دولة الخلافة العباسية
سميت الدولة العباسية بهذا الاسم، نسبة إلى العباس عم الرسول (، فمؤسس الدولة العباسية وخليفتها الأول هو أبو العباس عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب عم رسول الله (، وقد اشتهر أبو العباس بأبى العباس السفاح.
كيف آلت الخلافة إلى العباسيين؟
عندما ضعفت الدولة الأموية، تطلع الناس إلى رجل يعود بالأمة إلى الجادة والطريق الصحيح، يرفع عنهم الظلم، ويقيم فيهم العدل، ويرهب بهم الأعداء، فحسبوا أن أصلح الناس لهذا الأمر، رجل يكون من بنى هاشم، فكتبوا فى هذا الشأن إلى "أبى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب" أحد العلماء الثقات، وكان مقيمًا بالشام قريبًا من مركز الخلافة الأموية.. وما لبث أمر تلك المكاتبة أن وصل الخليفة الأموى "سليمان بن عبد الملك"، فخشى أبو هاشم على نفسه -وكانت قد تقدمت به السِّنّ- بطش الخليفة، فانتقل إلى "الحميمة" من أرض الشام؛ حيث يقيم عمه "عليّ السَّجَّاد بن عبد الله بن عباس"، وهناك حضرته منيته، فأوصى إلى "محمد بن على بن عبد الله بن عباس" بما كان من أمر الناس معه، ودفع إليه الكتب التى كتبوها إليه، وقال له: أنت صاحب هذا الأمر، وهو فى ولدك. ثم مات، وكان ذلك فى خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 99هـ/ 718م.
وأخذ محمد العباسى فى تنفيذ ما أوصاه به أبوهاشم، فاتصل بالناس، واختار من بينهم دعاة يخرجون وينتشرون فى ربوع الدولة الأموية، يشهرون بها وينتقدون عيوبها، ويدعون إلى ضرورة أن يتولى أمر الخلافة رجل من آل البيت قادر على أن يملأ الأرض عدلا، ووجدت تلك الدعوة صدى عند الناس ورواجًا.
ويموت محمد بن على بن عبد الله بن عباس سنة 124هـ/742م، بعدما أوصى ابنه إبراهيم الملقب بالإمام بمواصلة المسيرة.
وتأخذ الدعوة العباسية عند إبراهيم الإمام صورة أخرى غير التى كانت عليها قبل ذلك، فهى لم تكن منظمة، أما الآن فقد صار لها نظام، وقادة معلومون، من أمثال أبى سلمة الخلال على الكوفة، وأبى مسلم الخراسانى على خراسان.
وما تكاد سنة 129هـ/ 747م، تقبل حتى يصدر أمر الإمام العباسى "إبراهيم بن محمد" أن يكون "أبو مسلم الخراسانى" رئيسًا للدعاة جميعًا فى خراسان وما حولها، وكلَّفه أن يجهر بالدعوة للعباسيين علنًا، وأن يعمل على جعل خراسان قاعدة للانطلاق بقواته ضد البيت الأموى.
انتقال الخلافة إلى العباسيين:
بعد هذا العرض يصبح فى مقدورنا أن نعرف كيف تحولت الخلافة من الأمويين إلى العباسيين.
لقد صدر الأمر إلى أبى مسلم بالجهر بالدعوة للعباسيين فى عهد آخر خلفاء بنى أمية "مروان بن محمد"، ولم يلبث أبو مسلم أن دخل "مرو " عاصمة خراسان، وكاد أن يستولى عليها إلا أنه لم يتمكن من ذلك هذه المرة، وهنا أسرع الوالى على خراسان من قبل بنى أمية، وهو "نصر بن سيار" يستغيث بمروان بن محمد ويطلب منه مددًا، وينبه رجال الدولة إلى الخطر المحدق فيقول:
أَرى خَلَلَ الرَّمادِ وَميِضَ نــــارٍ ويُوشكُ أن يَكُونَ لَهَا ضِـرَامُ
فإن النارَ بالعودين تُذْكــــــى وإن الحربَ مبدؤها كـــــلامُ
فقلت من التعجب ليتَ شِعرى أأيقاظ أمية أم نيـــــــــام؟
ولم يهتم بنو أمية بهذا الأمر بسبب انشغالهم بصراعات أنصارهم القدماء بالشام، وانشقاق زعماء الأمويين على أنفسهم، ولم يمدُّوا واليهم على خراسان بشىء، فأدرك أبو مسلم الخراسانى أن الوالى الأموى لن يصبر طويلا، وأن "مرو" ستفتح يومًا ما قريبًا، فأخذ يجمع العرب من حوله، ثم انقضَّ بهم على "مرو" ففتحت له، وهرب واليها "نصر بن سيار" وكان ذلك سنة 130هـ/ 748م.
وواصل أبو مسلم فتوحاته، فدانت له "بلخ" و"سمرقند" و"طخارستان" و"الطبسين" وغيرها، وتمكن من بسط سيطرته ونفوذه على خراسان جميعًا، وراح يتطلع إلى غيرها، وكان كلما فتح مكانًا أخذ البيعة من أهله على كتاب الله-عز وجل-وسنة نبيه ( "وللرضا من آل محمد"، أى يبايعون إمامّا مرضيًا عنه من آل البيت من غير أن يعِّيَنهُ لهم.
والواقع أن بنى أمية كانوا نيامًا فى آخر عهدهم، لا يعلمون من أمر القيادة الرئيسية لهذه الدعوة العباسية شيئًا، ولما وقع فى يد الخليفة (مروان بن محمد) كتاب من "الإمام إبراهيم العباسى" يحمل تعليماته إلى الدعاة، ويكشف عن خطتهم وتنظيمهم، كان منشغلا بتوطيد سلطانه المتزعزع وقمع الثائرين ضده، واكتفى الخليفة "مروان بن محمد" بأن أرسل إلى القائم بالأمر فى دمشق للقبض على الإمام "إبراهيم بن محمد" "بالحميمة" وإيداعه فى السجن، وتم القبض عليه وأودع السجن، فظل به حبيسًا إلى أن مات فى خلافة مروان بن محمد سنة 132هـ/750م. ولما علم "إبراهيم" بالمصير الذى ينتظره، وعلم أن أنصاره ومؤيديه قد واصلوا انتصاراتهم، وأن الكوفة قد دانت لهم وصارت فى قبضتهم أوصى لأخيه "أبى العباس" بالإمامة طالبًا منه أن يرحل إلى الكوفة ومعه أهل بيته؛ لينزل على داعى العباسيين بها وهو "أبو سلمة الخلال" فهناك يكون فى مأمن من رقابة الأمويين وسلطانهم
مبايعة أبى العباس: