| في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:14 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين( الكتاب الثالث
الكتاب الثالث الشعر والشعراء ********** " 1 " قصص وتاريخ
نظن أن أنصار القديم لا يطمعون منا في أن نغير لهم حقائق الأشياء أو أن نسمي هذه الحقائق بغير أسمائها ، لنبلغ رضاهم ونتجنب سخطهم ومهما نكن حِراصا على أن يرضوا ومهما نكن شديدي الكره لسخطهم فنحن على رضا الحق أحرص ، وللعبث بالحق والعلم أشد كرها .
ولن نستطيع أن نسمي حقاً ما ليس بالحق ، وتاريخاً ما ليس بالتاريخ . ولن نستطيع أن نعترف بأن ما يروي من سيرة هؤلاء الشعراء الجاهليين وما يضاف إليهم من الشعر تاريخ يمكن الإطمئنان إليه أو الثقة به ؛ وإنما كثرة هذا كله قصص وأساطير لا تفيد يقينا ولا ترجيحاً ، وإنما تبعث في النفوس ظنوناً وأوهاماً . وسبيل الباحث المحقق أن يستعرضها في عناية وأناة وبراءة من الأهواء والأغراض ، فيدرسها محللاً ناقداً مستقصياً في النقد والتحليل . فإن إنتهى من درسه هذا إلى حق أو شيء يشبه بكل ما ينبغي أن يحتفظ به من الشك الذي قد يحمله على أن يغير رأيه ويستأنف بحثه ونظره من جديد .
ذلك أن أخبار الجاهليين وأشعارهم لم تصل إلينا من طريق تاريخية صحيحه ، وإنما وصلت إلينا من هذه الطريق التي تصل منها القصص والأساطير : طريق الرواية والأحاديث ، طريق الفكاهة واللعب ، طريق التكلف والانتحال . فنحن مضطرون أمام هذا كله إلى أن نحتفظ بحريتنا كاملة ، وإلى أن نقاوم ميولنا وأهواءنا وفطرتنا التي هي مستعدة للتصديق والإطمئنان في سهولة ويسر . ونحن لا نعرف نصاً عربياً وصل إلينا من طريق تاريخية صحيحة يمكن أن نطمئن إليها قبل القرآن إلا طائفة من النقوش لا تثبت في الأدب حقا ولا تنفي منه باطلا . وهي إن أفادت في تاريخ الرسم وذك كل ما يمكن أن يؤخذ منها إلى الآن .
القرآن وحده هو النص العربي القديم الذي يستطيع المؤرخ أن يطمئن إلى صحته ويعتبره مشخصا للعصر الذي تلي فيه . فأما شعر هؤلاء الشعراء وخطب هؤلاء الخطباء وسجع هؤلاء الساجعين فلا سبيل إلى الثقة بها ولا إلى الإطمئنان إليها ، ولا سيما بعد ما بسطنا لك في الكتاب الأول من الأسباب التي تدعو إلى الشك في صحتها ، وبعد ما بسطنا لك في الكتاب الثاني من الأسباب التي كانت تحمل الناس على التكلف والانتحال .
وإذا فيجب أن يكون لمؤرخ الآداب العربية موقفان مختلفان : أحدهما أمام الأساطير والأقاصيص والأسمار التي تروى عن العصر الجاهلي . والثاني أمام النصوص التاريخية الصحيحة التي تبتدىء بالقرآن . وقد بينا لك في الكتاب الماضي أن هذا ليس شأن الآداب العربية وحدها ، وإنما هو شأن الآداب القديمة كلها ، وضربنا لك الأمثال بالأدب اليوناني والأدب اللاتيني . لولا أنا نحرص على الإيجاز لضربنا لك أمثالاً أخرى لطائفة من الآداب الحية الحديثة ؛ فلكل أدب قسمه الصحيح وقسمه المتكلف ، ولكل أمة تاريخها الصحيح وتاريخها المنتحل . ولسنا ندري لم يريد أنصار القديم أن يميزوا الأمة العربية والأدب العربي من سائر الأمم والآداب ؟ ومن الذي يستطيع أن يزعم ان الله قد وضع القوانين العامة لتخضع لها الإنسانية كلها إلا هذا الجيل الذي كان ينتسب إلى عدنان وقحطان؟ كلا! الجيل العربي كغيره من الأجيال خاضع لهذه القوانين العامة التي تسيطر على حياة الأفراد والجماعات .
للعرب خيالهم الشعبي . وهذا الخيال قد جدّ وعمل وأثمر ، وكانت نتيجة جدّه وعمله وإثماره هذه الأقاصيص والأساطير التي تروى لا عن العصر الجاهليّ وحده بل عن العصور الإسلامية التاريخية أيضاً .
وقد رأيت في فصولنا التي سميناها "حديث الأربعاء" أنا نشك في طائفة من هذه القصص الغرامية التي تروى عن العذريين وغيرهم من العشاق في العصر الأموي . ويجب حقاً أن نلغي عقولنا - كما يقول بعض الزعماء السياسيين - لنؤمن بأن كل ما يروى لنا عن الشعراء والكتاب والخلفاء والقواد والوزراء صحيح ، لأنه ورد في كتاب الأغاني أو في كتاب الطبري أو في كتاب المبّرد أو في سفر من أسفار الجاحظ . نعم يجب أن نلغي عقولنا وأن نلغي وجودنا الشخصي وأن نستحيل إلى كتب متحركة : هذا يحفظ الكامل لا يعدوه فيصبح نسخة من كتاب الكامل تمشي على رجلين وتنطق بلسان ؛ وهذا يحفظ كتاب البيان والتبين فيصبح نسخه منه ؛ وهذا يحفظ أخلاطا من هذه الكتب فيصبح مزاجاً غريباً يتكلم مرة بلسان الجاحظ وأخرى بلسان المبّرد وثالثة بلسان ثعلب ورابعة بلسان أبن سلاّم .
لأنصار القديم أن يرضوا لأنفسهم بهذا النحو من أنحاء الحياة العلمية . أما نحن فنأبى كل الإباء أن نكون أدوات حاكية أو كتبا متحركة ، ولا نرضى إلا أن تكون لنا عقول نفهم بها ونستعين بها على النقد والتمحيص في غير تحكم ولا طغيان . وهذه العقول تضطرنا ، كما أضطرت غيرنا من قبل ، إلى أن ننظر إلى القدماء كما ننظر إلى المحدثين دون أن ننسى الظروف التي تحيط بأولئك وهؤلاء . فأنا لا أقدس أحدا من الذين يعاصرونني ولا أبرئه من الكذب والانتحال ولا أعصمه من الخطأ والإضطراب . فإذا تحدث إليّ بشيء أو نقل لي عنه شيء ، فأنا لا أقبل حتى أنقد وأتحرّى ، وأحلل وأدقق في التحليل . وما أعرف أن أحدا من أنصار القديم أنفسهم يقدّس المعاصرين ويطمئن إليهم من غير نقد ولا تبصر . وآية ذلك أنهم يحيون حياتهم اليومية كما يحياها أنصار الجديد ؛ فهم يبيعون ويشترون ويدّخرون كما يبيع غيرهم وكما يشتري وكما يدّخر ، وهم يدّبرون أمورهم الخاصة كما يدبرها سائر الناس في مقدار من الذكاء والفطنة والحذر . فما بالهم يصطنعون ملكاتهم الناقدة بالقياس إلى المعاصرين ولا يصطنعونها بالقياس إلى القدماء ؟ وما بالهم إذا كانوا يحبّون التصديق والإطمئنان إلى هذا الحدّ لا يصدقون البائع حين يزعم لهم أن سلعته تساوي عشرين ، بل يعرضون عليه عشرة وأقل من عشرة ويساومون حتى ينتهوا إلى ما يريدون ؟ ولو أنهم صدّقوا المحدثين واطمأنوا إليهم كما يصدّقون القدماء ويطمئنون إليهم لكانوا مضرب الأمثال في الغفلة والبله والحمق ، ولكانت حياتهم كداَّ وضنكا وعناء . ولكنا نحمد لهم الله ، فهم بالقياس إلى معاصريهم أصحاب بصر بالأمور وفطنة بدقائقها وحيلة واسعة للتخلص من المآزق ؛ وهو يشترون اللحم كما نشتريه ويبذلون في الخبز والسمن مثل ما نبذل .
وإذاً فما مصدر هذه التفرقة التي يصطنعونها بين القدماء والمحدثين؟ ما لهم يؤمنون لأولئك ويشكّون في هؤلاء ؟
ليس لهذه التفرقة مصدر إلا هذه الفكرة التي تسيطر على نفوس العامة في جميع الأمم وفي جميع العصور، وهي أن القديم خير من الجديد وأن الزمان صائر إلى الشر لا إلى الخير ، وأن الدهر يسير بالناس القهقرى : يرجع بهم إلى وراء ولا يمضي بهم إلى أمام ... زعموا أن القمحة كانت في العصور الذهبية تعدل التفاحة العظيمة حجما ، ثم غضب الله على الناس فأخذت القمحة تتضاءل حتى وصلت إلى حيث هي الآن .
وزعموا أن الرجل من الأجيال القديمة كان من الطول والضخامة والقوّة بحيث كان يغمس يده في البحر فيأخذ منه السمك ثم يرفع يده في الجوّ فيشويه في جذوة الشمس ثم يهبط بيده إلى فمه فيزدرد شواءه ازدرادا .
وزعموا أن أهل الأجيال القديمة كانوا من الضخامة والجسامة بحيث استطاع بعض الملوك ، أو بعض الأنبياء ، أن يتخذ فخذ أحدهم جسرا يعبر عليه الفرات .
فالقديم خير من الجديد , والقدماء خير من المحدثين . يؤمن العامة بهذا إيمانا لا سبيل إلى زعزعته . وهذا الإيمان يتطوّر ويتغير ؛ ولكن أصله ثابت . فأصحاب الحضارة والمدنية الذين أخذوا من العلم بحظ لا يؤمنون بمثل هذه الأحاديث التي قدمتها لك ؛ ولكنهم يرون أن الأخلاق مثلا كانت أشدّ استيقاظا في العصور الأولى ، وأن الأفئدة كانت أشدّ ذكاء ، وأن الأبدان كانت أعظم حظا من الصحة . وعلى هذا النحو يكون تفضيل القديم ، لأنه قديم لا نراه من جهة ، ولأننا ساخطون بطبعنا على الحاضر من جهة أخرى .
فهل تظن أن الذين يثقون بخلف وحمَاد والأصمعي وأبي عمرو أبن العلاء يثقون بهم لشيء غير ما قدمت لك ؟ كلا ! كان هؤلاء الناس أحسن من المعاصرين أخلاقاً وأقل منهم ميلا إلى الكذب ، كانوا أذكى منهم أفئدة ، كانوا أقوى منهم حافظة ، كانوا أثقب منهم بصائر . لماذا لأنهم قدماء! لأنهم كانوا يعيشون في هذا العصر الذهبي! أليس العصر العباسي عصراً ذهبياً بالقياس إلى هذا العصر الذي نعيش فيه؟
أما نحن فلا نزعم أن القدماء كانوا شرا من المحدثين ، ولكنا لا نزعم أيضا أنهم كانوا خيرا منهم . وإنما أولئك وهؤلاء سواء ، ولا تفرّق بينهم إلا ظروف الحياة التي تصوّر طبائعهم صورا ملائمة لها دون أن تغير هذه الطبائع . كان القدماء يكذبون كما يكذب المحدثون ، وكان القدماء , يخطئون كما يخطىء المحدثون ، وكان حظ القدماء من الخطأ أعظم من حظ المدحثين ، لأن العقل لم يبلغ من الرقي في تلك العصور وما بلغ في هذا العصر ولم يستكشف من مناهج البحث والنقد ما أستكشف في هذا العصر . فإذا أخذنا أنفسنا بأن نقف أمام القدماء موقف الشك والاحتياط فلسنا غلاة ولا مسرفين ، وإنما نحن نؤدّي لعقولنا حقها ونؤدّي للعلم ماله علينا من دين . وإذا كنا نطلب إلى أنصار القديم شيئا فهو أن يكونوا منطقيين ، وأن يلائموا بين حياتهم حين يقرءون ويكتبون وحياتهم حين يبيعون ويشترون .
وإذاً فلنتناول مع الإيجاز الشديد من البحث عن الشعر والشعراء في العصر الجاهلي لنرى إلى أي شيء نستطيع أن نطمئن من هذه الأشعار والأخبار التي امتلأت بها الكتب والأسفار . | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:18 am | |
| 2 " امرؤ القيس - عبيد - عَلْقَمة
لعل أقدم الشعراء الذين يروى لهم شعر كثير ويتحدث الرواة عنهم بأخبار كثيرة فيها تطويل وتفصيل هو امرؤ القيس .
ونحن نعلم أن الرواة يتحدثون بأسماء طائفة من الشعراء زعموا أنهم عاشوا قبل أمرىء القيس وقالوا شعرا ، ولكنهم لا يروون لهؤلاء الشعراء إلا البيت أوالبيتين أو الأبيات . وهم لا يذكرون من أخبار هؤلاء الشعراء إلا الشيء القليل الذي لا يغني . وهم يعللون قلة الأخبار والأشعار التي يمكن أن تضاف إلى هؤلاء الشعراء ببعد العهد وتقادم الزمن وقلة الحفّاظ . وقد رأيت في الكتاب الماضي أن قليلا من النقد لما يضاف إلى هؤلاء الشعراء ينتهي بك إلى جحود ما يضاف إليهم من خبر أو شعر . فلندع هؤلاء الشعراء ولنقف عند أمرىء القيس وأصحابه الذين يظهر أن الرواة عرفوا عنهم ورووا لهم الشيء الكثير .
من امرؤ القيس؟ أما الرواة فلا يختلفون في أنه رجل من كنْدة . ولكن مَن كنْدة؟ لا يختلف الرواة في أنها قبيلة من قحطان ؛ وهم يختلفون بعض الإختلاف في نسبها وفي تفسير اسمها وفي أخبار سادتها . ولكنهم على كل حال يتفقون على أنها قبيلة يمانية ، وعلى أن امرأ القيس منها .
فأما اسم أمرىء القيس واسم أبيه واسم أمه فأشياء ليس من اليسير الاتفاق عليها بين الرواة ؛ فقد كان إسمه امرأ القيس ، وقد كان اسمه حندجا ، وكان اسمه قيسا . وقد كان اسم أبيه عمرا وقد كان اسم أبيه حجْرا أيضا . وكان اسم أمه فاطمة بنت ربيعة أخت مُهلْهِل وكُلَيْب ، وكان اسم أمه تَمْلك . وكان امرؤ القيس يعرف بأبي وهب ، وكان يعرف بأبي الحارث . ولم يكن له ولد ذكر . وكان يئد بناته جميعا . وكانت له إبنة يقال لها هند ؛ ولم تكن هند هذه إبنته وإنما كانت بنت أبيه . وكان يعرف بالملك الضِّلِّيل ، وكان يعرف بذي القروح .
وعليك أنت أن تستخلص من هذا الخليط المضطرب ما تستطيع أن تسميه حقا أو شيئا يشبه الحق . وأي شيء أيسر من أن تأخذ ما أتفقت عليه كثرة الرواة على أنه حق لا شك فيـه؟ وكثرة الرواة قد اتفقت على أن اسمه حندج بن حجر ، ولقبه امرؤ القيس ، وكنيته أبو وهب ؛ وأمه فاطمة بنت ربيعة . على هذا اتفقت الكثرة . وإذا اتفقت الكثرة على شيء فيجب أن يكون صحيحا أو على أقل تقدير يجب أن يكون راجحا .
أما أنا فقد أطمئن إلى آراء الكثرة ، أو قد أراني مكرها على الاطمئنان لآراء الكثرة ، في المجالس النيابية وما يشبهها . ولكن الكثرة في العلم لا تغني شيئا ؛ فقد كانت كثرة العلماء تنكر كروية الأرض وحركتها ، وظهر بعد ذلك أن الكثرة كانت مخطئة . وكانت كثرة العلماء ترى كل ما أثبت العلم الحديث أنه غير صحيح . فالكثرة في العلم لا تغني شيئا .
وإذاً فليس من سبيل إلى أن نقبل قول الكثرة في امرىء القيس ؛ وإنما السبيل أن نوازن بينه وبين ما تزعم القلة . وليس إلى هذه الموازنة المنتجة من سبيل إذا لا حظت ما قدّمناه في الكتاب الماضي من هذه الأسباب التي كانت تحمل على الانتحال وتكلف القصص .
وإذاً فلسنا نستطيع أن نفصل بين الفريقين المختلفين ، وإنما نحن مضطرون إلى أن نقبل ما يقول أولئك وهؤلاء على أن الناس كانوا يتحدثون به دون أن نعرف وجه الحق فيه . ولعل هذا وأشباهه من الخلط في حياة أمرىء القيس أوضح دليل على ما تذهب إليه من أن امرأ القيس إن يكن قد وجد حقا ـــ ونحن نرجح ذلك ونكاد نوقن به ـــ
فأن الناس لم يعرفوا عنه شيئاً إلا اسمه هذا ، وإلا طائفة من الأساطير والأحاديث تتصل بهذا الاسم .
وهنا يحسن أن نلاحظ أن الكثرة من هذه الأساطير والأحاديث لم تشع بين الناس إلا في عصر متأخر : وفي الرواة المدوّنين والقصاصين . فأكبر الظن إذاً أنها نشات في هذا العصر ولم تورث عن العصر الجاهلي حقا . وأكبر الظن أن الذي أنشأ هذه القصة ونماها إنما هو هذا المكان الذي احتلته قبيلة كندة في الحياة الإسلامية منذ تمت للنبي السيطرة على البلاد العربية إلى أواخر القرن الأول للهجرة .
فنحن نعلم أن وفدا من كندة وفد على النبي وعلى راسه الأشعث ابن قيس . ونحن نعلم أن هذا الوفد طلب - فيما تقول السيرة - إلى النبي أن يرسل معهم مفقِّها يعلمهم الدين . نحن نعلم أن كندة ارتدّت بعد موت النبي ، وأن عامل أبي بكر حاصرها في النُّجيْر وأنزلها على حكمه وقتل منها خلقا كثيرا وأوفد منها طائفة إلى أبي بكر فيها الأشعث ابن قيس الذي تاب وأناب وأصهر إلى أبي بكر فتزوّج أخته أم فروة ؛ وخرج- فيما يزعم الرواة- إلى سوق الإبل في المدينة فاستل سيفه ومضى في إبل السوق عقرا ونحرا حتى ظن الناس به الجنون ، ولكنه دعا أهل المدينة إلى الطعام وأدّى إلى أصحاب الإبل أموالهم ؛ وكانت هذه المجزرة الفاحشة وليمه عرسه . ونحن نعلم أن هذا الرجل قد اشترك في فتح الشام وشهد مواقع المسلمين في حرب الفرس ، وحسن بلاؤه في هذا كله ، وتولّى عملا لعثمان ، وظاهر عليا على معاوية ، وأكره عليا على قبول التحكيم في صِفِّين . ونحن نعلم أن ابنه محمد بن الأشعث كان سيِّدا من سادات الكوفة ، عليه وحده أعتمد زياد حين أعياه أخذ حجر بن عديّ الكندي . ونحن نعلم أن قصة حجر بن عديّ هذا وقتل معاوية إياه في نفر من أصحابه قد تركت في نفوس المسلمين عامة واليمنيين خاصة أثرا قويا عميقا مثّل هذا الرجل في صورة الشهيد . ثم نحن نعلم أن حفيد الأشعث بن قيس وهو عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث قد ثار بالحَجَّاج ، وخلع عبدالملك ، وعرّض دولة آل مروان للزوال ، وكان سبباً في إراقة دماء المسلمين من أهل العراق والشام ، وكان الذين قتلوا في حروبه يحصون فيبلغون عشرات الآلاف ، ثم انهزم فلجأ إلى ملك الترك ، ثم أعاد الكرة فتنقَّل في مدن فارس ، ثم أستياس فعاد إلى ملك الترك ، ثم غدر به هذا الملك فأسلمه إلى عامل الحجاج ، ثم قتل نفسه في طريق إلى العراق ، ثم احتُذّ رأسه وطوّف به في العراق والشام ومصر .
أفتظن أن أسرة كهذه الأسرة الكندية تنزل هذه المنزلة في الحياة الإسلامية وتؤثر هذه الآثار في تاريخ المسلمين لا تصطنع القصص ولا تأجر القصّاص لينشروا لها الدعوة ويذيعوا عنها كل ما من شانه أن يرفع ذكرها ويبعد صوتها؟ بلى ! ويحدّثنا الرواة أنفسهم أن عبدالرحمن بن الأشعث اتخذ القصّاص وأجرهم كما اتخذ الشعراء وأجزل صلتهم : كان له قاص يقال له عمرو بن ذرّ ؛ وكان شاعره أعشى هَمْدان .
فما يروى من أخبار كندة في الجاهلية متأثر من غير شك بعمل هؤلاء القصاص الذين كانوا يعملون لآل الأشعث . وقصة أمرىء القيس بنوع خاص تشبه من وجوه كثيرة حياة عبدالرحمن أبن الأشعث . فهى تمثل لنا امرأ القيس مطالبا بثأر أبيه . وهل ثأر عبدالرحمن عند الذين يفقهون التاريخ إلا منتقما لحجر بن عدىّ؟ وهي تمثل لنا امرأ القيس طامعا في الملك . وقد كان عبدالرحمن بن الأشعث يرى إنه ليس أقل من بني أمية استئهالا للملك ؛ وكان يطالب به . وهي تمثل لنا امرأ القيس متنقلا في قبائل العرب . وقد كان عبدالرحمن أبن الأشعث متنقلا في مدن فارس والعراق . وهي تمثل امرأ القيس لاجئاً إلى قيصر مستعيناً به . وقد كان عبدالرحمن ابن الأشعث لاجئاً إلى ملك الترك مستعيناً به . وهي تمثل لنا أخيراً امرأ القيس وقد غدر به قيصر بعد أن كاد له أسديّ في القصر . وقد غدر ملك الترك بعبدالرحمن بعد أن كاد له رسل الحجاج . وهي تمثل لنا بعد هذا وذاك امرأ القيس وقد مات في طريقه عائداً من بلاد الروم . وقد مات عبدالرحمن في طريقه عائداً من بلاد الترك.
أليس من اليسير أن نقترض بل أن نرجح أن حياة امرئ القيس كما يتحدّث بها الرواة ليست إلا لوناً من التمثيل لحياة عبدالرحمن أستحدثه القصاص إرضاء لهوى الشعوب اليمنية في العراق واستعاروا له اسم الملك الضِّلِّيل أتّقاء لعمال بني أمية من ناحية ، وأستغلالاً لطائفة يسيرة من الأخبار كانت تعرف عن هذا الملك الضليل من ناحية أخرى؟
* * * * *
ستقول : وشعر امرئ القيس ما شأنه؟ وما تأويله؟ وتأويله أيسر . فأقل نظر في هذا الشعر يلزمك أن تقسمه إلى قسمين : أحدهما يتصل بهذه القصة التي قدمنا الإشارة إليها . وإذاً شأنه شأن هذه القصة انتحل لتفسيرها أو تسجيلها ، وانتحل لتمثيل هذا التنافس القوي الذي كان قائماً بين قبائل العرب وأحيائهم في الكوفة والبصرة . وأقل درس لهذا الشعر يقنعك ، وإن كنت من الذين يألفون البحث الحديث ، بأن هذا الشعر الذي يضاف إلى امرئ القيس ويتصل بقصته إنما هو شعر إسلامي لا جاهلي ، قيل وانتحل لهذه الأسباب التي أشرنا إليها ولأسباب أخرى فصلناها في القسم الثاني من هذا الكتاب . فهذا أحد القسمين . وأما القسم الثاني فشعر لا يتصل بهذا القصة ، وإنما يتناول فنوناً من القول مستقلة من الأهواء السياسية والحزبية . ولنا في هذا القسم رأي نسطره بعد حين .
وخلاصـة هذا البحث القصير أن شخصية امرئ القيس- إذا فكرت- أشبه شيء بشخصية الشاعر اليوناني هوميروس . لا يشك مؤرُّخو الآداب اليونانية الآن في أنها قد وجدت حقاً ، وأثرت في الشعر القصصي حقاً ، وكان تأثيرها قوياً باقياً ، ولكنهم لا يعرفون من أمرها شيئاً يمكن الإطمئنان إليه ، وإنما ينظرون إلى هذه الأحاديث التي تروى عنه كما ينظرون إلى القصص والأساطير لا أكثر ولا أقل . فأمرؤ القيس هو الملك الضِّلِّيل حقاً : نريد أنه الملك الذي لا يعرف عنه شيء يمكن الإطمئنان إليه . هو ضُلُّ بن قُل كما يقول أصحاب المعاجم اللغوية . ومن غريب الأمر أن طائفة من الشعر تنسب إلى امرئ القيس على أنه قالها حينما كان متنقلاً في القبائل العربية يمدح بها هذه ويهجو تلك ، وتتصل بهذه الأشعار طائفة من الأخبار تبين نزول امرئ القيس في هذه القبيلة ، وإلتجاءه إلى تلك القبيلة ، وجواره عند فلان ، وإستعانته بفلان ، وأن شيئاً مثل هذا يلاحظ في حياة هوميروس ؛ فهو - فيما يزعم رواة اليونان - قد تنتقل في المدن اليونانية فلقي من بعضها الكرامة والتجلة ، ومن بعضها الإعراض والإنصراف ومؤرّخو الآداب اليونانية يفسرون في هذه الأحاديث على أنها مظهر من مظاهر التنافس بين المدن اليونانية : كلها يزعم لنفسه أنه ضيّف هوميروس أو نشّأة أو أجاره أو عطف عليه .
ونحن نذهب هذا المذهب نفسه في تفسير هذه الأخبار والأشعار التي تمس تنقُّل امرئ القيس في قبائل العرب . فهي محدَثة انتحلت حين تنافست القبائل العربية في الإسلام وحين أرادت كل قبيلة وكل حي أن تزعم لنفسها من الشرف والفضل أعظم حظ ممكن . وقد أحس القدماء بعض هذا ؛ فصاحب الأغاني يحدّثنا أن القصيدة القافية التي تضاف إلى امرئ القيس على أنه قالها يمدح بها السموءل حين لجأ إليه منحولةُ نحلها دارم بن عقال ؛ لم ينحل القصيدة وحدها وإنما نحل القصة كلها وانتحل ما يتصل بها أيضاً : نحل قصة ابن المسوءل الذي قتل بمنظر من أبيه حين أبى تسليم أسلحة امرئ القيس ، نحل قصة الأعشى الذي استجار بشريح بن السموءل وقال فيه هذا الشعر المشهور : | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:19 am | |
| شريـحُ لا تتركنّـي بعـدمـا عَلِـقـتْ حبالـك اليـوم بعـد الـقـدّ أظـفـاري قد جُلت ما بيـن بانقيـا إلـى عَـدَنٍ وطال في العجم تَرْدادي وتَسْياري فـكـان أكرمـهـم عـهـدا وأوثـقـهـم مجـدا أبــوك بـعـرف غـيـر إنـكـار كالغيث ما استمطروه جـاد وابلُـه وفي الشدائد كالمستأسد الضـاري كن كالمسوءل إذ طاف الهُمام بـه فـي جحفـل كهـزيـع اللـيـل جــرّار إذا سـامــه خـطَّـتَـيّ فــقــال لــــه قـل مـا تشـاء فإنـي سـامـع حــار فـقـال غــدرُ وثُـكـل أنــت بينهـمـا فاختـر ومـا فيهمـا حــظ لمخـتـار فشـطّ غـيـر طـويـلِ ثــم قــال لــه أُقتـل أسيـرك إنــي مـانـع جــاري أنــا لــه خـلـف إن كـنــت قـاتـلَـه وإن قتـلـت كريـمـا غـيــر غـــوّار وسـوف يُعقبنـيـه إن ظـفـرتَ بــه ربٌّ كـريـم وبِـيــضُ ذاتُ أطـهــار لا سِــرُّهــن لـديــنــا ذاب هـــــدرا وحافظات إذا أستودعـن أسـراري فأختارَ أدراعـه كـي لا يسـبّ بهـا ولــم يـكـن وعــده فيـهـا بـخـتّـار
ثم كانت هذه القصة المنتحلة سبباً في إنتحال قصة أخرى هي قصة ذهاب امرئ القيس إلى القسطنطينية وما يتصل بها من الأشعار . منتحلة هذه القصيدة الرائية الطوية التي مطلعها :
سما لك شوقُ بعد ما كان أقصرا = وحلّتْ سليمى بطن ظبْي فعَرْعرا
1 سما لك شوقُ بعد ما كان أقصرا وحلّتْ سليمى بطن ظبْي فعَرْعرا
منتحل هذا الشعر الذي قاله امرؤ القيس حين دخل الحمام مع قيصر والذي ننزه هذا الكتّاب عن روايته . منتحل هذا الحب الذي يقال إن امرأ القيس أضمره لابنه قيصر . منتحلة هذه الأشعار التي تضاف إلى امرئ القيس حين أحس السم وهو قافل من بلاد الروم . كل هذا منتحل لأنه يفسر هذه الأحاديث التي شاعت ، لتلك الأسباب التي قدّمناها .
وإذا لم يكن بد من إلتماس الأدلة الفنية على إنتحال هذا الشعر ، فقد نحب أن نعرف كيف زار امرؤ القيس بلاد الروم وخالط قيصر حتى دخل معه الحمام وفتن ابنته ورأى مظاهر الحضارة اليونانية في قسطنطينية ولم يظهر لذلك أثر ما في شعره : لم يصف القصر ولم يذكره ، لم يصف كنيسة من كنائس قسطنطينية ، لم يصف هذه الفتاة الأمبراطورية التي فتنها ، لم يصف الروميات ، لم يصف شيئاً ما يمكن أن يكون رومياً حقاً . ثم يكفي أن تقرأ هذا الشعر لتحس فيه الضعف والإضطراب والجهل بالطريق إلى قسطنطينية .
ومهما يكن من شيء فإن السذاجة وحدها هي التي تعيننا على أن نتصوّر أن شاعراً عربياً قديماً قال هذا الشعر الذي يضاف إلى امرئ القيس في رحلته إلى بلاد الروم وقفوله منها .
وإذا رأيت معنا أن كل هذا الشعر الذي يتصل بسيرة امرئ القيس إنما هو من عمل القصّاص فقد يصح أن نقف معك وقفة قصيرة عند هذا القسم الثاني من شعر امرئ القيس وهو الذي لا يفسر سيرته ولا يتصل بها . ولعل أحق هذا الشعر بالعناية قصيدتان إثنتان :
الأولى : * فــقــا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * والثانية : * ألا أنعم صباحاً أيـهـــا الطلل البالي *
فأما ما عدا هاتين القصيدتين فالضعف فيه ظاهر والاضطراب فيه بين والتكلف والإسفاف يكادان يلمسان باليد . وقد يكون لنا أن نلاحظ قبل كل شيء ملاحظة لا أدري كيف يتخلص منها أنصار القديم ، وهي أن امرأ القيس - إن صحت أحاديث الرواة - يمنيّ وشعره قرشي اللغة ، لا فرق بينه وبين القرآن في لفظه وإعرابه وما يتصل بذلك من قواعد الكلام . ونحن نعلم ــ كما قدّمناه ــ أن لغة اليمن مخالفة كل المخالفة للغـة الحجاز ، فكيف نظم الشاعر اليمني شعره في لغة أهل الحجاز ؟ بل في لغة قريش خاصة ؟ سيقولون : نشأ امرؤ القيس في قبائل عدنان وكان أبوه ملكاً على بني أسد وكانت أمه من بني تغلب وكان مهلهل خاله ، فليس غريباً أن يصطنع لغة عدنان ويعدل عن لغة اليمن . ولكننا نجهل هذا كله ولا نستطيع أن نثبته إلا من طريق هذا الشعر الذي ينسب إلى امرئ القيس . ونحن بشك في هذا الشعر ونصفه بأنه منتحل .
وإذاً فنحن ندور : نثبت لغة امرئ القيس التي نشك فيها بشعر امرئ القيس الذي نشك فيه . على أننا أمام مسألة أخرى ليست أقل من هذه المسألة تعقيداً . فنحن لا نعلم ولا نستطيع أن نعلم الآن أكانت لغة قريش هي اللغة السائدة في البلاد العربية أيام امرئ القيس؟ وأكبر الظن أنها لم تكن لغة العرب في ذلك الوقت وأنها إنما أخذت تسود في أواسط القرن السادس للمسيح وتمت لها السيادة بظهور الإسلام كما قدّمناه .
وإذاً فكيف نظم امرؤ القيس اليمني شعره في لغة القرآن مع أن هذه اللغة لم تكن سائدة في العصر الذي عاش فيه امرؤ القيس؟ وأعجب من هذا أنك لا تجد مطلقاً في شعر امرئ القيس لفظاً أو أسلوباً أو نحواً من أنحاء القول يدل على أنه يمنيّ . فمهما يكن امرؤ القيس قد تأثر بلغة عدنان فكيف نستيطع أن نتصوّر أن لغته الأولى قد محيت من نفسه محواً تاماً ولم يظهرها أثر ما في شعره؟ تظن أن أنصار القديم سيجدون كثيراً من المشقة والعناء ليحلّوا هذه المشكلة . ونظن أن إضافة هذا الشعر إلى امرئ القيس مستحيلة قبل أن تحل هذه المشكلة .
على أننا نحب أن نسأل عن شيء آخر ؛ فامرؤ القيس إبن أخت مهلهل وكليب إبني ربيعة - فيما يقولون - ، وأنت تعلم أن قصة طويلة عريضة قد نسجت حول مهلهل وكليب هذين ، هي قصة البسوس وهذه الحرب التي اتصلت أربعين سنة - فيما يقول القصاص - وأفسدت ما بين القبيلتين الأختين بكر وتغلب . فمن العجيب ألا يشير امرؤ القيس بحرف واحد إلى مقتل خاله كليب ، ولا إلى بلاء خاله مهلهل ، ولا إلى هذه المحن التي أصابت أخواله من بني تغلب ، ولا هذه المآثر التي كانت لأخواله على بنى بكر .
وإذاً فأينما وجّهت فلن تجد إلا شكاً : شكا في القصة ، شكا في اللغة ، شكا في النسب ، شكا في الرحلة ، شكا في الشعر . وهم يريدون بعد هذا أن نؤمن ونطمئن إلى كل ما يتحدث به القدماء عن امرئ القيس ! نعم نستطيع أن نؤمن وأن نطمئن لو أن الله رزقنا هذا الكسل العقلي الذي يحبب إلى الناس أن يأخذوا بالقديم تجنبا للبحث عن الجديد . ولكن الله لم يرزقنا هذا النوع من الكسل ، فنحن نؤثر عليه تعب الشك ومشقة البحث .
وهذا البحث ينتهي بنا إلى أن أكثر هذا الشعر الذي يضاف لامرئ القيس ليس من امرئ القيس في شيء وإنما هو محمول عليه حملاً ومختلق عليه اختلاقاً ، حمل بعضه العرب أنفسهم ، وحمل بعضه الآخر الرواة الذين دوّنوا الشعر في القرن الثاني للهجرة .
ولننظر في المعلَّقة نفسها ، فلسنا نعرف قصيدة يظهر فيها التكلف والتعامل أكثر مما يظهران في هذه القصيدة . ولا نحفل بقصة تعليق هذه القصائد السبع أو العشر على الكعبة أو في الدفاتر . فما نظن أن انصار القديم يحفلون بهذه القصة التي نشأت في عصر متأخر جدّاً والتي لا يثبتها شيء في حياة العرب وعنايتهم بالآداب . ولكننا نلاحظ أن القدماء أنفسهم يشكون في بعض هذه القصيدة فهم يشكون في صحة هذين البيتين :
ترى بعر الآرام في عَرَصَاتها = وقِيعــــانهــا كأنــــه حـــبُّ فُلفـــل كأنى غداة البين يوم تحمــــلَّوا = لدى سَمُرَات الحىّ ناقف حنظــــل
1 2 ترى بعر الآرام فـي عَرَصَاتهـا وقِيعانـهـا كـأنـه حـــبُّ فُـلـفـل كأنى غداة البيـن يـوم تحملَّـوا لدى سَمُرَات الحىّ ناقف حنظل | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:19 am | |
| وهم يشكون في هذه الأبيات :
وقربة أقوام جعلتُ عِصامَهــا = على كاهـــــل مني ذَلُول مرحــــّل ووادٍ كجوف العَير قفرٍ قطعتُه = به الذئبُ يعوي كالخليـــــع المعيّل فقلت له لما عــوى إن شأننـا = قليــــلُ إن كنـــت لمّــــــا تمــــــوّل كلانا إذا ما نال شيئــــاً أفاتــه = ومن يحترث حَرْثي وحرثك يهزل
1
2
3
4 وقـربـة أقــوام جعـلـتُ عِصامَـهـا علـى كاهـل مـنـي ذَلُــول مـرحّـل ووادٍ كجـوف العَيـر قـفـرٍ قطعـتُـه به الذئبُ يعـوي كالخليـع المعيّـل فقلـت لـه لـمـا عــوى إن شأنـنـا قـلـيــلُ إن كــنــت لــمّــا تــمــوّل كـلانـا إذا مــا نــال شيـئـاً أفـاتـه ومن يحترث حَرْثي وحرثك يهزل
وهم بعد هذا يختلفون إختلافاً كثيراً في رواية القصيدة : في ألفاظها وفي ترتيبها ، ويضعون لفظاً مكان لفظ وبيتاً مكان بيت . وليس هذا الاختلاف مقصوراً على هذه القصيدة ، وإنما يتناول الشعر الجاهليّ كله . وهو اختلاف شنيع يكفي وحده لحملنا على الشك في قيمة هذا الشعر . وهو إختلاف قد أعطى للمستشرقين صورة سيئة كاذبة من الشعر العربي ، فخّيل إليهم أنه غير منّسق ولا مؤتلف ، وأن الوحدة لا وجود لها في القصيدة ، وأن الشخصية الشعرية لا وجود لها في القصيدة أيضاً ، وأنك تستطيع أن تقدّم وتؤخر وأن تضيف إلى الشاعر شعر غيره دون أن تجد في ذلك حرجاً أو جناحاً مادمت لم تخلّ بالوزن ولا بالقافية .
وقد يكون هذا صحيحاً في الشعر الجاهلي ، لأن كثرة هذا الشعر منتحلة مصطنعة . فأما الشعر الإسلامي الذي صحّت نسبته لقائليه فأنا أتحدى أي ناقد أن يبعث به أقل عبث دون أن يفسده . وأنا أزعم أن وحدة القصيدة فيه بينة ، وأن شخصية الشاعر فيه ليست أقل ظهوراً منها في أي شعر أجنبي . وإنما جاء هذا الخطأ من إتخاذ هذا الشعر الجاهلي نموذجاً للشعر العربي ، مع أن هذ الشعر الجاهلي - كما قدّمناه - لا يمثل شيئاً ولايصلح إلا نموذجاً لعبث القصّاص وتكلف الرواة .
ونظن أن أنصار القديم لا يخالفون في أن هذين البيتين قلقان في القصيدة وهما :
وليل كموج البحر أرخى سدوله = عليّ بأنواع الهمــــوم ليبتلي فقلت له لمّـــــــا تمطَّى بُصلبـــه = وأردف أعجازاً وناء بكَلْكَل
1 2 وليل كموج البحر أرخى سدوله علـيّ بـأنـواع الهـمـوم ليبتـلـي فقلـت لـه لـمّـا تمـطَّـى بُصلـبـه وأردف أعـجـازاً ونــاء بكَـلْـكَـل
فقد وضع هذان البيتان للدخول على البيت الذي يليهما وهو :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي = بصبح وما الإصباح منك بأمثل
1 ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل
وهذان البيتان أشبه بتكلف المشطر والمخمّس منهما بأي شيء آخر .
فإذا فرغنا من هذا الشعر الذي لا نكاد نختلف في أنه دخيل في القصيدة ، فقد نستطيع أن نرد القصيدة إلى أجزائها الأولى . وهذه الأجزاء هي : أولاً وقوف الشاعر على الدار وما يتصل بذلك من بكاء وإعوال ، ثم ذكره أيام لهوه مع العذارى ، ثم عتابه لصاحبته وما يتصل بذلك من وصف خليلته ، ثم ذكر الليل والإستطراد منه إلى الصيد وما يتوسّل به إلى الصيد من وصف الفرس ، ثم ذكر البرق وما يتبعه من السيل .
ولنسرع إلى القول بأن وصف اللهو مع العذارى وما فيه من فحش أشبهُ بأن يكون من انتحال الفرزدق منه بأن يكون جاهلياً . فالرواة يحدّثوننا أن الفرزدق خرج في يوم مطير إلى ضاحية البصرة فاتبع آثاراً حتى انتهى إلى غدير وإذا فيه نساء يستحممن فقال : ما أشبه هذا اليوم بيوم دارة جُلْجُل ، وولى منصرفاً ؛ فصاح النساء به : يا صاحب البغلة ؛ فعاد إليهن فسألنه وعزمن عليه ليحدّثنهن بحديث دارة جلجل ؛ فقص عليهّن قصة امرئ القيس وأنشدهنّ قوله :
أَلاَ ربّ يوم لك منهنّ صالح = ولا سيما يوم بدارة جلجل
1 أَلاَ ربّ يوم لك منهنّ صالح ولا سيما يوم بـدارة جلجـل
(الأبيات)
والذين يقرءون شعر الفرزدق ويلاحظون فحشه وغلظته وأنه قد ليم على هذا الفحش وعلى هذه الغلظة لا يجدون مشقة في أن يضيفوا إليه هذه الأبيات ، فهي بشعره أشبه . وكثيراً ما كان القدماء يتحدّثون بمثل هذه الأحاديث يضيفونها إلى القدماء وهم ينتحلونها من عند أنفسهم . ومهما يكن من شيء ، فلغة هذه الأبيات كلغة القصيدة كلها عدنانية قرشية يمكن أن تصدر عن شاعر إسلامي اتخذ لغة القرآن لغة أدبية .
أما وصف امرئ القيس لخليلته ، وزيارته إياها ، وتجشّمه ما تجشم للوصول إليها ، وتخوّفها الفضيحة حين رأته ، وخروجها معه وتعفيتها آثارهما بذيل مرطها ، وما كان بينهما من لهو ، فهو أشبه بشعر عمر بن أبي ربيعة منه بأي شيء آخر . فهذا النحو من القصص الغرامي في الشعر فنّ عمر بن أبي ربيعة قد أحتكره إحتكاراً ولم ينازعه فيه أحد . ولقد يكون غريباً حقاً أن يسبق امرؤ القيس إلى هذا الفنّ ويتخذ فيه هذا الأسلوب ويعرف عنه هذا النحو ، ثم يأتي ابن أبي ربيعة فيقلده فيه ولا يشير أحد من النقاد إلى أن ابن أبي ربيعة قد تأثر بأمرئ القيس مع أنهم قد أشاروا إلى تأثير امرئ القيس في طائفة من الشعراء في أنحاء من الوصف . فكيف يمكن أن يكون امرؤ القيس هو منشىء هذا الفن من الغزل الذي عاش عليه ابن أبي ربيعة والذي كوّن شخصية ابن أبي ربيعة الشعرية ولا يعرف له ذلك ؟
وأنت إذا قرأت قصيدة أو قصيدتين من شعر ابن أبي ربيعة لم تكد تشك في أن هذا الفن فنه أبتكره إبتكاراً وأستغله إستغلالاً قوياً ، وعرفت العرب له هذا . وقل مثل هذا في القصص الغرامي الذي تجده في قصيدة امرئ القيس الأخرى : "ألا أنعم صباحاً أيها الطلل البالي" . ففي هذا القصص الفاحش فنّ ابن أبي ربيعة وروح الفرزدق . ونحن نرجح إذاً أن هذا النوع من الغزل إنما أضيف إلى امرئ القيس ، وأضافه رواة متأثرون بهذين الشاعرين الإسلاميين .
بقي الوصف ، ولاسيما وصف الفرس والصيد . ولكننا نقف فيه موقف الترذّد أيضاً . واللغة هي التي تضطرنا إلى هذا الموقف . فالظاهر أن امرأ القيس كان قد نبغ في وصف الخيل والصيد والسيل والمطر . والظاهر أنه قد استحدث في ذلك أشياء كثيرة لم تكن مألوفة من قبل . ولكن أقال هذه الأشياء في هذا الشعر الذي بين أيدينا أم قالها في شعر آخر ضاع وذهب به الزمان ولم يبق منه إلا الذكرى وإلا جملُ مقتضبه أخذها الرواة فنظموها في شعر محدّث نسّقوه ولفّقوه وأضافوه إلى شاعرنا القديم؟ هذا مذهبنا الذي نرجحه . فنحن نقبل أن امرأ القيس هو أول من قيّد الأوابد ، وشبه الخيل بالعصي والعقبان وما إلى ذلك ، ولكننا نشك أعظم الشك في أن يكون قد قال هذه الأبيات التي يرويها الرواة . وأكبر الظن أن هذا الوصف الذي نجده في المعلّقة وفي اللامية الأخرى فيه شيء من ريح امرئ القيس ، ولكن من ريحه ليس غير .
هناك قصيدة ثالثة نجزم نحن بأنها منتحلة إنتحالاً . وهي القصيدة البائية التي يقال إن امرأ القيس أنشأها يخاصم بها عَلْقمة بن عَبَدَة الفحل ، وأن أم جندب زوج امرئ القيس قد غلّبت علقمة على زوجها . وأنت تجد القصيدتين في ديوان امرئ القيس وديوان علقمة . فأما قصيدة امرئ القيس فمطلعها :
خليليّ مُرّا بي على أم جندب = نقضِّ لُبانات الفؤاد المعذَّب
1 خليليّ مُرّا بي على أم جندب نقضِّ لُبانات الفـؤاد المعـذَّب | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:19 am | |
| وأما قصيدة علقمة فمطلعها :
ذهبت من الهجران في كل مذهبِ = ولم يك حقــاًّ هذا التجنُّـــب
1 ذهبت من الهجران في كل مذهبِ ولــم يـــك حـقــاًّ هـــذا التـجـنُّـب
ويكفى أن نقرأ هذين البيتين لتحس فيهما رقة إسلامية ظاهرة . على أن النظر في هاتين القصيدتين سيقفك على أن هذين الشاعرين قد تواردا على معان كثيرة بل على ألفاظ كثيرة بل على أبيات كثيرة تجدها بنصها في القصيدتين معاً ، وعلى أن البيت الذي يضاف إلى علقمة وبه ربح القضية يروى لأمرئ القيس ، وهو :
فأدركهن ثانياً من عنانه = يمرّ كمرّ الرائح المتحلّب
1 فأدركهن ثانياً من عنانه يمرّ كمرّ الرائح المتحلّب
والبيت الذي خسر به امرؤ القيس القضية يروى لعلقمة وهو :
فللسوطِ أُلهوبٌ وللساق درّة = وللزجر منه وقعُ أهوجَ مِتـْعَبِ
1 فللسوطِ أُلهـوبٌ وللسـاق درّة وللزجر منه وقعُ أهوجَ مِتْعَبِ
وأنت تسطيع أن تقرأ القصيدتين دون أن تجد فيهما فرقاً بين شخصية الشاعرين ، بل أنت لا تجد فيها شخصية ما ، وإنما تحس أنك تقرأ كلاماً غريباً منظوماً في جمع ما يمكن جمعه ، من وصف الفرس جملة وتفصيلاً . وأكبر الظن أن علقمة لم يفاخر امرأ القيس ، وأن أم جندب لم تحكم بينهما ، وأن القصيدتين ليستا من الجاهلية في شيء ، وإنما هما صنع عالم من علماء اللغة لسبب من تلك الأسباب التي أشرنا في الكتاب الماضي إلى أنها كانت تحمل علماء اللغة على الانتحال . وكان أبو عبيدة والأصمعي يتنافسان في العلم بالخيل ووصف العرب إياها : أيهما أقدر عليه وأحذق به . وما نظن إلا أن هاتين القصيدتين وأمثالهما أثر من آثار هذا النحو من التنافس بين العلماء من أهل الأمصار الإسلامية المختلفة .
وهنا وقفة أخرى لابد منها . ذلك أن امرأ القيس لا يذكر وحده وإنما يذكر معه من الشعراء علقمة - كما رأيت - وعَبيد بن الأبرص . فأما علقمة فلا يكاد الرواة يذكرون عنه شيئاً إلا مفاخرته لأمرئ القيس ومدحه ملكاً من ملوك غَسَّان ببائيته التي مطلعها :
طحا بِكَ قلبٌ للحسان طروبُ = بعيْد الشباب عصر حان
1 طحا بِكَ قلبٌ للحسان طروبُ بعيْـد الشـبـاب عـصـر حــان
مشيبُ
وإلا أنه كان يتردّد على قريش ويناشدها شره ، وإلا أنه مات بعد ظهور الإسلام أي في عصر متاخر جداً بالقياس إلى امرئ القيس الذي مهما يتأخر فقد مات قبل مولد النبي ، والذي نرى نحن أنه عاش قبل القرن السادس وربما عاش قبل القرن الخامس أيضاً .
وأما عبيد فقد إلتمسنا في سيرته وما يضاف إليه من الشعر ما يعيننا على إثبات شخصية امرئ القيس وشعره فكانت النتيجة محزنة جداً . ذلك أنها انتهت بنا إلى أن نقف من عبيد وشعره نفس الموقف الذي وقفناه من امرئ القيس وشعره . وليس علينا في ذلك ذنب ؛ فالرواة لا يحدّثوننا عن عبيد بشيء يقبل التصديق . إنما عبيد عند الرواة والقصَّاص شخص من أصحاب الخوارق والكرامات ، كان صديقاً للجنّ والسماء معاً ، عُمّر عمرا طويلاً يصلون به إلى ثلاثة قرون ومات مِيتة منكرة : قتله النعمان بن المنذر أو المنذر بن ماء السماء في يوم بؤســه . والرواة يعرفون شيطان عبيد . واسم هذا الشيطان هبيد ، وقد حاول بعضهم أن يرسل هذا المثل "لولا هبيد ما كان عبيد" . وقد رووا لهبيد هذا شعرا وزعموا أنه أراد أن يلهم الشعر ناساً غير عبيد فلم يوفق . ولعبيد مع الجنّ أحاديث لا تخلو من لذة وعجب . ولكن كل ما نقرأ من أخبار عبيد لا يعطينا من شخصيته شيئاً ولا يبعث الإطمئنان إلا في أنفس العامة أو أشباه العامة .
فأما شعر عبيد فليس أشدّ من شخصيته وضوحاً . فالرواة يحدّثوننا بأنه مضطرب ضائع . وابن سلاّم يحدّثنا في موضع من كتابه "طبقات الشعراء" أنه لم يبق من شعر عبيد وطرفه إلا قصائد بقدر عشر ، ولكنه يحدّثنا في موضع آخر أنه لا يعرف له إلا قوله :
أقفر من أهله ملحوبُ = فالقُطَبِيات فالذّنـــوب
1 أقفر من أهله ملحوبُ فالقُطَبِيـات فالـذّنـوب
ثم يقول ابن سلاّم : ولا أدرى ما بعد ذلك . ولكن رواة آخرين يروون هذه القصيدة كاملة ويروون له شعراً آخر في هجاء امرئ القيس ومعارضته ، وفي إستعطاف حُجْر على بني أسد . ويكفي أن نقرأ هذه القصيدة التي قدّمنا مطلعها لتجزم بأنها منتحلة لا أصل لها . وحسبك أنه يثبت فيها وحدانية الله وعلمه على نحو ما يثبتهما القرآن فيقول :
والله ليس له شريكُ = عَلاَّمُ ما أخفت القلوبُ
1 والله ليـس لـه شريـكُ عَلاَّمُ ما أخفت القلوبُ
فأما شعره الآخر الذي عارض فيه امرأ القيس وهجا فيه كندة فلا حظَّ له من صحة فيما نعتقد . وذلك أن فيه إسفافاً وضعفاً وسهولة في اللفظ والأسلوب لا يمكن أن تضاف إلى شاعر قديم . ويكفى أن تقرأ هذه القصيدة التي أوّلها :
ياذا المخوّفنا بقتـــــ = ـــل أبيــه إذلالا وحينا أزعمت أنك قد قتلــ = ــت سراتنا كذبا ومينا
1 2 يـاذا المخوّفنـا بـقـت ل أبيـه إذلالا وحيـنـا أزعمت أنـك قـد قتـل ت سراتنا كذبا ومينا | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:20 am | |
| لتعرف أنها من عمل القصّاص ، وأن الشّعر وأشباهه إنما هو من أثر التنافس بين العصبية اليمنية والمضرية .
ولولا أننا نؤثر الإيجاز ونحرص عليه لروينا لك هذا الشعر ووضعنا لك على مواضيع التوليد فيه ؛ ولكن الرجوع إلى هذا الشعر يسير والحكم عليه أيسر . وإذاً فكل شعر امرئ القيس الذي يتصل بشعر عبيد هذا منحول أيضاً كشعر عبيد .
وقد رأيت من هذه الإلمامة القصيرة بهؤلاء الشعراء الثلاثة :
(امرئ القيس وعبيد وعلقمة) أن الصحيح من شعرهم لا يكاد يذكر وأن الكثرة المطلقة من هذا الشعر مصنوعة لا تثبت شيئاً ولا تنفي شيئاً بالقياس إلى العصر الجاهلي ؛ لا نستثنى من ذلك إلا قصيدتين إثنتين لعلقمة :
الأولى : * طحــا بك قلــــبُ للحسان طـــروبُ * والثانية : * هل ما علمت وما أستودعت مكتوم *
فقد يمكن أن يكون لهاتين القصيدتين نصيب من الصحة مع شيء من التحفظ في بعض أبيات القصيدة الثانية . ولكن صحة هاتين القصيدتين لا تمس رأينا في الشعر الجاهلي ؛ فقد رأيت أن علقمة متأخر العصر جداً ، وأنه مات بعد ظهور الإسلام ، ورأيت أيضاً أنه كان يأتي قريشا ويعرض عليها شعره . على أننا احتفظنا لأنفسنا بالشك في بعض أبيات القصيدة الثانية يظهر فيها التوليد ؛ وهي هذه الأبيات التي يذهب فيها الشاعر مذهب الحكمة وضرب المثل .
********** " 3 " عمرو بن قَمِيئة - مهلهل - جليلة
وشاعران آخران يتصل ذكرهما بذكر امرئ القيس . كان أحدهما فيما يقول الرواة - صديقاً له ، صحبه في رحلته في قسطنطينية ، ولم يعد من هذه الرحلة كما لم يعد امرؤ القيس ، وهو عمرو بن قميئة . وكان الآخر خال امرئ القيس - فيما يقول الرواة - وهو مهلهل بن ربيعة .
ولابد من وقفة قصيرة عند هذين الشاعرين فسترى بعد قليل من التفكير أن حياتهما ليست أوضح ولا أثبت من حياة امرئ القيس وعبيد ، وأن شعرهما ليس أصح ولا أصدق من شعر امرئ القيس وعبيد .
ولنلاحظ قبل كل شيء أن بين امرئ القيس وعمر بن قميئة شبهاً غريباً ؛ فقد كان امرؤ القيس يسمى الملك الضلِّيل . وفسرنا نحن هذا الاسم تفسيراً غير الذي اتفق عليه الرواة وأصحاب اللغة ، فقلنا إنه الملك المجهول الذي لا يعرف عنه شيء ، قلنا ضُلَُ بن قُلّ . وكانت العرب تسمي عمرو بن قميئة عمرا الضائع . فأما المتأخرون من الرواة بعد الإسلام فقد التمسوا لهذه التسمية تفسيراً فوجدوه في سهولة ويسر ، أليس قد رحل مع امرئ القيس في القسطنطينية ؟ أليس قد مات في هذه الرحلة ؟ فهو إذاً عمرو الضائع لأنه ضاع في غير قصد ولا توجه . أما نحن فنفسر هذا الاسم كما فسرناه اسم امرئ القيس ، ونرى أن عمرو بن قميئة ضاع كما ضاع امرؤ القيس من الذكرة ، ولم يعرف من أمره شيء إلا اسمه هذا كما لم يعرف من أمر امرئ القيس ولا من أمر عبيد إلا اسمهما ، ووضعت له قصة كما وضعت لكل من صاحبه قصة ، وحمل عليه شعر كما حمل على صاحبيه الشعر أيضاً .
قال الرواة : إن ابن قميئة عُمَّر طويلاً وعرف امرأ القيس وقد انتهت به السن إلى الهرم ، ولكن امرأ القيس أحبه واستصحبه في رحلته رغم سنه . قال ابن سلاّم : إن بني أقيِّش كانوا يدّعون بعض شعر امرئ القيس لعمرو بن قميئة ، وليس هذا بشيء . وفي الحق أن هذا ليس بشيء ؛ فإن هذا الشعر لا يمكن أن يكون لعمرو بن قميئة كما لا يمكن أن يكون لامرئ القيس فهو شعر محدَث محمول .
وإذا كان عمرو بن قميئة لم يعرف امرأ القيس ، إلا بعد أن تقدّمت به السن وأدركه الهرم فيجب أن يكون قد قال الشعر قبل امرئ القيس الذي لم تتقدم به السن . والرواة يزعمون أن ابن قميئة قال الشعر في شبابه الأول . وإذاً فليس امرؤ القيس هو أول من فتح للناس باب الشعر . ولكن ما لنا نقف عند شيء كهذا والرواة يضطربون فيه اضطرابا شديداً ؟ فهم يزعمون أن أول من قصَّدَ القصائد مهلهل بن ربيعة خال امرئ القيس . وكأن امرأ القيس إنما جاءه الشعر من قِبل أمه . ومعنى ذلك أن الشعر عدناني لا قحطاني . ومن هنا نشأت نظرية أخرى تزعم أن الشعر يماني كله ، ُبدئ بأمرئ القيس في الجاهلية وختم بأبي نُوّاس في الإسلام . فأنت ترى أنا حين نقف عند مسألة كهذه لا نتجاوز العصبية بين عدنان وقحطان . ولكن سترى أكثر من هذا بعد قليل .
قصة عمرو بن قيمئة التي يرويها الرواة ليست شيئاً قيماً ، وإنما هي حديث كغيره من الأحاديث ؛ فهم يزعمون أن أباه تُوفـّي عنه طفلاً فكفله عمه ؛ ونشأ عمرو جميلاً وضيء الطلعة فكلِفت به امرأة عمه وكتمت ذلك حتى إذا غاب زوجها لأمر من أموره أرسلت إلى الفتى ، فلما جاء دعته إلى نفسها ، فامتنع وفاءً لعمه وامتناعاً عن منكر الأمر ، وانصرف . ولكنها حنقت عليه وألقت على أثره جفنة ، حتى إذا عاد زوجها أظهرت الغضب والغيظ وقصّت على زوجها الأمر وكشفت عن الأثر ؛ فغضب الرجل على ابن أخيه . وهنا يختلف الرواة ، فمنهم من يزعم أنه همّ بقتله ، فهرب إلى الحيرة ، ومنهم من يزعم أنه أعرض عنه . ومهما يكن من شيء فقد اعتذر الشاب إلى عمه في شعر نروي لك منه طرفاً لتلمس بيدك ما فيه من سهولة ولين وتوليد :
خليليّ لا تستعجـــلا أن تـــــزوّدا وأن تجمعا شملي وتنتظرا غــدا فما لبثي يومـــــاً بسائق مغنــــم ولا سرعتي يوماً بسائقة الرّدَى وإن تنظرا في اليوم أفضِ لُبانة وتستوجبــا مَنـَّا عليّ وتُحمــــــدا لعمرك ما نفـس بجــــــدٍّ رشيدةُ تؤامرني ســـــوءاً لأصِرم مرثَدا وإن ظهرت مني قوارصُ جّمةُ وأُفرغ مـن لؤمي مراراً وأُصعدا على غير جُرم أن أكون جنيته سوى قــــول بـاغ كادني فتجهّدا لعمري لنعــم المرء تدعـــو بخلة إذا ما المنــــادي في المقامــــة نددا عظيـم رمـــــاد القــدر لا متعــــبّس ولا مؤيــس منهــــا إذا هــو أوقــــدا وإن صرّحت كَحْلٌ وهبَّتْ عَرِيـَّةُ من الريح لم تترك من المال مرقــدا صبرت على وطء الموالي وخطبهم إذا ضـــنّ ذو القربى عليهم وأخمدا ولم يحــم حـــــُرْم الحي إلا محافــظُ كريــــــم المحيّا ماجـــــد غير أجردا ونظن أن النظر في هذه القصة وفي القصيدة يكفى ليقتنع القارئ بأننا أمام شيء منتحل متكلف لا حظ له من صدق . وليس خيراً من هذه القصيدة هذا الشعر الذي يقال إن عمرو بن قميئة أنشأه لمّا تقدّمت به السنّ يصف به هرمه وضعفه . ولعله قاله قبل أن يرتحل مع امرئ القيس إلى بلاد الروم . ويزعم الشعبي ، أو من روى عن الشعبي أن عبد الملك بن مروان تمثل به في علّته التي مات فيها .
وهو :
كأني وقــد جاوزت ُ تسعيـــن حِجـَّة خلعـــتُ بهــــا عني عِنـــــانَ لجامي على الراحتينِ مــــرّة وعلى العصــا أنــــوء ثـــــــلاثاً بعدهـــــن قيــــامي رمتني بناتُ الدهر من حيث لا أرى فما بـــــــال مـــن يُرْمَى وليس بـرام فلو أنّ مـــا أُرْمَى بنبـــــــل رميتهـــا ولكنمـــــا أُرْمَـــى بغيــــــر سهــــــام إذا رآني النـــــــاس قالــــــوا ألم يكن حديثـــــاً جديد البــــــرى غير كَهـام وأفنى ومــــــــا أُفْنى من الدهـــر ليلة وما يُفنـــــى ما أفنيت سلــــك نظامي وأهلكـــني تأميــــــــل يـــــــــومٍ وليلةٍ وتأميـــــلُ عـــــامٍ بعد ذاك وعـــــــام
فنحن نستطيع بعد هـــذا أن نضيــف عمــرو بن قميئـــة إلى صاحبيــه الضائعيـن : (عبيد وامرئ القيس) ، وأن ننتقل إلى مهلهل ، لنرى ماذا يمكن أن يثبت لنا من أمره وشعره .
فأما أمره فنظن أنه يسير لا سبيل إلى الإختلاف فيه . فيجب أن نبلغ من السذاجة حظاً غير قليل لنسلم بما كان يتحدّث به الرواة من أمر هذه القصة الطويلة العريضة : قصة البسوس . ونظن أن الاتفاق يسير على أن هذه القصة قد طوّلت ونميت وعظم أمرها في الإسلام حين اشتدّ التنافس بين ربيعة ومضر من ناحية ، وبين بَكْر وتَغْلِب من ناحية أخرى . وليس مهلهل في حقيقة الأمر إلا بطل هذه القصة ؛ فقد عظم أمره وأرتفع شأنه بمقدار ما نميت هذه القصة وطُول فيها . ولسنا ننكر أن خصومة عنيفة كانت بين القبيلتين الشقيقتين بكر وتغلب في العصور الجاهلية القديمة ، وأن هذه الخصومة قد انتهت إلى حروب سفكت فيها الدماء وكثرت فيها القتلى ؛ ولكن أسباب هذه الخصومة ومظاهرها وأعراضها وآثارها الأدبية قد ذهبت كلها ولم يبق منها إلا ذكرى ضئيلة تناولها القصاص فأستغلّوها إستغلالاً قوياً ، ووجدت بكر وتغلب وربيعة كلها حاجتها في هذا الإستغلال . ولم لا ؟ ألم تكن النبوّة والخلافة ومظاهرها الشرف كلها لمضر في الإسلام ؟ وكيف يستطيع العرب من ربيعة أن يؤمنوا لمضر بهذه السيادة وهذا المجد دون أن يثبتوا لأنفسهم في قديم العهد على أقل تقدير مجداً وشرفاً وسيادة ؟ وقد فعلوا : فزعموا أنهم كانوا سادة العرب من عدنان في الجاهلية : كان منهم الملوك والسادة ، وكان منهم الذين قاوموا طغيان اللخميين في العراق والغَسّانيين في الشام ، وكان منهم الذين هزموا جيوش كسرى في يوم ذي قار . لمضر إذاً حديث العرب بعد الإسلام ، ولربيعة قديم العرب قبل الإسلام . فإذا لاحظت إلى هذا ما كان من الخصومة الفعلية بين ربيعة ومضر أيام بني أمية وما كان من الخصومة الأدبية بين جرير شاعر مضر الذي يقول :
إنّ الــذي حــرم المكــارمَ تَغْلِبــًا = جعــل النبــوّة والخــلافة فينـا هذا أبن عمي في دِمَشْــقَ خليفـة = لو شئــت ساقكـــُمُ أليّ قطينــا
1
2 إنّ الـذي حـرم المـكـارمَ تَغْلِـبًـا جـعـل النـبـوّة والخـلافـة فيـنـا هذا أبن عمي في دِمَشْقَ خليفة لـو شئـت ساقـكُـمُ ألــيّ قطيـنـا | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:20 am | |
| وبين الأخطل الذي يقول :
أبني كُلَيْــبٍ عَمََََّّّـــى اللـــَّذا = قتــلا الملوكَ وفكَّكا الأغلالا
1 أبنـي كُلَـيْـبٍ عَـمََََّّّـى الـلَّـذا قتلا الملوكَ وفكَّكا الأغلالا
نقول إذا لاحظت كل هذه الخصومات لم يصعب عليك أن تتصوّر كثرة الانتحال في القصص والشعر حول ربيعة عامّة وحول هاتين القبيلتين من ربيعة خاصة ، وهما بكر وتغلب . على أن بعض الرواة كانوا يظهرون كثيراً من الشك فيما كانت تتحدّث به بكر وتغلب من أمر هذه الحروب .
ومهما يكن من شيء فليست شخصية مهلهل بأوضح من شخصية امرئ القيس أو عبيد أو عمرو بن قميئة ؛ وإنما تركت لنا قصة البسوس منه صورة هي إلى الأساطير أقرب منها إلى أي شيء آخر . ومن هنا قال ابن سلاّم إن العرب كانت ترى أن مهلهلاً لم يتكثر ويدّعي في شعره أكثر مما يعمل . والحق أن مهلهلاً لم يتكثر ولم يدَّع شيئاً ، وإنما تكثرت تغلب في الإسلام ونحلته ما لم يقل . ولم تكتف بهذا الانتحال بل زعمت أنه أوّل من قصّد القصيد وأطال الشعر ، ثم أحسّت ما نحس الآن أو أحسه الرواة أنفسهم وهو أن في هذا الشعر اضطراباً وإختلاطاً ، فزعمت ، أو زعم الرواة ، أنه لهذه الإضطراب والإختلاط سمّي مهلهلاً ، لأنه هلهل الشعر . والهلهلة الإضطراب . ويستشهد ابن سلاّم على هذا بقول النابغة :
* أتاك بقول هَلْهَلِ النسجِ كاذبِ *
وليس من شك في أن شعر مهلهل مضطرب ، فيه هلهلة وإختلاط . ولكننا نستطيع أن نجد هذه الهلهلة نفسها في شعر امرئ القيس وعبيد وأبن قميئة وكثير غيرهم من شعراء العصر الجاهلي ؛ فقد كانوا جمعياً مهلهلا إذاً .
غير أننا لانستطيع أن نطمئن إلى أن يهلهل شعراء الجاهلية جميعاً الشعر بحيث يصبح لكل واحد منهم شخصيات شعرية مختلفة تتفاوت في القوّة والضعف وفي الشدّة واللين وفي الإغراب والسهولة . وإذاً فمن الذي هلهل الشعر ؟ هلهله الذين وضعوه من القصّاص والمنتحلين وأصحاب التنافس والخصومة بعد الإسلام .
ويحسن أن نظهرك على شيء من شعر مهلهل لترى كما نرى أنه لا يمكن أن يكون أقدم شعر قالته العرب :
أليلتنـا بـــــذى حُسُــم أنيـري = إذا أنت إنقضيــت فلا تحوري فإن يـك بالذنائب طـــال ليلي = فقـــد أبكـــى من الليل القصير فلو نبش المقابــــرُ عن كُلَيْب = لأُخبـر بالذنــائب أيّ زيــــــــر ويــــوم الشعشمين لقرّ عيناً ، = وكيــف لقــاءُ مَنْ تحت القبور على أني تركــت بــــواردات = بُجَيــــْراً في دم مثـــل العبيـــر هتكت به بيــــوت بنى عُبّــاد = وبعض الغشـم أشفى للصــدور على أن ليس يوفى من كليب = إذا بــرزت مخبَّـــأة الخـــــدور وهّمام بن مـــُرّةَ قد تركنـــــا = عليــه القُشْعمــان من النســور ينــوء بصــدره والرمــح فيه = ويخلجـــــه خِدبٌ كالبعيــــــر فلولا الريـحُ أُسمِعُ منَ بِحُجْرٍ = صليل البيــض تُقـرع بالذكور فدى لبني شقيقــة يوم جاءوا = كأسد الغـاب لجــّت في الزئير كــأنّ رماحهــــم أشطـانُ بئر = بعيــد بيــن جالَيْهـــا جــــَرور غــداة كأننــــا وبني أبينـــــــا = بجنــب عُنيزة رَحَيَــــا مُديـــر تظلُّ الخيل عاكفــةً عليهـــم = كـأنّ الخيــل تُرْحض في غدير
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14 أليلتـنـا بــذى حُـسُـم أنـيـري إذا أنت إنقضيت فلا تحـوري فإن يك بالذنائـب طـال ليلـي فقد أبكـى مـن الليـل القصيـر فلو نبش المقابـرُ عـن كُلَيْـب لأُخـبــر بالـذنـائـب أيّ زيـــر ويوم الشعشمين لقرّ عينـاً ، وكيف لقاءُ مَنْ تحت القبـور علـى أنــي تـركـت بــواردات بُجَيْـراً فــي دم مـثـل العبـيـر هتكـت بـه بيـوت بنـى عُبّـاد وبعض الغشم أشفى للصدور على أن ليس يوفى من كليب إذا بــرزت مـخـبَّـأة الـخــدور وهّمـام بـن مُــرّةَ قــد تركـنـا عليه القُشْعمان مـن النسـور ينـوء بصـدره والـرمـح فـيـه ويخـلـجـه خِـــدبٌ كالـبـعـيـر فلولا الريحُ أُسمِعُ منَ بِحُجْـرٍ صليل البيض تُقرع بالذكـور فدى لبني شقيقة يوم جـاءوا كأسد الغاب لجّت فـي الزئيـر كـأنّ رماحـهـم أشـطـانُ بـئـر بعـيـد بـيـن جالَيْـهـا جَـــرور غــداة كـأنـنـا وبـنــي أبـيـنـا بجنـب عُنـيـزة رَحَـيَـا مُـديـر تظـلُّ الخيـل عاكـفـةً عليـهـم كأنّ الخيل تُرْحض في غديـر
أليس يقع من نفسك موقع الدهش أن يستقيم وزن هذا الشعر وتطَّرد قافّيته وأن يلائم قواعد النحو وأساليب النظم لا يشذ في شيء ولا يظهر عليه شيء من أعراض القدم أو مما يدل على أن صاحبه هو أوّل من قصّد القصيد وطوّل الشعر ؟
أليس يقع في نفسك هذا كله موقع الدهش حين تلاحظ معه سهولة اللفظ ولينة وإسفاف الشاعر فيه إلى حيث لا تشك أنه رجل من الذين لا يقدرون إلا على مبتذل اللفظ وسُوقّيه ؟
ولكننا لا نريد أن نترك مهلهلاً هذا دون أن نضيف إليه امرأة أخيه جليلة التي رثت كليبا - فيما يقول الرواة - بشعر لا ندري أيستطيع شاعر أو شاعرة في هذا العصر الحديث أن يأتي بأشدّ منه سهولة ولينا وإبتذالاً ، مع أننا نقرأ للخنساء وليلى الأخيلية شعراً فيه من قوّة المتن الأََسْر ما يعطينا صورة صادقة للمرأة العربية البدوية .
قالت جليلة :
يا إبنة الأقــــــوام إن شئت فلا = تعجــــلي باللــوم حتى تسألي فــــإذا أنــت تبينـــت الـــــــذي = يَوجبُ اللومَ فلـــومي وأعذُلي إن تكن أخت امرئ ليمت على = شَفــَقٍ منهــــــا عليــه فأفعلي جلّ عنــدي فعل جسّــــاسٍ فيا = حسرتي عما انجلى أو ينجلي فعـل جسّـــاس على وجدي به = قاصم ظهـــري ومُـدْنٍ أجلي يا قتيــلا قــــوّض الدهـــر به = سقفَ بيتيَّ جميعــاٌ مــن عَلِ هـــــدم البيتَ الــذي إستحدثتـه = وانثنى في هـــــدم بيتي الأوّل ورمــاني قتلــــه مـــــــن كثبٍ = رمية المصمى به المستأصَل يانســــائي دونكــــنّ اليـــوم قد = خصّني الدهــر برزء معضل خصّني قتــــل كليــب بلظــى = مـــن ورائي ولظى مستقبلي ليس من يبكي ليوميـــه كمــن = إنما يبــــــكي ليـــــوم ينجلي
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 يـا إبنـة الأقـوام إن شئـت فـلا تعجلـي باللـوم حـتـى تسـألـي فـــإذا أنـــت تـبـيـنـت الــــذي يَوجبُ اللـومَ فلومـي وأعذُلـي إن تكن أخت امرئ ليمت على شَـفَـقٍ منـهـا علـيـه فأفـعـلـي جـلّ عنـدي فعـل جسّـاسٍ فيـا حسرتي عما انجلى أو ينجلي فعل جسّـاس علـى وجـدي بـه قاصـم ظـهـري ومُــدْنٍ أجـلـي يــا قتـيـلا قــوّض الـدهـر بــه سقـفَ بيتـيَّ جميعـاٌ مـن عَــلِ هـدم البيـتَ الــذي إستحدثـتـه وانثنـى فـي هـدم بيـتـي الأوّل ورمـانــي قـتـلـه مـــن كـثــبٍ رمية المصمى بـه المستأصَـل يانسـائـي دونـكـنّ الـيـوم قــد خصّنـي الدهـر بـرزء معـضـل خصّـنـي قـتـل كـلـيـب بـلـظـى مـن ورائـي ولظـى مستقبـلـي ليس مـن يبكـي ليوميـه كمـن إنـمــا يـبـكـي لـيــوم ينـجـلـي | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:20 am | |
| وقد أعرضنا في كل هذه الأحاديث عن أسجاع ما نظن أن أحدا يرتاب في أنها مصنوعة متكلفة . ونعتقد أن قراءة هذا الشعر الذي رويناه تكفي لنضيف في غير مشقة مهلهلاً وامرأة أخيه إلى إبن أخته امرئ القيس .
وقد فرغنا من امرئ القيس ومن يتصل به من الشعراء ولكننا لم نفرغ من الشعراء أنفسهم فلا بدّ من وقفات أخرى قصيرة عند طائفة منهم . وستثبت لك هذه الوقفات أننا لسنا غلاة ولا مسرفين إن خشينا ألا يقتصر الشك على امرئ القيس وشعره .
************ " 4 " عمر بن كُلْثوم - الحارث بن حِلّزِة
ونحن حين ندع مهلهلاً وامرأة أخيه إلى هذين الشاعرين من أصحاب المعلقات لا نتجاوز ربيعة بل لا نتجاوز هذين الحيين من ربيعة وهما حيّا بكر وتغلب . فعمرو بن كلثوم تغلبي ، وهو في عرف الرواة لسان تغلب الناطق ، هو الذي سجل مفاخرها وأشاد بذكرها في شعره ، أو بعبارة أدق : في قصيدته التي تروى بين المعلقات . وقد كان - فيما يقول الرواة - بطلا من أبطال تغلب ورث القوّة والأيد وشدّة البأس وإباء الضيم عن جدّه مهلهل ؛ فقد كانت أمه ليلى بنت مهلهل .
وقد أحيط عمرو بن كلثوم في مولده ونشأته بل في مولد أمه بطائفة من أساطير لا يشك أشدّ الناس سذاجة في أنها لون من ألوان العبث والانتحال :
زعموا أن مهلهلا لما ولدت له ليلى أمر بوأدها فأخفتها أمها ، ثم نام فأتاه آت وتنبأ له بأن إبنته هذه ستلد إبناً يكون له شأن ، فلما أصبح سأل عن إبنته وُئدت فكذب وألح فأُظهرت له فأمر بإحسان غذائها . ثم تزوجت كلثوما فما زالت ترى فيما يرى النائم من يأتيها فيخبرها عن إبنها بالأعاجيب حتى ولدته ونشأته . قالوا وقد ساد عمرو بن كلثوم قومه ولما يتجاوز الخامسة عشرة .
فكل هذه الأحاديث التي تشير إليها إشارة ، تدل على أن عمرو بن كلثوم قد أحيط بطائفة من الأساطير جعلته إلى أبطال القصص أقرب منه إلى أشخاص التاريخ . ومع ذلك فقد يظهر أنه وجد حقاً ، وقد يظهر أنه على خلاف من قدّمنا ذكرهم من الشعراء . وقد أعقبَ ؛ فصاحب الأغاني يحدّثنا بأن له عقبا كان باقيا إلى أيامــه .
وسواء أكان عمرو بن كلثوم شخصاً من أشخاص التاريخ . أم بطلاً من أبطال القصص ، فإن القصيدة التي تنسب إليه لا يمكن أن تكون جاهلية أو لا يمكن أن تكون كثرتها جاهلية . وهل نستطيع قبل كل شيء أن نطمئن إلى ما يتحدّث به الرواة من أن عمرو بن كلثوم قتل ملكاً من ملوك الحيرة هو عمرو بن هند المشهور ، وذلك حين بغى عمرو بن هند هذا وانتهى به الطغيان إلى أن طمع في أن تستخدم أمه ليلى بنت مهلهل أن تناولها طبقاً ؛ فأجابتها ليلى : لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها ؛ فألحت هند ؛ فصاحت ليلى : وَا ذُلاَّه يا لَتغلب ! وكان ابنها عمرو في قبة الملك فسمع دعاءها فوثب إلى سيف معلق فضرب به الملك ، ونهضت بنو تغلب فنهبوا قبة الملك وعادوا إلى باديتهم .
غير أن النص التاريخي الذي يثبت هذه القصة لم يصل إلينا بعد . وهل من المعقول أن يقتل ملك الحيرة هذه القتلة ويقف الأمـر عند هذا الحد بين آل المنذر وبني تغلب من ناحية وبين ملوك الفرس وأهل البادية من ناحية أخرى ؟ أليس هذا لوناً من الأحاديث التي كان يتحدّث بها القصاص يستمدّونها من حاجة العرب إلى المفاخرة والتنافس ؟ بلى ! وقصيدة عمرو بن كلثوم نفسها نوع من هذا الشعر الذي ينتحل مع هذه الأحاديث . وأنت إذا قرأت هذه القصيدة رأيت أن مهلهلاً لم يكن يتكثر وحده وإنما أورث التكثر والكذب سبطه عمرو بن كلثوم ؛ فلسنا نعرف كلمة تضاف إلى الجاهليين وفيها من الإسراف والغلوّ ما في كلمة عمرو بن كلثوم هذه . على أن رأى الرواة فيها يشبه رأيهم في معلقة امرئ القيس ؛ فهم يشكون في بعضها وهم يختلفون في الأبيات الأولى منها : أقالها عمرو بن كلثوم أم قالها عمرو بن عديّ أبن أخت جَذيمة الأبرش ؟ فأما الذين يضيفون هذه الأبيات لعمرو بن كلثوم فيرون أن مطلع القصيدة :
* ألا هُبّي بصحنك فأصبحينا *
وأما الآخرون فيرون أن مطلعها :
* قفي قبل التفرّق يا ظعينا *
وأولئك وهؤلاء لا يختلفون في إنطاق عمرو بن عديّ بالبيتين :
صـددت الكأس عنا أمَّ عمرو = وكان الكأس مجـــراها اليمينا وما شَرُّ الثلاثـــــة أم عمــرو = بصاحبــك الذي لا تصبحينــا
1 2 صددت الكأس عنا أمَّ عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا ومـا شَـرُّ الثلاثـة أم عـمـرو بصاحبك الـذي لا تصبحينـا
وأنت حين تمضي في القصيدة ترى فيها أبياتاً مكررة تقع وسط للقصيدة وفي آخرها . ولكن هذا النحو من الإضطراب مشترك في أكثر الشعر الجاهلي ، مصدره إختلاف الروايات . فإذا قرأت القصيدة نفسها فستجد فيها لفظاً سهلا لا يخلو من جزالة ، وستجد فيها معاني حسانا وفخر لا بأس به لولا أن الشاعر يسرف فيه من حين إلى حين إسرافاً ينتهي به إلى السخف كقوله :
إذا بلغ الرضيعُ لنا فطاماً = تخِزُّ له الجبابر ساجدينا
1 إذا بلغ الرضيعُ لنا فطاماً تخِزُّ له الجبابر ساجدينـا
وستجد فيها أبياتاً تمثل إباء البدوي للضيم وإعتزازه بقوتـه وبأسـه كقــوله :
ألا لا يجهلَــنْ أحدُ علينـــا = فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا
1 ألا لا يجهـلَـنْ أحــدُ عليـنـا فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا
قلت إن هذا البيت يمثل إباء البدوي للضيم . ولكني أسرع فأقول إنه لا يمثل سلامـة الطبع البدوي وإعراضه عن تكرار الحروف إلى هذا الحدّ الممل :
ألا لا يجهلــن أحد علينـــا = فنجهل فوق جهل الجاهلينا
1 ألا لا يجهـلـن أحــد عليـنـا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فقد كثرت هذه الجيمات والهاءات واللامات وأشتدّ هذا الجهل حتى مُلَّ . وهم يحملون على الأعشى بيتاً فيه مثل هذا النوع من التعسف .
ولكنا نشك في صحة هذا البيت الذي يضاف إلى الأعشى . | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:21 am | |
| ومهما يكن من شيء ، فإن في قصيدة ابن كلثوم هذه من رقة اللفظ وسهولته ما يجعل فهمها يسيراً على أقل الناس حظاً من العلم باللغة العربية في هذا العصر الذي نحن فيه . وما هكذا كانت تتحدّث العرب في منتصف القرن السادس للمسيح وقبل ظهور الإسلام بما يقرب من نصف قرن . وما هكذا كانت تتحدّث ربيعة خاصة في هذا العصر الذي لم تسد فيه لغة مضر ولم تصبح فيه لغة الشعر . بل ما هكذا كان يتحدّث الأخطل التغلبي الذي عاش في العصر الأموي أي بعد ابن كلثوم بنحو قرن . واقرأ هذه الأبيات وحدّثني أتطمئن إلى جاهليتها :
قفي قبــــــل التفـــرّق يا ظعينا = نخبــِّرْكِ اليقـيـن وتُخبـــرينا قفي نسالْك هـل أحدثت صَرْمَّا = لَو شْك البين أم خُنتِ الأمينا بيوم كريهة ضــرباً وطعنــــــاً = أقـــرّ بــــــه مواليـــك العيونا وإن غدا وإن اليـــــــوم رهـــن = وبعد غـــد بمـــــا لا تعلمينــا تُريك إذا دخلتَ على خَــــــلاَءٍ = وقد أمِنت عيــونَ الكاشحينا ذراعيْ ععَيْطل أدمـــــاء بكــرٍ = هجان اللــون لم تقــرأ جنينا وثدياً مثل حُقَّ العاج رَخْصـاً = حصــانا من أكف اللامسينا ومَتـْنيْ لَدْنةٍ سَمَقت وطـــالت = روادفهـــا تنـــوء بمــا ولينا ومأكَمَة يضيق الباب عنهــــا = وكشحــا قد جُننت به جنونا وساريتيْ بَلَنْـــطٍ أو رُخــــام = يرنّ خشاش حليهمــا رنينا
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 قفـي قبـل التفـرّق يـا ظعيـنـا نخـبِّـرْكِ اليـقـيـن وتُخبـريـنـا قفي نسالْك هل أحدثت صَرْمَّا لَو شْك البين أم خُنتِ الأمينـا بيـوم كريهـة ضـربـاً وطعـنـاً أقــرّ بـــه مـوالـيـك العـيـونـا وإن غــدا وإن الـيـوم رهـــن وبـعـد غــد بـمـا لا تعلمـيـنـا تُريـك إذا دخلـتَ علـى خَــلاَءٍ وقد أمِنـت عيـونَ الكاشحينـا ذراعـيْ ععَيْطـل أدمــاء بـكـرٍ هجان اللـون لـم تقـرأ جنينـا وثدياً مثل حُقَّ العاج رَخْصـاً حصانـا مـن أكـف اللامسينـا ومَتْنيْ لَدْنـةٍ سَمَقـت وطالـت روادفـهـا تـنـوء بـمـا ولـيـنـا ومأكَمَة يضيـق البـاب عنهـا وكشحا قد جُننـت بـه جنونـا وساريـتـيْ بَـلَـنْـطٍ أو رُخـــام يـرنّ خشـاش حليهمـا رنينـا
وأقرأ هذه الأبيات أيضاً :
أَلاَ لا يعلم الأقـــــوام أماّ = تضعضعنـا وأنــــــا قد ونينا ألا لا يجهلنْ أحـــد علينا = فنجهـل فـوق جهل الجاهلينا بأي مشيئة عمروّ بن هند = نكــــون لَقْيلكـم فيهــا قطينا بأي مشيئة عمرّو بن هند = تُطيع بنا الوشــــاةَ وتزدرينا تَهَدَّدْنا وأوعِدْنـــا رويـــداً = متــى كنــــا لأمــــك مقتويتا فإن قناتَنا يـاعمرو أعيت = على الأعِـــداء قبلك أن تلينا
1
2
3
4
5
6 أَلاَ لا يـعـلـم الأقـــوام أمـــاّ تضعضعنـا وأنـا قـد ونيـنـا ألا لا يجهـلـنْ أحــد عليـنـا فنجهل فوق جهل الجاهلينا بأي مشيئة عمروّ بـن هنـد نكـون لَقْيلكـم فيهـا قطيـنـا بأي مشيئة عمرّو بـن هنـد تُطيع بنا الوشاةَ وتزدرينـا تَهَـدَّدْنـا وأوعِـدْنــا رويـــداً مـتـى كـنـا لأمــك مقتويـتـا فـإن قناتَنـا ياعمـرو أعيـت على الأعِداء قبلك أن تلينـا
وهذه الأبيات :
ونحن التاركون لما تخطِنا = ونحن الآخذون لما رضينا وكنا الأيمنينَ إذا إلتْقينـــــا = وكـــان الأيسرين بنـــو أبينا فصالوا صولةً فيمن يليهم = وصُلْنـــا صولـــة فيمن يلينا فآبَوْا بالنهاب وبالسبايـــــا = وأُبنــا بالملــوك مُصَفَّــدينـا إليكم يا بني بكــر إليكـــم = ألَّمــــا تعرفــــــوا منـا إليقينا
1 2 3 4 5 ونحن التاركون لما تخطِنا ونحن الآخذون لما رضينا وكنـا الأيمنيـنَ إذا إلتْقيـنـا وكان الأيسرين بنـو أبينـا فصالوا صولةً فيمن يليهم وصُلْنا صولة فيمـن يلينـا فآبَـوْا بالنهـاب وبالسبـايـا وأُبنـا بالمـلـوك مُصَفَّديـنـا إليكـم يـا بنـي بكـر إليـكـم ألَّمـا تعرفـوا مـنـا إليقيـنـا
وهذه الأبيات وقارن بينهما وبين الأبيات الأخيرة :
وقــــــــد علم القبائــل من مَعَدَّ = إذا قُبــــَبٌ بأبطحهــــا بُنِينا بأنــــــــا المطعمــون إذا قدَرنا = وأنـــاّ المهلكـــون إذا ابتُلينا وأنـــــــا المانعون لمـا أردنــا = وأنـــا النازلـون بحيث شينا وأنـــــــا التاركون إذا مَخِطـنا = وأنـــا الآخذون إذا رضينـا وأنـــــــا العاصمون إذا أُطعنا = وأنــا العارمون إذا عُصِينا ونشرب إن وردنا الماء صَفْواً = ويشرب غيرنا كَدَراً وطينا
1
2
3
4
5
6 وقـد عـلـم القبـائـل مــن مَـعَـدَّ إذا قُــبَــبٌ بأبـطـحـهـا بُـنِـيـنـا بـأنــا المطـعـمـون إذا قـدَرنــا وأنــاّ المهـلـكـون إذا ابتُلـيـنـا وأنــا المانـعـون لـمــا أردنـــا وأنـا النـازلـون بحـيـث شيـنـا وأنــا الـتـاركـون إذا مَخِـطـنـا وأنـــا الآخـــذون إذا رضـيـنـا وأنــا العـاصـمـون إذا أُطـعـنـا وأنــا العـارمـون إذا عُصِـيـنـا ونشرب إن وردنا الماء صَفْواً ويشـرب غيرنـا كَـدَراً وطيـنـا | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:21 am | |
| وهذه الأبيات:-
إذا المَلْكُ سام الناس خَسفـاً = أبينـــــا نقــــرّ الــــذل فينـــا لنا الدنيا ومن أمسى عليــها = ونبطش حين نبطش قادرينا ملآنا البر حتى ضـاق عنا = وماءَ البحـــــر نملــؤه سفينا إذا بلغ الرضيع لنــا فِطـاماً = تخزّلــــه الجبابـــر ساجدينا
1 2 3 4 إذا المَلْكُ سام النـاس خَسفـاً أبـيـنـا نــقــرّ الــــذل فـيـنــا لنا الدنيا ومن أمسى عليهـا ونبطش حين نبطش قادرينا ملآنا البـر حتـى ضـاق عنـا ومـاءَ البحـر نملـؤه سفيـنـا إذا بلـغ الرضيـع لنـا فِطـامـاً تخـزّلـه الجبـابـر ساجـديـنـا
أمتن من هذه القصيدة وأرصن قصيدة الحارث بن حلّزة ، وكان لسان بكر ، يقول الرواة ، ومحاميها والذائد عنها بين يدي عمرو بن هند أيضاً . زعموا أن عمرو بن هند أصلح بين القبيلتين المختصمتين بكر وتغلب وإتخذ منهما رهائن ، فتعرّضت رهائن تغلب لبعض الشر وهلكت أو هلك أكثرها ، فتجنت تغلب على بكر وطالبت بدية الهلكى ، وأبن بكر ، وكادت تستأنف الحرب بينهما ، واجتمعت أشرافهما إلى عمرو بن هند ليحكم بينهم ، وأحس الحارث ميل الملك إلى تغلب فنهض فأعتمد على قوسه وأرتجل هذه القصيدة . قالوا وكان به وضح ، وكان الملك قد أمر أن يكون بينه وبينه ستار ، فلما أخذ ينشد قصيدته أخذ الملك يعجب به ويدنيه شيئاً فشيئاً حتى أجلسه إلى جانبه وقضى لبكر .
ويكفي أن تقرأ هذه القصيدة لترى أنها ليست مرتجلة إرتجالاً وإنما هي قصيدة نظمت وفكر فيها الشاعر تفكيراً طويلاً ورتب أجزائها ترتيباً دقيقاً . وليس فيها من مظاهر الارتجال إلا شيء واحد هو هذا الإقواء الذي تجده في قوله :
فملكنا بذلك الناس حتى = ملك المنذر بن ماء السماء
1 فملكنـا بذلـك النـاس حتـى ملك المنذر بن ماء السماء
فالقافية كلها مرفوعة إلى هذا البيت . ولكن الإقواء كان شيئاً شائعاً حتى عند الشعراء الإسلاميين الذين لم يكونوا يرتجلون في كل وقت . تقول إن قصيدة الحارث أمتن وأرصن من قصيدة ابن كلثوم . وقد نظمتا في عصر واحد ، إن صح ما يقول الرواة ، فهما مسوقتان إلى عمرو بن هند . فاقرأ هذه الأبيات للحارث وقارن بينهما في اللفظ والمعنى وبين ما قدّمنا لك من شعر عمرو :
ملكُ أضرعَ البريــّةَ لا يـــو = جد فيهــــــا لما لديــــه كِفاءُ ما أصابوا من تغلبيَّ فمطلو = ل ، عليـه إذا أصيــب العَفاء كتكاليف قومنا إذ غزا المنـ = ـذر هل نحن لابـن هند رِعاء إذ أحلّ العلياء قبــة مَيْسُـــو = ن فأدنى ديارها العـوصـــاء فتأوّت لـــه قَراَضِبــةُ مـــن = كـــل حـي كأنهـــم ألقـــــــــاء فهداهم بالأسودين وأمر الــ = ـله بَلْغ تشقى بــــه الأشقيــاء إذ تمنونهم غرورا فساقتــــ = ـهم إليكـــم أمنيــــــة أَشْــراء لم يغرّوكُمُ غرورا ولكــــن = رفع الآلُ شخصَهم والضَّحاء
1 2 3 4 5 6 7 8 ملـكُ أضــرعَ البـريّـةَ لا يــو جـد فيـهـا لـمـا لـديـه كِـفـاءُ ما أصابوا من تغلبيَّ فمطلـو ل ، عليـه إذا أصيـب العَفـاء كتكاليف قومنا إذ غـزا المـن ذر هل نحن لابن هنـد رِعـاء إذ أحـلّ العليـاء قبـة مَيْـسُـو ن فأدنـى ديـارهـا العـوصـاء فـتـأوّت لــه قَـراَضِـبـةُ مـــن كـــل حـــي كـأنـهــم ألــقــاء فهداهم بالأسوديـن وأمـر ال له بَلْـغ تشقـى بـه الأشقيـاء إذ تمنونهـم غـرورا فسـاقـت هــم إليـكـم أمـنـيـة أَشْـــراء لـم يغـرّوكُـمُ غــرورا ولـكـن رفع الآلُ شخصَهم والضَّحاء
وأنظر إلى هذه الأبيات يعير فيها الشاعر تغلْب بإغارات كانت عليهم لم ينتصفوا لأنفسهم من أصحابها :
أعلينا جُناح كِنْــــــدة أن يغـ = ـنم غازيهــــمُ ومنّا الجــــزاء ليس منا المضِّربون ولا قيـ = ـس ولا جنـــدل ولا الحـــذّاء أم جنايـا بني عتيق فمن يغـ = در فإنا من حربهــم بــــــرآء أم علينا جرّى العباد كما نيـ = ـط يجـــوز المحمّل الأعبـــاء وثمانون من تميم بايديــــــــ = ـهم رماح صدورهن القضاء تركوهــــم مُلَحَّبين وآبــــــوا = بنهـــاب يُصم منهــا الحــداء أم علينا جرّّى حنيفة أم مـــا = جمعت من مُحارب غبـــراء أم علينا جَرَّى قُضاعة أم ليـ = ـس علينــا فيمــا جنوا أنـداء ثم جاءوا يسترجعون فلم تر = جع لهــم شامــة ولا زهـراء
1
2
3
4
5
6
7
8
9 أعلينـا جُـنـاح كِـنْـدة أن يــغ نـم غازيـهـمُ ومـنّـا الـجـزاء ليس منا المضِّربون ولا قي س ولا جـنــدل ولا الـحــذّاء أم جنايا بني عتيق فمن يـغ در فإنـا مــن حربـهـم بــرآء أم علينا جرّى العباد كما ني ط يـجـوز المحـمّـل الأعـبـاء وثمانـون مـن تمـيـم بـايـدي هم رماح صدورهن القضـاء تـركـوهـم مُلَحَّـبـيـن وآبـــوا بنهـاب يُصـم منـهـا الـحـداء أم علينا جرّّى حنيفـة أم مـا جمعـت مـن مُحـارب غبـراء أم علينا جَرَّى قُضاعة أم لي س علينـا فيمـا جنـوا أنـداء ثم جاءوا يسترجعون فلم تر جـع لهـم شامـة ولا زهــراء
فأنت ترى أن بين القصيدتين فرقا عظيماً في جودة اللفظ وقوّة المتن وشدّة الأسر . على أن هذا لا يغير رأينا في القصيدتين ، فنحن نرجح أنهما منتحلتان . وكل ما في الأمر أن الذين كانوا ينتحلون كانوا كالشعراء أنفسهم يختلفون قوّة وضعفا وشدّة ولينا . فالذي انتحل قصيدة الحارث بن حِلِّزة كان من هؤلاء الرواة الأقوياء الذين يحسنون تخير اللفظ وتنسيقه ونظم القصيد في متانه وأَيْد . ولسنا نتردّد في أن نعيد ما قلناه من أن هاتين القصيدتين وما يشبههما مما يتصل بالخصومة بين بكر وتغلب إنما هو من آثار التنافس بين القبيلتين في الإسلام لا في الجاهلية | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين الثلاثاء أبريل 07, 2009 7:22 am | |
| " 5 " طَرَفة بن العبد - المُتَلَمِّس
وشاعران آخران من ربيعة نقف عندهما وقفة قصيرة هما طرفة ابن العبد والمتلمِّس . وإنما نجمعهما لأن القصص جمعهما من قبل .
فقد زعموا أن المتلمِّس كان خال طرفة . ولم يقف جمع القصص بينهما عند هذا الحدّ بل قد جمعهما في الشيء القليل الذي نعرفه عنهما ؛ ذلك أن لطرفة والمتلمِّس أسطورة لهج بها الناس منذ القرن الأوّل للهجرة . وهم يختلفون في روايتها إختلافاً كثيراً ولكنا نتخير من هذه الروايات أيسرها وأقربها إلى الإنسان :
زعموا أن هذين الشاعرين هجوا عمرو بن هند حتى أحنقاه عليهما ، ثم وفدوا عليه فتلقاهما لقاء حسنا وكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين وأوهمهما أنه كتب لهما بالجوائز والصِّلات ؛ فخرجا يقصدان إلى هذا العامل . ولكن المتلمِّس شك في كتابه فأقرأه غلاما من أهل الحِيرة فإذا فيه أمر بقتل المتلمِّس ، فألقى كتابه في النهر ، وألحّ على طرفة في أن يفعل فعله فأبى ؛ وأفترق الشاعران : مضى أحدهما إلى الشام فنجا ، ومضى الآخر إلى البحرين فلقى الموت . وكان طرفة حديث السنّ لم يتجاوز العشرين في رأي بعض الرواة ولم يتجاوز السادسة والعشرين في رأي بعضهم الآخر . وقد كثرت الأحاديث حول هذه القصة وأضيفت إليها أشياء أعرضنا عن ذكرها لظهور انتحال فيها وغضب عمرو بن هند على المتلمِّس حين هرب إلى الشام وأفلت من الموت فأقسم لا يطعم حَبَّ العراق . واتصل هجاء المتلمِّس له .
والرواة المحققون يعدون هذين الشاعرين من المقلين . بل لم يرو ابن سلاّم للملتمس شيئاً ولم يسم له قصيدة . فأما طرفة فقد قال ابن سلاّم عنه في موضع إنه هو وعَبيد من أقدم الفحول ولم يبق لهما إلا قصائد بقدر عشر . وأستقلّ ابن سلاّم هذه القصائد على الشاعرين وقال إنه قد حمل عليهما حمل كثير . وقد رأيت أنه حين أراد أن يضع عبيدا في طبقته لم يعرف له إلا بيتا واحدا . فأما طرفة فقد عرف له المطولة وروى مطلعها هكذا :
لَخوْلةَ أطلالُ ببرقة ثهمـــِد = وقفتُ بها أبكي وأبكي إلى الغدِ
1 لَخـوْلـةَ أطــلالُ ببـرقـة ثـهـمِـد وقفتُ بها أبكي وأبكي إلى الغدِ
وعرف له الرائية المشهورة :
* أصحوت اليوم أم شاقتك هر *
وعرف له قصائد لم يدل عليها . وقال إنه أشعر الناس بواحدة . يريد المعلقة . وبين يدينا ديوان لطرفة يشتمل هاتين القصيدتين وقصيدة أخرى مشهورة ، وهي :
سائلوا عنا الذي يعرفنا بِخَزَازَى يوم تَحلاق اللمم
ثم مقطوعات أخرى ليست بذات غَناء . وأنت إذا قرأت شعر طرفة رأيت فيه ما ترى في أكثر هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين ولا سيما المضربين منهم من متانة اللفظ وغرابته أحيانا ، حتى لتقرأ الأبيات المتصلة فلا تفهم منها شيئاً دون أن تستعين بالمعاجم . ولكنك مضطر إلى أن تلاحظ أن هذا الشعر أشبه بشعر المضريين منه بشعر الرّبعيين ؛ فنحن لم نجمع شعراء ربيعة عفوا ، وإنما جمعناهم فيما تحدّثنا به إليك في هذا الكتاب إلى الآن لأن بينهم شيئاً يتفقون فيه جميعاً ، هو هذه السهولة التي تبلغ الإسفاف أحياناً ؛ لا نستثني منهم في ذلك إلا قصيدة الحارث حلّزة . فكيف شذ طرفة عن شعراء ربيعة جميعاً فقوى متنه واشتدّ أسره وآثر من الإغراب ما لم يؤثر أصحابه ودنا شعره من شعر المضريين ؟
وأنظر في هذه الأبيات التي يصف بها الناقة :
وإنى لأُمضي الهمَّ عند إحتضاره = بعوجاء مِرْقالٍ تـروح وتغتدي أمونٍ كألـــــــواح الأران نصْأتُهـا = على لاحب كأنـه ظهر بُرْجُد جَمَاليةٍ وَجْنـــاء ترِدي كــأنهـــــا = سَفنّجـــــةُ تَبْرِي لأزعَر أربَد تُباري عِتاقــاً ناجيــــاتٍ وأتبعت = وظيفـــاً وظيفا فوق مَوْرٍ معبَّد تربعت القُفَّين في الشّوْل ترتـعي = حدائـــــــقَ مَوْليّ الأسِرة أغيد تَرِيع إلى صـــوت المُهيب وتتقي = بذي خُصَلٍ روعاتِ أكلفّ مُلْبِد كأنّ جناحَيّ مَضْرَحيّ تكنّـــَفــــا = حفافيــه شكّا في العسيب بِسْرَد
1
2
3
4
5
6
7 وإنى لأُمضي الهمَّ عند إحتضاره بعوجـاء مِرْقـالٍ تـروح وتغـتـدي أمــونٍ كـألـواح الأران نصْأتُـهـا علـى لاحـب كـأنـه ظـهـر بُـرْجُـد جَمَالـيـةٍ وَجْـنـاء تــرِدي كـأنـهـا سَفنّـجـةُ تَـبْــرِي لأزعَـــر أربَـــد تُبـاري عِتاقـاً ناجـيـاتٍ وأتبـعـت وظيفـاً وظيفـا فـوق مَـوْرٍ معـبَّـد تربعت القُفَّين في الشّوْل ترتعـي حـدائـقَ مَـوْلـيّ الأسِـــرة أغـيــد تَرِيع إلى صوت المُهيـب وتتقـي بذي خُصَـلٍ روعـاتِ أكلـفّ مُلْبِـد كــأنّ جنـاحَـيّ مَضْـرَحـيّ تكنَّـفـا حفافيه شكّا فـي العسيـب بِسْـرَد
وهو يمضي على هذا النحو في وصف ناقته فيضطرنا إلى أن نفكر فيما قلناه من أن أكثر هذه الأوصاف أقرب إلى أن يكون من صنعة العلماء باللغة منه إلى أي شيء آخر . ولكن دع وصفه للناقة واقـــرأ :
ولست بحــلاّل التَــــِلاع مخافــةً ولكن متى يسترفِـــدِ القــــومُ أرفـــد فإن تبغـــني في حَلْقــــــة تلقـــــني وإن تلتمسني في الحوانيــت تصطد متى تأتني أصبحك كأســـاً رويّةً وإن كنت عنها ذا غنى فـاغن وازدد وإن يلتقِ الحي الجميــــعُ تُلاقني إلى ذروة البيت الشريـــف المصمَّد نداماي بيضُ كالنجـــــوم وقَينـــةُ تروح إلينـــا بيــــــن بـــــُرْدٍ ومجسَدِ رحيبُ قِطابُ الجيب منها رفيقةُ بجَـــسّ النـــدامى بضــّةُ المتجـــــرّد إذا نحـن قلنا أسمعينا أنبرت لنــا على رِسْلهـــا مطروقــــة لم تشــــدّد إذا رجّعتْ في صوتها خلتَ صوتها تجــــــاوُبَ أظــآرَ علـــى رُبَع رَدِي
فسترى في هذه الأبيات لينا ولكن في غير ضعف ، وشدّة ولكن في غير عنف . وسترى كلاماً لا هو بالغريب الذي لا يفهم ، ولا هو بالسُّوقي المبتذل ، ولا هو بالألفاظ قد رصفت رصفا دون أن تدل على شيء . وأمض في قراءة القصيدة قستظهر لك شخصية قوية ومذهب في الحياة واضح جلي : مذهب اللهو واللذة يعمِد إليهما من لا يؤمن بشيء بعد الموت ولا يطمع من الحياة إلا فيما تتيح له من نعيم بريء من الإثم والعار على ما كان يفهمها عليه هؤلاء الناس :
وما زال تَشْرابي الخمـورَ ولذّتي = وبيعي وإنفاقي طريفي ومُتْلَــــدِي إلى أن تحامتني العشيـرةُ كلهـــــا = وأُفـــــــردت إفرادَ البعير المعَّبــد رأيت بني غَبـــــراءَ لايُنكرونـني = ولا أهــلُ هذاك الطِّرافِ الممـــدّد ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى = وأن أشهد اللذات هل أنت مُخلّدي فإن كنتَ لا تستطيع دفـــع منيتي = فدعني أبادرها بمـا ملكت يــدي ولولا ثلاثٌ هن من عيشة الفتى = وجدّك لم أحفـــِلْ متى قام عُوّدي فمنهن سبقي العـاذلاتِ بشربـــــة = كُمَيْتٍ متى ما تُعــــْلَ بالماء تزبد وكَرِّى إذا نـادى المضافُ محنَّبـا = كِسيِد الغضا نبّهتـــه المتـــــــورَّد وتقصير يـــــوم الدَّجْن معجــــِبُ = ببهكَنةٍ تحت الخِبــــاء المعمّــــــَد
1 2 3 4 5 6 7 8 9 وما زال تَشْرابي الخمـورَ ولذّتـي وبيعي وإنفاقـي طريفـي ومُتْلَـدِي إلـى أن تحامتنـي العشيـرةُ كلـهـا وأُفــردت إفــرادَ البعـيـر المـعَّـبـد رأيـت بنـي غَـبـراءَ لايُنكرونـنـي ولا أهـلُ هـذاك الـطِّـرافِ المـمـدّد ألا أيهذا الزاجري أحضـر الوغـى وأن أشهد اللذات هل أنت مُخلّدي فإن كنتَ لا تستطيـع دفـع منيتـي فدعنـي أبادرهـا بمـا ملكـت يـدي ولولا ثلاثٌ هن من عيشة الفتـى وجدّك لم أحفِـلْ متـى قـام عُـوّدي فمنهـن سبقـي العـاذلاتِ بشـربـة كُمَيْتٍ متى مـا تُعْـلَ بالمـاء تزبـد وكَرِّى إذا نـادى المضـافُ محنَّبـا كِسـيِـد الغـضـا نبّهـتـه الـمـتـورَّد وتقصـيـر يــوم الـدَّجْـن مـعـجِـبُ ببهكَـنـةٍ تـحـت الخِـبـاء المـعـمَّـد
في هذا الشعر شخصية بارزة قوية لا يستطيع من يلمحها أن يزعم أنها متكلفة أو منتحلة أو مستعارة . وهذه الشخصية ظاهرة البداوة واضحة الإلحاد بنية الحزن واليأس والميل إلى الإباحة في قصد واعتدال . هذه الشخصية تمثل رجلاً فكر وألتمس الخير والهدى فلم يصل إلى شيء ، وهو صادق في يأسه ، صادق في حزنه ، صادق في ميله إلى هذه اللذات التي يؤثرها . ولست أدري أهذا الشعر قد قاله طرفة أم قاله رجل آخر ؟ وليس يعنيني أن يكون طرفة قائل هذ الشعر . بل ليس يعنيني أن أعرف اسم صاحب هذا الشعر ؛ وإنما الذي يعنيني هو أن هذا الشعر صحيح لا تكلف فيه ولا إنتحال ، وأن هذا الشعر لا يشبه ما قدّمناه في وصف الناقة ولا يمكن أن يتصل به ، وأن هذا الشعر من الشعر النادر الذي نعثر به من حين إلى حين في تضاعيف هذا الكلام الكثير الذي يضاف إلى الجاهليين
تقبلوا مني فائق التقدير والاحترام | |
|
| |
| في الشعر الجاهلي .. للدكتور طه حسين | |
|