المسيح ابن مريم عليه السلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فإن المسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - نبي من أنبياء الله - عليهم السلام -، وهو من أولي العزم من الرسل، وسنقف مع شيء من حياته بما قصه القرآن الكريم من ذلك، أو جاءت به سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قد رويت حكايات عن أهل الكتاب، ونقلها المؤرخون المسلمون، وهي من الحكايات التي لا نجزم بصحتها ولا بكذبها، إنما الجزم والتيقن بما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، فهو خبر يقين لا يقبل الشك والريب.
وسيتم التركيز على النقاط التالية:
1- ولادته - عليه السلام -.
2- كلامه في المهد.
3- دعوة قومه إلى الحق.
4- حياته مع الحواريين:
- إيمانهم به.
- نصرتهم لدين الله.
- طلب المائدة.
5- تكريم الله له بالمعجزات الظاهرة القاهرة.
6- رفعه إلى السماء.
7- كذب الناس عليه من بعده.
8- نزوله إلى الأرض علامة من علامات الساعة.
أولاً: ولادته - عليه السلام -:
ذكر الله - تبارك وتعالى - قصة ولادة عيسى - عليه السلام - بتفاصيلها في سورة مريم، حتى ذكرت الآيات الكريمة حال مريم قبل ولادة المسيح في قوله - تعالى-: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) سورة مريم.
هذه الآيات تبين أن الله - تعالى- أرسل إلى مريم رسولاً وهو جبريل لينفخ فيها من روح الله - تعالى- كما قال في آية أخرى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا.. (12) سورة التحريم، فحملت بعيسى - عليه السلام - من غير أب، بل بقدرة الله - تعالى- التي لا يقف دونها شيء، ولما وضعته حزنت وخافت وتمنت الموت؛ لأنها كانت تخشى من قومها أن يتهموها به، فهي عذراء بتول لم تتزوج، لكن الله - تعالى- ضمن لها سلامتها وحفظها - سبحانه وتعالى -.
فلما جاءت به قومها بعد أن وضعته استنكروا هذا الأمر، واحتاروا، واتهمها اليهود - عليهم اللعنة - بأنها وقعت في الفاحشة، لكن رعاية الله - تعالى- ترافقها وتسير معها إلى آخر الطريق الذي خطه لها، فقد ظهرت هنا المعجزة الإلهية الكبيرة وهي تكليم عيسى - عليه السلام - لهم، ورده على زعمهم الباطل وهو لا يزال في المهد صبياً، وهذا ما سيتم تناوله في الفقرة الآتية.