هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: مفاخر الكرم النبوي الأربعاء مارس 25, 2009 11:00 am | |
| مفاخر الكرم النبوي
*******
" أجود الناس " هكذا عبّر ابن عبّاس رضي الله عنه عن شخصيّة النبي صلى الله عليه وسلـم ، لتكون كلماتـه تلك شاهدةً على مــدى كرمه عليــه الصــلاة والسلام وجوده ، ولا عجب في ذلك ، فقد كانت تلك الخصلة خُلقاً أصيلاً جُبِل عليه ، ثم ازداد رسوخاً من خلال البيئة العربية التـي نشأ فيهــا وتربّى في أحضانها ، والشهيرة بألوان الجود والعطاء .
وتبيّن لنا أم المؤمنين خديجة رضي الله عنهـا تحلّيه صلى الله عليــه وسلــم بهذه الخصلة قبل بعثته بقولهــا الشهيــر : " إنك لتصــل الرحــم ، وتحمــل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف "، وكلها صفات تحمـل في طيّاتهــا معاني الكرم والجود .
وعندما نستنطق ذاكرة الأيام ستحكي لنا عن جوانب العظمة في كــرم النـبــي صلى الله عليه وسلم ، يستــوي في ذلك عنده حالــة الفقــر والغنى ، وهــذا البذل والعطاء كان يتضاعف في مـواســم الخيــر والأزمنــة الفاضلــة كشهــر رمضان ، فعن عبدالله بن عباس رضــي الله عنهمــا قـــال : " كــان النبـــي صلى الله عليه وسلــم أجـــود الناس ، وأجــود مـــا يكون فـــي رمضــان , فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير مــن الريـــح المرسلـــة " متفق عليه .
ولقد نال النبي صلى الله عليه وسلم أعظم المنازل وأشرفها في صـفـوف أهل الكرم والجــود ؛ فلم يكن يردّ سائلاً أو محتاــجاً ، وكان يُعطي بسخــاءٍ قلّ أن يُوجد مثلــه ، وقد عــبّر أحد الأعراب عن ذلك حينما ذهــب إلى النبـي صلى الله عليه وسلــم فرأى قطيعاً من الأغنام ملأت وادياً بأكمله ، فطمــع في كرم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيــه كلّ ما فــي الوادي، فأعطاه إياه ، فعــــاد الرجـــل مستبشـــراً إلى قومـــه ، وقــــال : " يا قوم ! أسلموا ؛ فوالله إن محمدا ليعطي عطاء من لا يخاف الفقــر " رواه مسلم .
وكان لمـثل هذه المواقف أثرٌ بالغٌ في نفــوس الأعراب ، الذيــن كانوا يأتـــون إلى النبي صلى الله عليه وسلم قاصدين بادئ الأمر العودة بالشاة والبعــير، والدينار والدرهم ، فسرعان ما تنشرح صدورهم لقبول الإسلام والتمسّك به، ولذلك يقول أنس رضي الله عنه معلّقاً على الموقف الســـابق : " إن كـــان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا ، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليــه مـــن الدنيا وما عليها " .
وكثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمنح العطايا يتألّف بهــا قلــوب المسلمين الجدد ، ففي غزوة حنين أعطى كلاًّ من عيينة بن حصن والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس وأبي سفيان بن حرب وصفوان بــن أميـــة رضي الله عنهم عدداً كبيراً من الإبل ، وعند عودته عليه الصلاة والســلام من تلك الغزوة تبعه بعض الأعراب يسألونه ، فقال لهم : ( أتخشون عليّ البخل ؟ فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهــامة نَعَمـــاً أي : أنعام لقسمته بينكم ، ثـــم لا تجـــدوني بخـــيلاً ولا جبانـــاً ولا كذوبـــاً ) رواه أحمد .
ومن المواقف الدالة على كرمه صلى الله عليه وسلم حديث أنس بن مالك رضي الله عنه : " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحريــــن ، فقال : ( انثروه في المسجد ) ، وكان أكثر مال أتي به رسول الله صلـــى الله عليه وسلم ، فخرج رســول الله صلى الله عليه وسلــــم إلى الصـــلاة ولم يلتفت إليه ، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه ، فما كان يـــرى أحـــدا إلا أعطاه ، وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلـــم وثـــمّ منـــها درهـــم " رواه البخاري .
وعنه رضي الله عنه قال : " كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلـــم وعليه بُرد أي: رداء نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي فجذبه جذبه شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثّــرت به حاشية الرداء من شدة جذبته ، ثم قال له : مُر لي من مال الله الـــــذي عندك ، فالتفت إليه فضحك ، ثم أمر له بعطاء " متفق عليه .
وربما أحسّ النبــي صلى الله عليه وسلم بحاجة أحدٍ من أصحابــه وعـــرف ذلك في وجهه ، فيوصل إليه العطاء بطريقة لا تجرح مشاعره ، ولا تُوقعــه في الإحراج ، كما فعل مع جابر بن عبدالله رضــي الله عنـــه حينمــــا كانـــا عائدين من أحد الأسفار ، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم بزواج جابر رضي الله عنه ، فعرض عليه أن يشتري منه بعيره بأربعة دنانير، ولما قدم المدينة أمر النبــي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يعيد الدنانـــير إلى جـابـــر ويزيده ، وأن يردّ عليه بعيره ، متفق عليه .
ومرةً رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه أبي هريرة رضي الله عنـه الجوع ، فتبسّم ودعاه إلى إناء فيه لبن ، ثم أمره أن يشرب منه ، فشــرب حتى ارتوى ، وظلّ النبي صلى الله عليه وسلم يعيد له الإناء حتى قال أبو هريرة رضـــي الله عنه : " والذي بعـــثــــك بالحــق ما أجد لــه مسلكــا " رواه البخاري .
وقد ألقت سحائب جود النبي صلى الله عليه وسلم بظلالها على كلّ من حوله ، حتى شملت أعداءه ، فحينما مات رأس المنافقين عبدالله بن أبيّ بن سـلــول ، جاء ولده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا رســول الله أعطنـــي قميصك أكفّنه فيه ، وصلّ عليه واستغفر له " ، فأعطاه النبي صلى الله علــيه وسلم قميصه ، رواه البخاري .
وعلى مثل هذا الخلق النبيل كان النبي صلى الله عليه وسلم يربّي أصحابـه ، فقد قال لأحد أصحابه يوما : ( أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا ) رواه أبو يعلى في مسنده .
وهكذا كان سخاؤه صلى الله عليه وسلم برهانا على شرفه ، وعلو مكانته ، وأصالة معدنه ، وطهارة نفسه ، وصدق الشاعر إذ يقول :
هو البحر من أي النواحي أتيته ** فلجته المعروف والجود ساحله تـراه إذا ما جئتـه متهـللاً ** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
| |
|