود أعداء الله لأنهم كفروا به .. وأعداء الرسل لأنهم كذبوهم وقتلوا بعضهم. وهكذا فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي وحدة الحق في الدين .. مصدره هو الله جل جلاله .. ورسوله من الملائكة هو جبريل .. ورسله من البشر هم الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله .. وميكائيل ينزل بالخير والخصب لأن الإيمان أصل وجود الحياة .. فمن كان عدوا للملائكة والرسل وجبريل وميكائيل فهو كافر .. لأن الآية لم تقل إن العداوة لهؤلاء هي مجرد عداوة .. وإنما حكم الله عليهم بأنهم كافرون .. الله سبحانه وتعالى لم يخبر محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم فقط، وإنما أمره بأن يعلنه حتى يعرفه الناس جميعا ويعرفوا أن اليهود كافرون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:23 pm

سورة البقرة

(ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون" 99")

انتقل الله سبحانه وتعالى بعد ذلك إلي تأكيد صدق رسالة محمد عليه الصلاة والسلام .. وأن الآيات فيها واضحة بحيث إن كل إنسان يعقل ويريد الإيمان يؤمن بها .. ولكن الذين يريدون الفسق والفجور .. هم هؤلاء الذين لا يؤمنون .. ما معنى الآيات البينات؟ إن الآية هي الأمر العجيب .. وهو عجيب لأنه معجز .. والآيات معجزات للرسول تدل على صدق بلاغه عن الله .. وهي كذلك الآيات في القرآن الكريم .. وبينات معناها أنها أمور واضحة لا يختلف عليها ولا تحتاج إلي بيان: "وما يكفر بها إلا الفاسقون" .. رطبا لا تستطيع أن تنزل قشرته ولكن عندما يصبح رطبة تجد أن القشرة تبتعد عن الثمرة فيقال فسقت الرطبة .. ولذلك من يخرج عن منهج الله يقال له فاسق.
والمعنى أن الآيات التي أيد بها الله سبحانه وتعالى محمداً عليه الصلاة والسلام ظاهرة أمام الكفار ليست محتاجة إلي دليل .. فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يقرأ كلمة في حياته .. يأتي بهذا القرآن المعجز لفظا ومعنى .. هذه معجزة ظاهرة لا تحتاج إلي دليل .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا تغريه الدنيا كلها .. ليترك هذا الدين مهما أعطوه .. دليل على أنه صاحب مبدأ ورسالة من السماء .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يخبر بقرآن موحى من السماء عن نتيجة حرب ستقع بعد تسع سنوات .. ويخبر الكفار والمنافقين بما في قلوبهم ويفضحهم .. ويتنبأ بأحداث قادمة وبقوانين الكون .. وغير ذلك مما احتواه القرآن المعجز من كل أنواع الإعجاز علميا وفلكيا وكونيا .. كل هذه آيات بينات يتحدى القرآن بها الكفار .. كلها آيات واضحة لا يمكن أن يكفر بها إلا الذي يريد أن يخرج عن منهج الله، ويفعل ما تهواه نفسه .. إن الإعجاز في الكون وفي القرآن وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كل هذا لا يحتاج إلا لمجرد فكر محايد .. لنعرف أن هذا القرآن هو من عند الله ملئ بالمعجزات لغة وعلما .. وإنه سيظل معجزة لكل جيل له عطاء جديد.

************************************************** ************

(أو كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون " 100")

بعد أن بين الحق سبحانه وتعالى أن الدين الإسلامي، وكتابه القرآن فيه من الآيات الواضحة ما يجعل الإيمان به لا يحتاج إلا إلي وقفة مع العقل مما يجعل موقف العداء الذي يقفه اليهود من الإسلام منافيا لكل العهود التي أخذت عليهم، منافيا للإيمان الفطري، ومنافيا لأنهم عاهدوا الله ألا يكتموا ما جاء في التوراة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنافيا لعهدهم أن يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنافيا لما طلب منهم موسى أن يؤمنوا بالإسلام عندما يأتي الرسول، مصداقا لقوله تعالى:

{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين "81" } (سورة آل عمران)

وهكذا نعرف أن موسى عليه السلام الذي أخذ عليه الميثاق قد أبلغه إلي بني إسرائيل، وأن بني إسرائيل كانوا يعرفون هذا الميثاق جيداً عند بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت عندهم أوصاف دقيقة للرسول عليه الصلاة والسلام .. ولكنهم نقضوه كما نقضوا كثيرا من المواثيق .. منها عهدهم بعدم العمل في السبت، وكيف تحايلوا على أمر الله بأن صنعوا مصايد للأسماك تدخل فيها ولا تستطيع الخروج وهذا تحايل على أمر الله، ثم كان ميثاقهم في الإيمان بالله إلها واحداً أحدا، ثم عبدوا العجل .. وكان قولهم لموسى عليه السلام بعد أن أمرهم الله بدخول واد فيه زرع .. لأنهم أرادوا أن يأكلوا من نبات الأرض بدلا من المن والسلوى التي كانت تأتيهم من السماء .. قالوا لموسى: "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون" .. وغير ذلك الكثير من المواثيق بالنسبة للحرب والأسرى والعبادة، حتى عندما رفع الله تبارك وتعالى جبل الطور فوقهم ودخل في قلوبهم الرعب وظنوا أنه واقع عليهم، ولم يكن هذا إلا ظنا وليس حقيقة .. لأن الله تبارك وتعالى يقول: "وظنوا أنه واقع بهم" .. وبمجرد ابتعادهم عن جبل الطور نقضوا الميثاق.

ثم نقضوا عهدهم وميثاقهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلي المدينة وذلك في غزوة الخندق .. وعندما أرادوا أن يفتحوا طريقا للكفار ليضربوا جيوش المؤمنين من الخلف.
قوله تعالى "نبذه فريق منهم" قلنا إن هذا يسمى قانون صيانة الاحتمال .. لأن منهم من صان المواثيق .. ومنهم من صدق ما عهد الله عليه .. ومنهم مثلا من كان يريد أن يعتنق الدين الجديد ويؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام. إذن فليسوا كلهم حتى لا يقال هذا على مطلق اليهود .. لأن فيهم أناسا لم ينقضوا العهد .. ويريد الله تبارك وتعالى أن يفتح الباب أمام أولئك الذين يريدون الإيمان، حتى لا يقولوا لقد حكم الله علينا حكما مطلقا ونحن نريد أن نؤمن ونحافظ على العهد، ولكن هؤلاء الذين حافظوا على العهد كانوا قلة .. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: "بل أكثرهم لا يؤمنون" .. أي أن الفريق الناقض للعهد الناقض للإيمان هم الأكثرية من بني إسرائيل.

************************************************** **************

( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون" 101")

بعد أن تحدث الله سبحانه وتعالى عن اليهود الذين نقضوا المواثيق الخاصة بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ونقضوها وهم يعلمون .. قال الله سبحانه: "ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم" .. أي أن ما جاء في القرآن مصدق لما جاء في التوراة .. لأن القرآن من عند الله والتوراة من عند الله .. ولكن التوراة حرفوها وكتموا بعضها وغيروا وبدلوا فيها فأخفوا ما يريدون إخفاءه .. لذلك جاء القرآن الكريم ليظهر ما أخفوه ويؤكد ما لم يخفوه ولم يتلاعبوا فيه.
وقوله تعالى: "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم" .. قلنا إن هناك كتابا نبذوه أولا وهو التوراة .. ولما جاءهم الكتاب الخاتم وهو القرآن الكريم نبذوه هو الآخر وراء ظهورهم .. ما معنى نبذه؟ .. المعنى طرحه بعيدا عنه .. إذن ما في كتابهم من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم نبذوه بعيدا . ومن التبشير بمجيء رسول الله عليه الصلاة والسلام نبذوه هو الآخر .. لأنهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا ويقولون أتى زمن نبي سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم.
وقوله تعالى: "نبذ فريق" .. يعني نبذ جماعة وبقيت جماعة أخرى لم تنبذ الكتاب .. بدليل أن ابن سلام وهو أحد أحبار اليهود صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به .. وكعب الأحبار أسلم .. فلو أن القرآن عمم ولم يقل فريق لقيل إنه غير منصف لهؤلاء الذين آمنوا.
وقوله تعالى: "وراء ظهورهم" .. النبذ قد يكون أمامك .. وكونه أمامك فأنت تراه دائما، وربما يغريك بالإقبال عليه، ولكنهم نبذوه وراء ظهورهم أي جعلوه وراءهم حتى ينسوه تماما ولا يلتفتوا إليه.
وقوله تعالى: "وكأنهم لا يعلمون" .. أي يتظاهرون بأنهم لا يعلمون ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصافه .. وقوله تعالى: "كأنهم" .. دليل على أنهم يعلمون ذلك علم يقين .. لأنهم لو كانوا لا يعلمون .. لقال الحق سبحانه: "نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم" وهم لا يعلمون .. إذن هم يعلمون يقينا ولكنهم تظاهروا بعدم العلم .. ولابد أن نتنبه إلي أن نبذ يمكن أن يأتي مقابلها فنقول نبذ كذا واتبع كذا .. وهم نبذوا كتاب الله ولكن ماذا اتبعوا؟

************************************************** **********
( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" 102")

يخبرنا الحق تبارك وتعالى أن فريقا من اليهود نبذوا كتاب الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين .. لأن النبذ يقابله الاتباع .. واتبعوا يعني اقتدوا وجعلوا طريقهم في الاهتداء هو ما تتوله الشياطين على ملك سليمان .. وكان السياق يقتضي أن يقال ما تلته الشياطين على ملك سليمان .. ولكن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نفهم أن هذا الاتباع مستمر حتى الآن كأنهم لم يحددوا المسألة بزمن معين.
إنه حتى هذه اللحظة هناك من اليهود من يتبع ما تلته الشياطين على ملك سليمان، ونظرا لأن المعاصرين من اليهود قد رضوا وأخذوا من فعل أسلافهم الذين اتبعوا الشياطين فكأنهم فعلوا.
الحق سبحانه يقول: "واتبعوا ما تتلو الشياطين" ولكن الشياطين تلت وانتهت .. واستحضار اليهود لما كانت تتلوه الشياطين حتى الآن دليل على أنهم يؤمنون به ويصدقونه .. الشياطين هم العصاة من الجن .. والجن فيهم العاصون والطائعون والمؤمنون .. واقرأ قوله تعالى:

{وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قدداً "11" } (سورة الجن)

وقوله سبحانه عن الجن: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون } (من الآية 14 سورة الجن)

إذن الجن فيهم المؤمن والكافر .. المؤمنون من الجن فيهم الطائع والعاصي .. والشياطين هم مردة الجن المتمردون على منهج الله .. وكل متمرد على منهج الله نسميه شيطانا .. سواء كان من الجن أو من الإنس .. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا }
(من الآية 112 سورة الأنعام)

إذن فالشياطين هم المتمردون على منهج الله ..
قوله تعالى: "واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان" .. يعني ما كانت تتلو الشياطين أيام ملك سليمان .. ولكن ما هي قصة ملك سليمان والشياطين؟ .. الشياطين كانوا قبل مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الله قد مكنهم من قدرة الاستماع إلي أوامر السماء وهي نازلة إلي الأرض .. وكانوا يستمعون للأوامر تلقى من الملائكة وينقلونها إلي أئمة الكفر ويزيدون عليها بعض الأكاذيب والخرافات .. فبعضها يكون على حق والأكثر على باطل .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى:

{وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم } (من الآية 121 سورة الأنعام)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:23 pm

أي أن الشياطين كانت لها مقاعد في السماء تقعد فيها لتستمع إلي ما ينزل من السماء إلي الأرض ليتم تنفيذه .. ولكن عند نزول القرآن أرسل الله سبحانه وتعالى الشهب ـ وهي النجوم المحترقة ـ فعندما تحاول الشياطين الاستماع إلي ما ينزل من السماء ينزل عليهم شهاب يحرقهم .. ولذلك فإن عامة الناس حين يرون شهابا يحترق في السماء بسرعة يقولون: سهم الله في عدو الدين .. الذي هو الشيطان.
واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا "8" } ( سورة الجن)

{وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا "10"} (سورة الجن)

أي أن الأمر اختلط على الشياطين لأنهم لم يعودوا يستطيعون استراق السمع .. ولذلك لم يعرفوا هل الذي ينزل من السماء خير أم شر؟ .. انظر إلي دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: "وأنا لمسنا السماء" .. كأنهم صعدوا حتى بلغوا السماء لدرجة أنها أصبحت قريبة لهم حتى كادوا يلمسونها .. فالله تبارك وتعالى في هذه الحالة ـ وهي اتباع اليهود لما تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر والتعاويذ والأشياء التي تضر ولا تفيد ـ أراد أن يبرئ سليمان من هذا كله .. فقال جل جلاله: "وما كفر سليمان" .. وكان المنطق يقتضي أن يخص الله سبحانه وتعالى حكاية الشياطين قبل أن يبرئ سليمان من الكفر الذي أرادوا أن ينشروه .. ولكن الله أراد أن ينفي تهمة الكفر عن سليمان ويثبتها لكل من اتبع الشياطين فقال جل جلاله: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا".
إذن الشياطين هم الذين نشروا الكفر .. وكيف كفر الشياطين وبماذا أغروا أتباعهم بالكفر؟ .. يقول الله سبحانه وتعالى: "ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق".

ما قصة كل هذا؟ .. اليهود نبذوا عهد الله واتبعوا ما تتلوا الشياطين أيام سليمان، وأرادوا أن ينسبوا كل شيء في عهد سليمان على أنه سحر وعمل شياطين، وهكذا أراد اليهود أن يوهموا الناس أن منهج سليمان هو من السحر ومن الشياطين. والحق سبحانه وتعالى أراد أن يبرئ سليمان من هذه الكذبة .. سليمان عليه السلام حين جاءته النبوة طلب من الله سبحانه وتعالى أن يعطيه ملكا لا يعطيه لأحد من بعده .. واقرأ قوله تعالى:

{قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب "35" فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب "36" والشياطين كل بناء وغواص "37" وآخرين مقرنين في الأصفاد "38" } (سورة ص)

وهكذا أعطى سليمان الملك على الإنس والجن ومخلوقات الله كالريح والطير وغير ذلك .. حين أخذ سليمان الملك كان الشياطين يملأون الأرض كفراً بالسحر وكتبه. فأخذ سليمان كل كتب السحر وقيل أنه دفنها تحت عرشه .. وحين مات سليمان وعثرت الشياطين على مخبأ كتب السحر أخرجتها وأذاعتها بين الناس .. وقال أولياؤهم من أحبار اليهود إن هذه الكتب من السحر هي التي كان سليمان يسيطر بها على الإنس والجن، وإنها كانت منهجه، وأشاعوها بين الناس .. فأراد الله سبحانه وتعالى أن يبرئ سليمان من هذه التهمة ومن أنه حكم بالسحر ونشر الكفر .. قال جل جلاله: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر".
ما هو السحر؟ الكلمة مشتقة من سحر وهو آخر ساعات الليل وأول طلوع النهار .. حيث يختلط الظلام بالضوء ويصبح كل شيء غير واضح .. هكذا السحر شيء يخيل إليك أنه واقع وهو ليس بواقع .. إنه قائم على شيئين .. سحر العين لترى ما ليس واقعا على أنه حقيقة .. ولكنه لا يغير طبيعة الأشياء .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى في سحرة فرعون:

{سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيمٍ } (من الآية 116 سورة الأعراف)

إذن فالساحر يسيطر على عين المسحور ليرى ما ليس واقعا وما ليس حقيقة .. وتصبح عين المسحور خاضعة لإرادة الساحر .. ولذلك فالسحر تخيل وليس حقيقة .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

{قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى "66" } (سورة طه)

إذن مادام الله سبحانه وتعالى قال: "يخيل إليه" .. فهي لا تسعى .. إذن فالسحر تخيل .. وما الدليل على أن السحر تخيل؟ .. الدليل هو المواجهة التي حدثت بين موسى وسحرة فرعون .. ذلك أن الساحر يسحر أعين الناس ولكن عينيه لا يسحرهما أحد .. حينما جاء السحرة وموسى .. اقرأ قوله سبحانه:

{قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى "65" قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى "66"} (سورة طه)

عندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم خيل للموجودين إنها حيات تسعى .. ولكن هل خيل للسحرة إنها حيات؟ طبعا لا .. لأن أحدا لم يسحر أعين السحرة .. ولذلك ظل ما ألقوه في أعينهم حبالا وعصيا .. حين ألقى موسى عصاه واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى "69" فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى "70"} (سورة طه)

هنا تظهر حقيقة السحر .. لماذا سجد السحرة؟ لأن حبالهم وعصيهم ظلت كما هي حبالا وعصيا .. ذلك أن أحدا لم يسحر أعينهم .. ولكن عندما ألقى موسى عصاه تحولت إلي حية حقيقية .. فعرفوا أن هذا ليس سحرا ولكنها معجزة من الله سبحانه وتعالى .. لماذا؟ لأن السحر لا يغير طبيعة الأشياء، وهم تأكدوا أن عصا موسى قد تحولت إلي حية .. ولكن حبالهم وعصيهم ظلت كما هي وإن كان قد خيل إلي الناس أنها تحولت إلي حية. إذن فالسحر تخيل والساحر يرى الشيء على حقيقته لذلك فإنه لا يخاف .. بينما المسحورون الذين هم الناس يتخيلون أن الشيء قد تغيرت طبيعته .. ولذلك سجد السحرة لأنهم عرفوا أن معجزة موسى ليست سحرا .. ولكنها شيء فوق طاقة البشر.

السحر إذن تخيل والشياطين لهم قدرة التشكل بأي صورة من الصور، ونحن لا نستطيع أن ندرك الشيطان على صورته الحقيقية، ولكنه إذا تشكل نستطيع أن نراه في صورة مادية .. فإذا تشكل في صورة إنسان رأيناه إنسانا، وإذا تشكل في صورة حيوان رأيناه حيوانا، وفي هذه الحالة تحكمه الصورة .. فإذا تشكل كإنسان وأطلقت عليه الرصاص مات، وإذا تشكل في صورة حيوان ودهمته بسيارتك مات، ذلك لأنه الصورة تحكمه بقانونها .. وهذا هو السر في إنه لا يبقى في تشكله إلا لمحة ثم يختفي في ثوان .. فماذا؟ لأنه يخشى ممن يراه في هذه الصورة أن يقتله خصوصا أن قانون التشكل يحكمه .. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تشكل له الشيطان في صورة إنسان قال: {ولقد هممت أن أربطه في سارية المسجد ليتفرج عليه صبيان المدينة ولكني تذكرت قول أخي سليمان: "رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي". فتركته)
ومن رحمة الله بنا أنه إذا تشكل الشيطان فإن الصورة تحكمه .. وإلا لكانوا فزعونا وجعلونا حياتنا جحيما .. فالله سبحانه وتعالى جعل الكون يقوم على التوازن حتى لا يطغى أحد على أحد .. بمعنى أننا لو كنا في قرية وكلنا لا نملك سلاحا وجد التوازن .. فإذا ملك أحدنا سلاحا وادعى أنه يفعل ذلك ليدافع عن أهل القرية، ثم بعد ذلك استغل السلاح ليسيطر على أهل القرية ويفرض عليهم إتاوات وغير ذلك، يكون التوازن قد اختل وهذا مالا يقبله الله.

السحر يؤدي لاختلال التوازن في الكون .. لأن الساحر يستعين بقوة أعلى في عنصرها من الإنسان وهو الشيطان وهو مخلوق من نار خفيف الحركة قادر على التشكل وغير ذلك .. الإنسان عندما يطلب ويتعلم كيف يسخر الجن .. يدعي أنه يفعل ذلك لينشر الخير في الكون، ولكنها ليست حقيقة .. لأن هذا يغريه على الطغيان .. والذي يخل بأمن العالم هو عدم التكافؤ بين الناس .. إنسان يستطيع أن يطغى فإذا لم يقف أمامه المجتمع كله اختل التوازن في المجتمع. والله سبحانه وتعالى يريد تكافؤ الفرص ليحفظ أمن وسلامة الكون .. ولذلك يقول لنا لا تطغو وتستعينوا بالشياطين في الطغيان حتى لا تفسدوا أمن الكون. ولكن الله جل جلاله شاءت حكمته أن يضع في الكون ما يجعل كل مخلوق لا يغتر بذاتيته .. ولا يحسب أنه هو الذي حقق لنفسه العلو في الأرض .. ولقد كانت معصية إبليس في أنه رفض أن يسجد لآدم. إنه قال:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:24 pm

{قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } (من الآية 12 سورة الأعراف)

إذن فقد أخذ عنصر الخلق ليدخل الكبر إلي نفسه فيعصي، ولذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يعلم البشر من القوانين، ما يجعل هذا الأعلى في العنصر ـ وهو الشيطان ـ يخضع للأدنى وهو الإنسان، حتى يعرف كل خلق الله أنه إن ميزهم الله في عنصر من العناصر، فإن هذا ليس بإرادتهم ولا ميزة لهم .. ولكنه بمشيئة الله سبحانه وتعالى .. فأرسل الملكين ببابل هاروت وماروت ليعلما الناس السحر الذي يخضع الأعلى عنصراً للأدنى. واقرأ قوله سبحانه: "وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر" .. فالله تبارك وتعالى أرسل الملكين هاروت وماروت ليعلما الناس السحر .. ولقد رويت عن هذه الملكين قصص كثيرة .. ولكن مادام الله سبحانه وتعالى قد أرسل ملكين ليعلما الناس السحر .. فمعنى ذلك أن السحر علم يستعين فيه الإنسان بالشياطين .. وقيل إن الملائكة قالوا عن خلق آدم كما يروي لنا القرآن الكريم:

{قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك }
(من الآية 30 سورة البقرة)

حينئذ طلب الحق جل جلاله من الملائكة .. أن يختاروا ملكين ليهبطا إلي الأرض لينظروا ماذا يفعلان؟ فاختاروا هاروت وماروت .. وعندما نزلا إلي الأرض فتنتهما امرأة فارتكبا الكبائر. هذه القصة برغم وجودها في بعض كتب التفسير ليست صحيحة .. لأن الملائكة بحكم خلقهم لا يعصون الله .. ولأنه من تمام الإيمان أن يؤدي المخلوق كل ما كلف به من الله جل جلاله .. وهذان الملكان كلفا بأن يعلما الناس السحر .. وأن يحذر بأن السحر فتنة تؤدي إلي الكفر وقد فعلا ذلك والفتنة هي الامتحان .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" .. إذن فهذان الملكان حذرا الناس من أن ما يعلمانه من السحر فتنة تؤدي إلي الكفر .. وإنها لا تنفع إلا في الشر وفي التفريق بين الزوج وزوجه .. وإن ضررها لا يقع إلا بإذن الله .. فليس هناك أي قوى في هذا الكون خارجة عن مشيئة الله سبحانه وتعالى ..

ثم يأتي قول الحق تبارك وتعالى: "ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" .. أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا أن تعلم السحر يضر ولا ينفع .. فهو لا يجلب نفعا أبدا حتى لمن يشتغل به .. فتجد من يشتغل بالسحر يعتمد في رزقه على غيره من البشر فهم افضل منه .. وهو يظل طوال اليوم يبحث عن إنسان يغريه بأنه يستطيع أن يفعل له أشياء ليأخذ منه مالا، وتجد شكله غير طبيعي وحياته غير مستقرة وأولاده منحرفين. وكل من يعمل بالسحر يموت فقيرا لا يملك شيئا وتصيبه الأمراض المستعصية، ويصبح عبرة في آخر حياته.
إذن فالسحر لا يأتي إلا بالضرر ثم بالفقر ثم بلعنة الله في آخر حياة الساحر .. والذي يشتغل بالسحر يموت كافرا ولا يكون له في الآخرة إلا النار .. ولذلك قد اشتروا أنفسهم بأسوأ الأشياء لو كانوا يعلمون ذلك .. لأنهم لم يأخذوا شيئا إلا الضر .. ولم يفعلوا شيئا إلا التفريق بين الناس .. وهم لا يستطيعون أن يضروا أحدا إلا بإذن الله. والله سبحانه وتعالى كانت حكمته قد اقتضت أن يكون السحر من فتن الدنيا وابتلاءاتها .. فإنه سبحانه قد حكم على كل من يعمل بالسحر بأنه كافر .. ولذلك لا يجب أن يتعلم الإنسان السحر أو يقرأ عنه .. لأنه وقت تعلمه قد يقول سأفعل الخير ثم يستخدمه في الشر .. كما أن الشياطين التي يستعين بها الساحر غالبا ما تنقلب عليه لتذيقه وبال أمره وتكون شرا عليه وعلى أولاده .. واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً "6"} (سورة الجن)

أي أن الذي يستعين بالجن ينقلب عليه ويذيقه ألوانا من العذاب ..

**********************************************

( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون " 103")

يفتح الله جل جلاله أمام عباده أبواب التوبة والرحمة .. لقد بين لهم أن السحر كفر، وان من يقوم به يبعث كافرا يوم القيامة ويخلد في النار .. وقال لهم سبحانه وتعالى لو أنهم امتنعوا عن تعلم السحر ليمتازوا به على من سواهم امتيازا في الضرر والإيذاء .. لكان ذلك خيرا لهم عند الله تبارك وتعالى .. لأن الملكين اللذين نزلا لتعليم السحر قال الله سبحانه عنهما: "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر".
إذن فممارسة السحر كفر. فلو أنهم آمنوا بهذه القضية وبأنهم يدخلون في الكفر واتقوا الله لكان ذلك ثوابا لهم عند الله وخيراً في الدنيا والآخرة .. ولكن ما هي المثوبة؟ هي الثواب على العمل الصالح .. يقابلها العقوبة وهي العقاب على العمل السيئ .. وهي مشتقة من ثاب أي رجع .. ولذلك يسمى المبلغ عن الإمام في الصلاة المثوب .. لأن الإمام يقول الله اكبر فيرددها المبلغ عن الإمام بصوت عال حتى يسمعها المصلون الذين لا يصلهم صوت الإمام .. وهذا اسمه التثويب .. أي إعادة ما يقوله الإمام لتزداد فرصة الذين لم يسمعوا ما قاله الإمام .. وكما قلنا فهي مأخوذة من ثاب أي رجع .. لأن الإنسان عندما يعمل صالحا يرجع عليه عمله الصالح بالخير .. فلا تعتقد أن العمل الصالح يخرج منك ولا يعود .. ولكنه لابد أن يعود عليك بالخير.
ولذلك سميت مثوبة لأن الخير يعود إليك لتنتفع به نفعا عاليا .. وكذلك الثواب عن العمل الصالح يرتد إليك بالنفع العالي. إذن فكلمة ثوب جاء منها الثواب، والله سبحانه وتعالى علمنا أن الثواب لستر العورة .. والعمل الصالح يستر الأمراض المعنوية والنفسية في الإنسان .. وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:

{قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير} (من الآية 26 سورة الأعراف)

فكأن هناك لباسين أحدهما لستر العورة .. والثاني لستر الإنسان من العذاب ..
ولباس التقوى خير من لباس ستر العورة ..
قوله تعالى: "لمثوبة من عند الله خير" .. انظر إلي المثوبة التي تأتي من عند الله .. إذا كان الثواب يأتيك من عند من صنعه جميلا مزركشا وله ألوان مبهجة .. إذا كان هذا ما صنعه لك بشر فما بالك بالثواب الذي يأتيك من عند الله. إنه قمة الجمال. فالله هو القادر على أن يرد الثواب بقدراته سبحانه فيكون الرد عاليا وعاليا جدا، بحيث يضاعف الثواب مرات ومرات. على أننا لابد أن نتنبه إلي قول الله تعالى: "ولو أنهم آمنوا واتقوا قلنا معنى اتقوا أنهم جعلوا بينهم وبين صفات الجلال في الله وقاية .. ولذلك قلنا إن بعض الناس يتساءل .. كيف يقول الله تبارك وتعالى: "اتقوا الله" .. ويقول جل جلاله: "اتقوا النار" .. نقول إن معنى اتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين صفات الجلال في الله وقاية: "واتقوا النار" .. أي اجعلوا بينكم وبين عذاب النار وقاية .. لأن النار من متعلقات صفات الجلال .. لذلك فإن قوله: "اتقوا الله" .. تساوي: "اتقوا النار" .. والحق تبارك وتعالى حينما قال: "اتقوا" أطلقها عامة .. والحذف هنا المراد به التعميم .. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أن السحرة لو آمنوا بأن تعلم السحر فتنة تؤدي إلي الكفر .. واتقوا الله وخافوا عذابه في الآخرة لكان ذلك خيراً لهم .. لذلك قال جل جلاله: "لمثوبة من عند الله خير".
وساعة تسمع كلمة خير تأتي إلي الذهن كلمة شر .. لأن الخير يقابله الشر .. ولكن في بعض الأحيان كلمة خير لا يقابلها شر. ولكن يقابلها خير أقل. وكلمة خير هي الوحيدة في اللغة العربية التي يساوي الاسم فيها افعل التفضيل .. فأنت تقول هذا فاضل وهذا مفضول عليه .. كلمة خير اسم تفضيل فيقال ذلك خير من كذا .. أي واحد منهما يعطي أكثر من الآخر .. وكلمة خير إذا لم يأتي مقابلها أي خير من كذا يكون مقابلها شر .. فإذا قلت فلان خير من فلان .. فكلاهما اشترك في الخير ولكن بدرجة مختلفة .. والخير هو ما يأتي لك بالنفع .. ولكن مقياس النفع يختلف باختلاف الناس .. واحد ينظر إلي النفع العاجل وآخر ينظر إلي النفع الآجل .. وفي ظاهر الأمر كل منهما أراد خيرا.

وإذا أردنا أن نقرب ذلك إلي الأذهان فلنقل إن هناك أخوين أحدهما يستيقظ مبكراً ليذهب إلي مدرسته والثاني ينام حتى الضحى، ويخرج من البيت ليجلس على المقهى .. الأول يحب الخير لنفسه والثاني يحب الخير لنفسه والخلاف في تقييم الخير .. الكسول يحب الخير العاجل فيعطي نفسه حظها من النوم والترفيه وعدم العمل .. والمجتهد يحب الخير الآجل لنفسه لذلك يتعب ويشقى سنوات الدراسة حتى يرتاح بعد ذلك ويحقق مستقبلا مرموقا. الفلاح الذي يزرع ويذهب إلي حقله في الصباح الباكر ويروي ويبذر الحب ويشقى، يأتيه في آخر العام محصول وافر وخير كثير .. والفلاح الذي يجلس على المقهى طول النهار أعطى نفسه خير الراحة، ولكن ساعة الحصاد يحصد الندم.

إذن كل الناس يحبون الخير ولكن نظرتهم ومقاييسهم تختلف .. فمنهم من يريد متعة اليوم، ومنهم من يعمل لأجل متعة الغد .. والله تبارك وتعالى حين يأمرنا بالخير .. قد يكون الخير متعبا للجسد والنفس .. ولكن النهاية متاع أبدي في جنة الخلد. إذن فالخير الحقيقي هو ما جاء به الشرع .. لماذا؟ لأن الخير هو ما ليس بعده بعد .. فأنت تولد ثم تكبر ثم تتخرج في الجامعة .. ثم تصبح في أعلى المناصب ثم تموت ثم تبعث ثم تدخل الجنة .. وبعدها لا شيء إلا الخلود في النعيم.
قوله تعالى: "لو كانوا يعلمون" .. الله ينفي عنهم العلم بينما في الآية السابقة أثبت لهم العلم في قوله تعالى: "ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق" .. نقول إن العلم الذي لا يخضع حركة الإنسان له فكأنه لم يعلم شيئا .. لأن هذا العلم سيكون حجة على صاحبه يوم القيامة وليته لم يعلمه .. واقرأ قول الشاعر:

رزقوا وما رزقوا سماح يد فكأنهم رزقوا وما رزقوا خلقوا وما خلقوا لمكرمة فكأنهم خلقوا وما خلقوا
فكأن العلم لم يثبت لك لأنك لم تنفع به .. والله سبحانه وتعالى يقول:

{ولكن أكثر الناس لا يعلمون } (من الآية 6 سورة الروم)

(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ..) وهكذا نفى الله عن الناس العلم الحقيقي .. وأثبت لهم العلم الدنيوي الظاهر .. وقوله جل جلاله:

{مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين "5" } (سورة الجمعة)

أي أنهم حملوا التوراة علما ولكنهم لم يحملوها منهجا وعملا .. وهؤلاء السحرة علموا أن من يمارس السحر يكفر .. ومع ذلك لم يعملوا بما عملوا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:24 pm

سورة البقرة

(يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم " 104")

هذا نداء للمؤمنين .. لأن الآية الكريمة تبدأ: "يا أيها الذين آمنوا" .. نعرف أن الإيمان هنا هو سبب التكليف .. فالله لا يكلف كافرا أو غير مؤمن .. ولا يأمر بتكليف إلا لمن آمنوا .. فمادام العبد قد آمن فقد أصبحت مسئولية حركته في الحياة عند ربه .. ولذلك يوحي إليه بمنهج الحياة .. أما الكافر فلا يكلفه الله بشيء.
إذن قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا" .. أمر لمن آمن بالله ورضى به إلها ومشرعا ..
قوله: "يا أيها الذين آمنوا" .. نداء للمؤمنين وقوله: "لا تقولوا راعنا" .. نهي .. وكأن راعنا كانت مقولة عندهم يريد الله أن ينهاهم عنها .. والإيمان يلزمهم أن يستمعوا إلي نهي الله.
ما معنى راعنا؟ نحن نقول في لغتنا الدارجة (راعينا) .. يعني احفظنا وراقبنا وخذ بيدنا وكلها مأخوذة من مادة الرعاية والراعي.



وأصل المادة مأخوذة من راعي الغنم .. لأن راعي الغنم لابد أن يتجه بها إلي الأماكن التي فيها العشب والماء .. أي إلي أماكن الرعي .. وأن يكون حارسا عليها حتى لا تشرد واحد أو تضل فتفتك بها ذئاب الصحاري .. وأن يوفر لها الراحة حتى لا تتعب وتنفق في الطريق ..



ولكن لماذا استبدل الحق سبحانه وتعالى كلمة راعنا بكلمة انظرنا؟ إن عند اليهود في العبرانية والسريانية كلمة راعنا ومعناها الرعونة .. ولذلك كانوا إذا سمعوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة راعنا .. اتخذوها وسيلة للسباب بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. والمسلمون لا يدرون شيئا .. لذلك أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتركوا هذه الكلمة .. حتى لا يجد اليهود وسيلة لستر سبابهم، وأمرهم بأن يقولوا: انظرنا. ثم قال قال الحق سبحانه وتعالى: "واسمعوا" .. والله هنا يشير إلي الفرق بين اليهود والمؤمنين .. فاليهود قالوا سمعنا وعصينا، ولكن الله يقول للمؤمنين اسمعوا سماع طاعة وسماع تنفيذ.

سعد بن معاذ سمع واحدا من اليهود يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ راعنا ـ وسعد كان من أحبار اليهود ويعرف لغتهم ـ فلما سمع ما قاله فهم مراده. فذهب إلي اليهودي وقال له لو سمعتها منك مرة أخرى لضربت عنقك .. وقال اليهودي أو لستم تقولونها لنبيكم؟ أهي حرام علينا وحلال لكم؟ فنزلت الآية الكريمة تقول: "لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا" .. ولو تأملنا كلمة (راعنا) وكلمة (انظرنا) لوجدنا المعنى واحدا .. ولكن (انظرنا) تؤدي المعنى وليس لها نظير في لغة اليهود التي تعني الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقوله تعالى: "وللكافرين عذاب أليم" .. أي من يقولون راعنا إساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم عذاب أليم.

************************************************** *********

( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم " 105")

ثم كشف الحق سبحانه وتعالى للمؤمنين العداوة التي يكنها لهم أهل الكتاب من اليهود والمشركين .. الذين كفروا لأنهم رفضوا الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام .. فيلفتهم إلي أن اليهود والمشتركين يكرهون الخير للمؤمنين .. فتشككوا في كل أمر يأتي منهم، واعلموا أنهم لا يريدون لكم خيرا ..
قوله تعالى: "ما يود" .. أي ما يحب، والود معناه ميل القلب إلي من يحبه ..
والود يختلف عن المعروف .. أنت تصنع معروفا فيمن تحب ومن لا تحب .. ولكنك لا تود إلا من تحب .. لذلك قال الله تبارك وتعالى:

{لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} (من الآية 22 سورة المجادلة)

ثم بعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليقول عن الوالدين:

{وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}
(من الآية 15 سورة لقمان)

يقول بعض المستشرقين إن هناك تناقضا بين الآيتين .. كيف أن الله سبحانه وتعالى يقول: لا توادوا من يحارب الله ورسوله .. ثم يأتي ويقول إذا حاول أبواك أن يجعلاك تشرك بالله فصاحبهما في الدنيا معروفا .. وطبعا الوالدان اللذان يحاولان دفع ابنهما إلي الكفر إنما يحاربان الله ورسوله .. كيف يتم هذا التناقض؟. نقول إنكم لم تفهموا المعنى .. إن الإنسان يصنع المعروف فيمن يحب ومن لا يحب كما قلنا .. فقد تجد إنسانا في ضيق وتعطيه مبلغا من المال كمعروف .. دون أن يكون بينك وبينه أي صلة .. أما الود فلا يكون إلا مع من تحب.
إذن: "ما يود" معناها حب القلب .. أي أن قلوب اليهود والنصارى والمشركين لا تحب لكم الخير .. إنهم يكرهون أن ينزل عليكم خير من ربكم .. بل هم في الحقيقة لا يريدون أن ينزل عليكم من ربكم أي شيء مما يسمى خيرا .. والخير هو وحي الله ومنهجه ونبوة رسول صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: "من خير" .. أي من أي شيء مما يسمى خير .. فأنت حين تذهب إلي إنسان وتطلب منه مالا يقول لك ما عندي من مال .. أي ليس عندي ولا قرش واحد، ما عندي أي مبلغ مما يقال له مال حتى ولو كان عدة قروش. والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نفهم أن أهل الكتاب والكفار والمشركين .. مشتركون في كراهيتهم للمؤمنين .. حتى إنهم لا يريدون أن ينزل عليكم أي شيء من ربكم مما يطلق عليه خير.
وقوله تعالى: "من ربكم" .. تدل على المصدر الذي يأتي منه الخير من الله .. فكأنهم لا يحبون أن ينزل على المؤمنين خير من الله .. وهو المنهج والرسالة.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "والله يختص برحمته من يشاء" .. أي أن الخير لا يخضع لرغبة الكافرين وأمانيهم .. والله ينزل الخير لمن يشاء .. والله قد قسم بين الناس أمور حياتهم الدنيوية .. فكيف يطلب الكافرون أن يخضع الله منهجه لإرادتهم؟ واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم "31" أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون "32"} (سورة الزخرف)
اعترض الكفار على نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا لو نزل على رجل من القريتين عظيم .. فيرد عليهم سبحانه وتعالى .. أنتم لا تقسمون رحمة الله ولكن الله يقسم بينكم حياتكم في الدنيا.
الحق تبارك وتعالى في الآية التي نحن بصددها يقول: "والله يختص برحمته من يشاء" .. ساعة تقرأ كلمة تختص تفهم أن شيئا خصص لشيء دون غيره .. يعني أنني خصصت فلانا بهذا الشيء: "والله يختص برحمته من يشاء، فليس لهؤلاء الكفار أن يتحكموا في مشيئة الله، وحسدهم وكراهيتهم للمؤمنين لا يعطيهم حق التحكم في رحمة الله .. ولذلك أراد الله أن يرد عليهم بأن هذا الدين سينتشر ويزداد المؤمنون به ..
وسيفتح الله به أقطار ودولا .. وسيدخل الناس فيه أفواجا وسيظهره على الدين كله.
ولو تأملنا أسباب انتصار أي عدو على من يعاديه لوجدنا إنها إما أسباب ظاهرة واضحة وإما مكر وخداع .. بحيث يظهر العدو لعدوه أنه يحبه ويكيد له في الخفاء حتى يتمكن منه فيقتله .. ولقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة سرا .. لماذا؟ لأن الله أراد أن يقول لقريش لن تقدروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بالمكر والخداع والتبييت .. هم بيتوا الفتية ليقتلوه .. وجاءوا من كل قبيلة بفتى ليضيع دمه بين القبائل .. وخرج صلى الله عليه وسلم ووضع التراب على رءوس الفتية .. الله أرادهم أن يعرفوا أنهم لن يقدروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكر والتبييت والخداع ولا بالعداء الظاهر.
قوله تعالى: "والله ذو الفضل العظيم" .. الفضل هو الأمر الزائد عن حاجتك الضرورية ..



وفضل مال أي مال زائد على حاجته. هذا عن الفضل بالنسبة للبشر. أما بالنسبة لله سبحانه وتعالى فإن كل ما في كون الله الآن وفي الآخرة هو فضل الله لأنه زائد على حاجته؛ لأنه ربما يكون عندي فضل، ولكني أبقيه لأنني سأحتاج إليه مستقبلا. والفضل الحقيقي هو الذي من عند الله. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى هو ذو الفضل العظيم؛ لأنه غير محتاج إلي كل خلقه أو كونه؛ لأن الله سبحانه كان قبل أن يوجد شيء، وسيكون بعد ألا يوجد شيء. وهذا ما يسمى بالفضل العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:25 pm

( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير " 106")

ولكن ما هو السبب؟ السبب أن أهل الكتاب والمشركين لا يريدون خيرا للمؤمنين في دينهم؛ لأنهم أحسوا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في زمنه خير مما جاء به موسى وبقى إلي زمن محمد صلى الله عليه وسلم .. وخير مما جاء به عيسى في زمن محمد صلى الله عليه وسلم. وليس معنى ذلك أننا نحاول أن ننقص ما جاء به الرسل السابقون .. لكننا نؤكد أن الرسل السابقين جاءوا في أزمانهم بخير ما وجد في هذه الأزمان .. فكل رسالة من الرسالات التي سبقت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وجاءت لقوم محددين وزمن محدد .. واقرأ قول عيسى عليه السلام حينما بعث إلي بني إسرائيل كما يروي لنا القرآن الكريم:

{ومصدقاً لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون "50" } (سورة آل عمران)

فكأن عيسى عليه السلام جاء لينسخ بعض أحكام التوراة .. ويحل لبني إسرائيل بعض ما حرمه الله عليهم .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الخاتم أعطى الخير كله؛ لأنه دينه للعالمين وباق إلي يوم القيامة. وهكذا نرى أن المؤمنين بالرسل كلما جاء رسول جديد كانوا ينتقلون من خير إلي خير .. وفيما تتفق فيه الرسالات كانوا ينتقلون إلي مثل هذا الخير .. وذلك فيما يتعلق بالعقائد، وإلي زيادة في الخير فيما يتعلق بمنهج الحياة .. هناك في رسالات السماء كلها أمور مشتركة لا فرق فيها بين رسول ورسول وهي قضية الإيمان بإله واحد أحد له الكمال المطلق .. سبحانه في ذاته، وسبحانه في صفاته، وسبحانه في أفعاله .. كل ذلك قدر الرسالات فيه مشترك .. ولكن الحياة في تطورها توجد فيها قضايا لم تكن موجودة ولا مواجهة في العصر الذي سبق .. فإذا قلنا إن رسالة بقيمتها العقائدية تبقى .. فإنها لا تستطيع أن تواجه قضايا الحياة التي ستأتي بها العصور التي بعدها فيما عدا الإسلام .. لأنه جاء دينا خاتما لا يتغير ولا يتبدل إلي يوم القيامة .. على أننا نجد من يقول وماذا عن قول الله سبحانه وتعالى:

{شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب "13" } (سورة الشورى)

نقول إن هذا يأتي في شيء واحد .. يتعلق بالأمر الثابت في رسالات السماء وهو قضية قمة العقيدة والإيمان بالله الواحد .. أما فيما يتعلق بقضايا الحياة فإننا نجد أحكاما في هذه الحركة حسب ما طرأ عليها من توسعات .. ولذلك عندما جاء محمد صلى الله عليه وسلم أعطى أشياء يعالج بها قضايا لم تكن موجودة في عهد الرسل السابقين.

يقول الله تبارك وتعالى: "ما ننسخ من آية أو ننسها" .. كلمة ننسخ معناها نزيل آية كانت موجودة ونأتي بآية أخرى بدلا منها .. كما يقال نسخت الشمس الظل .. أي أن الظل كان موجودا وجاءت الشمس فمحته وحلت هي مكانه .. ويقال نسخت الكتاب أي نقلته إلي صور متعددة، ونسخ الشيب الشباب أي أصبح الشاب شيخا.

وقوله تعالى "ننسها" لها معان متعددة .. قد يعني ذلك أن الله يجعل الإنسان يسهو ويغفل عنها .. فتضيع من ذاكرته أو يتركها إلي غيرها .. والعلماء اختلفوا في هذه المسألة .. وكان هذا الاختلاف لأن أحدهم يلحظ ملحظا وغيره يلحظ ملحظا آخر وكلاهما يريد الحق .. نأتي للنسخ في القرآن الكريم .. قوم قالوا لا نسخ في القرآن أبدا .. لماذا؟ لأن النسخ بداء على الله .. ما معنى البداء؟ هو أن تأتي بحكم ثم يأتي التطبيق فيثبت قصور الحكم عن مواجهة القضية فيعدل الحكم .. وهذا محال بالنسبة لله سبحانه وتعالى .. نقول لهم طبعا هذا المعنى مرفوض ومحال أن يطلق على الله تبارك وتعالى .. ولكننا نقول إن النسخ ليس بداء، وإنما هو إزالة الحكم والمجيء بحكم آخر ..
ونقول لهم ساعة حكم الله الحكم أولا فهو سبحانه يعلم أن هذا الحكم له وقت محدود ينتهي فيه ثم يحل مكانه حكم جديد .. ولكن الظروف والمعاجلة يقتضيان أن يحدث ذلك بالتدريج .. وليس معنى ذلك أن الله سبحانه قد حكم بشيء ثم جاء واقع آخر أثبت أن الحكم قاصر فعدل الله عن الحكم .. إن هذا غير صحيح.
لماذا؟ .. لأنه ساعة حكم الله أولا كان يعلم أن الحكم له زمن أو يطبق لفترة ثم بعد ذلك ينسخ أو يبدل بحكم آخر. إذن فالمشروع الذي وضع هذا الحكم وضعه على أساس أنه سينتهي وسيحل محله حكم جديد .. وليس هذا كواقع البشر .. فأحكام البشر وقوانينهم تعدل لأن واقع التطبيق يثبت قصور الحكم عن مواجهة قضايا الواقع .. لأنه ساعة وضع الناس الحكم علموا أشياء وخفيت عنهم أشياء .. فجاء الواقع ليظهر ما خفى وأصبح الحكم لابد أن ينسخ أو يعدل .. ولكن الأمر مع الله سبحانه وتعالى ليس كذلك .. أمر الله جعل الحكم موقوتا ساعة جاء الحكم الأول. مثلا حين وجه الله المسلمين إلي بيت المقدس .. أكانت القضية عند الله أن القبلة ستبقى إلي بيت المقدس طالما وجد الإسلام وإلي يوم القيامة؟ ثم بدا له سبحانه وتعالى أن يوجه المسلمين إلي الكعبة؟ لا .. لم تكن هذه هي الصورة .. ولكن كان في شرع الله أن يتوجه المسلمون أولا إلي بيت المقدس فترة ثم بعد ذلك يتوجهون إلي الكعبة إلي يوم القيامة.
إذن فالواقع لم يضطر المشروع إلي أن يعدل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة .. نقول إنك لم تفهم عن الله .. "اتقوا الله حق تقاته" في الآية الأولى أو "فاتقوا الله ما استطعتم" في الآية الثانية .. أي الحالتين احسن؟ نقول إن العبرة بالنتيجة .. عندما تريد أن تقيم شيئا لابد أن تبحث عن نتيجته أولا.

ولنقرب المعنى للأذهان سنضرب مثلا ولله المثل الأعلى .. نفرض أن هناك تاجرا يبيع السلع بربح خمسين في المائة .. ثم جاء تاجر آخر يبيع نفس السلع بربح خمسة عشر في المائة .. ماذا يحدث؟ سيقبل الناس طبعا على ذلك الذي يبيع السلع بربح خمسة عشر في المائة ويشترون منه كل ما يريدون، والتاجر الذي يبيع السلع بربح خمسين في المائة يحقق ربحا اكبر .. ولكن الذي يبيع بربح خمسة عشر في المائة يحقق ربحا أقل ولكن بزيادة الكمية المبيعة .. يكون الربح في النهاية اكبر.

والذي يطبق الآية الكريمة: "اتقوا الله حق تقاته" يحقق خيرا اكبر في عمله .. ولكنه لا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته إلا في أعماله محدودة جدا. إذن الخير هنا اكبر ولكن العمل الذي تنطبق عليه الآية محدود. أما قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم" فإنه قد حدد التقوى بقدر الاستطاعة .. ولذلك تكون الأعمال المقبولة كثيرة وإن كان الأجر عليها أقل. عندما نأتي إلي النتيجة العامة .. أعمال أجرها أعلى ولكنها قليلة ومحدودة جدا .. وأعمال أجرها أقل ولكنها كثيرة .. أيهما فيه الخير؟ طبعا الأعمال الكثيرة ذات الأجر الأقل في مجموعها تفوق الأعمال القليلة ذات الأجر المرتفع. إذن فقد نسخت هذه الآية بما هو خير منها .. رغم أن الظاهر لا يبدو كذلك، لأن اتقاء الله حق تقاته خير من اتقاء الله قدر الاستطاعة .. ولكن في المحصلة العامة الخير في الآية التي نصت على الاستطاعة ..

نأتي بعد ذلك إلي قوله تعالى: "أو مثلها" .. هنا توقف بعض العلماء: قد يكون مفهوما أن ينسخ الله آية بخير منها، ولكن ما هي الحكمة في أن ينسخها بمثلها؟ إذا كانت الآية التي نسخت مثل الآية التي جاءت .. فلماذا تم النسخ؟ نقول إننا إذا ضربنا مثلا لذلك فهو مثل تغيير القبلة .. أن الله تبارك وتعالى حين أمر المسلمين بالتوجه إلي الكعبة بدلا من بيت المقدس نسخ آية بمثلها .. لأن التوجه إلي الكعبة لا يكلف المؤمن أية مشقة أو زيادة في التكليف .. فالإنسان يتوجه ناحية اليمين أو إلي اليسار أو إلي الأمام أو إلي الخلف وهو نفس الجهد .. والله سبحانه وتعالى كما قلنا موجود .. وهنا تبرز الطاعة الإيمانية التي تحدثنا عنها وأن هناك أفعالا نقوم بها لأن الله قال .. وهذه تأتي في العبادات لأن العبادة هي طاعة عابد لأمر معبود .. والله تبارك وتعالى يريد أن نثبت العبودية له عن حب واختيار .. فإن قال افعلوا كذا فعلنا .. وإ قال لا تفعلوا لا نفعل .. والعلة في هذا أننا نريد اختياراً أن نجعل مراداتنا في الكون خاضعة لمرادات الله سبحانه وتعالى .. إذن مثلها لم تأت بلا حكمة بل جاءت لحكمة عالية.

والحق سبحانه وتعالى يقول: "أو ننسها" ما معنى ننسها؟ قال بعض العلماء إن النسخ والنسيان شيء واحد .. ولكن ساعة قال الله الحكم الأول كان في إرادته ومشيئته وعلمه أن يأتي حكم آخر بعد مدة .. ساعة جاء الحكم الأول ترك الحكم الثاني في مشيئته قدرا من الزمن حتى يأتي موعد نزوله. إذن فساعة يأتي الحكم الأول .. يكون الحكم مرجأ ولكنه في علم الله. ينتظر انقضاء وقت الحكم الأول: "ما ننسخ من آية" هي الآية المنسوخة أو التي سيتم عدم العمل بها: "أو ننسها" .. أي لا يبلغها الله للرسول والمؤمنين عن طريق الوحي مع أنها موجودة في علمه سبحانه ..

ويجب أن نتنبه إلي أن النسخ لا يحدث في شيئين:
الأول: أمور العقائد فلا تنسخ آية آية أخرى في أمر العقيدة .. فالعقائد ثابتة لا تتغير منذ عهد آدم حتى يوم القيامة .. فالله سبحانه واحد أحد لا تغيير ولا تبديل، والغيب قائم، والآخرة قادمة والملائكة يقومون بمهامهم .. وكل ما يتعلق بأمور العقيدة لا ينسخ أبدا ..
والثاني: الإخبار من الله عندما يعطينا الله تبارك وتعالى آية فيها خبر لا ينسخها بآية جديدة .. لأن الإخبار هو الإبلاغ بشيء واقع .. والحق سبحانه وتعالى إخباره لنا بما حدث لا ينسخ لأنه بلاغ صدق من الله .. فلا تروي لنا حادثة الفيل ثم تنسخ بعد ذلك وتروى بتفاصيل أخرى لأنها أبلغت كما وقعت .. إذن لا نسخ في العقائد والإخبار عن الله .. ولكن النسخ يكون في التكليف .. مثل قول الحق تبارك وتعالى:

{يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين "64" يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون "65" } (سورة الأنفال)

كأن المقياس ساعة نزول هذه الآية أن الواحد من المؤمنين يقابل عشرة من الكفار ويغلبهم .. ولكن كانت هذه عملية شاقة على المؤمنين .. ولذلك نسخها الله ليعطينا على قدر طاقتنا .. فنزلت الآية الكريمة:

{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين "66" } (سورة الأنفال)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:25 pm

موضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي الإثنين فبراير 23, 2009 11:58 pm

--------------------------------------------------------------------------------

كأن المقياس ساعة نزول هذه الآية أن الواحد من المؤمنين يقابل عشرة من الكفار ويغلبهم .. ولكن كانت هذه عملية شاقة على المؤمنين .. ولذلك نسخها الله ليعطينا على قدر طاقتنا .. فنزلت الآية الكريمة:

{الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين "66" } (سورة الأنفال)

والحق سبحانه وتعالى علم أن المؤمنين فيهم ضعف .. لذلك لن يستطيع الواحد منهم أن يقاتل عشرة ويغلبهم .. فنقلها إلي خير يسير يقدر عليه المؤمنون بحيث يغلب المؤمن الواحد اثنين من الكفار .. وهذا حكم لا يدخل في العقيدة ولا في الإخبار .. وفي أول نزول القرآن كانت المرأة إذا زنت وشهد عليها أربعة يمسكونها في البيت لا تخرج منه حتى تموت .. واقرأ قوله تعالى:

{واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً "15"} (سورة النساء)

وبعد أن شاع الإسلام وامتلأت النفوس بالإيمان .. نزل تشريع جديد هو الرجم أو الجلد .. ساعة نزل الحكم الأول بحبسهن كان الحكم الثاني في علم الله .. وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: "أو يجعل الله لهن سبيلا" .. وقوله سبحانه:

{فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره } (من الآية 109سورة البقرة)

وقوله تعالى حتى يأتي الله بأمره .. كأن هناك حكما أو أمرا في علم الله سيأتي ليعدل الحكم الموجود .. إذن الله حين أبلغنا بالحكم الأول أعطانا فكرة .. أن هذا الحكم ليس نهائيا وأن حكما جديدا سينزل .. بعد أن تتدرب النفوس على مراد الله من الحكم الأول .. ومن عظمة الله أن مشيئته اقتضت في الميراث أن يعطي الوالدين الذين بلغا أرذل العمر فقال جل جلاله:

{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين "180"} (سورة البقرة)

وهكذا جعلها في أول الأمر وصية ولم تكن ميراثا .. لماذا؟ لأن الإنسان إن مات فهو الحلقة الموصولة بأبيه .. أما أبناؤه فحلقة أخرى .. ولما استقرت الأحكام في النفوس وأقبلت على تنفيذ ما أمر به الله .. جعل سبحانه المسألة فرضا .. فيستوفى الحكم. ويقول جل جلاله:

{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما "11" } (سورة النساء)

وهكذا بعد أن كان نصيب الوالدين في تركة الابن وصية .. إن شاء أوصى بها وإن شاء لم يوصي أصبحت فرضا ..
وقوله تعالى: "ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" .. أي كل شيء يدخل في إرادة الله وقدرته سبحانه .. إذا قلنا إذا جاء الله بحكم لعصر فهذا هو قمة الخير .. لأنه إذا عدل الحكم بعد أن أدى مهمته في عصره، فإن الحكم الجديد الذي يأتي هو قمة الخير أيضا .. لأن الله على كل شيء قدير، يواجه كل عصر بقمة الخير للموجودين فيه .. ولذلك فمن عظمة الله أنه لم يأت بالحكم خبرا من عنده ولكنه أشرك فيه المخاطب .. فلم يقل سبحانه "إن الله على كل شيء قدير" .. ولكنه قال: "ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" .. لأنه واثق أن كل من يسمع سيقول نعم .. وهذا ما يعرف بالاستفهام الإنكاري أو التقريري.

************************************************** *****

(ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير" 107")

وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى لنا أن هناك آيات نسخت في القرآن .. أراد أن يوضح لنا أنه سبحانه له طلاقة القدرة في كونه يفعل ما يشاء .. ولذلك بدأ الآية الكريمة: "ألم تعلم" .. وهذا التعبير يسمى الاستفهام الاستنكاري أو التقريري .. لأن السامع لا يجد إلا جوابا واحدا بأنه يقر ما قاله الله تبارك وتعالى .. ويقول نعم يا رب أنت الحق وقولك الحق.
قوله تعالى: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" .. الملك يقتضي مالكا ويقتضي مملوكا .. ويقتضي قدرة على استمرار هذا الملك وعدم زواله .. فكأن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أنه يقدر ويملك المقدرة .. والإنسان ليست له قدرة التملك ولا المقدرة على استبقاء ما يملكه .. والإنسان لا يملك الفعل في الكون .. إن أراد مثلا أن يبني عمارة قد لا يجد الأرض .. فإن وجد الأرض قد لا يجد العامل الذي يبني .. فإن وجده قد لا يجد مواد البناء .. فإن وجد هذا كله قد تأتي الحكومة أو الدولة وتمنع البناء على هذه الأرض .. أو أن تكون الأرض ملكا لإنسان آخر فتقام القضايا ولا يتم البناء.
والحق سبحانه وتعالى يقول: "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض" .. أي أن كل شيء في الوجود هو ملك لله وهو يتصرف بقدرته فيما يملك .. ولذلك عندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي المدينة .. كان اليهود يملكون المال ولهم معرفة ببعض العلم الدنيوي لذلك سادوا المدينة .. وبدأوا يمكرون برسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين .. والله تبارك وتعالى طمأن رسوله بأن طلاقة القدرة في الكون هي لله وحده .. وأنه إذا كان لهم ملك فإنه لا يدوم لأن الله ينزع الملك ممن يشاء ويعطيه لمن يشاء .. ولذلك حينما يأتي يوم القيامة ويهلك الله الأرض ومن عليها .. يقول سبحانه:

{لمن الملك اليوم } (من الآية 16 سورة غافر)

ويرد جل جلاله بشهادة الذات للذات فيقول: {لله الواحد القهار } (من الآية 16 سورة غافر)

ومادام الله هو المالك وحده .. فإنه يستطيع أن ينزع من اليهود وغيرهم من الدنيا كلها ما يملكونه ..

ويحدثنا العلماء أن العسس وهم الجنود الذين يسيرون ليلا لتفقد أحوال الناس وجدوا شخصا يسير ليلا .. فلما تقدموا منه جرى فجروا وراءه إلي أن وصل إلي مكان خرب ليستتر فيه .. تقدم العسس وأمسكوا به وإذا بهم يجدون جثة القتيل .. فأخذوه ليحاكموه فقال لهم أمهلوني لأصلي ركعتين لله .. فأمهلوه فصلى ثم رفع يديه إلي السماء وقال اللهم إنك تعلم أنه لا شاهد على براءتي إلا أنت .. وأنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة فأسألك ذلك في نفسك .. فبينما هم كذلك إذا أقبل رجل فقال .. أنا قاتل هذا القتيل وأنا أقر بجريمتي .. فتعجب الناس وقالوا لماذا تقر بجريمتك ولم يرك أحد ولم يتهمك أحد .. فقال لهم والله ما أقررت إنما جاء هاتف فأجرى لساني بما قلت .. فلما أقر القاتل بما فعل وقام ولى المقتول وهو أبوه فقال .. اللهم إني أشهدك إني قد أعفيت قاتل ابني من دينه وقصاصه.
انظر إلي طلاقة قدرة الحق سبحانه وتعالى .. القاتل أراد أن يختفي ولكن انظر إلي دقة السؤال من السائل أو المتهم البريء .. وقد صلى ركعتين لله .. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أنه إذا حزبنا أمر قمنا إلي الصلاة فليس أمامنا إلا هذا الباب .. وبعد أن صلى سأل الله أنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة ولا يشهد ببراءتي أحد إلا أنت فأسألك ذلك في نفسك وبعد ذلك كان ما كان. وهذه القصة تدلنا على أننا في قبضة الله .. أردنا أو لم نرد .. بأسباب أو بغير أسباب .. لماذا؟ .. لأن الله له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير ..
وقوله تعالى: "وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير" .. الولي هو من يواليك ويحبك .. والنصير هو الذي عنده القدرة على أن ينصرك وقد يكون النصير غير الولي .. الحق تبارك وتعالى يقول أنا لكم ولي ونصير أي محب وأنصركم على من يعاديكم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:25 pm

(أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل" 108")

ثم ينقل الحق جل جلال المسلمين بعد أن بين لهم أنه وليهم ونصيرهم .. وينقلهم إلي سلوك أهل الكتاب من اليهود مع رسلهم حتى يتفادوا مثل هذا السلوك فيقول جل جلاله: "أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل" .. الحق يقول للمؤمنين أم تريدون أن تسألوا رسول الله كما سأل اليهود موسى .. ولم يشأ الحق أن يشبه المسلمين باليهود فقال: "كما سئل موسى من قبل" .. وكان من الممكن أن يقول أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سأل اليهود موسى .. ولكن الله لم يرد أن يشبه اليهود بالمؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذا تكريم من الله للمؤمنين بأن ينزههم أن يتشبهوا باليهود .. وقد سأل اليهود موسى عليه السلام وقالوا كما يروي لنا القرآن الكريم:

{يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ثم اتخذوا العجل من بعد ما جاءتهم البينات فعفونا عن ذلك وآتينا موسى سلطانا مبينا "153" } (سورة النساء)

وقد سأل أهل الكتاب والكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يروي لنا القرآن الكريم:

{وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا "90"} (سورة الإسراء)

{أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا "92" أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا "93" } (سورة الإسراء)

الله تبارك وتعالى يهيب بالمؤمنين أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كما سأله أهل الكتاب والكفار ويقول لهم أن اليهود قد سألوا موسى اكبر من ذلك .. فبعد أن رأوا المعجزات وشق الله البحر لهم .. وعبروا البحر وهم يشاهدون المعجزة فلم تكن خافية عنهم .. بل كانت ظاهرة لهم واضحة .. دالة دلالة دامغة على وجود الله سبحانه وتعالى وعلى عظيم قدراته .. ورغم هذا فإن اليهود قالوا لموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة .. أي لم تكفهم هذه المعجزات .. وكأنما كانوا بماديتهم يريدون أن يروا في حياتهم الدنيوية من لا تدركه الأبصار .. وبمجرد أن عبروا البحر أرادوا أن يجعل لهم موسى صنما يعبدونه وعبدوا العجل رغم كل الآيات التي شاهدوها.

وقوله تعالى: "ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل" .. قلنا أن الباء في قوله تعالى: "بالإيمان" تدخل دائما على المتروك .. كأن تقول اشتريت هذا بكذا درهم .. يعني تركت الدراهم وأخذت البضاعة .. ومعناها أن الكفر مأخوذ والإيمان متروك .. فقد أخذ اليهود الكفر وتركوا الإيمان حين قالوا لموسى: "أرنا الله جهرة" .. وقوله سبحانه: "فقد ضل سواء السبيل". ما هو الضلال؟ .. هو أن تسلك سبيلا لا يؤدي بك إلي غايتك .. "وسواء السبيل" .. السواء هو الوسط .. و"سواء السبيل" .. هو وسط الطريق .. والله تبارك وتعالى يقول:

{فاطلع فرآه في سواء الجحيم "55" } (سورة الصافات)

أي في وسط الجحيم .. أي أنه يكون بعيدا عن الحافتين بعدا متساوياً .. وسواء الطريق هو وسطه .. والسبيل أو الطريق كان قبل استخدام التكنولوجيا الحديثة تكون أطرافه وعرة من جنس الأرض قبل أن تمهد .. أي لا تصلح للسير .. ولذلك فإن السير في وسط الطريق يبعدك عن المتاعب والصعوبات ويريد الله من المؤمنين به أن يسيروا في الطريق الممهد أو في وسط الطريق لأنه أكثر أمانا لهم .. فهم فيه لن يضلوا يمينا ولا يسارا بل يسيروا على منهج الله والإيمان .. وطريق الإيمان دائما ممهد لا يقودهم إلي الكفر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:26 pm

سورة البقرة

( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير " 109")

هذه الآية الكريمة تتناول أحداثا وقعت بعد غزوة أحد .. وفي غزوة أحد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من الرماة ألا يغادروا مواقعهم عند سفح الجبل سواء انتصر المسلمون أو انهزموا .. فلما بدأت بوادر النصر طمع الرماة في الغنائم .. فخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزمهم الله .. ولكن الكفار لم يحققوا نصر لأن النصر هو أن تحتل أرضا وتبقى. هؤلاء الكفار بعد المعركة انطلقوا عائدين إلي مكة .. حتى أن المسلمين عندما خرجوا للقائهم في اليوم التالي لم يجدوا أحداً .. يهود المدينة استغلوا هذا الحديث .. وعندما التقوا بحذيفة بن اليمان وطارق وغيرهما .. قالوا لهم إن كنتم مؤمنين حقا لماذا انهزمتم فارجعوا إلي ديننا واتركوا دين محمد .. فقال لهم حذيفة ماذا يقول دينكم في نقض العهد؟ .. يقصد ما تقوله التوراة في نقض اليهود ولعهودهم مع الله ومع موسى .. ثم قال أنا لن انقض عهدي مع محمد ما حييت .. أما عمار فقال .. لقد آمنت بالله ربا وآمنت بمحمد رسولا وآمنت بالكتاب إماما وآمنت بالكعبة قبلة وآمنت بالمؤمنين إخوة وسأظل على هذا ما حييت.

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله حذيفة وطارق بن ياسر فسر بذلك ولكن اليهود كانوا يستغلون ما حدث في أحد ليهزموا العقيدة الإيمانية في قلوب المسلمين كما استغلوا تحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة ليهزموا الإيمان في القلوب وقالوا إذا كانت القبلة تجاه بيت المقدس باطلة فلماذا اتجهتم إليها، وإذا كانت صحيحة فلماذا تركتموها، فنزل قول الله تعالى: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم".
انظر إلي دقة التعبير القرآني في قوله تعالى: "من أهل الكتاب" .. فكأن بعضهم فقط هم الذين كانوا يحاولون رد المؤمنين عن دينهم .. ولكن كانت هناك قلة تفكر في الإيمان بمحمد عليه الصلاة والسلام .. ولو أن الله جل جلاله حكم على كل أهل الكتاب لسد الطريق أمام هذه القلة أن يؤمنوا .. أي أن أهل الكتاب من اليهود يحبون أن يردوكم عن دينكم وهؤلاء هم الكثرة .. لأن الله تعالى قال: "ود كثير من أهل الكتاب".
وقوله تعالى: "من بعد إيمانكم كفارا" .. كفارا بماذا؟ .. بما آمنتم به أو بما يطلبه منكم دينكم .. وهم لا يفعلون ذلك عن مبدأ أو عقيدة أو لصالحكم ولكن: "حسدا من عند أنفسهم" .. فدينهم يأمرهم بعكس ذلك .. يأمرهم أن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .. ولذلك فهم لا ينفذون ما تأمرهم أن يؤمنوا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم .. ولذلك فهم لا ينفذون ما تأمرهم به التوراة حينما يرفضون الإيمان بالإسلام .. والذي يدعوهم إلي أن يحاولوا ردكم عن دينكم هو الحسد .. والحسد هو تمني زوال النعمة عمن تكره ..
وقوله تعالى: "حسدا من عند أنفسهم" .. أي هذه المسألة من ذواتهم لأنهم يحسدون المسلمين إخوانا متحابين متكاتفين مترابطين .. بينما هم شيع وأحزاب .. وهناك حسد يكون من منطق الدين وهذا مباح ..



فكأن الحسد حرام في غير هاتين الحالتين .. فكأن هؤلاء اليهود يحسدون المسلمين على دينهم .. وهذا الحسد من عند أنفسهم لا تقره التوراة ولا كتبهم .. وقوله سبحانه: "من بعد ما تبين لهم أنه الحق" .. أي بعد ما تأكدوا من التوراة من شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه النبي الخاتم.

وقوله تعالى: فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره" .. ما هو العفو وما هو الصفح؟ .. يقال عفت الريح الأثر أي مسحته وأزالته .. فالإنسان حين يمشي على الرمال تترك قدمه أثرا فتأتي الريح وتعفو الأثر أي تزيله .. ولذلك فإن العفو أن تمحو من نفسك أثر أي إساءة وكأنه لم يحدث شيء .. والصفح يعني طي صفحات هذا الموضوع لا تجعله في بالك ولا تجعله يشغلك ..
وقوله تعالى: "حتى يأتي الله بأمره" .. أن هذا الوضع بالنسبة لليهود وما يفعلونه في المؤمنين لن يستمر لأن الله سبحانه قد أعد لهم أمرا ولكن هذا الأمر لم يأت وقته ولا أوانه .. وعندما يأتي سيتغير كل شيء .. لذلك يقول الله للمؤمنين لن تظلوا هكذا .. بل يوم تأخذونهم فيه بجرائمهم ولن يكون هذا اليوم بعيدا .. عندما يقول الله سبحانه: "حتى يأتي الله بأمره" .. فلابد أن أمر الله آت .. لأن هذه قضية تتعلق بجوهر الإيمان كله .. فلا يقال أبدا حتى يأتي الله بأمره ثم لا يجئ هذا الأمر .. بل أمر الله بلا شك نافد وسينصركم عليهم .. وقوله تعالى: "إن الله على كل شيء قدير" .. أن الله له طلاقة القدرة في ملكه .. ولذلك إذا قال أنه سيأتي بأمر فسيتحقق هذا الأمر حتما وسيتم .. ولا توجد قدرة في هذا الكون إلا قدرة الله سبحانه .. ولا قوة إلا قوته جل جلاله .. ولا فعل إلا ما أراد.

************************************************** ********

(وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير " 110")

بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن أقصى أماني أهل الكتاب أن يردونا كفارا، وأن هذا حسدا منهم. أراد الله تبارك وتعالى أن يبين لنا ما الذي يكرهه أهل الكتاب .. وقال إن الذي يتعبهم ميزان العدل والحق الذي نتبعه .. منهج الله سبحانه وتعالى .. ولذلك يأمر الله المؤمنين أن يثبتوا ويتمسكوا بالإيمان، وأن يقبلوا على التكليف فهذا احسن رد عليهم .. والتكاليف التي جاء بها الإسلام منها تكليفات لا تتطلب إلا وقتاً من الزمن وقليلا من الفعل كشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.
إن شهادة لا إله إلا الله تقال مرة في العمر .. والزكاة والصوم مرة كل عام .. والحج للمستطيع مرة في العمر .. ولكن هناك من العبادات ما يتكرر كل يوم ليعطي المؤمن شحنة اليقين والإيمان ويأخذه من دنياه بالله اكبر خمس مرات في اليوم .. وهذه هي العبادة التي لا تسقط أبدا .. والإنسان سليم والإنسان مريض .. فالمؤمن يستطيع أن يصلي واقفا وأن يصلي جالسا وأن يصلي راقدا .. وأن يجري مراسم الصلاة على قلبه .. لذلك كانت هذه أول عبادة تذكر في قوله تعالى: "وأقيموا الصلاة" أي والتفتوا إلي نداءات ربكم للصلاة .. وعندما يرتفع صوت المؤذن بقوله الله اكبر فهذه دعوة للإقبال على الله .. إقبال في ساعة معلومة لتقفوا أمامه سبحانه وتعالى وتكونوا في حضرته يعطيكم الله المدد .. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا حزبه أمر صلى).
ومعنى حزبه أمر .. أي ضاقت به أسبابه فلم يجد مخرجا ولا طريقا إلا أن يلجأ إلي الله .. إذا حدث هذا يتوضأ الإنسان ويصلي ركعتين غير الفريضة .. ثم يدعو ما يشاء فيفرج الله كربه ..
إذن: "فأقيموا الصلاة" هي الرد المناسب على كل محاولاتهم ليسلبوكم دينكم .. ذلك أن هذا التكليف المقرر لإعلان الولاء الإيماني لله كل يوم خمس مرات .. نترك كل ما في الدنيا ونتجه إلي الله بالصلاة .. إنها عماد الدين وأساسه.
وقوله تعالى: "وآتوا الزكاة" .. إيتاء الزكاة لا يحدث إلا إذا كان لديهم ما هو زائد عن حاجتك .. فكأن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نضرب في الأرض لنكسب حاجتنا وحاجة من نعول ونزيد .. وبذلك يخرج المسلمون من سيطرة اليهود الاقتصادية التي يستذلون بها المسلمين.
فالمؤمن حين يأتي الزكاة معناه أن حركته اتسعت لتشمل حاجته وحاجة غيره .. ولذلك حتى الفقير يجد في الزائد في أموال المسلمين ما يكفي حاجته .. فلا يذهب إلي اليهودي ليقترض بالربا .. ولذلك فالله سبحانه وتعالى يريد أن يتكامل المسلمون .. بحيث تكفي أموالهم غنيهم وفقيرهم والقادر على العمل منهم وغير القادر والله تبارك وتعالى يزيد أموال المسلمين بأكثر مما يخرج منها من زكاة ..



وقد سميت "الزكاة" لأنها في ظاهرها نقص وفي حقيقتها زيادة .. والربا ظاهرة زيادة وحقيقته نقص .. وفي ذلك يقول الله جل جلاله:

{يمحق الله الربا ويربي الصدقات} (من الآية 276 سورة البقرة)

ثم يقول الحق سبحانه: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجده عند الله" .. إذن لابد أن يطمئن المؤمن لأن حركة حياته هي ثواب وأجر عند الله تبارك وتعالى .. فإذا صلى فله أجر وإذا زكى فله أجر، وإذا تصدق فله أجر، وإذا صام فله أجر، وإذا حج فله أجر، كل ما يفعله من منهج الله له أجرا بقدر العمل، بل أضعاف العمل .. واقرأ قوله تعالى:

{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261" } (سورة البقرة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:26 pm

وهكذا نعرف أن كل حركة في منهج الله ليس فقط لها أجر عند الله سبحانه وتعالى .. ولكنه أجر مضاعف أضعافا مضاعفة .. وهو أجر ليس بقدرات البشر ولكنه بقدرة الله سبحانه .. ولذلك فهو ليس مضاعفا فقط في عدد المرات ولكنه مضاعف في القدرة أيضا .. فكأن كل إنسان مؤمن لا أجر له في الآخرة .. وإذا أعطى في الدنيا يعطي عطاء المثل .. ولكن المؤمن وحده له عطاء الآخرة أضعافا مضاعفة .. وهو عطاء ليس زائلا كعطاء الدنيا ولكنه باق وخالد.والخير الذي تفعله لن تدخره عندك أو عند من قد ينكره .. ويقول لا شيء لك عندي ولكن الله سيدخره لك .. فانظر إلي الاطمئنان والعمل في يد الله الأمينة، وفي مشيئته التي لا يغفل عنها شيء، وفي قدرته التي تضاعف أضعافا مضاعفة .. وتجده في الوقت الذي تكون في أحوج اللحظات إليه وهو وقت الحساب.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "والله بما تعملون بصير" .. أي لا تعتقد أن هناك شيئا يخفى على الله، أو أن أحدا يستطيع أن يخدع الله؛ فالله سبحانه وتعالى بصير بكل شيء .. ليس بالظاهر منك فقط .. ولكن بما تخفيه في نفسك ولا تطلع عليه أحدا من خلق الله، إنه يعلم كل شيء واقرأ قوله سبحانه وتعالى:

{ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء"38"}
(سورة إبراهيم)

وهكذا نطمئن إلي أن الله بصير بكل شيء، وانظر إلي قوله جل جلاله: "يعملون" لتفهم أهمية العمل.

*******************************************

(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " 111")

بعد أن بين الحق تبارك وتعالى كيف أن كل عمل في منهج الله له أجر، وأجر باق وثابت ومضاعف عند الله ومحفوظ بقدرة الله سبحانه .. أراد أن يرد على ادعاءات اليهود والنصارى الذين يحاولون أن يثيروا اليأس في قلوب المؤمنين بالكذب والإحباط علهم ينصرفون عن الإسلام .. لذلك فقد أبلغنا الله سبحانه بما افتروه. واقرأ قوله تعالى: "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى" .. وفي هذه الآية الكريمة يظهر التناقض بين أقوال اليهود والنصارى .. ولقد أوردنا كيف أن اليهود قد قالوا "لن يدخل الجنة إلا من كان هودا" .. وقالت النصارى: "لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا" .. والله سبحانه وتعالى يفضح التناقض في آية ستأتي في قوله تبارك وتعالى:

{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء }
(من الآية 113 سورة البقرة)

ومعنى ذلك أنهم تناقضوا في أقوالهم، فقالت النصارى: إنهم سيدخلون الجنة وحدهم، وقالت اليهود القول نفسه. ثم قالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا .. ثم قالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء. ويقول الناس إذا كنت كذوبا فكن ذكورا؛ ذلك أن الذي يكذب تتناقض أقواله لأنه ينسى مادام قد قال غير الحقيقة، ولذلك تجد أن المحقق أو القاضي يظل يسأل المتهم أسئلة مختلفة .. حتى تتناقض أقواله فيعرف أنه يكذب .. فأنت إذا رويت الواقعة كما حدثت فإنك ترويها مائة مرة دون أي خلاف في التفاصيل. ولكنك إذا كذبت تتناقض مع نفسك ..
والله سبحانه وتعالى يقول: "تلك أمانيهم" .. ما هي الأماني؟ .. هي أن تعلق نفسك بأمنية وليس لهذه الأمنية سند من الواقع يوصلك إلي تحقيق هذه الأمنية .. ولكن إذا كان التمني قائما على عمل يوصلك إلي تحقيق الأمنية فهذا شيء آخر.
بعض الناس يقول التمني وإن لم يتحقق فإنه يروح عن النفس .. فقد ترتاح النفس عندما تتعلق بأمل كاذب وتعيش أياما في نوع من السعادة وإن كانت سعادة وهمية .. نقول إن الصدمة التي ستلحق بالإنسان بعد ذلك ستدمره .. ولذلك لا يكون في الكذب أبدا راحة .. فأحلام اليقظة لا تتحقق لأنها لا تقوم على أرضية من الواقع وهي لا تعطي الإنسان إلا نوعا من بعد عن الحقيقة .. ولذلك يقول الشاعر:
منى إن تكن حقاً تكن احسن المنى وإلا فقد عشا بها زمنا رغدا
يعني الأماني لو كانت حقيقة أو تستند إلي الحقيقة فإنها احسن الأماني لأنها تعيش معك .. فإن لم تكن حقيقة يقول الشاعر:
فقد عشنا بها زمنا رغدا
أماني من ليل حسان كأنما سقتنا بها ليلى على ظمأ بردا

وقوله تعالى: "تلك أمانيهم" تبين لنا أن الأماني هي مطامع الحمقى لأنها لا تتحقق .. والحق سبحانه يقول: "قل هاتوا برهانكم" .. وما هو البرهان؟ .. البرهان هو الدليل .. ولا تطلب البرهان إلا من إنسان وقعت معه في جدال واختلفت وجهات النظر بينك وبينه .. ولا تطلب البرهان إلا إذا كنت متأكداً أن محدثك كاذب .. وأنه لن يجد الدليل على ما يدعيه. هب أن شخصا ادعى أن عليك مالا له .. وطلب منك أن تعيده إليه وأنت لم تأخذ منه مالا .. في هذه الحالة تطلب منه تقديم الدليل .. (فالكمبيالة) التي كتبتها له أو الشيك أو إيصال الأمانة .. وأضعف الإيمان أن تطلب منه شهودا على أنك أخذت منه المال .. ولكن قبل أن تطالبه بالدليل .. يجب أن تكون واثقا من نفسك وأنه فعلا يكذب وأنك لم تأخذ منه شيئا.
إذن فقوله الحق سبحانه: "هاتوا برهانكم" .. كلام من الله يؤكد أنهم كاذبون .. وأنهم لو أرادوا أن يأتوا بالدليل .. فلن يجدوا في كتب الله ولا في كلام رسله ما يؤكد ما يدعونه، وإن أضافوه يكن هذا افتراء على الله ويكن هناك الدليل الدامغ على أن هذا ليس من كلام الله ولكنه من افتراءاتهم. إذن فليس هناك برهان على ما يقولونه .. ولو كان هناك برهان ولو كان في هذا الكلام ولو جزءا من الحقيقة .. ما كان الله سبحانه وتعالى يطالبهم بالدليل. إذن لا تقول هاتوا برهانكم إلا إذا كنت واثقا أنه لا برهان على ما يقولون؛ لأنك رددت الأمر إليه فيما يدعيه .. وهو يحب أن يثبته ويفعل كل شيء في سبيل الحصول على برهان .. ولا يمكن أن يقول الله: "هاتوا برهانكم" .. إلا وهو سبحانه يعلم أنهم يكذبون .. ولذلك قال: "إن كنتم صادقين" .. أي إن كنتم واثقين من أن ما تقولونه صحيح؛ لأن الله يعرف يقينا أنكم تكذبون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:27 pm

(بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" 112")

بعد أن بين لنا الله تبارك وتعالى كذب اليهود وطالبهم بالدليل على ما قالوه من أنه لن يدخل الجنة إلا اليهود والنصارى جاء بحقيقة القضية ليخبرنا جل جلاله من الذي سيدخل الجنة .. فقال: "بلى" .. وعندما تقرأ: "بلى" اعلم أنها حرف جواب ولابد أن يسبقها كلام ونفي .. فساعة يقول لك إنسان ليس لي عليك دين .. إذا قلت له نعم فقد صدقت أنه ليس عليه دين .. ولكن إذا قلت بلى فذلك يعني أن عليه دينا وأنه كاذب فيما قاله .. إذن بلى تأتي جوابا لتثبيت نفي ما تقدم. هم قالوا "لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى" .. عندما يقول الله لهم بلى فمعنى ذلك أن هذا الكلام غير صحيح .. وأنه سيدخلها غير هؤلاء .. وليس معنى أنه سيدخلها غير اليهود والنصارى .. أن كل يهودي وكل نصراني سيدخل الجنة .. لأن الله سبحانه وتعالى قد حكم حينما جاء الإسلام بأن الذي لا يسلم لا يدخل الجنة .. واقرأ قوله جل جلاله:

{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين "85" } (سورة آل عمران)

لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى .. أنه لن يدخلها اليهود ولا النصارى .. لأن القرآن أزلي .. ما معنى أزلي؟ .. أي أنه يعالج القضايا منذ بداية الخلق وحتى يوم القيامة .. فالقرآن كلام الله تبارك وتعالى .. فلو أنه قال لن يدخل الجنة إلا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لكان في هذا تجاوز .. لأن هناك من آمن بموسى وقت رسالته وعاصره واتبعه وحسن دينه ومات قبل أن يدرك محمدا عليه الصلاة والسلام .. فهل هذا لا يدخل الجنة ويجازى بحسن عمله .. وهناك من النصارى من آمن بعيسى وقت حياته .. وعاصره ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات قبل أن يبعث محمد عليه الصلاة والسلام .. أهذا لن يدخل الجنة؟ .. لا .. يدخل وتكون منزلته حسب عمله ويجازى بأحسن الجزاء .. ولكن بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام ونزل القرآن، فكل من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة .. بل ولن يراها .. ولذلك جاء كلام الله دقيقا لم يظلم أحدا من خلقه.

إذن فقوله تعالى: "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن" .. أي لا يدخل الجنة إلا من أسلم وجه لله وهو محسن .. فقد يسلم واحد وجهه لله ويكون منافقا يظهر بغير ما يبطن .. نقول إن المنافقين لم يكونوا محسنين ولكنهم كانوا مسيئين .. لأن لهم شخصيتين شخصية مؤمنة أمام الناس وشخصية كافرة في الحقيقة أو في قلوبهم.
قوله تعالى: "من أسلم وجهه لله" تدلنا على أن كل شيء أسلم لله لأن الوجه هو أشرف شيء في الإنسان .. فيه التمييز وفيه السمة وفي التشخص وهو أعلى ما في الجسم .. وحينما عرفوا الإنسان قالوا حيوان ناطق أي حيوان مفكر .. وقال بعضهم حيوان مستوي القامة يعني قامته مرفوعة .. والقامة المرفوعة على بقية الجسم هي الوجه .. والإنسان مرفوع على بقية أجناس الأرض .. إذن هو مرفوع على بقية الأجناس ووجهه مرفوع عليه .. فإذا أسلم وجهه لله يكون قد أسلم أشرف شيء فيه لله .. ولذلك قيل .. أقرب ما يكون العبد لربه وهو ساجد .. لماذا؟ .. لأنه جاء بالوجه الذي رفعه الله به وكرمه .. وجعله مساويا لقدميه ليستوي أكمل شيء في بأدنى شيء .. فلم يبقى عنده شيء يختال به على الله.
الحق سبحانه وتعالى يقول: "فله أجره عند ربه" .. كلمة "أجره عند ربه" .. دلت على أن الله لم يجعلنا مقهورين .. ولكنه كلفنا وجعلنا مختارين أن نفعل أو لا نفعل .. فإن فعلنا فلنا أجر .. ولأن التكليف من الله سبحانه وتعالى فالمنطقي أن يكون الأجر عند الله .. وألا يوجد خوف أو حزن .. لأن الخوف يكون من شيء سيقع .. والحزن يأتي على شيء قد وقع .. ولا هذه ولا تلك تحدث عندما يكون أجرنا عند الله. إن الإنسان حين يكون له حق عند مساويه .. فربما يخاف أن ينكر المساوي هذا الحق أو يطمع فيه، أو يحتاج إليه فيدعي عدم أحقيته فيه، ولكن الله سبحانه وتعالى غني عن العالمين .. ولذلك فهو لا يطمع فيما في أيدنا من خير لأنه من عنده .. ولا يطمع فيما معنا من مال لأن عنده خزائن السماوات والأرض.
الله سبحانه لا ينكر حقا من حقوقنا لأنه يعطينا من فضله ويزيدنا .. ولذلك فإن ما عند الله لا خوف عليه بل هو يضاعف ويزداد .. وما عند الله لا حزن عليه .. لأن الإنسان يحزن إذا فاته خير .. ولكن ما عند الله باق لا يفوتك ولا يفوته .. فلا يوجد شيء عند الله سبحانه وتعالى تحزن عليه لأنه فات .. ولذلك كان قول الحق سبحانه وتعالى: "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" .. أدق ما يمكن أن يقال عن حالة المؤمنين في الآخرة .. أنهم يكونون فرحين بما عند الله لا خوف عندهم ولا حزن.

************************************************** **************************

( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون " 113")

نقول إن أصدق ما قاله اليهود والنصارى .. هو أن كل طائفة منهم اتهمت الأخرى بأنها ليست على شيء .. فقال اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء .. والعجيب إن الطائفتين أهل كتاب .. اليهود أهل كتاب والنصارى أهل كتاب .. ومع ذلك كل منهما يتهم الآخر بأنه لا إيمان له وبذلك تساوى مع المشركين.
الذين يقولون إن أهل الكتاب ليسوا على شيء .. أي أن المشركين يقولون اليهود ليسوا على شيء والنصارى ليسوا على شيء .. واليهود يقولون المشركون ليسوا على شيء والنصارى ليسوا على شيء .. ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" .. وبذلك أصبح لدينا ثلاث طوائف يواجهون الدعوة الإسلامية .. طائفة لا تؤمن بمنهج سماوي ولا برسالة إلهية وهؤلاء هم المشركون .. وطائفتان لهم إيمان ورسل وكتب هم اليهود والنصارى .. ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" .. أي الذين لا يعلمون دينا ولا يعلمون إلها ولا يعلمون أي شيء عن منهج السماء .. اتحدوا في القول مع اليهود والنصارى وأصبح قولهم واحدا.

وكان المفروض أن يتميز أهل الكتاب الذين لهم صلة بالسماء وكتب نزلت من الله ورسل جاءتهم للهداية .. كان من المفروض أن يتميزوا على المشركين .. ولكن تساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون .. وهذا معنى قوله تعالى: "كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" .. ومادامت الطوائف الثلاث قالوا على بعضهم نفس القول .. يكون حجم الخلاف بينهم كبيرا وليس صغيرا .. لأن كل واحد منهم يتهم الآخر أنه لا دين له.
هذا الخلاف الكبير من الذي يحكم فيه؟ لا يحكم فيه إلا الله .. فهو الذي يعلم كل شيء .. وهو سبحانه القادر على أن يفصل بينهم بالحق .. ومتى يكون موعد هذا الفصل أو الحكم؟ أهو في الدنيا؟ لا .. فالدنيا دار اختيار وليست دار حساب ولا محاسبة ولا فصل في قضايا الإيمان .. ولذلك فإن الحكم بينهم يتم يوم القيامة وعلى مشهد من خلق الله جميعا. والحق سبحانه وتعالى يقول: "فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" .. ومعنى الحكم هنا ليس هو بيان المخطئ من المصيب فالطوائف الثلاث مخطئة .. والطوائف الثلاث في إنكارها للإسلام قد خرجت عن إطار الإيمان .. ويأتي الحكم يوم القيامة ليبين ذلك ويواجه المخالفين بالعذاب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:27 pm

سورة البقرة

(ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم " 114")

فالحق جل جلاله بعد أن بين لنا موقف اليهود والنصارى والمشركين من بعضهم البعض ومن الإسلام، وكيف أن هذه الطوائف الثلاث تواجه الإسلام بعداء ويواجه بعضها البعض باتهامات .. فكل طائفة منها تتهم الأخرى أنها على باطل .. أراد أن يحذرهم تبارك وتعالى من الحرب ضد الإسلام ومحاربة هذا الدين فقال: "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه" .. مساجد العبودية كما بينا .. لأنك تضع أشرف شيء فيك وهو وجهك على الأرض خضوعا لله وخشوعا له.

قبل الإسلام كان لا يمكن أن يصلي أتباع أي دين إلا في مكان خاص بدينهم .. مكان مخصص لا تجوز الصلاة إلا فيه .. ثم جاء الله بالإسلام فجعل الأرض كلها مسجدا وجعلها طهورا .. ومعنى أن تكون الأرض كلها مسجدا هو توسيع على عباد الله في مكان التقائهم بربهم وفي أماكن عبادتهم له حتى لا تصح الصلاة إلا فيه .. وأنت إذا أردت أن تصلي ركعتين لله بخلاف الفرض .. مثل صلاة الشكر أو صلاة الاستخارة أو صلاة الخوف .. أو أي صلاة من السنن التي علمها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإنك تستطيع أن تؤديها في أي وقت .. فكأنك تلتقي بالله سبحانه أين ومتى تحب.
ومادام الله تبارك وتعالى أنعم على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بأن جعل لم الأرض مسجدا طهورا فإنما يريد أن يوسع دائرة التقاء العباد بربهم ..



ولكن لماذا خص الله أمة محمد بهذه النعمة؟ لأن الإسلام جاء على موعد مع ارتقاءات العقل وطموحات الدنيا .. كلما ارتقى العقل في علوم الدنيا كشف قوانين وتغلب على عقبات .. وجاء بمبتكرات ومخترعات تفتن عقول الناس .. وتجذبهم بعيدا عن الدين فيعبدون الأسباب بدلا من خالق الأسباب.
يريد الحق تبارك وتعالى أن يجعل عبادتهم له ميسرة دائما حتى يعصمهم من هذه الفتنة .. وهو جل جلاله يريدنا حين نرى التليفزيون مثلا ينقل الأحداث من أقصى الأرض إلي أقصاها ومن القمر إلي الأرض في نفس لحظة حدوثها .. أن نسجد لله على نعمه التي كشف لنا عنها في أي مكان نكون فيه .. فخصائص الغلاف الجوي موجودة في الكون منذ خلق الله السماوات والأرض .. لم يضعها أحد من خلق الله في كون الله هذه الأيام .. ولكنها خلقت مع خلق الكون .. وشاء الله ألا ندرك وجودها ونستخدمها إلا هذه الأيام .. فلابد أن نسجد لله شكرا على نعمه التي كشفت لنا أسرارا في الكون لم نكن نعرفها .. وهذه الأسرار تبين لنا دقة الخلق وتقربنا إلي قضايا الغيب.
فإذا قيل لنا أن يوم القيامة سيقف خلق الله جميعا وهم يشاهدون الحساب وإن كل واحد منهم سيرى الحساب لحظة حدوثه .. لا يتعجب ونقول هذا مستحيل .. لأن أحداث العالم الهامة نراها الآن كلها لحظة حدوثها ونحن في منتهى الراحة .. ونحن جالسون في منازلنا أمام التليفزيون .. أي أننا نراها جميعا في وقت واحد دون جهد .. فإذا كانت هذه هي قدرات البشر للبشر .. فكيف بقدرات خالق البشر للبشر؟.
عندما نرى أسرار قوانين الله في كونه .. لابد أن نسجد لعظمة الخالق سبحانه وتعالى، الذي وضع كل هذا العلم والإعجاز في الكون .. وهذا السجود يقتضي أن تكون الأرض كلها مساجد حتى يمكنك وأنت في مكانك أن تسجد لله شكرا .. ولا تضطر للذهاب إلي مكان آخر قد يكون بعيدا أو الطريق إليه شاقا فينسيك هذا شكر الله والسجود له .. فالله سبحانه وتعالى شاء أن يوسع على المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم دائرة الالتقاء بربهم؛ لأن هناك أشياء ستأتي الرسالة المحمدية في موعد كشفها لخلق الله .. وكلما انكشف سر من أسرار الوجود اغتر الإنسان بنفسه .. ومادام الغرور قد دخل إلي النفس البشرية .. فلابد أن يجعل الله في الكون ما يعدل هذا الغرور.
لقد كانت الأمور عكس ذلك قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم .. كانت الأمور فطرية فإذا امتنعت الأمطار ونضبت العيون والآبار .. لم يكن أمامها إلا أن يتوجهوا إلي السماء بصلاة الاستسقاء .. وكذلك في كل أمر يصعب عليهم مواجهته .. ولكن الآن بعد أن كشف الله لخلقه عن بعض أسراره في كونه .. أصبحت هناك أكثر من وسيلة يواجه بها الإنسان عددا من أزمات الكون .. هذه الوسائل قد جعلت البشر يعتقدون أنهم قادرون على حل مشكلاتهم .. بعيدا عن الله سبحانه وتعالى وبجهودهم الخاصة .. فبدأ الاعتماد على الخلق بدلا من الاعتماد على الحق .. ولذلك نزل قول الحق سبحانه وتعالى:

{الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم "35" في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} (من الآية 35 ومن الآية 36 سورة النور)

ما هي هذه البيوت التي يرى فيها الناس نور الله تبارك وتعالى؟ هي المساجد .. فعمار المساجد وزوارها الدائمون على الصلاة فيها هم الذين يرون نور الله .. فإذا أتى قوم يجترئون عليها ويمنعون أن يذكر اسم الله فيها .. فمعنى ذلك أن المؤمنين القائمين على هذه المساجد ضعفاء الإيمان ضعفاء الدين تجرأ عليهم أعداؤهم .. لأنهم لو كانوا أقوياء ما كان يجرؤ عدوهم على أن يمنع ذكر اسم الله في مساجد الله .. أو أن يسعى إلي خرابها فتهدم ولا تقام فيها صلاة الجمعة .. ولكن ساعة يوجد من يخرب بيتا من بيوت الله .. يهب الناس لمنعه والضرب على يده يكون الإيمان قويا .. فإن تركوه فقد هان المؤمنون على عدوهم .. لماذا؟ لأن الكافر الذي يريد أن يطفئ مكان إشعاع نور الله لخلقه .. يعيش في حركة الشر في الوجود التي تقوى وتشتد كلما استطاع غير المؤمنين أن يمنعوا ذكر اسم الله في بيته وأن يخربوه.

وقول الحق سبحانه وتعالى: "أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين" .. أي أن هؤلاء الكفار ما كان يصح لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين أن يفتك بهم المؤمنون من أصحاب المسجد والمصلين فيه .. فإذا كانوا قد دخلوا غير خائفين .. فمعنى ذلك أن وازع الإيمان في نفوس المؤمنين قد ضعف.

قوله تعالى: "ومن أظلم" .. معناه أنه لا يوجد أحد أظلم من ذلك الذي يمنع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه .. أي أن هذا هو الظلم العظيم .. ظلم القمة .. وقوله تعالى: "وسعى في خرابها" .. أي في إزالتها أو بقائها غير صالحة لأداء العبادة .. والسعي في خراب المسجد هو هدمه.
ويختم الحق سبحانه الآية الكريمة بقولة: "لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" .. أي لن يتركهم الله في الدنيا ولا في الآخرة .. بل يصيبهم في الدنيا خزي .. والخزي هو الشيء القبيح الذي تكره أن يراك عليه الناس .. قوله تعالى: "لهم في الدنيا خزي" .. هذا مظهر غيرة الله على بيوته .. وانظر إلي ما أذاقهم الله في الدنيا بالنسبة ليهود المدينة الذين كانوا يسعون في خراب مساجد الله .. لقد أخذت أموالهم وطردوا من ديارهم .. هذا حدث .. وهذا معنى قوله تعالى الخزي في الدنيا .. أما في الآخرة فإن أعداء الله سيحاسبون حسابا عسيرا لتطاولهم على مساجد الله سبحانه،

ولكن في الوقت نفسه فإن المؤمنين الذين سكتوا على هذا وتخاذلوا عن نصرة دين الله والدفاع عن بيوت الله .. سيكون لهم أيضا عذاب أليم. أنني أحذر كل مؤمن أن يتخاذل أو يضعف أمام أولئك الذين يحاولون أن يمنعوا ذكر الله في مساجده .. لأنه في هذه الحالة يكون مرتكبا لذنبهم نفسه وربما أكثر .. ولا يتركه الله يوم القيامة بل يسوقه إلي النار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:28 pm

(ولله المشرق والمغرب فأين ما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " 115")

بعد أن بين الله سبحانه وتعالى جزاء الذين يخربون مساجد الله ويهدمونها .. ويمنعون أن يذكر فيها اسمه والعذاب الذي ينتظرهم في الآخرة أراد أن يذكرنا بأن تنفيذ هذا على مستوى تام وكامل عملية مستحيلة لأن الأرض كلها مساجد .. وتخريبها معناه أن تخرب الأرض كلها .. لأن الله تبارك وتعالى موجود في كل مكان فأينما كنتم فستجدون الله مقبلا عليكم بالتجليات.

وقوله تعالى: "فثم وجه الله" .. أي هناك وجه الله .. وقوله تعالى: "والله واسع عليم" .. أي لا تضيقوا بمكان التقاءاتكم بربكم؛ لأن الله واسع موجود في كل مكان في هذا الكون وفي كل مكان خارج هذا الكون .. ولكن إذا قال الله سبحانه وتعالى: "ولله المشرق والمغرب" لا يعني تحديد جهة الشرق أو جهة الغرب فقط .. ولكنه يتعداها إلي كل الجهات شرقها وغربها .. شمالها وجنوبها والشمال الشرقي والجنوب الغربي وكل جهة تفكر فيها.
ولكن لماذا ذكرت الآية الشرق والغرب فقط؟ لأن بعد ذلك كل الجهات تحدد بشروق الشمس وغروبها .. فهناك شمال شرقي وجنوب شرقي وشمال غربي وجنوب غربي .. كما إن الشرق والغرب معروف بالفطرة عند الناس .. فلا أحد يجهل من أين تشرق الشمس ولا إلي أين تغرب. فأنت كل يوم ترى شروقا وترى غروبا.
الله سبحانه وتعالى حين يقول: "ولله المشرق والمغرب" فليس معناها حصر الملكية لهاتين الجهتين ولكنه ما يعرف بالاختصاص بالتقديم .. كما تقول بالقلم كتبت وبالسيارة أتيت .. أي أن الكتابة هي خصوص القلم والإتيان خصوص السيارة .. وهذا ما يعرف بالاختصاص .. فهذا مختص بكذا وليس لغيره شيء فيه .. ولذلك فإن معنى: "ولله المشرق والمغرب" .. أن الملكية لله سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد .. وتغيير القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة ليس معناه أن الله تبارك وتعالى في بيت المقدس والاتجاه بعد ذلك إلي الكعبة ليس معناه أن الله جل جلاله في الكعبة.

إن توحيد القبلة ليس معناه أكثر من أن يكون للمسلمين اتجاه واحد في الصلاة .. وذلك دليل على وحدة الهدف .. فيجب أن تفرق بين اتجاه في الصلاة واتجاه في غير الصلاة .. اتجاه في الصلاة نكون جميعا متجهين إلي مكان محدد اختاره الله لنا لنتجه إليه في الصلاة .. والناس تصلي في جميع أنحاء العالم متجهة إلي الكعبة .. الكعبة مكانها واحد لا يتغير .. ولكن اتجاهنا إليها من بقاع الأرض هو الذي يتغير .. فواحد يتجه شمالا وواحد يتجه جنوبا وواحد يتجه شرقا وواحد يتجه غربا .. كل منا يتجه اتجاها مختلفا حسب البقعة التي يوجد عليها من الأرض .. ولكننا جميعا نتجه إلي الكعبة رغم اختلاف وجهاتنا إلا أننا نلتقي في اتجاهنا إلي مكان واحد.

الله جل جلاله يريدنا أن نعرف أننا إذا قلنا: "ولله المشرق" فلا نظن أن المشرق اتجاه واحد بل إن المشرق يختلف باختلاف المكان .. فكل مكان في الأرض له مشرق وله مغرب .. فإذا أشرقت الشمس في مكان فإنها في نفس الوقت تغرب في مكان آخر .. تشرق عندي وتغرب عند غيري .. وبعد دقيقة تشرق عند قوم وتغرب عند آخرين .. فإذا نظرت إلي الشرق وإلي الغرب بالنسبة لشروق الشمس الظاهري وغروبها .. تجد أن المشرق والمغرب لا ينتهيان من على سطح الأرض .. في كل دقيقة شروق وغروب.
وقوله تعالى: "إن الله واسع عليم" .. أي يتسع لكل ملكه لا يشغله شيء عن شيء ..
ولذلك عندما سئل الإمام على كرم الله وجهه .. كيف يحاسب الله الناس جميعا في وقت واحد؟
قال كما يرزقهم جميعا في وقت واحد ..
إذن فالله لا يشغله شيء عن شيء .. ولا يحتاج في عمله إلي شيء .. إنما عمله "كن فيكون".

************************************************** **********

( وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون" 116")

بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن له كل شيء في الكون لا يشغله شيء عن شيء .. أراد أن يرد على الذين حاولوا أن يجعلوا لله معينا في ملكه .. الذين قالوا اتخذ الله ولداً .. الله تبارك وتعالى رد عليهم أنه لماذا يتخذ ولدا وله ما في السماوات والأرض كل له قانتون ..
وجاء الرد مركزا في ثلاث نقاط ..
قوله تعالى: "سبحانه" أي تنزه وتعالى أن يكون له ولد ..
وقوله تعالى: "له ما في السماوات والأرض" .. فإذا كان هذا ملكه وإذا كان الكون كله من خلقه وخاضعا له فما حاجته للولد؟
وقوله سبحانه: "كل له قانتون" .. أي كل من في السماوات والأرض عابدون لله جل جلاله مقرون بألوهيته.
قضية إن لله سبحانه وتعالى ولداً جاءت في القرآن الكريم تسع عشرة مرة ومعها الرد عليها .. ولأنها قضية في قمة العقيدة فقد تكررت وتكرر الرد عليها مرة بعد أخرى .. وإذا نظرت للذين قالوا ذلك تجد أن هناك أقوالا متعددة .. هناك قول قاله المشركون .. واقرأ القرآن الكريم:

{ألا إنهم من إفكهم ليقولون "151" ولد الله وإنهم لكاذبون "152" أصطفى البنات على البنين "153"} (سورة الصافات)

وقول اليهود كما يروي لنا القرآن: {وقالت اليهود عزيز ابن الله } (من الآية 30 سورة التوبة)

وقول النصارى: {وقالت النصارى المسيح ابن الله } (من الآية 30 سورة التوبة)

ثم في قصة خلق عيسى عليه السلام من مريم بدون رجل .. الله سبحانه وتعالى يقول:

{وقالوا اتخذ الرحمن ولدا "88" لقد جئتم شيئا إدا "89" تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا "90" أن دعوا للرحمن ولدا "91" وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا "92" إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا "93"} (سورة مريم)

والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن هذا إدعاء خطير مستقبح مستنكر وممقوت .. لقد عالجت سورة مريم المسألة علاجا واسعا .. علاجا اشترك فيه انفعال كل أجناس الكون غير الإنسان .. انفعال السماوات والأرض والجبال وغيرها من خلق الله التي تلعن كل من قال ذلك .. بل وتكاد شعورا منها بفداحة الجريمة أن تنفطر السماء أي تسقط قطعا صغيرة .. وتنشق الأرض أي تتمزق .. وتخر الجبال أي تسقط كتراب .. كل هذا من هول ما قيل ومن كذب ما قيل .. لأن هذا الإدعاء افتراء على الله.
ولقد جاءت كل هذه الآيات في سورة مريم التي أعطتنا معجزة خلق عيسى .. كما وردت القضية في عدة سور أخرى.
والسؤال هنا ما هي الشبهة التي جعلتهم يقولون ولد الله؟ ما الذي جعلهم يلجأون إلي هذا الافتراء؟ القرآن يقول عن عيسى بن مريم .. كلمة الله ألقاها إلي مريم .. نقول لهم كلنا كلمة "كن". لماذا فتنتم في عيسى ابن مريم هذه الفتنة؟ والله سبحانه وتعالى يشرح المسألة فيقول:

{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون "59"} (سورة آل عمران)

قوله كمثل آدم لمجرد مجاراة الخصم .. ولكن المعجزة في آدم أقوى منها في عيسى عليه السلام .. أنتم فتنتم في عيسى لأن عنصر الأبوة ممتنع .. وآدم امتنع فيه عنصر الأبوة والأمومة .. إذن فالمعجزة أقوى .. وكان الأولى أن تفتنوا بآدم بدل أن تفتنوا بعيسى .. ومن العجيب أنكم لم تذكروا الفتنة في آدم وذكرتم الفتنة فيما فيه عنصر غائب من عنصرين غائبين في آدم .. وكان من الواجب أن تنسبوا هذه القضية إلي آدم ولكنكم لم تفعلوا. ورسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال له الله إن القضية ليست قضية إنكار ولكنها قضية كاذبة .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين "81" } (سورة الزخرف )

أي لن يضير الله سبحانه وتعالى أن يكون له ولد .. ولكن جل جلاله لم يتخذ ولدا .. فلا يمكن أن يعبد الناس شيئا لم يكن لله .. وإنما ابتدعوه واختلقوه .. الله جل جلاله يقول: "وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض" .. قوله تعالى: "بل له ما في السماوات والأرض" تعطي الله سبحانه وتعالى الملكية لكل ما في الكون .. والملكية تنافي الولدية .. لماذا؟ لأن الملكية معناها أن كل ما في الكون من خلق الله .. كل شيء هو خالقه بدون معارض .. ومادام هو خالقه وموجده .. فلا يمكن أن يكون هذا الشيء جزءا منه .. لأن الذي يخلق شيئا يكون فاعلا .. والفاعل له مفعول .. والمفعول لا يكون منه أبدا .. هل رأيت واحدا صنع صنعة منه؟ الذي يصنع سيارة مثلا .. هل صنعها من لحمه أو من لحم البشر؟ وكذلك الطائرة والكرسي والساعة والتليفزيون .. هل هذه المصنوعات من جنس الذي صنعها؟ طبعا لا.

إذن مادام ملكية .. فلا يقال إنها من نفس جنس صانعها .. ولا يقال إن الفاعل أوجد من جنسه .. لأن الفاعل لا يوجد من جنسه أبدا .. كل فاعل يوجد شيئا أقل منه .. فقول الله: "سبحانه" .. أي تنزيه له تبارك وتعالى .. لماذا؟ لأن الولد يتخذ لاستبقاء حياة والده التي لا يضمنها له واقع الكون .. فهو يحمل اسمه بعد أن يموت ويرث أملاكه .. إذن هو من أجل بقاء نوعه .. والذي يريد بقاء النوع لا يكفيه أن يكون له ولد واحد. لو فرضنا جدلا إن له ولداً واحداً فالمفروض أن هذا الولد يكون له .. ولكننا لم نر أولادا لمن زعموا أنه ابن الله .. وعندما وقبلما يوجد الولد ماذا كان الله سبحانه وتعالى يفعل وهو بدون ولد؟ وماذا استجد على الله وعلى كونه بعد أن اتخذ ولدا كما يزعمون .. لم يتغير شيء في الوجود .. إذن إن وجود ولد بالنسبة للإله لم يعطه مظهرا من مظاهر القوة .. لأن الكون قبل أن يوجد الولد المزعوم وبعده لم يتغير فيه شيء.

إذن فما سبب اتخاذ الولد؟ معونة؟ الله لا تضعف قوته .. ضمان للحياة؟ الله حياته أزليه .. هو الذي خلق الحياة وهو الذي يهبها وهو حي لا يموت .. فما هي حاجته لأي ضمان للحياة؟ الحق سبحانه وتعالى تنفعل له الأشياء .. أي أنه قادر على إبراز الشيء بمقتضى حكمه .. وهو جل جلاله له كمال الصفات أزلا .. وبكمال صفاته خلق هذا الكون وأوجده .. لذلك فهو ليس في حاجة إلي أحد من خلقه .. لأنه ساعة خلق كانت له كل صفات القدرة على الخلق .. بل قبل أن يخلق كانت له كل صفات الخالق وبهذه الصفات خلق .. والله سبحانه وتعالى كان خالقا قبل أن يوجد من يقهره .. وكان توابا قبل أن يوجد من يتوب عليه .. وبهذه الصفات أوجد وخلق ورزق وقهر وتاب على خلقه.

إذن كل هذا الكون لم يضف صفة من صفات الكمال إلي الله .. بل إن الله بكمال صفاته هو الذي أوجد. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في حديث قدسي: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص المحيط إذا غمس في البحر ..) ثم إذا كان لله سبحانه وتعالى زوجة وولد .. فمن الذي وجد أولا؟ .. إذا كان الله سبحانه وتعالى قد وجد أولا .. ثم بعد ذلك أوجد الزوجة والولد فهو خالق وهما مخلوقان .. وإن كان كل منهم قد أوجد نفسه فهم ثلاثة آلهة وليسوا إلها واحدا .. إذن فالولد إما أن يكون مخلوقا أو يكون إلها .. والكمال الأول لله لم يزده الولد شيئا .. ومن هنا يصبح وجوده لا قيمة له .. وحين يعرض الحق تبارك وتعالى هذه القضية يعرضها عرضا واسعا في كثير من سور القرآن الكريم وأولها سورة مريم في قوله تعالى:

{وقالوا اتخذ الرحمن ولداً "88" } (سورة مريم)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:28 pm

إنه سبحانه منزه عن التماثل مع خلقه .. لا بالذات ولا بالصفات ولا بالأفعال .. كل شيء تراه في الوجود .. الله منزه عنه .. وكل شيء يخطر على بالك فالله غير ذلك .. قوله تعالى: "له ما في السماوات والأرض" .. فتلك قضية تناقض اتخاذ الولد لأن كل ما في السماوات والأرض خاضع لله .. قوله تعالى؛ "كل له قانتون" .. أي خاضعون، وهذا يؤكد لنا أن كون الله في قبضة الله خاضع مستجيب اختيارا أو قهرا لأمر الله.

************************************************** *************

(بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون" 117")

بعد أن بين الله تبارك وتعالى .. أن قولهم اتخذ الله ولدا هو افتراء على الله .. أراد الحق أن يلفتنا إلي بعض من قدراته .. فقال جل جلاله: "بديع السماوات والأرض" .. أي خلق السماوات والأرض وكل ما فيها من خلق على غير مثال سابق .. أي لم يكن هناك سماء أو أرض أو ملائكة أو جن أو إنسان .. ثم جاء الله سبحانه وتعالى وأوجد متشابها لهم في شكل أو حجم أو قدرة .. أي أنه سبحانه لم يلجأ إلي ما نسميه نحن بالقالب. إن الذي يصنع كوب الماء يصنع أولا قالبا يصب فيه خام الزجاج المنصهر .. فتخرج في النهاية أكواب متشابهة .. وكل صناعة لغير الله تتم على أساس صنع القالب أولا ثم بعد ذلك يبدأ الإنتاج .. ولذلك فإن التكلفة الحقيقية هي في إعداد القالب الجيد الذي يعطينا صورة لما نريد .. والذي يخبز رغيفا مثلا قد لا يستخدم قالبا ولكنه يقلد شيئا سبق .. فشكل الرغيف وخامته سبق أن تم وهو يقوم بتقليدهما في كل مرة .. ولكنه لا يستطيع أن يعطي التماثل في الميزان أو الشكل أو الاستدارة .. بل هناك اختلاف في التقليد ولا يجود كمال في الصناعة.

وحين خلق الله جل جلاله الخلق من آدم إلي أن تقوم الساعة .. جعل الخلق متشابهين في كل شيء .. في تكوين الجسم وفي شكله في الرأس والقدمين واليدين والعينين .. وغير ذلك من أعضاء الجسم .. تماثلا دقيقا في الشكل وفي الوظائف .. بحيث يؤدي كل عضو مهمته في الحياة .. ولكن هذا التماثل لم يتم على قالب وإنما تم بكلمة كن .. ورغم التشابه في الخلق فكل منا مختلف عن الآخر اختلافا يجعلك قادرا على تمييزه بالعلم والعين .. فبالعلم كل منا له بصمة إصبع وبصمة صوت يمكن أن يميزها خبراء التسجيل .. وبصمة رائحة قد لا نميزها نحن ولكن تميزها الكلاب المدربة .. فتشم الشيء ثم تسرع فتدلنا على صاحبه ولو كان بين ألف من البشر .. وبصمة شفرة تجعل الجسد يعرف بعضه بعضا .. فإن جئت بخلية من جسد آخر لفظها. وإن جئت بخلية من الجسد نفسه اتحد معها وعالج جراحها.
وإذا كان هذا بعض ما وصل إليه العلم .. فإن هناك الكثير مما قد نصل إليه ليؤكد لنا أنه رغم تشابه بلايين الأشخاص .. فإن لكل واحد ما يميزه وحده ولا يتكرر مع خلق الله كلهم .. وهذا هو الإعجاز في الخلق ودليل على طلاقة قدرة الله في كونه. والله سبحانه وتعالى يعطينا المعنى العام في القرآن الكريم بأن هذا من آياته وأنه لم يحدث مصادفة ولم يأت بطريق غير مخطط بل هو معد بقدرة الله سبحانه .. فيقول جل جلاله:

{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين"22"}
(سورة الروم)

هذا الاختلاف يمثل لنا طلاقة قدرة الله سبحانه في الخلق على غير مثال .. فكل مخلوق يختلف عمن قبله وعمن بعده وعمن حوله .. مع أنهم في الشكل العام متماثلون .. ولو أنك جمعت الناس كلهم منذ عهد آدم إلي يوم القيامة تجدهم في صورة واحدة .. وكل واحد منهم مختلف عن الآخر .. فلا يوجد بشران من خلق الله كل منهما طبق الأصل من الآخر .. هذه دقة الصنع وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: "بديع" .. والدقة تعطي الحكمة .. والإبراز في صور متعددة يعطي القدرة .. ولذلك بعد أن نموت وتتبعثر عناصرنا في التراب يجمعنا الله يوم القيامة .. والإعجاز في هذا الجمع هو أن كل إنسان سيبعث من عناصره نفسها وصورته نفسها وهيئته نفسها التي كان عليها في الدنيا. ولذلك قال الحق سبحانه:

{قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ "4" } (سورة ق)

إذن الله سبحانه وتعالى بطلاقة قدرته في الإيجاد قد خلقنا .. وبطلاقة قدرته في إعادة الخلق يحيينا بعد الموت .. بشكلنا ولحمنا وصفاتنا وكل ذرة فينا .. هل هناك دقة بعد ذلك؟. لو أننا أتينا بأدق الصناع وأمهرهم وقلنا له: اصنع لنا شيئا تجيده. فلما صنعه قلنا له: اصنع مثله. إنه لا يمكن أن يصنع نموذجا مثله بالمواصفات نفسها؛ لأنه يفتقد المقاييس الدقيقة التي تمده بالمواصفات نفسها التي صنعها. إنه يستطيع أن يعطينا نموذجا متشابها ولكن ليس مثل ما صنع تماما. لكن الله سبحانه وتعالى يتوفى خلقه وساعة القيامة أو ساعة بعثهم يعيدهم بمكوناتهم نفسها التي كانوا عليها دون زيادة أو نقص.
وذلك لأنه الله جل جلاله لا يخلق وفق قوالب معينة، وإنما يقول للشيء: كن فيكون.

تقول الآية الكريمة: "بديع السماوات والأرض إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون".
"كن" وردت كثيرا في القرآن الكريم .. وفي اللغة شيء يسمى المشترك اللفظ يكون واحدا ومعانيه تختلف حسب السياق .. فمثلا كلمة قضى لها معاني متعددة ولها معنى يجمع كل معانيها .. مرة يأتي بها الحق بمعنى فرغ أو انتهى .. في قوله تعالى:

{فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا } (من الآية 200 سورة البقرة)

ومعناها إذا انتهيتم من مناسك الحج .. ومرة يقول سبحانه:

{فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } (من الآية 72 سورة طه)

والمعنى افعل ما تريد .. وفي آية أخرى يقول الله تعالى:

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم }
(من الآية 36 سورة الأحزاب)

والمعنى أنه إذا قال الله شيئا لا يترك للمؤمنين حق الاختيار .. ومرة يصور الله جل جلاله الكفار في الآخرة وهم في النار يريدون أن يستريحوا من العذاب بالموت: واقرأ قوله سبحانه:

{ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون "77" } (سورة الزخرف)

ليقض علينا هنا معناها يميتنا .. ومعنى آخر في قوله تعالى:

{وقال الشيطان لما قضى الأمر } (من الآية 22 سورة إبراهيم)

أي لما انتهى الأمر ووقع الجزاء .. وفي موقع آخر قوله سبحانه:

{فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله} (من الآية 29 سورة القصص)

قضى الأجل هنا بمعنى أتم الأجل وفي قوله تعالى:

{وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون } (من الآية 54 سورة يونس)

أي حكم وفصل بينهم .. وقوله جل جلاله:

{وقضينا إلي بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين } (من الآية 4 سورة الإسراء)

بمعنى أعلمنا بني إسرائيل في كتابهم ..

إذن "قضى" لها معان متعددة يحددها السياق .. ولكن هناك معنى تلتقي فيه كل المعاني .. وهو قضى أي حكم وهذا هو المعنى الأم. إذن معنى قوله تعالى: "إذا قضى أمرا" .. أي إذا حكم بحكم فإنه يكون على أننا يجب أن نلاحظ قول الحق: "وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن" .. معنى يقول له أن الأمر موجود عنده .. موجود في علمه .. ولكنه لم يصل إلي علمنا .. أي أنه ليس أمرا جديدا .. لأنه مادام الله سبحانه وتعالى قال: "يقول له" .. كأنه جل جلاله يخاطب موجودا .. ولكن هذا الموجود ليس في علمنا ولا نعلم عنه شيئا .. وإنما هو موجود في علم الله سبحانه وتعالى .. ولذلك قيل أن لله أمرواً يبديها ولا يبتديها .. إنها موجودة عنده لأن الأقلام رفعت، والصحف جفت .. ولكنه يبديها لنا نحن الذين لا نعلمها فنعلمها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:29 pm

سورة البقرة

(وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون " 118")

الحق سبحانه وتعالى حين قال: "الذين لا يعلمون" .. أي لا يعلمون عن كتاب الله شيئا لأنهم كفار .. وهؤلاء سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم الله .. ومعنى أن يكلمهم الله أن يسمعوا كلاما من الله سبحانه .. كما سمع موسى كلام الله. وماذا كانوا يريدون من كلام الله تبارك وتعالى .. أكانوا يريدون أن يقول لهم الله إنه أرسل محمداً رسولا ليبلغهم بمنهج السماء .. وكأن كل المعجزات التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ـ وعلى رأسها القرآن الكريم ـ لم تكن كافية لإقناعهم .. مع أن القرآن كلام معجز وقد أتى به رسول أمي .. سألوه عن أشياء حدثت فأوحى الله بها إليه بالتفصيل .. جاء القرآن ليتحدى في أحداث المستقبل وفي أسرار النفس البشرية .. وكان ذلك يكفيهم لو أنهم استخدموا عقولهم ولكنهم أرادوا العناد كلما جاءتهم آية كذبوا بها وطلبوا آية أخرى .. والله سبحانه وتعالى قد أبلغنا أنه لا يمكن لطبيعة البشر أن تتلقى عن الله مباشرة .. واقرأ قوله سبحانه:

{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء }
(من الآية 51 سورة الشورى)

إذن فالبشر حتى المصطفى من الله والمؤهل للتلقي عن الله .. لا يكلمه الله إلا وحيا أو إلهام خاطر أو من وراء حجاب كما كلم موسى .. أو يرسل رسولا مبلغا للناس لمنهج الله .. أما الاتصال المباشر فهو أمر تمنعه بشرية الخلق.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: "أو تأتينا آية" .. والآيات التي يطلبها الكفار ويأتي بها الله سبحانه وتعالى ويحققها لهم .. لا يؤمنون بها بل يزدادون كفرا وعنادا .. والله جل جلاله يقول:

{وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها}
(من الآية 59 سورة الإسراء)

إذن فالآيات التي يطلبها الكفار ليؤمنوا لا تجعلهم يؤمنون .. ولكن يزدادون كفرا حتى ولو علموا يقينا أن هذه الآيات من عند الله سبحانه وتعالى كما حدث لآل فرعون .. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

{فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين "13" وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين "14"} (سورة النمل)

وهكذا فإن طلبهم أن يكلمهم الله أو تأتيهم آية كان من باب العناد والكفر والحق سبحانه يقول: "كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم" .. فبنو إسرائيل قالوا لموسى أرنا الله جهرة .. الذين لا يعلمون قالوا لولا يكلمنا الله .. ولكن الذين قالوا أرنا الله جهرة كانوا يعلمون لأنهم كانوا يؤمنون بالتوراة .. فتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون .. لذلك قال الله تبارك وتعالى: "تشابهت قلوبهم" .. أي قلوب أولئك الذين كانوا خاضعين للمنهج والذين لا يخضعون لمنهج قد تشابهت بمنطق واحد. ولو أن الذين لا يعلمون قالوا ولم يقل الذين يعلمون لهان الأمر .. وقلنا جهلهم هو الذي أوحى إليهم بما قالوا .. ولكن ما عذر الذين علموا وعندهم كتاب أن يقولوا أرنا الله جهرة .. إذن فهناك شيء مشترك بينهم تشابهت قلوبهم في الهوى .. إن مصدر كل حركة سلوكية أو حركة جارحة إنما هو القلب الذي تصدر عنه دوافع الحركة .. ومادام القلب غير خالص لله فيستوى الذي يعلم والذي لا يعلم.

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: "قد بينا الآيات لقوم يوقنون" ..
ما هو اليقين؟
هو استقرار القضية في القلب استقرارا لا يحتمل شكا ولا زلزلة .. ولا يمكن أن تخرج القضية مرة أخرى إلي العقل .. لتناقش من جديد لأنه أصبح يقينا .. واليقين يأتي من إخبار من تثق به وتصبح أخباره يقينا .. فإذا قال الله قال اليقين .. وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فكلامه حق .. ولذلك من مصداقية الإيمان أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه .. عندما قيل له إن صاحبك يقول إنه صعد به إلي السماء السابعة وذهب إلي بيت المقدس في ليلة واحدة .. قال إن كان قد قال فقد صدق.

إن اليقين عنده نشأ من إخبار من يثق فيه وهذا نسميه علم يقين ..

وقد يرتقي الأمر ليصير عين يقين .. عندما ترى الشيء بعينك بعد أن حدثت عن رؤية غيرك له ..

ثم تدخل في حقيقة الشيء فيصبح حق يقين ..

إذن اليقين علم إذا جاء عن إخبار من تثق به .. وعين يقين إذا كان الأمر قد شوهد مشاهدة العين .. وحق يقين هو أن تدخل في حقيقة الشيء .. والله سبحانه وتعالى يشرح هذا في قوله تعالى:

{ألهاكم التكاثر "1" حتى زرتم المقابر "2" كلا سوف تعلمون "3" ثم كلا سوف تعلمون "4" كلا لو تعلمون علم اليقين "5" لترون الجحيم "6" } (سورة التكاثر)

هذه هي المرحلة الأولى أن يأتينا علم اليقين من الله سبحانه وتعالى ..

ثم تأتي المرحلة الثانية في قوله تبارك وتعالى: {ثم لترونها عين اليقين "7"} (سورة التكاثر)

أي أنتم ستشاهدون جهنم بأعينكم يوم القيامة .. هذا علم يقين وعين يقين ..

يأتي بعد ذلك حق اليقين في قوله تعالى:

{وأما إن كان من المكذبين الضالين "92" فنزل من حميم "93" وتصلية جحيم "94" إن هذا لهو حق اليقين "95" } (سورة الواقعة)

والمؤمن عافاه الله من أن يعاين النار كحق يقين .. إنه سيراها وهو يمر على الصراط .. ولكن الكافر هو الذي سيصلاها حقيقة يقين .. ولقد قال أهل الكتاب لأنبيائهم ما يوافق قول غير المؤمنين .. فاليهود قالوا لموسى: "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة" .. والمسيحيون قالوا لعيسى: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" قال: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" .. وهكذا شجع المؤمنون بالكتاب غير المؤمنين بأن يطلبوا رؤية الله ويطلبوا المعجزات المادية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:29 pm

(إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم " 119")

هنا لابد أن نلتفت إلي أن الله سبحانه وتعالى حينما يخبرنا عن قضية من فعله يأتي دائما بنون العظمة التي نسميها نون المتكلم .. ونلاحظ أن نون العظمة يستخدمها رؤساء الدول والملوك ويقولون نحن فلان أمرنا بما هو آت .. فكأن العظمة في الإنسان سخرت المواهب المختلفة لتنفيذ القرار الذي يصدره رئيس الدولة .. فيشترك في تنفيذه الشرطة والقضاء والدولة والقوات المسلحة إذا كان قرار حرب .. تشترك مواهب متعددة من جماعات مختلفة تتكاتف لتنفيذ القرار .. والله تبارك وتعالى .. فإذا تحدث الله جل جلاله عن فعل يحتاج إلي كمال المواهب من الله تبارك وتعالى يقول "إنا":

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9" } (سورة الحج)

ولكن حين يتكلم الله عن ألوهيته وحده وعن عبادته وحده يستخدم ضمير المفرد .. مثل قوله سبحانه:

{إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني وأقم الصلاة لذكري "14" } (سورة طه)

ولا يقول فاعبدنا .. إذن ففي كل فعل يأتي الله سبحانه بنون العظمة .. وفي كل أمر يتعلق بالعبادة والتوحيد يأتي بالمفرد .. وذلك حتى نفهم أن الفعل من الله ليس وليد قدرته وحدها .. ولا علمه وحده ولا حكمته وحدها ولا رحمته وحدها .. وإنما كل فعل من أفعال الله تكاملت فيه صفات الكمال المطلق لله.
إن نون العظمة تأتي لتلفتنا إلي هذه الحقيقة لتبرز للعقل تكامل الصفات في الله .. لأنك قد تقدر ولا تعلم .. وقد تعلم ولا تقدر، وقد تعلم وتغيب عنك الحكمة. إذن فتكامل الصفات مطلوب.

قوله تعالى: "إنا أرسلناك بالحق" يعني بعثناك بالحق رسولا .. والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير ولا يتناقض .. فإذا رأيت حدثا أمامك ثم طلب منك أن تحكي ما رأيت رويت ما حدث .. فإذا طلب منك بعد فترة أن ترويه مرة أخرى فإنك ترويه بنفس التفاصيل .. أما إذا كنت تكذب فستتناقض في أقوالك .. ولذلك قيل إن كنت كذوبا فكن ذكورا. إن الحق لا يتناقض ولا يتغير .. ومادام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل والإنذار هو الإخبار بشيء يسوؤك زمنه قادم ربما استطعت أن تتلافاه .. بشير بماذا؟ ونذير بماذا؟ يبشر من آمن بنعيم الجنة وينذر الكافر بعذاب النار .. والبشرى والإنذار يقتضيان منهجا يبلغ .. من آمن به كان بشارة له. ومن لا يؤمن كان إنذارا له. ثم يقول الحق جل جلاله: "ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" .. أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مسئولا عن الذين سيلقون بأنفسهم في النار والعذاب. إنه ليس مسئولا عن هداهم وإنما عليه البلاغ .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً "6" } (سورة الكهف)

ويقول جل جلاله:

{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين "3" إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين "4" } (سورة الشعراء)

فالله سبحانه وتعالى لو أرادنا أن نؤمن قسرا وقهرا .. ما استطاع واحد من الخلق أن يكفر .. ولكنه تبارك وتعالى يريد أن نأتيه بقلوب تحبه وليس بقلوب مقهورة على الإيمان .. إن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختارين أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا .. وليس لرسول أن يرغم الناس على الإيمان بالقهر .. لأن الله لو أراد لقهر كل خلقه. أما أصحاب الجحيم فهم أهل النار. والجحيم مأخوذة من الجموح .. وجمحت النار يعني اضطربت، وعندما ترى النار متأججة يقال جمحت النار .. أي أصبح لهيبها مضاعفا بحيث يلتهم كل ما يصل إليها فلا تخمد أبدا. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن رسوله صلى الله عليه وسلم .. أنه لا يجب أن ينشغل قلبه بالذين كفروا لأنه قد أنذرهم .. وهذا ما عليه، وهذه مهمته التي كلفه الله بها.

************************************************** ***********

(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله منولي ولا نصير " 120")

كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخل لؤم وكيد فيقولون هادنا، أي قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا .. يريد الله تبارك وتعالى أن يقطع على اليهود سبيل الكيد والمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم .. بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك .. وإنما هم يريدون أن تتبع أنت ملتهم .. أنت تريد أن يكونوا معك وهم يطمعون أن تكون معهم .. فقال الله سبحانه: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم" .. نلاحظ هنا تكرار النفي وذلك حتى نفهم أن رضا اليهود غير رضا النصارى .. ولو قال الحق تبارك وتعالى، ولن ترضى عنك اليهود والنصارى بدون لا .. لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضا واحد أو متفقون .. ولكنهم مختلفون بدليل أن الله تعالى قال:

{وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء }
(من الآية 113 سورة البقرة)

إذن فلا يصح أن يقال فلن ترضى عنك اليهود والنصارى .. والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن ترضى عنك اليهود ولن ترضى عنك النصارى .. وإنك لو صادفت رضا اليهود فلن ترضى عنك النصارى .. وإن صادفت رضا النصارى فلن ترضى عنك اليهود .. ثم يقول الحق سبحانه: "حتى تتبع ملتهم" .. والملة هي الدين وسميت بالملة لأنك تميل إليها حتى ولو كانت باطلا .. والله سبحانه وتعالى يقول:

{ولا أنتم عابدون ما أعبد "3" ولا أنا عابد ما عبدتم "4" ولا أنتم عابدون ما أعبد "5" لكم دينكم ولي دين "6" } (سورة الكافرون)

فجعل لهم دينا وهم كافرون ومشركون .. ولكن ما الذي يعصمنا من أن نتبع ملة اليهود أو ملة النصارى .. الحق جل جلاله يقول:

{قل إن الهدى هدى الله } (من الآية 73 سورة آل عمران)

فاليهود حرفوا في ملتهم والنصارى حرفوا فيها .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه هدى الله .. والهدى هو ما يوصلك إلي الغاية من أقصر طريق .. أو هو الطريق المستقيم باعتباره أقصر الطرق إلي الغاية .. وهدى الله طريق واحد، أما هدى البشر فكل واحد له هدى ينبع من هواه. ومن هنا فإنها طرق متشبعة ومتعددة توصلك إلي الضلال .. ولكن الهدى الذي يوصل للحق هو هدى واحد .. هدى الله عز وجل.
وقوله تعالى: "ولئن اتبعت أهواءهم" إشارة من الله سبحانه وتعالى إلي أن ملة اليهود وملة النصارى أهواء بشرية .. والأهواء جمع هوى .. والهوى هو ما تريده النفس باطلا بعيدا عن الحق .. لذلك يقول الله جل جلاله: "ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير" ..
والله تبارك وتعالى يقول لرسوله لو اتبعت الطريق المعوج المليء بالشهوات بغير حق .. سواء كان طريق اليهود أو طريق النصارى بعدما جاءك من الله من الهدى فليس لك من الله من ولي يتولى أمرك ويحفظك ولا نصير ينصرك. وهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن نقل معه وقفة لنتأمل كيف يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه .. فالله حين يوجه هذا الخطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام .. فالمراد به أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباع رسول الله الذين سيأتون من بعده .. وهم الذين يمكن أن تميل قلوبهم إلي اليهود والنصارى .. أما الرسول فقد عصمه الله من أن يتبعهم.
والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم يقينا أن ما لم يقبله من رسوله عليه الصلاة والسلام .. لا يمكن أن يقبله من أحد من أمته مهما علا شأنه .. وذلك حتى لا يأتي بعد رسول الله من يدعي العلم .. ويقول نتبع ملة اليهود أو النصارى لنجذبهم إلينا .. نقول له لا ما لم يقبله الله من حبيبه ورسوله لا يقبله من أحد. إن ضرب المثل هنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود به أن اتباع ملة اليهود أو النصارى مرفوض تماما تحت أي ظرف من الظروف، لقد ضرب الله سبحانه المثل برسوله حتى يقطع على المغرضين أي طريق للعبث بهذا الدين بحجة التقارب مع اليهود والنصارى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Empty
مُساهمةموضوع: رد: نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي   نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي - صفحة 6 Emptyالسبت أبريل 04, 2009 5:30 pm

(الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون" 121")

بعد أن بين الله سبحانه وتعالى .. أن اليهود والنصارى قد حرفوا كتبهم، أراد أن يبين أن هناك من اليهود والنصارى من لم يحرفوا في كتبهم .. وأن هؤلاء يؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام وبرسالته .. لأنهم يعرفونه من التوراة والإنجيل. ولو أن الله سبحانه لم يذكر هذه الآية لقال الذين يقرأون التوراة والإنجيل على حقيقتيهما .. ويفكرون في الإيمان برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لقالوا كيف تكون هذه الحملة على كل اليهود وكل النصارى ونحن نعتزم الإيمان بالإسلام .. وهذا ما يقال عنه قانون الاحتمال .. أي أن هناك عددا مهما قل من اليهود أو النصارى يفكرون في اعتناق الإسلام باعتباره دين الحق .. وقد كان هناك جماعة من اليهود عددهم أربعون قادمون من سيناء مع جعفر بن أبي طالب ليشهدوا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قرأوا التوراة غير المحرفة وآمنوا برسالته .. وأراد الله أن يكرمهم ويكرم كل من سيؤمن من أهل الكتاب .. فقال جل جلاله:

{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته} (من الآية 121 سورة البقرة)

أي يتلونه كما أنزل بغير تحريف ولا تبديل .. فيعرفون الحقائق صافية غير مخلوطة بهوى البشر .. ولا بالتحريف الذي هو نقل شيء من حق إلي باطل.

يقول الله تبارك وتعالى: "أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون" .. ونلاحظ أن القرآن الكريم يأتي دائما بالمقارنة .. ليكرم المؤمنين ويلقى الحسرة في نفوس المكذبين .. لأن المقارنة دائما تظهر الفارق بين الشيئين. إن الله سبحانه يريد أن يعلم الذين آتاهم الله الكتاب فلم يحرفوه وآمنوا به .. ليصلوا إلي النعمة التي ستقودهم إلي النعيم الأبدي .. وهي نعمة الإسلام والإيمان .. مقابل الذين يحرفون التوراة والإنجيل فمصيرهم الخسران المبين والخلود في النار.

**********************************************

( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين " 122")

لو رجعنا إلي ما قلناه عندما تعرضنا للآية (40) من سورة البقرة .. وقوله تعالى: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون" .. فالحق سبحانه وتعالى لم ينه الجولة مع بني إسرائيل قبل أن يذكرهم بما بدأهم به .. إنه سبحانه لا ينهي الكلام معهم في هذه الجولة .. إلا بعد أن يذكرهم تذكيرا نهائيا بنعمه عليهم وتفضيله لهم على كثير من خلقه .. ومن اكبر مظاهر هذا التفضيل .. الآية الموجودة في التوراة تبشر بمحمد عليه الصلاة والسلام وذلك تفضيل كبير.
التذكير بالنعمة هنا وبالفضل هو تقريع لبني إسرائيل أنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه مذكور عندهم في التوراة .. وكان يجب أن يأخذوا هذا الذكر بقوة ويسارعون للإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه تفضيل كبير من الله سبحانه وتعالى لهم .. والله جل جلاله قال حين أخذت اليهود الرجفة .. وطلب موسى عليه السلام من ربه الرحمة .. قال كما يروي لنا القرآن الكريم:

{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون "157" }
(سورة الأعراف)

*********************************************


(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون " 123")

هذه الآية الكريمة تشابهت مع الآية 48 من سورة البقرة .. التي يقول فيها الله تبارك وتعالى:
"واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون".

نقول إن هذا التشابه ظاهري .. ولكن كل آية تؤدي معنى مستقلا .. ففي الآية 48 قال الحق سبحانه: "ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل" .. وفي الآية التي نحن بصددها قال: "ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة" .. لماذا؟ لأن قوله تعالى "لا تجزي نفس عن نفس شيئا" .. لو أردنا النفس الأولى فالسياق يناسبها في الآية الأولى .. ولو أردنا النفس الثانية فالسياق يناسبها في الآية الثانية التي نحن بصددها .. فكأن معنا نفسين إحداهما جازية والثانية مجزي عنها .. والجازية هي التي تشفع .. فأول شيء يقبل منها هو الشفاعة .. فإن لم تقبل شفاعتها تقول أنا أتحمل العدل .. أي أخذ الفدية أو ما يقابل الذنب .. ولكن النفس المجزي عنها أول ما تقدم هو العدل أو الفداء .. فإذا لم يقبل منها تبحث عن شفيع .. ولقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل عند تعرضنا للآية 48 من سورة البقرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نصّ خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسير الشعراوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 6 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6
 مواضيع مماثلة
-
» وصايا نبوية بشرح فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله
» قطوف من السيرة النبوية:- العلامة المفسير الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمة الله
» دعاء بصـــوت الشيخ الشحات محمد انور رحمه الله
» غزوة الأحزاب لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ.
» الشيخ عبدالباسط عبدالصمد رحمه الله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات امل الزاوية :: المنتدى الاسلامي :: القرآن الكريم و التفسير-
انتقل الى: