منتديات امل الزاوية
التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي 829894
ادارة المنتدي التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي 103798
منتديات امل الزاوية
التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي 829894
ادارة المنتدي التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي 103798
منتديات امل الزاوية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات امل الزاوية


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Empty
مُساهمةموضوع: التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي   التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Emptyالإثنين مايو 11, 2009 6:51 am

التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي





كانت الدولة العباسية تمتد من حدود الصين وأواسط الهند شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً،ومن المحيط الهندي والقرن الأفريقي جنوباً إلى بلاد الترك والخزر والروم والصقالبةشمالاً، وبذلك كانت تضم بين جناحيها بلاد السند وخراسان وماوراء النهر وإيرانوالعراق والجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والمغرب العربي.


وهي أوطان كثيرة، تعيش فيها منذ القدم شعوب وأقوام وجماعات متباينة في ***** واللغة والثقافة، غير أنها لمتكد تدخل في نطاق الثقافة العربية حتى أخذت عناصرها المختلفة تمتزج بالعنصر العربيامتزاجاً قوياً، فإذا بنا إزاء حضارة تتألف من أجناس وعناصر مختلفة، فمضت هذهالأجناس تنصهر في الوعاء العربي حتى غدت كأنها *** واحد.



وقد تميّز العصر العباسي باختلاط كبير بين الأمم المفتوحة وامتزاجها في السكن والمصاهرةوفي الحياة الاجتماعية والمهن والحرف.. الخ، بحيث غدت أحياء المدن الكبرى تعجّبالعرب والهنود والأحباش والفرس والترك والأكراد والروم والأرمن وغيرهم، وبحيثأصبح العربي خالص الدم في بغداد (عاصمة العباسيين) نادراً، فالكثرة الكثيرة منأبناء العرب كانت أمهاتهم من السنديات أوالفارسيات أو الحبشيات أو التركيات، وكذلكالشأن في الخلفاء أنفسهم.




وكان وراء هذا الامتزاج الدموي بين العناصر والشعوب والأقوام المختلفة امتزاج روحي عنطريق الولاء الذي شرعه الإسلام، والسياسة الحكيمة، التي قامت على التسامح والاحترامالمتبادل، فتحول الولاء إلى الكيان الواحد إلى رابطة تشبه رابطة الدم، فالشخص يكونفارساً أو هندياً أو رومياً أو حبشياً ويكون عربي الولاء، بل إن الرقيق كانوا بمجردتحريرهم يصبحون موالي لأصحابهم ويُنسبون إلى القبائل العربية مثلهم مثل أبنائهاالأصليين.




وهذا الرقيق إنما كان قلة قليلة بالقياس إلى أحرار الموالي الذين كانت تتكون منهم الشعوبالمفتوحة، وقد دخل أكثرهم الإسلام، وامتزجوا بأهله من العرب , ونعموا بما يكفل للناسمن عدل ومساواة.




وحتى من لم يعتنق الإسلام من الموالي (من المجوس الصابئة والنصارى غير العرب) أخذ يندمج في المحيط العربي بفضل ماشرعه الإسلام لهم من حقوق اجتماعيةوحرية دينية.




وبذلك فتحت بينهم وبين المسلمين أبواب التعاون الوثيق -على مصاريعها- في شؤون الحياة كلها، وحقاً دخل جمهورهم الضخم في الإسلام , ولكن دون ضغط أو إكراه أوعنف.




وبذلك استطاع الخلفاء العباسيون -بسياستهم المتسامحة المنفتحة- أن يحدثوا امتزاجاً قوياًبالعناصر والأقوام والشعوب والجماعات المختلفة التي كانت تتألف منها الدولة، وهوامتزاج لم يبلغوه بامتلاك الأرض المفتوحة، إنما بلغوه باحترام الاختلاف والتنوعوالتعدد.




بالانفتاح وضمان حرية الاعتقاد شعرت الشعوب غير العربية بالولاءللدولة، أسرعت معظمها إلى تعلم لغة القرآن الكريم والحديث النبوي، فلم يمض نحو قرنحتى أخذت العربية تسود في أنحاء العالم الإسلامي، لا بين المسلمين وحدهم، بل أيضاًبين غيرهم ممن بقي على دينه القديم، لا في البيئات التي كانت قد أخذت تستعرب في عهدما قبل الإسلام: بيئات العراق والجزيرة والشام فحسب، بل أيضاً في البيئات النائية: في إيران ومصر وبلاد أفريقيا الشمالية، فإذا هي تتعرب , وتتعرب معها الأطراف الغربيةللقارة الأوربية في الأندلس.




وكان سكان هذه البيئات يتكلمون لغات مختلفة، ففي إيران كانوا يتكلمون الفهلوية، وفيالعراق والجزيرة كانوا يتكلمون الآرامية، وفي بلاد الشام كانوا يتكلمون هذه اللغةولهجات عربية مختلفة، وفي مصر كانوا يتكلمون القبطية والعربية، وفي المغرب كانوايتكلمون البربرية بلهجاتها المتنوعة.




وكانت اللغة اليونانية قد أخذت تشيع -منذ غزوالإسكندر- في الأوساط الثقافية في كل من بلاد الشام وإيران والعراق والجزيرة ومصر،بينما كانت اللاتينية تشيع في تلك الأوساط بشمالي أفريقيا والأندلس.




وفي العهد العباسي أصبحت شعوبها جزءاً أساسياً في المجال الثقافي -الحضاري العربي، لغةًوشعوراً وأدباً وانتماء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي   التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Emptyالإثنين مايو 11, 2009 6:52 am

وقد اختلف إسراعها إلى هذا الانصهار (التعرّب) باختلاف




مواقعها - بعداً أو قرباً- من الجزيرة العربية، فكان أسرعها تعرّباً العراقوالجزيرة والشام، وكان تعرّبها جميعاً قد بدأ بقرون قبل الإسلام، فأتمته الفتوحالإسلامية سريعاً، وتعرّبت شمال أفريقيا تدريجياً.



وفي هذا السياق الحضاري والمناخ الفكري المواتي أقبل الفرس -مثلاً- على التعرّب إقبالاًمنقطع النظير، فقد أكبّوا على تعلّم العربية إلى أن أتقنوها ,واتخذوها سريعاًللتعبير عن أفكارهم وعواطفهم، بحيث لانكاد نتقدّم في العصر العباسي حتى يصبح جمهورالعلماء والكتّاب والشعراء منهم، فهم يقبلون على دراسة الشريعة الإسلامية , ويتألقفيها نجم أبي حنيفة وتلاميذه، وهم يقبلون على جمع العربية , وتدوين أصولها النحويةعلى نحو ماهو معروف عن سيبويه، وهم يقبلون على صناعة الكتابة على نحو ما هو معروفعن ابن المقفع، وهم يقبلون على الشعر بحيث يصبح أعلامه النابهون منهم على نحو ماهومعروف عن بشار وأبي نواس.




وفيظلّ التسامح الفكري العظيم ظلّت كثير من اللغات الأصليّة متداولة حتى في أكثرالبيئات تعرّباً أي في العراق والشام، ونقصد بها الآرامية أو السريانية والنبطيةوالفارسية والكردية والتركية وغيرها.




ونشيرهنا إلى الفارسية، التي ظلّت حيّة، مزدهرة، لا بين سكان إيران فحسب، بل أيضاً بينسكان المدن في العراق، الذي زحف إليه من عصر بني أميّة جموع كبيرة منهم، وازدادزحفهم في العصر العبّاسي الذي علا فيه سلطانهم.




ويدل على ذلك من بعض الوجوه مايرويه الجاحظ عن قاص من قصّاص البصرة ووعاظها هو موسى الأسواري، إذ يقول: "كان من أعاجيبالدنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في مجلسه المشهوربه، فتقعد العرب على يمينه والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله ويفسّرهاللعرب بالعربية، ثم يحوّل وجهه إلى الفرس فيفسرها لهم بالفارسية , فلا يُدرى بأي لسانهو أبين" (1 ).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي   التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Emptyالإثنين مايو 11, 2009 6:53 am

وقد تعلم كثير من العرب الفارسية وأتقنوها، حتى لنراها تدور في مجالسهم , وممّن اشتهربإتقانه للفارسية الأصمعي العربي القحّ , ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا : إنّ الفارسيةشاعت على ألسنة كثيرين في الحياة اليومية لبغداد والكوفة والبصرة، وبسبب ذلك ولأنهاكانت لغة الحضارة الفارسية دخل منها إلى العربية ألفاظ كثيرة، وخاصة ما اتصل بأسماءالأطعمة والأشربة والأدوية والملابس، ودخل إلى العربية في هذا العصر بعض ألفاظهندية وخاصة في أسماء النباتات والحيوانات، كما دخل بعض ألفاظ اليونانية , وخاصةما اتصل باصطلاحات الفلسفة والطب وأسماء المقاييس والموازين والأمراض والأدوية (مثلالقيراط والأوقية والقولنج).




ولم تعد هذه الألفاظ والكلمات غزواً للعربية، وكثيراً ما كانت تعرّب بحيث تتفق واللسانالعربي، وقد ألف العرب فيها مصنّفات كثيرة تمييزاً لها وتعريفاً بها.




وبذلك اتسعت العربية بفضل هذا الاحتكاك الثقافي الواسع، وتحوّلت من لغة البدو القديمة إلى لغةحضارية مع المحافظة على مقوّماتها ومكوّناتها الأساسية وأوضاعها وأصولها الاشتقاقيةوالصرفية والنحوية (2 ).




وفي الوقت نفسه، وكنتيجة طبيعية لهذا الاختلاط الأممي الكبير شاع اللحن في العربية، وقدساق الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين" جملة من لكنات بعض الأعاجم، وهي لكناتمردّها إلى ماكان يجده نفر من صعوبة التكيف العضوي لمخارج الحروف العربية، التيلاتوجد في لغاتهم، إذ كان منهم من يبدل الراء غيناً , والزاي والتاء والشين سيناً, والعين همزة , والقاف كافاً أو طاء , والجيم زاياً أو ذالاً , والحاء هاءً , والصاد سيناً, والظاء زاياً , واللام ياءً , ولكن الفصحى ظلّت المثل الأعلى للناس في هذا العصر،وخاصة الطبقة المثقفة.




وحتى غير المسلمين أو المؤمنين اتخذوها لسانهم وأدواتهم في




التعبير، مما أحالها وعاءً كبيراً لكل ما لقيته من ثقافات في البيئات الحضاريةوالاجتماعية والبشرية , ومن معارف مختلفة متباينة، وهي معارف امتزجت فيها منذ فتوحالإسكندر عناصر شرقية بعناصر إغريقية مكوّنة مايسمّى بـ "الثقافة الهلّينيّة"، حيثإن زحوفه العسكرية شملت مصر وليبيا والشام والعراق وإيران وأفغانستان , وشطراً منبلاد الهند.



وقد عُني بنشر الثقافة اليونانية في كل البلدان التي احتلها , ومضى خلفاؤه الذين ورثوا ملكه على نهجه , وبذلك امتزجت هذه الثقافة بثقافات أمم كثيرة،فتكونت من هذا الامتزاج ثقافة جديدة فيها من فلسفة الإغريق المتشعبة، وفيها منديانات الشرق وروحانياته وأساطيره ومعارفه الفلكية والطبية وغيرها.




وكانت المراكزالثقافية الهلّينيّة قبل الإسلام مدارس مختلفة في الإسكندرية وقيسارية وأنطاكيةوالرها ونصيبين وحرّان وجند يسابور، فاتصلت الثقافة العربية بعد الإسلام، ولاسيمافي العصر العباسي بكلّ هذا التراث وحدث تفاعل بينه وبين المعارف الإسلامية والآدابالإسلامية الجديدة، واتخذ هذا التفاعل صوراً كثيرة، منها الترجمة ونقل العلوم .




وفيها تأثر العرب بالمعارف العمليةالتطبيقية عند الشعوب الأخرى، مما اضطرهم إلى التعمّق فيها من خلال إنشاء المدن, وضبط الدواوين , وعمل الأساطيل , وإعداد الجيوش والنهوض بالزراعة والميكنة (فنون الحيلكما كان العرب يطلقون عليها).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي   التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Emptyالإثنين مايو 11, 2009 6:53 am

الحرفيون ودورهم التاريخي في تطـور المدينة العربية
الإسلامية





مقدمة: موقف الإسلام والدين من الحرفيين:
يعد موقف الإسلام والدين من الصناعة والحرف موقفاً واضحاً لا لبس فيه ، فالعمل كان ولا يزال هو ميزان تقدم الأمة، والمهارة في إتقانه هي مقياس الحضارة، والوفاء بالعمل هو الهدف الذي يسعى إليه الإصلاح الاجتماعي. قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "
إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".


وحضّ الدين الإسلامي على العمل، وأكد حرمته ، وجعل الإنتاج عبادة وتقرباً إلى الله، بل جهاداً في سبيل الله ، قال تعالى: "
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"(1) وأكد الله عظمت قدرته حماية الدولة لحقوق العمال ، ثم إعطاء كل عامل على قدر ما يستحق من إتقان "فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض"(2).


وقال سبحانه: "ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون"(3) وقال تعالى: "
وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى"(4) وقال تعالى : "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى ثم يجزيه الجزاء الأوفى"(5).


أفضل الأعمال الاكتساب للإنفاق على العيال ، وفي الحديث الشريف "
طلب الكسب فريضة على كل مسلم، كما أن طلب العلم فريضة"(6).


وجاء عن الخليفة عمر رضي الله عنه "إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول هل له حرفة؟ فإن قالوا : لا سقط من عيني."
ومن شروط العمل الصالح في الإسلام إتقانه على الصعيدين الفني والعملي وعدم الغش فيه ؛ لأن ذلك يلحق الضرر بالأفراد والمجتمع ، ثم إنجازه في موعده المحدد، وأن لا يخادع به ولا أن يكذب ، ولا أن يحلف الأيمان الكاذبة لأجله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب "..


هذا التوجه العام الإسلامي ساعد على ارتقاء الحركة الحرفية والصناعية وتطورها وانخراط العرب في الصناعة ووصولهم للمهن واستلامهم زمام الأمور فيها، وبعد أن كان العربي يأنف من العمل في الحرف، وينظر إلى العاملين بها نظرة ازدراء، لأنها في عرفهم حرف وضيعة خلقت للعبيد والموالي ولا تليق بالأحرار، وكان الشريف منهم وصاحب الجاه لا يحضر وليمة يدعوه إليها رجل من أصحاب هذه الحرف ، وذلك لأنه ليس في مكانته ومنزلته..
وجاء الإسلام ليغير هذا المفهوم ويعمل الرسول لقلب هذه المفاهيم ، وعد حضوره منازل أصحاب هذه الحرف وقبول طعام الخياط والصائغ وأمثالهما عملاً فيه خروج عن المألوف ومخالفاً للأعراف والتقاليد التي كانت تحتقر الحرف والمحترفين وتحط من مكانتهم..
وبعد أن كان العربي يرفض الأسماء التي لا تدل على الأصل والحسب، ويحتقر النسبة إلى الصناعات كالصباغة والحدادة وغيرهما(7).
ثانياً- النشأة التاريخية للحرف في الوطن العربي في ظل الإسلام:
فما أن جاء الإسلام حتى رفع مكانة العمل والعمال والصناع بوجه عام، وشيئاً فشيئاً بدأت الحرف تلقى القبول ، وينخرط فيها العربي كغيره، ومنذ القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي بدؤوا يقبلون أسماء وألقاباً تدل على الصنعة ، وغدونا نسمع ونرى ونجد أحمد الحداد وجعفر البقال وسعد الغزّال ، وتأكد هذا فعلاً خصوصاً منذ بداية العاشر الميلادي.
ولا نستغرب أن يأنف العربي من بعض الصناعات ويعدّها غير لائقة لاستعمالها بعض المواد غير النظيفة كالدباغة مثلاً ، كما عدّوا الصباغة مخالفة لقواعد الدين، ولهذا كان الصيارفة والصباغون من اليهود في معظم مناطق الدولة الإسلامية ، خصوصاً في بلاد الشام(Cool.
لكن التوسع الذي حدث بعد انتشار العرب المسلمين بين الموالي وأهالي البلاد المفتوحة، وعمليات الاختلاف والتمازج التي تمت بين الأقوام المختلفة التي انضوت تحت راية الإسلام أدى إلى عمل الجميع على الحفاظ على التراث الحضاري القديم في الميادين المختلفة ، كما ساهم العرب وغيرهم في تطوير الصناعة الحرفية.
ثالثاً- علاقات السلطات العربية الإسلامية بالحرفيين:
قامت السلطات العربية الإسلامية بواجباتها تجاه الحرفيين، وكفلت لعمالها من أرباب الحرف والصناعات حرية واسعة في ممارسة أعمالهم، ولم تتدخل فيها إلا على نحو محدود، وفي الصناعات التي كان يتطلب قيامها الحصول على إذن خاص مثل إنشاء حمامات، وصنع الأسلحة وسك النقود، وتركيب الأدوية، والعمل في دور الطراز، وكل ذلك يعود إلى أسباب تتعلق بالأمن الجماعي، والمصلحة العامة(9).
وتقدمت الصناعات الحرفية بتوالي الأجيال، ووفرة المواد الخام الزراعية والمعدنية، وتقدم العمران البشري في المدن الإسلامية غير أن الصناعات استمرت تعتمد على الصناعات اليدوية، وبقيت السلع تصنع في الورش ، وفي البيوت أو في المحال والحوانيت، وكان العامل يبدي في هذه الورش الصناعية مهارة وخبرة وصبراً مما أعطى الإنتاج على الرغم من قلته صفة الإتقان وطابع الطلاوة(10).
لكن استمرت الحالة العامة للعمال اقتصادياً على الأغلب متواضعة، وتكفي ضرورات الحياة المعيشية فقط ، واستمرت متفقة مع القول المأثور (
صنعة في اليد أمان من الفقر، وأمان من الغنى) ولهذا عد أهل الحرف في عداد العامة أو الفئات الدنيا في المجتمع الإسلامي.


وعلى هذا الأساس لا نستغرب أن تكون الصناعة وأربابها موضع عطف واهتمام الكثير من المفكرين والكتاب العرب المسلمين ، وقام هؤلاء وأفردوا لها الفصول والرسائل في مؤلفاتهم ، ومثال ذلك ما نجده في رسائل إخوان الصفا ، ثم صاغه فيما بعد المؤرخ والعالم الاجتماعي الكبير ابن خلدون عن الصنائع في مقدمته
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي   التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Emptyالإثنين مايو 11, 2009 6:54 am

رابعاً : الصناع وطوائف الحرف، والأصناف ودورهم التاريخي في تطوير المدينة العربية الإسلامية:
أ- المدينة:
تشير الأبحاث اللغوية إلى أن كلمة مدينة تعود أصلاً إلى كلمة "دين" ولهذه الكلمة أصل عربي وهي آرامية الأصل ، وعرفت عند الأكاديين والآشوريين "بالدين" أي القانون كما أن الديان في اللغة الآرامية "القاضي" وأن مصدرها في الآرامية "مدنيتا" وتعني القضاء ، ولهذا يرجح أنها تطلق خاصة على المكان الذي يكون فيه القضاء دليلاً على معنى القانون أو العدالة، ولعل كلمة (ديان) جاءت منه بمعنى القاضي أو المحاسب ، وورد في سنن البيهقي عن الخليفة الفاروق قوله : " ويل لديان الأرض من ديان السماء".
وهي المكان الذي يؤمن فيه العدل والأمن أكثر من غيره، فهي مقر السلطة الحاكمة التي تقيم الحدود، وتنفذ فيها الأحكام ، ويسير في الاتجاه نفسه تعريف بعض الجغرافيين (المصر) حيث يورد المقدسي(11) : "أنه كل بلد جامع تقام فيه الحدود ، وعليه أمير يقوم بنفقته ويجمع رستاقه " كما يتصل التفسير الفقهي للمدينة أيضاً بهذا المفهوم إذ إن أبا حنيفة ذكر : "أن صلاة الجمعة إنما تختص بها الأمصار دون غيرها، وأنه لا يجوز إقامتها في القرى ".
واعتبر أن المصر هو المكان الذي يوجد فيه سلطان يقيم الحدود وقاض ينفذ الأحكام ، والمدينة لا تسمى بهذا الاسم إلا إذا كانت مقراً لصاحب السلطان، أو من يمثله، فإن كان الخليفة كانت المدينة، وإن كان والي إقليم أو كورة فالمدينة عاصمة هذا الإقليم أو الكورة ، وإن كان السلطان قائداً على الثغور فالمدينة قاعدة لهذا الثغر أو حصناً استراتيجياً فيه.
وفي المدينة تجمع الأعداد الكبيرة من العمال والحرفيين من مختلف الأجناس والأديان ، ويسكنون بمساكن متقاربة ، ويتصلون بعضهم ببعض في حياتهم اليومية في الأسواق تجمعهم روابط اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وظروف حياتية متقاربة ، كل في مجال تخصصه ، وهذا ما ساعد على قيام نظام الحرف والطوائف والتكتلات الصناعية التي عرفت بأسماء متعددة ، مثل الأصناف وأرباب الصنائع وأصحاب المهن أو أهل الحرف، وهي كلها تعابير تعطي معنى الجماعة لأبناء الصنعة الواحدة ، وفي المدينة العربية الإسلامية ونموها وتطورها وتقدمها وتوسع الحياة الاقتصادية وتعقدها، ازداد الشعور المشترك بين أصحاب كل حرفة، وصار لهم فيها نظام أو عرف يكفل لهم الحماية من المنافسة ، ويرفع من مستواهم المادي والفني ، ويعمل على تدريب الأبناء الجدد أو المبتدئين في الصنعة، وتهيئتهم التهيئة المناسبة واللازمة للمهنة، لكي يكون إنتاجهم في غاية الكمال، وبذلك حدث التطور في المدينة ، وترقى المدينة بإنتاج حرفيها وتصبح مركز جلب للحرفيين المهرة.
ب-الشكل التنظيمي للحرفة:
كان لكل حرفة رئيس أو شيخ لقب بالأمين في المغرب ، والأسطى أو المعلم في مصر ، والعريف في الشام ومناطق أخرى، وكان تعيين رئيس الحرفة أو الطائفة أو شيخها، يتم إما بالاختيار أو الانتخاب ، وبحضور المحتسب وموافقته ، وهذا يدل على أن الدولة تتدخل في اختيار الرؤساء وشيوخ الحرف ، أو أنها تشرف الإشراف الدقيق على المهن وحسن سير الأمور فيها..
وهذا الشيخ يعد الخبير الفني للمهنة أو الحرفة ، ورأيه استشاري وهو مقبول عند القاضي والمحتسب، وهو الذي يقوم بإبلاغ الطائفة الحرفية المعلومات المطلوبة عن السلطة التي تخص مهنته، كما يؤخذ رأيه في تحديد كلف السلع وثمنها في أثناء البيع أو التقدير ، وغير ذلك من أمور متعلقة بالمهنة(12).
وكانت العادة أن يتدرج الصانع في الحرفة ، وتبدأ بالانتساب لها لمبتدئ أو لصبي صغير، ثم إلى عامل، أو صانع مدرب، وينتقل بعدها إلى أن يصبح معلماً ، ومنها إلى الرئاسة.... ويتم ترقيته إلى رتبة المعلمية باحتفال رسمي، لما لهذه النقلة من أهمية تمكنه من الوصول إلى المعلمية والرئاسة، ويجري في هذا الاحتفال قراءة الفاتحة، والتراتيل الدينية، ثم تتم بعد ذلك مراسم الشد، وذلك لشد وسطه بحزام مع عقد عدة عقد من قبل كبار المعلمين الحاضرين هذا الاحتفال ، ثم يقوم بعد ذلك بارتداء ملابس خاصة يعرف بالسروال ، ويوضع شال على كتفه، ويذّكر في هذا الاحتفال بواجباته المهنية ، ويؤخذ عليه العهود بالتزام هذه الواجبات وعدم الخروج عنها، والإخلاص لها، وهي بمجملها تستند إلى التحلي بمكارم الأخلاق وأهمها القناعة، والصبر، والتواضع، ومن ثم الإخلاص لعمله ومعلمه وأسرته وينتهي الاحتفال بعد تناول الطعام على شرف المحتفى به يقدمها لهم الصبي المرقى(13).
ت- وظائف الحرفيين أو الطوائف المهنية في المدن العربية الإسلامية:
ويمكن أن نجمل وظائف الحرفيين في المدن العربية الإسلامية بالمهمات الآتية:
1ـ تعليم أسرار المهنة للصبية، وتحديد علاقتهم بمعلميهم يشبه عقداً أو التزاماً بين المعلم والصبي.
2ـ المراقبة الفنية لجميع العاملين بالمهنة الواحدة، ومنع الغش وحماية المجتمع من التدليس الذي قد يحدث في سوء الصنعة.
3 ـ المشاركة في تحديد الأجور وأسعار السلع ، وفض المنازعات بين أفراد الطائفة الواحدة.
4 ـ ويعد الشيخ أو الأمين أو العريف المسئول عن الطائفة أمام ممثل السلطة الحاكمة في السوق، وهو على الأغلب المحتسب(14) في معظم المدن العربية الإسلامية، ويمكن أن تشبه أعمال هذه الطوائف أو الأصناف المهنية بنظام النقابات سواء في أوربا أو غيرها في بعض الأمور.
لكن الهام أن هؤلاء الحرفيين بمجملهم كانوا من الطبقات العامة في المجتمع في المدينة العربية الإسلامية، وهم بحكم هذا الموقع أسهموا إسهاماً كبيراً في حياة المدينة والمجتمع فيها ، فقد وجدناهم يشاركون في النشاطات كافة منها الإيجابية كالاحتفالات والمواكب العامة في الأعياد والمواسم وغيرها من الأفراح.
وكانت لهم نشاطات سلبية كانخراطهم في الثورات الشعبية، والمجمعيات السرية، والعمل ضمن توجهاتها وفرقها الدينية والعسكرية وغير ذلك....
ففي بلاد المغرب العربي انخرط معظم أهل الحرف في الطرائق الصوفية التي ظهرت بكثرة في الشمال الإفريقي، وكما انخرط هذا النوع من الفتوة الصوفية في شرق الدولة العربية الإسلامية في خراسان ، ولاسيما في نيسابور ، والتي عبر عنها عمر النيسابوري الحداد عام 260هـ/873م/ موضحاً هذا التوجه الصوفي بقوله: وسئل بعضهم من يستحق اسم الفتوة؟ فقال: من كان فيه اعتذار آدم، وصلابة نوح، ووفاء إبراهيم ، وصدق إسماعيل، وإخلاص موسى، وصبر أيوب، وبكاء داود، وسخاء محمد صلى الله عليه وسلم ورأفة أبي بكر، وحمية عمر، وحياء عثمان، وعلم علي، ثم مع هذا كله يزدري نفسه ويحتقر ما هو فيه(15).
ولما كان إلى جانب هذا النشاط الصوفي التقشفي لهؤلاء الحرفيين لاسيما الفقراء منهم نشاطات أخرى اتجهت اتجاهاً معاكساً واتصفت بطابع العنف أو اتجهت اتجاهاً سرياً.
ومن الأمثلة على هذه التوجيهات إقبال العديد من أهل الحرف والصناع والانخراط في الدعوات السرية الاجتماعية كالقرمطية، ودعوتها التي قامت على حمدان قرمط وغيره بالعراق في القرن الثالث الهجري نتيجة لسوء التوزيع الاقتصادي والخلل الذي حدث في المجتمع من جراء ذلك، وقاد لتوسع الدعوة القرمطية، وقيام دولة لهم في البحرين، ونشاطها في العراق والشام، ووصل خطرها حتى مصر ، وحظيت بتأييد كبير من أصحاب المهن والحرف والمعذبين، وتعرض المجتمع العربي الإسلامي لهزات عنيفة لانخراط الحرفيين بهذه الحركة وغيرها من الجماعات كالعيارين والشطار وغيرهم من الفتيان، والأحداث في شرق العالم الإسلامي وغربه والتي رفعت شعارات تطبيق المساواة والعدالة الاجتماعية، والاستيلاء على الأموال والثروات وبطرائق مختلفة، ولا أرى ضرورة لشرح هذه الطرائق.
ولهذا لا نستغرب أن يوصفوا بصفات مذمومة، كالرعاع- العراة الأنذال اللصوص... على الرغم مما اتسموا به من صفات فروسية تبعدهم عن أخلاق اللصوص العاديين، وأهم شعاراتهم الثورة على السلطة وأصحاب الأموال، ورفض الأوضاع الاقتصادية السائدة، والتي كان العديد منهم يرون أنها خرجت على الشعائر الإسلامية وعدالتها الاجتماعية، ومن خلال هذه الرؤية، وهذا التوجه أعطوا أنفسهم حق الاستيلاء عليها وتوزيعها على الفقراء منهم.
وكانت معظم الحركات من عيارين وشطار، في بغداد، في الظاهر عصابات من اللصوص وضعت أمام نفسها نهب الحوانيت والأسواق وبيوت الأغنياء ، لكن جذور الحركة هي في الواقع رغبة هذه الطبقات المنكوبة حالياً الثأر من الأغنياء نتيجة الانحطاط السياسي، والارتفاع في الأسعار، من دون أن يرافقه ارتفاع مماثل في الأجور، إضافة إلى احتكار المواد الغذائية من قبل التجار والأثرياء(16).
وأتم وصف للحرف والمهن والصنائع، ما نجده من رسائل إخوان الصفا، ففيها نجد الحرف مصنفة بأشكال مختلفة، ووفق أسس متعددة، وإخوان الصفا جمعية سرية سياسية دينية انتشرت في أقاليم كثيرة في القرن الرابع الهجري -العاشر الميلادي.
وطرحت شعاراتها ضمن رسائل هدفت من خلالها إلى إسعاد النفوس وتهذيبها ، وما يهمنا منها هنا أنها وجهت عنايتها خاصة إلى العمل وإلى الصناع ، وأثنت عليهم وعلى شرف الصنائع والحرف وقالت: "إن من لا صناعة له متكبر كأولاد الملوك، أو أنه كسول جاهل، أو زاهد ورع لا تهمه أمور الدنيا.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي   التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي Emptyالإثنين مايو 11, 2009 6:55 am

وصنف إخوان الصفا الصنائع حسب فائدتها على النحو التالي:
الصنائع الضرورية للمجتمع:


كالزراعة والحياكة والبناء ثم صنائع تأتي في الدرجة الثانية ، فهي إما تابعة للأولى أو متممة لها ومكملة، فمثلاً لا تتم الحياكة إلا بالغزل، والغزل لا يتم إلا بصناعة الحلج، فأصبحت صناعة الغزل وصناعة الحلج تابعة للحياكة ، كما أن الخياطة لازمة لعمل الملابس من النسيج ، فصارت الخياطة متممة للحياكة ، ثم هناك ثالثاً صنائع للجمال والزينة ، أمثال صنائع العطور والحرير والوشي، كما صنفوا الصنائع حسب موضوع الصناعة إلى نوعين:
أولاً- الصنائع الروحانية :
وتشمل المهن الفكرية، ثم الصنائع الجمسانية وتشمل الحرف اليدوية، وهذه صنفت إلى صنفين ، الأولى التي يكون موضوعها بسيطاً: مثل الماء - كالسقايين والملاحين والسياحيين -الخ والتراب (كحفاري الآبار والأنهار والمعادن- الخ) والنار (كصناعة النفاطين والوقادين والمشعلين) والهواء (كصناعة الزمارين والبواقين والنفاطين أجمع) أو الماء والتراب (كصناعة الفخارين والغضارين، وجرابي اللبن).
ثانياً- النوع الثاني:
الصنائع التي يكون موضوعها مركباً،
وهذه ثلاثة أنواع: وهي الأجسام المعدنية، ومنها (الصفارين والحدادين والرصاصين والصواغين) ثم النباتات، والصناعات من هذا النوع إما أن تتناول أصول النبات من الأشجار والقضبان والأوراق لصناعة النجارين والخواصين والبوارين والحصريين والأقفاصيين ومن شاكلهم ، أو أنها تتناول لحاء النبات كصناعة الكتانين ومن يصنع القنب والكاغد أو أن نتناول تمر الأشجار وحب النبات كصناعة الرقاقين، والقطارين والبزارين وكل من يخرج الادهان من ثمر الشجر وحب النبات، ثم الحيوان، والصناعات هنا عامة كصناعة الصيادين ورعاة الغنم والبياطرة، أو تتناول إنتاج الحيوان كصناعة الدباغين، والأساكفة، أو الطباخين، ومن الصنائع ما موضوعها أجساد الناس كصناعة الطب والمزينين ونفوس الناس كصناعة المعلمين(17).... كما صنف الإخوان الصنائع تصنيفاً.
ثالثاً- حسب قيمة إنتاجها فهي تتفاضل من حيث:
أولاً-
قيمتها، والحاجة إليها، ثم فائدتها بالنسبة إلى الناس. كما صنفوها تصنيفاً رابعاً حسب الأدوات والآلات المستعملة فيها ولهذه الدراسات والتصنيفات فوائد جمة كثيرة فهي تدل على نطاق الصناعات الموجودة في عهدهم والفترات التي سلفت والأهم من ذلك أنها تلقي وتوجه الضوء على الفكر الاقتصادي في تلك الفترة... ويتضح أن المهن كانت وراثية، وكل صانع يفضل حرفته على جميع الحرف، ويوضح الجاحظ هذا التوجه(18) بقوله: لكن لكل صنف من الناس مزين عندهم ما هم فيه وسهل ذلك عليهم، والحائك إذا رأى تقصيراً من صاحبه أو سوء حذف أو خرقاً قال يا حجام، والحجام إذا رأى تقصيراً من صاحبه قال له: يا حائك، ومع كل هذا وذاك عدت بعض المهن شائنة حتى ينظر العامة مثل مهنة البوابين والقوادين والمشعوذين(19).


ث-الخاتمة- الصناع والطوائف الحرفية:
وهؤلاء طائفة من الناس وصفوا بأنهم يعملون بأبدانهم وأدواتهم في مصنوعاتهم الصور والنقوش والأصباغ والأشكال، وغرضهم طلب العوض عن مصنوعاتهم لمصلحة معيشة الدنيا ، وكان الصناع يقسمون من حيث العمل إلى فئتين، الأولى تضم المشتغلين بأجرة وهم الصناع الذين يعملون في المؤسسات الخلافية وفي دور الضرب أو في محلات التجارة الكبيرة ، أما الفئة الثانية فهم يعملون لحسابهم الخاص بما في ذلك المبتدئون(20)...
وكانت البضائع في أكثر الأحيان وراثية يأخذها الأبناء من الآباء، وفي حال تعلم الأبناء لصنعة الآباء والأجداد فإنهم يتقنونها(21) ويصبحون بارعين فيها، وعلى ما يبدو أن أكثر المشتغلين بالصناعة كانوا من أهل الذمة ، ولقد قويت فيما بعد الروابط الاجتماعية بين أصحاب الصنائع، وغدا كل صانع يشعر برابطة الانتماء إلى أصحاب حرفته وصنعته، وكثيراً ما عقد أهل الحرفة الواحدة الاجتماعات للتشاور والتباحث في أمور مهنتهم ثم أخذت تظهر فيما بعد تنظيمات لأهل الحرف تدفعهم لذلك ظروف المهنة ، وأخذت هذه التنظيمات تميل نحو التكتل والتنظيم لتأمين مصالحهم المشتركة ، وكان لكل حرفة رئيس من بين أعضائها تعينه الحكومة أو شيخ الصنعة أو الرئيس ، ويقوم بتنظيم أمور العاملين ، ويعمل على حل المشكلات والخلافات التي تحدث في حرفته، كما كان يقوم بدور الوسيط بينهم وبين السلطة الحاكمة، ويليه الأستاذ وهو متقدم في المهنة ، ويأتي بعده الصانع وهو الذي يعلم المهنة، ويمكنه أن يفتح محلاً خاصاً به ويمارس عمله بصورة مستقلة، ويلي هذا المبتدئ، وهذا منتمٍ إلى الصنف ويقوم بالتدرب على أيدي الصانع، وكل هذا وذاك أدى إلى تنظيمات متطورة قادت إلى نشأة(22)النقابات الخاصة بالمهنة أو الحرفة ، والتي كانت تستهدف تبادل المعونة والدفاع عن مصالح الحرفة، وكان المحتسب يشرف على حسن سير الأعمال بكل حرفة.
وعاش معظم الحرفيين في المجتمع حياة متوسطة، وربما أدت بعض الظروف السياسية الخاصة إلى ضيق أحوالهم المادية، لهذا كثيراً ما كانوا يساهمون بدور نشط في الحركات الاجتماعية التي تقوم ضد السلطة الحاكمة، وهؤلاء كانوا يتطلعون لتحسين أحوالهم الحياتية والمعاشية وبذلك كانت حركة الحرفيين تعمل على ضبط إيقاع مسير الأنظمة التي تخالف التشريعات الإسلامية وإعادة هذه الأنظمة إلى جادة الصواب، وأيضاً كانت تمارس الأسلوب نفسه في ضبط سلوك الأغنياء.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التفاعل الثقافي والحضاري في العصر العباسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» العصر العباسى الرابع
» الكعبة المشرفة في العصر العثماني
» العصر العباسى الأول
» العصر العباسى الثانى
» العصر العباسى الثالث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات امل الزاوية :: المنتدى الاسلامي :: التاريخ الاسلامي و العالمي-
انتقل الى: