هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: علم الكلام الجمعة أبريل 10, 2009 11:42 am | |
| علم الكلام 1- ما المقصود بعلم الكلام : لقد عرف بعضهم علم الكلام بأنه البحث في كلام الله، لأن أشهر مسألة دار حولها النقاش هي: مسألة كلام الله، وذكر الشهرستاني أن علم الكلام هو استخدام طرق الاستدلال على أصول الدين، على أن كثير من الباحثين متفقون على أن علم الكلام هو البحث في العقيدة، ومتفقون أيضا على أنه إتجاه عقلي لفهم العقيدة والدفاع عنها.لقد كان القرآن المنبع الغزير الذي رفد علم الكلام بآياته المحكمات والمتشابهات، لاسيما فيما يتصل بالعقيدة الإسلامية، إلى جانب دعوة القرآن للتفلسف والتدبر، وإلى الجدل مع المخالفين بالحسنى، إضافة إلى انتقال التراث الفلسفي اليوناني إلى المسلمين معربا، مما جعل المتكلمين يجدون فيه ما ينفعهم في مناظراتهم والبرهنة على صحة حلولهم لمسائل العقيدة.وقد انقسم علماء الكلام إلى فرق اختلفت في موقفها من النقل والعقل، فمنهم من اعتمد على النقل وحده كالمشبهة، ومنهم من اعتمد على العقل والتأويل كالمعتزلة، ومنهم من حاول التوفيق بين العقل والنقل كالأشاعرة. إلا أن الخلاف لم يكن خلاف في الموضوعات فهي واحدة باعتبارها أمور دينية معتقدا بها، بل كان الخلاف حول وسيلة الدفاع عن العقيدة.وتتفق أغلب المصادر والمراجع على أن القصد من علم الكلام هو البحث في عقائد الأمة الإسلامية، وتبريرها بمختلف الأدلة والبراهين، بغرض الدفاع عنها، والرد على المخالفين لها، وقد أوجز إبن خلدون (1332-1406م) مفهوم علم الكلام في عبارة الآتية: << وبالجملة فموضوع علم الكلام عند أهله إنما هو العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية >>. 2- مفهوم علم الكلام:إن الكلام إذا تجاوز مداه اللغوي والنفسي أصبح صفة من صفات الله تعالى قال عزوجل: << يرودون أن يبدلوا كلام الله >> (سورة الفتح: الآية: 15)وقال تعالى: << وإن أحد من المشركين إستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله >> (التوبة: الآية: 06)وهكذا ومع إنتشار الرسالة المحمدية إنتشارا واسعا وتغلغل عقائدها في نفوس المسلمين أصبح القرآن وهو كلام الله مدار تساؤل وجدال بينهم، فصار بذلك موضوعا لعلم قائم بذاته هو علم الكلام.3- عوامل نشأة علم الكلام:إذا تأملنا في المفهوم الذي أعطيناه لعلم الكلام لاحظنا أنه يشير ضمنيا إلى نشأته، ولكن نشأة علم الكلام كانت من المسائل التي اختلف فيها المفكرون: منهم من ربطها بعوامل نشأة الفلسفة الإسلامية بصفة عامة، ومنهم من فصل بينهما فصلا حادا وتحدث عن عوامل خاصة بنشأة علم الكلام. فما هي هذه العوامل؟ وما هي أبرز دوافع نشوء علم الكلام ؟ * مشكلة الخلافة ونظرية السلطة:منطلق المشكلة هو أن الرسول صل الله عليه وسلم، لم ينص على من يتولى الخلافة؛ من هو أحق وأولى بها؟ المهاجرون أو الأنصار. ورغم أن المسألة حسمت بتولي أبو بكر الخلافة ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان. إلى أن على بن أبى طالب –كرم الله وجهه- كان يرى منذ البداية أنه أحق الناس بها. وهكذا وبعد مقتل عثمان بويع أميرا للمؤمنين. ولكن معاوية والي الشام رفض مبايعته. وفي ضوء هذا الخلاف الذي نشب بين معاوية وعلي إشتعلت الحرب بينهما في معركة صفين، وهي المعركة التي إنتهت لصالح معاوية بعدما أشار عليه عمر بن العاص بإيقاف الحرب حتى لا ينهزم، واللجوء إلى التحكيم. ولقد كان لهذه الوقائع السياسية دلالات سياسية واضحة تمثلت في إنقسام المسلمين إلى أحزاب تتصارع من أجل السلطة مثل حزب عثمان وحزب معاوية وحزب علي الذي إنقسم بدوره إلى مؤيد ومعارض لمبدأ التحكيم أي إلى شيعة وخوارج. ولكن هذه الدلالات السياسية كانت لها إمتدادات عقائدية تمثلت في تبرير الخلافات السياسية تبريرا شرعيا، وربط وقائعها بالكفر والإيمان، (الجنة والنار). وهكذا إختلفت هذه الأحزاب في الحكم على خلافة عثمان: هل هي شرعية أم غير شرعية؟. كما إختلفت في أمر مقتله وفي أمور أخرى مثل مرتكب الكبيرة بعد واقعة التحكيم: هل هو كافر أم فاسق؟ أم هو لا هذا ولا ذاك.من هذا يتبين أن الخلافات السياسية كانت بداية حيوية لتفلسف المسلمين في أمور العقيدة أو لميلاد علم الكلام.* أهل السنة والجماعة:الخليفة سلطة زمنية فقط باعتبار أن السلطة الروحية انتهت بوفاة الرسول( صل الله عليه وسلم) وتكون الخلافة بالإتفاق أي بالبيعة والاستفتاء والشورى. * الشيعة: الشيعة بالتحديد هم أنصار الإمام علي الذين أيدوه قبل وبعد واقعة التحكيم. وهم بصفة عامة يقدسون شخصيته، ويثقون في علمه ثقة مطلقة، ويقولون بعصمته. وعلي في رأيهم أحق بالخلافة من غيره. وعلى هذا الأساس احتلت مسألة الخلافة مكانا هاما في مذهب الشيعة.الخليفة صاحب سلطة زمنية وروحية لأن السلطة الروحية لم تنته بوفاة الرسول (صل الله عليه وسلم) بل امتدت في علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) والأئمة من بعده وهم أهل العترة ونسبوا العصمة إلى علي والأئمة من ذريته، وقالوا بأن الخلافة تكون بالنصر والتعيين لا بالاختبار. ومن الآيات التي إستدلوا بها على أن هناك نصا بتولية علي الخلافة قوله تعالى:<< إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، الذين يقيمون الصلات ويؤتون الزكاة وهم راكعون>> وقال مفسروهم أن الآية نزلت في علي (كرم الله وجهه)، ولهم أحاديث يستشهدون بها يرفض أهل السنة تفسيراتهم لها أو يعتبرونها موضوعة.* الخوارج: يطلق إسم الخوارج على أولئك الذين خالفوا عليا وأنشقوا عن حزبه بعد قبوله لمبدأ التحكيم في معركة صفين وفوز معاوية بالخلافة. وهكذا نظر الخوارج للأيمان نظرة مغايرة لنظرة الشيعة ولنظرة غيرهم. ومن هنا كفروا هيئة التحكيم وكل من رضي بها، وأكدوا أن الأيمان الصحيح يقتضي التجرد من كل الذنوب والمعاصي.الخلافة عند الخوارج منصب دنيوي لا ديني، و الخليفة يجب أن يكون عالما قادرا على أن يدافع عن منصبه بالقوة إذا أضطر لذلك، وكل خليفة لا قوة له فليس بخليفة، وإذا أتهم في دينه أو شجاعته وقدرته وجب عزله، فإذا تمسك بعد ذلك، جار قتله. والمرأة عندهم كالرجال تستطيع أن تتولى الخلافة إذا كانت تقدر أن تدافع عنها.أما الوصول إلي الخلافة فيكون بالانتخاب الحر المطلق، فكل مسلم يمكن أن يصبح خليفة على شرط واحد: أن يكون قادرا على إقامة حدود الله بقوله وعلمه معا. المحكم والمتشابه(الظاهر والباطن)المحكم والمتشابه من المصطلحات التي ارتبطت بتفسير القرآن والسنة، فما هو مدلولهما، امحكم لغة يفيد المنع: يقال أحكم الأمر إذا أتقنه، كما يفيد الوضوح بمعنى أن الأمر المحكم واضح الدلالة. والمحكم إصطلاحا هو ما عرف المراد من معناه إما بالظهور أو بالتأويل الذي لا يقبل إلا وجها واحدا، وهو لذلك لا يحتاج ‘لي بيان.أما المتشابه فهو يدل على المشاركة في المماثلة، وفي الإصطلاح يدل على ما أشتبه من معاني المتكلم على السامع لإحتماله وجوه مختلفة هذا، والقرآن نفسه نص على المحكم والمتشابه قال تعالى << هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات وأخر متشابهات.>> (سورة آل عمران: الآية: 7).ومعنى هذا أن الآيات الكريمة نوعان : آيات محكمة أي معانيها مضبوطة واضحة ولاتثير أي إشكال في ذهن السامع مثل قوله: << وأحل البيع وحرم الربا.>> (سورة البقرة: الآية : 275 ).وآيات متشابهة أي معانيها غامضة ، وتثير في ذهن السامع إشكالات عديدةمثل قوله تعالى << يد الله فوق أيديهم>>(سورة الفتح : 10) وقوله << إنما نطعمكم لوجه الله>> (سورة الإنسان:29) وقوله أيضا: << كل شيء هالك إلا وجهه>> (سورة العنكبوت: 88). وإذا كان المسلمون الأوائل قد إكتفوا بفهم هذه الآيات وأمثالها فهما إجماليا فإن الذين جاؤا من بعدهم قلبوا الوضع ، وتساءلوا عن معانيها:ما المقصود من يد الله ؟ هل له مثل يد البشر؟ أم أن لفظ اليد له مدلول آخر. وما المقصود من وجه الله ؟ أله وجه مثل وجه الإنسان ؟ أم أن للفظ الوجه دلالات أخرى غير حسية. وهكذا إختلفوا في تفسيرها مثلما إختلفوا في تفسير الأحاديث الصحيحة المتشابهة. ومعنى هذا أن المتشابه من الآيات والأحاديث كان من العوامل التي دفعت بالمسلمين إلى التفلسف في مسائل العقيدة الدينية.الدفاع عن العقيدة الإسلامية والرد على الخصوم ورفع الشبه من المعلوم أن الكثير ممن دخلوا الإسلام كانوا من أهل الديانات المختلفة. ومن بين هؤلاء الذين أسلموا علماء بقوا متعلقين ببعض آثار ديانتهم السابقة، وهكذا وبعد ما تغلغل الإسلام في نفوسهم، وإستقرت قواعده في أذهانهم تذكروا تعاليم ديانتهم القديمة، وطرحوا مسائلها طرحا جديدا، وصبغوها بصبغة إسلامية، فأصبح الإسلام بذلك قناعا يخفي وراءه تعاليم تلك الديانات مثل التثليث عند المسيحيين، ومثل تناسخ الأرواح عند البراهمية وغير ذلك من التعاليم فانتشرت بذلك آراء كثيرة لا صلة لها بالإسلام عقيدة وشريعة، ومن هنا نشأ واجب الدفاع عن الدين الإسلامي، والرد على خصومه. فظهرت فرق كلامية للقيام بهذا الواجب عن طريق المناظرة والمجادلة. وكان المعتزلة من بين الفرق التي لاحظ أصحابها أن الرد السليم على خصوم الإسلام يقتضي منهم الأطلاع على أقوالهم والتعرف على أدلتهم، كما يقتضي منهم تحصين منهجهم في المناظرة والمجادلة بالمنطق الذي هو خير وسيلة للتغلب على الخصم. ومن هنا كان الدفاع عن العقيدة الإسلامية والرد على خصومها من أهم عوامل نشأة علم الكلام.وخلاصة القول هي أن تفلسف المسلمين في مسائل العقيدة يرجع إلى العوامل التي حللناها، وهي مشكلة الخلافة والمحكم والمتشابه والدفاع عن العقيدة . | |
|