هل هناك مخلوقات تُسمى بالجن ؟ أم أن ما نسمعه عن الجن هو غير صحيح و خرافة ؟
جواب : ليس هناك أي خلاف بين المسلمين في وجود الجن ، ذلك لأن الله عَزَّ و جَلَّ صرّح بخلق الجنّ في آيات عديدة من القرآن الكريم ، منها :
1. قول الله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } .
2. قوله تعالى : { وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } .
3. و قوله تعالى : { وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ } .
هذا إلى جانب وجود سورة في القرآن الكريم تسمى بسورة الجن ، و قد تحدّث الله عَزَّ و جَلَّ فيها عن الجن ، كما تحدّث سبحانه و تعالى عن الجن في آيات كثيرة تفرّقت في سور أخرى نشير إلى بعضها كالتالي :
1. قال الله عَزَّ و جَلَّ : { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } .
2. و قال سبحانه و تعالى أيضا : { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ } .
3. و قال تعالى : { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } .
4. قال تعالى : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } ، إلى غيرها من الآيات الكثيرة .
فوجود الجن حقيقة لابد من الاعتراف بها حتى لو لم نتمكن من رؤيتهم و التعرف عليهم من قريب .
نعم لقد كثر الكلام عن هذه الطائفة من المخلوقات حتى اختلط الواقع بالوهم ، و حلّت الخرافة محل الحقيقة في أذهان الكثير من الناس ، إلا أننا نحاول من خلال الأحاديث الشريفة الوصول إلى حقيقة هذه الطائفة و معرفة ما يتسنى لنا معرفته بالنسبة لها بعد أن و قفنا على ذلك في ضوء الأيات القرآنية الشريفة ، كما و ندرس فيما يلي إمكانية تأثير الجن على حياة الإنسان سلباً أو إيجاباً ، كما و نتحدث عن أمور أخرى ذات علاقة بهذا البحث .
الجن في الأحاديث الشريفة :
جاء ذكر الجن و بيان بعض صفاتهم في الكثير من الأحاديث الشريفة ، و من خلال دراسة هذه الأحاديث يتبيّن لنا بأن الجن قد يؤذون الإنسان و يضرّونه ، و فيما يلي نذكر نماذج من هذه الأحاديث :
1. قال الإمام أبو عبد الله الصادق ( عليه السَّلام ) : " ... إن الجن سموا جناً لاجتنابهم عن الرؤية ، إلا إذا أرادوا الترائي ، بما جعل الله عَزَّ و جَلَّ فيهم من القدرة على ذلك ... " .
2. عن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) أنه قال : قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : " إذا خلع أحدكم ثيابه فليُسّم لئلا تلبسها الجن ، فانه إن لم يُسّم عليها لبستها الجن حتى تصبح " .
أقوال العلماء في الجن :
أما أقوال العلماء و آرائهم بالنسبة إلى الجن فكثيرة ، نشير فيما يلي إلى أهمها :
1. قال الطبري : في قوله تعالى { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا } ، أي استمع القرآن طائفة من الجن ، و هم جيل رقاق الأجسام خفيفة على صورة مخصوصة ، بخلاف الإنسان و الملائكة ، فان المَلَك مخلوق من النور ، و الإنس من الطين ، و الجن من النار .
2. و في بحار الأنوار : ... سمى الجن جناً لهذا السبب ـ أي لتواريه عن الأعين ـ و الجنين متوارٍ في بطن أمه ، و معنى الجان في اللغة الساتر .
3. و في تفسير علي بن إبراهيم القمي في قول الله تعالى : { وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ } ، قال : هو إبليس ، و قال الجن من ولد الجان ، منهم مؤمنون و منهم كافرون و يهود و نصارى ، و تختلف أديانهم .
4. قال الدميري في كتابه المعروف " حياة الحيوان " : إن الجن أجسام هوائية قادرة على التشكّل بأشكال مختلفة ، لها عقول و أفهام و قدرة على الكلام و الأعمال الشاقة ، و هم خلاف الإنس ، الواحد جنّي ، و يقال إنما سُمّيت بذلك لأنها تبقى و لا ترى .
5. لا خلاف بين الإمامية بل بين المسلمين في أن الجن و الشياطين أجسام لطيفة يُرون في بعض الأحيان و لا يُرون في بعضها ، و لهم حركات سريعة و قدرة على أعمال قوية ... ، و قد يُشكّلهم الله بحسب المصالح بأشكال مختلفة و صور متنوعة ، كما ذهب إليه السيد المرتضى ( رضي الله عنه ) أو جعل لهم القدرة على ذلك كما هو الأظهر من الأخبار و الآثار .
6. قال العلامة الطباطبائي : " الجن طائفة من الموجودات مستورة بالطبع عن حواسنا ، ذات شعور و إرادة ، تكرر في القرآن ذكرهم و نَسبَ إليهم أعمال عجيبة و حركات سريعة كما في قصص سليمان ( عليه السَّلام ) ، و هم مكلفون و يعيشون و يموتون و يُحشرون ، تدل على ذلك كله آيات كثيرة متفرقة في كلامه تعالى ... " .
هل الجن يؤذون الإنس ؟
إذا تعمقنا في الآيات القرآنية و النصوص المأثورة عن المعصومين ( عليهم السَّلام ) تبين لنا أن الجن يستطيعون إيذاء الإنسان و إيصال الشر إليه ، و الدليل على ذلك هو :
1. قول الله تعالى في سورة الناس : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ } .
2. ما جاء في الدعاء : " و أعوذ بالله من شرّ فسقة الجن و الإنس ... " .
3. و ما جاء أيضا في الدعاء : " ... و من شياطين الجن و الأنس فسلّمني " .
فلو لم يكن لهم شرور ، و كان الإنسان مأموناً عن شرورهم لما نُسب الشر إليهم في النصوص المذكورة ، و لما أمرنا بالاستعاذة بالله العزيز منهم .
كيف نأمن شر الجن و أذاهم ؟
و أما كيفية التخلص من أذاهم فهو بالاستعاذة و قراءة البسملة و تلاوة القرآن بصورة عامة ، و سورة الجن بصورة خاصة ، و قراءة آية الكرسي ، و الدعاء بالدعوات المأثورة .
1. في فقه الرضا ( عليه السَّلام ) : " من قرأ سورة الجن لم يصبه في الحياة الدنيا شيء من أعين الجن و لا نفثهم و لا سحرهم و لا كيدهم " .
2. قال رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) : " اجعلوا لبيوتكم نصيباً من القرآن ، فان البيت إذا قرأ فيه القرآن ، آنس على أهله و كثر خيره و كان ساكنيه مؤمنو الجن ، و البيت الذي لم يقرأ فيه القرآن و حش على أهله و قلّ خيره ، و كان ساكنيه كفرة الجن " .
3. نقاط جديرة بالتأمل :
4. أن للجن حشراً و نشراً و حساباً و كتاباً و ثواباً و عقاباً كما لنا نحن ، و يدل على ذلك قول الله تعالى : { وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا } .
5. أن الجن كانوا قادرين على الصعود إلى السماوات و استراق السمع ، لكنهم منعوا بعد ذلك ، و يدل عليه قول الله تعالى : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا } .
6. أن من الجن كفاراً و مؤمنون ، يقول القرآن الكريم : { وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا } .
7. أنهم كانوا يحاولون إغواء بعض الناس من خلال إعطائهم بعض المعلومات الخافية على البشر ، و أن لهم رجال و نساء و يدل عليه قول الله تعالى : { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } .
8. أنه يوجد فيهم من له قدرة على القيام بأعمال عظيمة و شاقة ، و يدل عليه :
قول الله تعالى : { قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } .
قول الله تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } .
صفوة القول :
الجن طائفة من الموجودات غير المرئية ، فالإنسان لا يستطيع من مشاهدتها إلا إذا أرادت الجن ذلك ، و قد خلقها الله تعالى قبل أن يخلق الإنسان ، و بعث إليهم الأنبياء ، و هم كالناس يدينون بالأديان و المذاهب ، فمنهم يهود و نصارى و مسلمون ، و منهم مؤمنون بالله و رسوله و الأئمة المعصومين ( عليهم السَّلام ) ، كما أنهم كانوا يأتون إلى النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) و الأئمة ( عليهم السَّلام ) يسألون عن معالم الدين و أحكامه ، و قد يخدمون المعصومين و يأتمرون بأوامرهم إذا ما أمروا بذلك .
و لكن يجب التنبيه على نفطة مهمة و هي انه لا يمكن نسبة كل نكسة أو حادثة سيئة في حياة الإنسان إلى الجن ، بل يمكن أن يكون ذلك ناشئاً من سوء تدبير الإنسان و سوء ادارته ، فينبغي الإلتفات إلى هذه النقطة حتى لا يقع الإنسان فريسة الأوهام و الخرافات ، كما أنه لا يجوز شرعاً مراجعة من يدعي التعامل مع الجن و يزعم بأنه يتمكن من حل المشاكل و صنع المعجزات ، بل ينبغي أولاً :