غادر سيارته مسرعًا بعد أن أوقفها بجوار أحد المحال التجارية بعيدا عن الطريق المسفلت.. مشا نحو الجانب الآخر للطريق.. ركض فجأة عندما كانت سيارة مسرعة نحوه؛ فَفَرَّ إلى الرصيف.. ومع اندفاعه في الحركة اصطدم بامرأة كبيرة تحمل بين يديها أكياساً محملة بمستلزمات المعيشة كانت قد ابتاعتها لتوها من السوق.
سقطت المرأة على الرصيف، وتبعثرت مشترواتها في كل جانب.. دهش عمر!!.. (الشاب المسرع).. وأخذ يلهج بتعابير الاعتذار والخجل على ما حدث للمرأة، وهي ترد عليه بعبارات العفو والمسامحة.. وهو قد أخذ يتناول أشياءها، ويجمعها مرة أخرى في الأكياس بنفس العجلة، لكنه كان خجلاً، وهي منهمكة في نفض الغبار عنها.
شارف عمر على جمع حوائجها المتناثرة وهو يقول: (اعفِ لي يا أمي!)!! كلمة مألوفة لكنها أسالت دمعة حارة على خد المرأة.. وقالت بانفعال: تذكرني هذه الكلمات بابني الحبيب عمر الذي لم أره منذ عام.. والذي كنت فقط أسمع صوته أحيانا عبر الهاتف يطمئن عليَّ في عجالة، ويسألني عن صحتي.. وأحياناً يرسل سلامه شفاهة مع سائق زوجته عندما يُحضر لي مصاريف الشهر! إنها كلماته.. دائمًا ما يقولها.
رفع الشاب رأسه في دهشة من على الأرض بعد أن سقط الكيس من يديه على الأرض.. رفع رأسه إليها ودموعه تذرف.. (أنا عمر يا أمي).. (أنا ابنك الذي لا يستحق العفو).. (أنا هو الذي أخذه المال والبنون عن حضنك الحنون).. (عمر الذي آذاك بهجره وبعده.. حتى القدر الذي جمعك به كان إضرارًا بك)..
بكت الأم.. وهي لا تصدق أنها تراه وتنظر إليه.. عندها كانت الدهشة واللهفة تطلان من عينيها المتلألئتين بالدموع.
رفع عمر أمه المشتاقة من الأرض.. وعبر بها الطريق، ولكن هذه المرة إلى حيث تقف سيارته.. أجلس والدته في المقعد الأيمن بجواره وهو يجهش بالبكاء.. فتح جهاز التسجيل، فانسابت منه آيات الله تتلى تشق سكون الأم.. وابنها يتلو قول الله - تعالى -: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً)...الآية.. (هل تعفي لي يا أمي! بعد هذا كله؟!)..