إنه محامي الفقراء، وصفحة من صفحات النقاء والصفاء.
كان خامس خمسة في الاسلام، وكان رأساً في الزهد والصدق والعلم والعمل، قوالاً بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم.
لقد كان رضي الله عنه من قبيلة غفار المشهورة بقطع الطريق على القوافل وسلب ما فيها، وكان ابو ذر ينكر على قومه ما يفعلون، ويجلس وحده متفكراً متأملاً، باحثاً عن الحقيقة التي يجهلها هؤلاء.
علم أبو ذر رضي الله عنه بمبعث محمد عليه الصلاة والسلام فانطلق اليه في مكة يكتم سبب قدومه عن الناس حتى لقي علياً رضي الله عنه ليدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعرض عليه الاسلام، فأسلم رضي الله عنه وحثه النبي صلى الله عليه وسلم على كتمان حتى يسمع بظهور الاسلام وقوة شوكته.
فقال: والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين اظهرهم، وخرج الى المسجد وصرخ بشهادة التوحيد بين الناس، فقاموا اليه يضربونه ليموت، لولا ان الله تعالى أنقذه بالعباس رضي الله عنه حيث هددهم بقبيلته غفار.
وعاد أبو ذر رضي الله عنه الى قبيلته يدعوهم الى الاسلام حتى أسلمت قبيلته، فأتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ومعها قبيلة أسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله).
زهد وعطاء
وعلى الرغم من مكانة أبي ذر بين الصحابة وعند الخلفاء إلا ان البعض قد زعم ان عثمان رضي الله عنه نفاه الى الربذة ببلاد الشام وهذا غير صحيح.
قال غالب القطان: قلت للحسن البصري: “اعثمان اخرج أبا ذر؟ قال: لا معاذ الله”.
وكان محمد بن سيرين رحمه الله إذا ذكر له ان عثمان بن عفان سيّره اخذه امر عظيم، ويقول: “هو خرج من قيل نفسه، ولم يسيره عثمان رضي الله عنه.
وعاش ابو ذر رضي الله عنه حياة الزهد والتقشف في الربذة حتى مات على ذلك.
دخل رجل عليه فجعل يقلب بصره في بيته فقال: يا أبا ذر أين متاعكم؟ قال: لنا بيت نوجه اليه صالح متاعنا. قال: انه لابد لك من متاع ما دمت ها هنا، قال: ان صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
.. وقال ثابت البناني: بنى ابو الدرداء مسكناً، فمر عليه ابو ذر، فقال: ما هذا تعمر داراً أذن الله بخرابها. لأن تكون رأيتك تتمرغ في عذرة احب الي من ان أكون رأيتك فيما رأيتك فيه.
وبعد تلك الحياة المليئة بالزهد والعطاء والطاعة نام ابو ذر رضي الله عنه على فراش الموت، وليس عنده سوى امرأته وأولاده، فبينما هم كذلك لا يقدرون على دفنه إذ قدم عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من العراق في جماعة من اصحابه، فحضروا موته، وأوصاهم كيف يفعلون به. وقد أرسل عثمان رضي الله عنه إلى اهله فضمهم مع أهله ليحفظهم الله من بعده رضي الله عنه وعن اصحاب محمد أجمعين .