هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: الحسد الإثنين مايو 25, 2009 12:38 pm | |
| الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وآله وصحبه والتابعين، أمّا بعد:
خلق ذميم يجب علينا استئصاله من أنفسنا ومحاربته والقضاء عليه؛ لأنّه إذا وصل إلى القلوب أفسدها، وبعد بياضها سودها، ويتأكد علينا اجتنابه في كل زمان ومكان، ألا وهو الحسد المذموم،إذا هو من الذنوب المهلكات، وهو أن يجد الإنسان في صدره وقلبه ضيقاً وكراهية لنعمة أنعمها الله على عبد من عباده في دينه أو دنياه، حتى إنّه ليحب زوالها عنه، بل وربّما سعى في إزالتها، وحسبك في ذمه وقبحه أنّ الله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة منه ومن شره، قال تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق:5].
والحسد المذموم مدخل من مداخل الشيطان إلى القلب، فبالحسد لعن إبليس وجعل شيطاناً رجيماً، ولقد ذم الله الحسد في القرآن الكريم وشدد النكال على من اتصف به، لأنّ الحاسد عنده شيء من الاعتراض على أقدار الله التي قدرها على عباده، وهو داء عظيم من أصيب به تبلد حسه وفتح عينيه على كل صغير وكبير، فلا يهمه إلاّ زوال الخير عن الغير، فلا هو قانع بما قسم الله له ولا هو راض بما قسم الله لغيره، ومّمّا يدل على تحريمه قوله صلى الله عليه وسلم: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب» [رواه أبو داود وابن ماجه]. وقوله: «لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد» [رواه البيهقي وابن حبان].
وهو نتيجة من نتائج الحقد، وثمرة من ثمراته المترتبة عليه، فإنّه من يحقد على إنسان فإنّه يتمنى زوال النعمة عنه، ويغتابه في المجالس، ويعتدي على عرضه ويشمت فيه.
ومن أهم أسبابه: العداوة والبغضاء بين النّاس لأي سبب كان، ومنها: التعزز والترفع، وهو أن يثقل على الحاسد أن يرتفع عليه غيره، ومنها العجب والكبر وهو استحقار وتنقص عباد الله؛ لأنّهم حصلوا على مالم يحصل عليه، ومنها حب الرياسة وطلب الجاه والثناء؛ لأنّ بعض النّاس يريدون أن يمدحوا في المجالس، وأن يجلسوا ويتربعوا على ذلك الكرسي الذي يسيل لأجله لعاب الكثيرين، ومنها خبث النفس وحبها للشر وشحها بالخير، فتجد الحاسد إذا ذكر عنده رجل ومدحه النّاس تلون وجهه وتوغر صدره ولم يطق المكان الذي هو فيه، أمّا إذا ذكر عنده رجل حصلت له مشاكل ونكبات استنار وجهه، وخرج إلى مجلس آخر ليبث وينشر خبره وربّما أتى بإشاعات في صورة الترحم والتوجع، وهذا من ذله وخسة طبعه اللئيم.
ولذلـكـ يعسر معالجة هذا السبب؛ لأنّ الحاسد ظلوم جهول، وليس يشفي صدره و يزيل حزازة الحسد الكامن في قلبه إلاّ زوال النعمة عن غيره، فحينئذ قد يتعذر الدواء.
وداريت كل النّاس لكن حاسدي *** مداراته عزت وعز منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمة *** إذا كان لا يرضيه إلاّ زوالها
والطامة الكبرى أن تجتمع كل الأسباب في شخص واحد، فهذا لا خير فيه، ولا أمل في علاجه إلاّ أن يشاء الله.
أعطيت كل النّاس من نفسي الرضا *** إلاّ الحسود فإنّه أعياني
لا أنا لي ذنباً لديه علمته *** إلاّ تظاهر نعمة الرحمن
يطوي على حنق حشاه إذا رأى *** عندي كمال غنى وفضل بيان
مــا أرى يرضيه إلاّ ذلتي *** وذهاب أموالي وقطع لساني
وللحسد أضرار عظيمة منها: أنّه يورث البغضاء بين النّاس، ويقطع حبل المودة؛ لأنّ الحاسد يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمن وأخيه، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً» [متفق عليه].
ومنها: أنّه يحمل الحاسد على محاولة إزالة النعمة عن الحسود بأي طريقة ولو بقتله كما حصل مع ابني آدم عندما قتل أحدهما الآخر.
ومن أضراره: أنّه يمنع الحاسد من قبول الحق خاصة إذا جاء عن طريق المحسود، ويحمله على الاستمرار في الباطل الذي فيه هلاكه، كما حصل من إبليس لما حسد آدم فحمله ذلك على الفسق على أمر الله والامتناع عن السجود، فسبب له الحسد الطرد من رحمة الله.
كما أنّه يحمل الحاسد على الوقوع في الغيبة والنميمة والبهتان وهي من الكبائر، كما يحمله على ارتكاب ما حرم الله في حق أخيه، ويجعله في هم وقلق لما يرى من تنزل فضل الله على عباده وهو لا يريد ذلك ولا يقدر على منعهِ فيبقى مهموماً مغموماً.
اصبر على كيد الحسود *** فإنّ صبرك قاتله
كالنّار تأكل بعضها *** إن لم تجد ما تأكله
فيعيش الحاسد منغص البال، مكدر المزاج، وكلّه بما جنته يداه.
أوما رأيت النّار تأكل نفسها *** حتى تعود إلى الرماد الهامد
تضفو على المحسود نعمة ربّه *** ويذوب من كمد فؤاد الحاسد
إضافة إلى أنّ الحسد يوقع المجتمع في التخلخل والتفكك؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء» [رواه البيهقي].
أدعو كل حاسد بأن يتقي الله في نفسه، وأن يقنع بما أعطاه الله ولا يفتح عينيه فيما أعطى الله لغيره، ولا يتمنى زوال النعمة عنه، وليدع الخلق للخالق، وليعلم أنّ الله يقول: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43].
لا تحسدن عبداً على فضل نعمة *** فحسبك عاراً أن يقال حسود
وليعلم أنّ الحسد ممقوت، وهو من تتبع الزلات والعورات، وفي الحديث «من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته» [رواه الترمذي وأبو داود].
ولله سطوات وانتقامات ليست من الظالمين ببعيد: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم:42].
وأدعو كل مسلم ألاّ يسيء الظن بأخيه المسلم، ولكن مع هذا ليكن كيساً فطنان وليحذر من لؤماء الطبع ولا يغتر بهم، ولا ينخدع بمظهرهم، فالحاسد إذا جلس معك أعطاك من حلو الكلام ما تتمنى أنّك لا تفارقه أبداً، وخاصة أنّك ترى ابتسامات عريضة في وجهه؛ فتنطلي عليك حيلته ومجاملته، ولكن إذا غبت عنه ألبسك ثياباً من التهم والسب والشتم.
| |
|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| |