أولها وأهمها من جهة نظر القرآن نفسه تخفيف الضغط على النبي صلى الله عليه وسلم؛فهذا الضغط كان قوياً وعنيفاً،وكانت أسبابه واضحة جلية؛من كيدٍ للنبي والقرآن والدعوة للإسلام، وهذا أثر بطريقة مباشرة في نفس النبي،
ودفعه إلى أن يضيق صدراً؛فقد قال الله تعالى:﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ
بِمَا يَقُولُونَ﴾(3)، الحجر97 وقال أيضاً: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾(4)، الأنعام 33
لقد كان لما يقوله الكفارأثر بالغٌ في نفس النبي ونفس أتباعه وقد قال الله تعالى : ﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾(1)
فإن كنت"يا محمد صلى الله عليه وسلم"﴿ في شك مما أنزلنا إليك﴾من القصص فرضاً﴿ فاسأل الذين يقرؤون الكتاب﴾أي التوراة ﴿من قبلك﴾فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه،وقد قال قتادة بن دعامة بلغنا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:﴿ لا أشك ولا أسأل﴾،إن هذا الضغط لم يقف عند حده ؛ بل تجاوز ذلك إلى ما هو أبعد مدى ، قال الله تعالى : ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴾(2)،وقال أيضاً:﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ (3)، ونجد أن القرآن صرح بهذا الغرض وذلك في قوله تعالى :﴿ وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (4) .
نتبين من هذه الآية أن الغرض هو التثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم وموعظة وذكرى للمؤمنين (5) .
1- يونس 94
2- القلم 48-49
3- هود 12
4- هود 120
5- بحوث في قصص القرآن : عبد الحافظ عبد ربه ، دار الكتاب اللبناني ، ص 89
2 - توجيه العواطف القوية الصادقة نحو عقائد الدين الإسلامي ومبادئه ، ونحو التضحية بالنفس والنفيس في سبيل كل ما هو حق ، وكل ما هو خير ، وكل ما هو جميل ، ولعل هذه العواطف هي التي تدفع إلى النشاط للدعوة ، كما تجعل الإنسان يستعذب الألم ويتحمل الأذى في سبيلها ، ومن هنا يكون التوجيه نحو القيم الجديدة والإيمان بها ، ثم الدفاع عنها ، والعمل على حثِّ الناس على الإيمان بها إيماناً لا تزعزعه الحوادث ، وأيضاً تكوين عواطف قوية وصادقة ضد ما هو قبيح وذميم من الأشياء والعادات والأعمال .
ومن أهم الأمور التي وجه القرآن العواطف نحوها مشكلات البعث والوحدانية،وبشرية الرسل،وتأييد بعضهم بالمعجزات(1)،وإثبات الوحي والرسالة،وبيان أن الدين كله من عند الله،من عهد نوح عليه السلام إلى عهد محمدٍ صلى الله عليه وسلم،وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة،والله واحد رب الجميع (2)
أما الأشياء التي وجه القرآن العواطف ضدها فهي كثيرةٌ ومتنوعة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر :
أ – بخس الناس أشياءهم ، وتطفيف المكيال والميزان ، والزنا والربا ، والسرقة والنميمة .
ب – " إبليس " - لعنه الله - فقصة إبليس مع آدم قصة بليغة وهي إحدى نماذج القصص القرآني .
3- الإيحاء أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول حقاً ، وتأييده بما اصطفاه الله من الرسالة ، من التحدي بالغيب ، والإعجاز بمعرفة تفاصيلٍ لا يطلع عليها أحدٌ إلا علام الغيوب ولهذا ناحيتان :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- الفن القصصي في القرآن ، ص 200
2- روح الدين الإسلامي ،ص 159
أ – بلوغ قمة التوحيد والإيمان والتسليم والتوكل على الله اعتزازاً به .
مما يحقق الأسوة الصالحة والقدوة الطيبة ؛ لتملأ النفس المطمئنة بالعزة بالله واللجوء إلى حماه .
ب – تعليم الأدب في الحوار والرقة والتلطف والعطف ليتعلم الداخلون في الإسلام تلك القيم ، ويعيشونها
ومن ناحية أحرى تصديق الأنبياء السابقين ، وتخليد مآثرهم ، وبيان نعمة الله تعالى عليهم كقصص سليمان وداوود وأيوب وإبراهيم عليهم السلام وغيرهم ؛إذ وردت حلقات من قصص هؤلاء الأنبياء عليهم السلام برزت فيها النعمة من الله في مواقف شتى
4- بيان قدرة الله على الخوارق ، وبيان عاقبة الاستقامة والصلاح ، وعاقبة الانحراف والإفساد ، وبيان الحكمة الإنسانية العاجلة ، والحكمة الكونية البعيدة الآجلة كقصة موسى عليه السلام والخضر.