التقويم السنوي الأمازيغي :ومرجعية الدلالة التاريخية
--------------------------------------------------------------------------------
بقلم :
محمد أسويق
قبل 10آلاف سنة فقط أي مع انتهاء العصر الجيولوجي الثالث كانت الصحرى الكبرى تعرف فصول مطيرة وحياة زراعية وغطاء نباتي متنوع ومتعدد ومزارع وحقول خضراء تمنح للإنسان غلات ورزق وفير
وهذه الخصوبة والزراعة ساعدت الإنسان الأمازيغي والإفريقي على تربية المواشي والدواجن فانتشر الرعي والتكسب واستجلاب ما هو معوز من مناطق مجاورة وعرف مجال الفلاحة توسعا كبيرا واندمج فيما هو تجاري عبر المقايضة وتبادل المنتوجات ...
وفي هذه المرحلة بالذات كان الليبيون الأمازيغيون تجمعهم علاقات وطيدة مع باقي الشعوب القوية والعظيمة خصوصا وقت ذاك... مع الفراعنة المصرية وتبادلوا معهم معارفهم وأنشطتهم في مختلف المجالات سيما واننا نعلم على أن الأمازيغيون سباقين للفلاحة وتربية المواشي . كما يؤكد جل المؤرخين وقد أشارت الدراسات الاركيولوجية إلى الوعي والحيوية التي امتاز بها إنسان الإيبيروموري قبل ملايين السنين وهوعينه الوعي الذي امتاز به الأمازيغي في هذه المرحلة التي نحن بصددها الآن و التي كانت الصحراء وعموم تخوم شمال إفريقيا زراعة وفلاحة واخضرار ومياه حيوية وووديان رقراقة تحوم حولها الطيور والنباتات
إلا أن مع تطور الازمنة التاريخية سيشهد المناخ تغيرا جذريا ومما ستتغير الظروف الطبيعية المستقرة وسينعكس ذالك سلبا على الأرض والإنسان والبيئة وكل ماهو ايكولوجي .....
بحيث سيسود الجفاف ويتغير المناخ من الرطب إلى القار ويفقد الغطاء النباتي الذي كان مصدر عيش الإنسان والحيوان وسيخل الامر بالتوازنات الجغرافية فتظهر الهجرة بحثا عن الكلأ والصيد والمعيشة التي ألفها الإنسان واستأنس بها لقرون طويلة
هكذا سيدفع الأمر بالحاجة إمازيغن اللبيين وعموم ساكنة الصحراء الكبرى للنزوح نحو نهر النييل لأنه مكان للحياة والأمل والرزق ........ بدعوى أن الماء مصدر العيش الرغيد والحياة الكريمة ولا حياة اطلاقا بدون مياه عذبة
هكذا سيعيش الأمازيغيون المهاجرون على ضفاف نهر النيل مع مواشيهم وأهلهم لتفادي عطش الصحراء وكل ما سينتج عن الجفاف من أمراض وحياة قاسية ....لأن لا حياة بدون روي العطش والإستحمام .......
وهذا النزوح الأمازيغي تجاه ديلتا النيل لم يكن من الأمر الهين وكانت تتم مواجهتهم من قبل الفراعنة حتى لا يتم تجاوز الخط الأخضر وكانوا دوما يشكلون مصدر قلق كما سنرى آنفا
ولم يهجر هذا الإنسان بمعزل عن خصوصياته التي ستثبته بجدارة بل هاجرت معه هذا أوهاجر معه ثقافته وقيمه وعاداته وتقاليده ونمط عيشه وطبيعة تفكيره ليافظ على استقلالية نمط عيشه ......
كما هاجر بأدبائه ومثقفيه وشعرائه وحتى بمعبوداته الدينية التي كانت تميزه عن باقي شعوب الأرض الشيئ الذي نجد عدد من المؤرخين يؤكدون على أن أغلب آلهات المصرية مهاجرة وليبية الأصل خصوصا عند هيرودوت كإله: أمون وتنيت التي تعني بالأمازيغية تلك –ثني- أنزار –المطر- تفنوت إزيس إله النشوة باخوس ....إلى غير ذالك من التأثير الثقافي واللغوي في الثقافة الفرعونية –المصرية- ككلمة النيل التي تعني بالأمازيغية الازرق وما زالت متداولة في الريف و صحراء سيوا وكلمة سيوا هي سيوان والتي تعني الغراب وكذالك أسوان ذات نفس الدلالة وهذا التأثير الثقافي يؤكد على أن القومية الأمازيغية-تيموزغا- كانت حاضرة بكثافة وبقوة والفراعنة مهدوا لها السبيل ليس حبا في سواد عيونها بل للإستفادة من طاقاطات وكفاءات وخبرات أهلها وقوتهم الجسمانية التي أغرتهم لحمل الحجر وبناء الأهرام وجرأتهم وشجاعتهم لشغلهم في صفوف الجند والحراس والأعمال الشاقة
ومع هذا التحول البيئي والإيكولوجي الذي فاجأ الإنسان الأمازيغي عبر مراحل و الذي كان استأنس بأرضه حد العشق الأمازيغي للأرض فبدأت تظهر عدة طقوس ومعتقدات دينية وقد اعتبروا تراجع المناخ شر مسلط ليحن من خلالها لسنوات خلت مفعمة بعبق الطبيبعة الخلابة التي كانت تمنح للإنسان طاقاته الحيوية للإستمرار وتأمين وجود اجتماعي سليم
فمع انقطاع المطر واتساع رقعة الجفاف اعتقد الإنسان أن الطبيعة لا تعود لحالها السالف و المؤسف عنه إلا بتقديم القرابين لللآلهات . لأن الذبائح حسب منظور العالم القديم يبعد الشر ويقي الخير من كل مصيبة محدقة بالإنسان ومحيطه وصارت الذبائح من المسلمات في مثل هذه الظروف العجاف أو في باقي الحالات المرضية فكان الشعب الأمازيغي يفضل نحر الأكباش الذي كان يرمز إليه بإله أمون ومازال لحم الكبش هو المفضل لحد اليوم
و انطلاقا من هذه الّإعتبارات يكد البحث العلمي أن الليبيون هاجروا بالثقافة والطقوس والإبداع والشعائر والمعبودات وحتى في ظروف الضراء كان لا يستطيع تجاوز ذاته الثقافية وتاكيدا لكل هذا يقول هيرودوت إن كل الآلهات ليبية الأصل
وللإشارة فإن التحول الذي بدا يشهده هذا البساط الإفريقي بفعل التغير والإضطراب المناخي لم يقف فقط عند تغير نمط العيش وانتفاء بعض العناصر من الطبيعة بل شمل حتى تراجع الحدود الجغرافية للدول لتراجع المناطق الخصبة وتم الإقتصار خصيصا على المناطق السقوية التي مازالت تختفض بالمياه كمصدر للحياة
من هنا المنطلق نجد أن مصر التي اتخذها الامازيغ ملجأ وبديلا أن موقعها الجغرافي القديم ليس هو حدودها اليوم بل وجدوها الجغرافي القديم كان يمتد خارج ما هي عليه اليوم.. لأن التغيرات المناخية لم تزعزع فقط الحياة البشرية بل حتى الجغرافية كما يتضح الأمر ...وطبعا هذا التغير وتقلص أو اتساع الحدود شمل حتى المناطق الإفريقية التي ركزت هي الأخرى وأعارت الإهتمام للمناطق التي بها وديان وأنهاروحياة زراعية فإما الواحات أو الجبال .......
فنتيجة صعوبة الحياة التي فرقها الجفاف كما فرق أهلها استقر الأمازيغ كما رأينا على ضفاف ديلتا النيل لأن الصحراء كانت تنبئ بالموت والجوع في غياب وندرة الماء