خلافة الوليد بن عبدالملك
(86 - 96 هـ/705- 714م )
توفى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان سنة 86هـ/ 705م وخلفه ابنه الوليد، وكان أبوه قد عهد إليه بالخلافة، وبويع له بها يوم وفاة أبيه.
وكان عهده، عهد فتح ويسر وخير للمسلمين، لقد اتسعت فى أيامه رقعة الدولة الأموية شرقًا وغربًا، فعندما تولى الوليد الحكم استعمل عمه عبد الله بن مروان على إفريقية، فعزل حسانًا واستعمل بدلا منه موسى بن نصير عام 89هـ، فكان شديدًا وصارمًا على البربر الذين طمعوا فى إفريقية بعد مسير حسان عنها فوجه إليهم ابنه عبد الله، فقَتل وسبى منهم خلقًا كثيرًا، وتوجه إلى جزيرة "مايوركا"، فاقتحمها وسبى أهلها، وتوجه إلى طائفة أخرى من البربر، فأكثر فيهم القتل والسبى، حتى بلغ الخمس "ستين ألفًا من السبى"، فلم يكن سبى أعظم منه، ثم خرج غازيًا طنجة يريد من بها من البربر، فانهزموا خوفًا منه، فتبعهم وقتلهم، واستأمن من بقى منهم، ودخلوا فى طاعته، وترك عليهم وعلى طنجة مولاه "طارق بن زياد" وأبقى معه جيشًا أكثره من البربر، وترك معهم من يعلمهم القرآن والفرائض، حينئذ لم يبق له فى إفريقية من ينازعه.
ورأى الوليد أن أهم ما يجب عمله تقوية الأسطول الإسلامى وضرب قواعد البيزنطيين فى صقلية وغيرها من جزر البحر المتوسط المقابلة لإفريقية، لكى يدعم هذا الوضع المستقر للمسلمين فى الشمال الإفريقى الذى أصبح جزءًا من الدولة الإسلامية.
لقد دخلت الفتوح الأموية فى شمال إفريقية مرحلتها الختامية سنة 89 هـ/ 708م بتولى إمارة القيروان موسى بن نصير خلفًا لحسان بن النعمان.
فلقد أجاد التنسيق بين الأساطيل الإسلامية فى غرب البحر المتوسط، وبين قواته البرية، وفتح الأجزاء النائية، كما رأينا، وهى التى تعرف باسم المغرب الأقصى، وطرد البيزنطيين من قواعدهم البحرية القريبة من سواحل إفريقية "تونس"، وعندئذ أصبح شمال إفريقية الجناح الأيسر للدولة الإسلامية فى عهد الأمويين، وأصبح أهلها دعاة للإسلام يسهمون فى نشره فيما جاورهم من بلاد.
وقد عهد موسى بن نصير إلى طارق بن زياد بالقيادة العليا للقوات الإسلامية، وهو من أبناء البربر المسلمين فى مدينة "طنجة".
وجاءت هذه الخطوة من جانب موسى بن نصير، دليلا على سمو وعلو مبدأ المساواة فى الإسلام، فقد رأى البربر أن أحد أبناء إحدى القبائل البربرية صار القائد العام لجبهة المغرب الأقصى.
وكان من نتيجة هذا العمل أن أتاح للدين الإسلامى الحنيف دماء جديدة هيأت له الانطلاق إلى فتح الأندلس، ونشر نوره على أرجاء هامة من غرب أوربا.
فتح الأندلس:
نحن الآن فى سنة 91هـ / 710م؛ حيث استشار موسى بن نصير الخليفة الوليد بن عبد الملك، فى فتح الأندلس "أسبانيا"، وعلى أثر الموافقة أرسل موسى سرية استطلاعية بقيادة طريف بن مالك، وكان من البربر، فشن غارة على جنوب أسبانيا، ومعه أربعمائة مقاتل ومائة فرس.
واستطاع أن يتوغل بهم فى الجزيرة الخضراء، ويعود إلى ساحل إفريقية حاملا الكثير من الغنائم، وكان ذلك فى رمضان سنة 91هـ/710م، وقد تأكد له قصور وسائل الدفاع فى أسبانيا بل انعدامها.
ولقد شجع نجاح طريف فى تلك الغزوة القائد الأعلى موسى ابن نصير على التقدم لفتح الأندلس (أسبانيا)، ووقع اختياره على والى طنجة وقائد جيشه طارق بن زياد ليتولى مهمة هذا الفتح العظيم.
وفى شهر رجب من سنة 92هـ/711م قام طارق بن زياد ومعه جيش مكون من سبعة آلاف مقاتل بعبور المضيق الذى عرف باسمه، ونجحت عملية العبور، واحتل المسلمون الجبل بكامله.
لقد جمع طارق قواته بعد العبور عند هذه الصخرة من جنوب البلاد وهى التى نسبت إليه وعرفت باسم "جبل طارق"، وها هو ذا يندفع بقواته كالسهم، لا يقف فى طريقه شىء، ولقد حاول ملك أسبانيا "لذريق" أن يوقف هذا الزحف بجيش جرار قوامه مائة ألف، ولكن طارق بن زياد كان قد طلب المدد من قائده موسى بن نصير فأمده بخمسة آلاف حتى أصبح عدد جنده اثنى عشر ألفًا.
واندفع طارق بكل إيمان زاحفًا على القوط -حكام شبه جزيرة أسبانيا-، وأنزل بهم هزيمة فادحة فى موقعة رمضانية على نهر لكة "وادى لكة" بمقاطعة "شَذُونة"، وراح يواصل فتوحاته بعد أن قتل "لذريق"، فأوقع بالقوط الهزيمة الثانية عند مدينة "إِسْتِجَة"، فألقى الله الرعب فى قلوب أعدائه، ففزعوا منه فزعًا شديدًا، وظنوا أنه سيفعل بهم فعل سلفه "طريف بن مالك"، وكان طريف قد أوهمهم أنه سيأكلهم، هو ومن معه، فهربوا منه إلى طليطلة.