أمّا بالنسبة لمعارضيه السياسيين والساعين إلى قلب نظام الحكم وأكثرهم من الاتحاديين الذين ينتسبون إلى الماسونية؛ فلم يقم بإعدام أو إغراق أي واحد منهم في بحر مرمرة (البوسفور) كما أُشيع، وكلها اتهامات أوردها اليهود وأعوانهم لتشويه تاريخه وتهميش نضاله ضد الصهيونية العالمية وأعوانها ؛ لأنّه كشف مخططاتهم وفضح مؤامراتهم وقاومهم طيلة 33 سنة من تاريخ حُكمه، فهذه الروايات ليس لها سند صحيح، فكل ما كان يفعله هو استمالة قلوب أعدائه أو نفيهم إلى بلد آخر مع إغداق المال عليهم ليعيشوا بكلّ رفاهية (
.
ولقد ترددت كثيراً قصة حادثة (31 مارت) التي قُتل فيها عدد من الاتحاديين ، والتي كانت عبارة عن حركة تمرّد وعصيان قام بها بعض الجنود واشترك فيها بعض طلبة المدارس الدينية والصوفية وبعض المدنيين المعارضين لجمعية الاتحاد والترٌقي، ولقد اتهم السلطان بأنّه المدبِّر لهذه الحادثة، وأنّه كان يهدف من خلالها إلى القضاء على الجيش والعودة إلى الحكم الاستبدادي ، ولكنّ التاريخ أثبت أنّها كانت مجرّد حجة لخلع السلطان عن العرش، وأنّه لم يكن له يدٌ فيها (9).
أمّا مذابح الأرمن المذكورة حتى في الكتب المدرسية والتي وصفت بالوحشية ، وقُتل فيها عددٌ يتراوح بين 2 مليون إلى 3 مليون أرمني في أبشع صور الإجرام، فلقد اتهم السلطان بأنّه المسئول عنها، ولكنّ التاريخ أثبت أيضاً أنّ السلطان منها براء ، وأنّ اليهود في الباب العالي كانوا وراء تلك المذابح ، وبالأخص المجموعات الماسونية المنضوية تحت لواء محفل النور في أنقرة واسطنبول، وهذه الجرائم طوتها صفحات التاريخ ؛ لأنّ الدول الغربية تحاول طمس معالمها (10) وإلصاق التهمة فيها إلى السلطان وتتجاهل المجازر التي ارتكبها الأرمن أيضاً بحقّ المسلمين؛ حيث غدَروا بالمسلمين الذين خرجوا للجهاد ، فقتلوا النساءَ والأطفال في غَيْبتهم.
أمّا بالنسبة لثورات الأرمن فقد كان الروس والإنكليز هم الذين كانوا يشجعون الأرمن للقيام بها ضدّ الدولة العثمانية للأسباب نفسها التي تدفع الدول الغربية وغيرها اليوم لإثارة النعرات الطائفية في البلاد الإسلامية تحت شعار: فرِّق تسد، وهذه الثورات لم تكن بسبب سوء معاملة الدولة العثمانية لرعاياها المسيحيين كما قد يتوهم البعض ، ولكن استغلالاً لروح التسامح ، ولإحراج الدولة العثمانية من أجل كسب مزيد من الامتيازات ، ولقد شهد بهذا (دجوفارا) أحد كبار ساسة رومانيا ومؤرخيها(11).
والسلطان عبد الحميد المعروف بسياسته الإسلامية والذي كان يرى أنّ خلاص الدولة العثمانية وقوتها في اتباع ما جاء في القرآن والسُّنة، والذي قام بإرسال الدعاة المسلمين مع المئات بل الآلاف من الكتب الإسلامية إلى كل أنحاء العالم الإسلامي* لجمعهم تحت راية واحدة هي: "يا مسلمي العالم اتحدوا" لم ترحمه أقلام الحاقدين فاتهموه بحرق المصاحف زوراً وبهتاناً ، وحاولوا تزوير الحقائق التي تقول: إنّ الكتب التي أمر بإحراقها هي كتب دينية طافحة بالخرافات والأساطير وتمسّ عقيدة المسلمين، ولذلك جمعتها وزارة المعارف وفرزتها لجنة من العلماء في 150 شولاً وأمر بها فأُحرقت(12).
أمّا بالنسبة لموقفه تُجاه فلسطين، فلقد حاول الصهاينة منذ بَدء هذه الحركة الاتصال بالسلطان عبد الحميد لإقناعه بفتح الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والسماح لهم بإقامة مستوطنات للإقامة فيها، وقد قام هرتزل باتصالاته تلك برعاية من الدول الاستعمارية الأوروبية، وكان هرتزل يعلم مدى الضائقة المالية التي تمرّ بها الدولة العثمانية، لذلك حاول إغراء السلطان بحل مشاكل السلطنة المالية مقابل تنفيذ مطالب اليهود؛ ولكنّ السلطان ما وهن وما ضعف وما استكان أمام الإغراء حيناً والوعد والوعيد حيناً آخر حتى أدرك اليهود في النهاية أنّه ما دام السلطان عبد الحميد على عرش السلطنة فإنّ حلمهم بإنشاء وطن قومي لهم سيظلّ بعيد المنال (13)