بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
رَبِّ اغْفِرْ لِيَّ وَلِوَالِدَيَّ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيْ صَغِيْرَا
اللهمَّ ارْزُقْنِي الْفِرْدَوْسَ الأعلى مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ ولا حِسَابٍ ولا عَذَابْ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟، فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: "أَيْنَ – أُرَاهُ – السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟"، قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟، قَالَ: "إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ".
* رواهـ الـبـخـاري.
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري)
قَوْله: (فَمَضَى): أَيْ: اِسْتَمَرَّ يُحَدِّثهُ، فَالْمَعْنَى يُحَدِّث الْقَوْم الْحَدِيث الَّذِي كَانَ فِيهِ وَلَيْسَ الضَّمِير عَائِدًا عَلَى الْأَعْرَابِيّ.
قَوْله: (فَقَالَ بَعْض الْقَوْم سَمِعَ مَا قَالَ): إِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ التَّرَدُّد فِي ذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ مِنْ عَدَم اِلْتِفَات النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُؤَاله وَإِصْغَائِهِ نَحْوه، وَلِكَوْنِهِ كَانَ يَكْرَه السُّؤَال عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِخُصُوصِهَا، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَدَم اِنْحِصَار تَرْك الْجَوَاب فِي الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، بَلْ اِحْتَمَلَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَكُون أَخَّرَهُ لِيُكْمِل الْحَدِيث الَّذِي هُوَ فِيهِ، أَوْ أَخَّرَ جَوَابه لِيُوحِيَ إِلَيْهِ بِهِ.
قَوْله: (إِذَا وُسِّدَ): أَيْ: أُسْنِدَ.
وَمُنَاسَبَة هَذَا الْمَتْن لِكِتَابِ الْعِلْم: أَنَّ إِسْنَاد الْأَمْر إِلَى غَيْر أَهْله إِنَّمَا يَكُون عِنْد غَلَبَة الْجَهْل وَرَفْع الْعِلْم، وَذَلِكَ مِنْ جُمْلَة الْأَشْرَاط.
وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّ الْعِلْم مَا دَامَ قَائِمًا فَفِي الْأَمْر فُسْحَة. وَكَأَنَّ الْمُصَنِّف أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعِلْم إِنَّمَا يُؤْخَذ عَنْ الْأَكَابِر.