ليس للمفسر أن يسير في تفسيره لكتاب الله خبط عشواء، وإنما لابد له من منهج ينتهجه حتى يأتي بالتفسير على الصورة المرضية المقبولة، ولذلك قال أهل العلم: على من يفسر كتاب الله - تعالى - أن يبحث عن تفسيره في القرآن ـ فإن لم يجد فليطلبه فيما صح وثبت في السنة ، فإن لم يجد فليطلبه في أقوال الصحابة، وليتحاش الضعيف، والموضوع، والإسرائيليات، فإن لم يجد في أقوال الصحابة، فليطلبه في أقوال التابعين، فإن اتفقوا على شيء كان ذلك أمارة - غالبًا - على تلقيه عن الصحابة، وإن اختلفوا : تخير من أقوالهم، ورجح ما يشهد له الدليل، فإن لم يجد في أقوالهم ما يصلح أن يكون تفسيرًا للآية لكونه ضعيفًا، أو موضوعًا أو من الإسرائيليات التي حملوها عن أهل الكتاب الذين أسلموا: فليجتهد رأيه ولا يألوا -أي لا يقصر- ، إذا استكمل أدوات هذا الاجتهاد ، وعليه أن يراعي القواعد الآتية :
1- أن يتحرى في التفسير مطابقة التفسير للمفسَّر ، وأن يتحرز في ذلك عن نقص لما يحتاج إليه في إيضاح المعنى ، أو زيادة لا تليق بالغرض: أي لا يوجز فيخل ، ولا يطيل ويستطرد فيمل .
2- أن يُعنى بأسباب النزول؛ فإن أسباب النزول كثيرًا ما تعين على فهم المراد من الآية .
3- أن يُعنى بذكر المناسبات بين الآيات؛ لأن في ذلك الإفصاح عن خصيصة من خصائص القرآن الكريم وهي الإعجاز ، وللمناسبات في الكشف عن أسرار الإعجاز ضلع كبير .
وقد اختلفت مناهج المفسرين في هذين الأخيرين ، فمنهم : من يذكر المناسبة ، لأنها المصححة لنظم الكلام ، وهي سابقة عليه ، وبعضهم : يذكر السبب أولاً ، لأن السبب مقدم على المسبب .
والتحقيق: التفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقفًا على سبب النزول كآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾[النساء:58]، فهذا ينبغي فيه تقديم السبب على المناسبة ، لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد ، وإن لم يتوقف وجه المناسبة على ذلك : فالأولى تقديم المناسبة على سبب النزول لبيان تآلف نظم القرآن ، وتناسقه ، وأخذ آياته بعضها بحجز بعض .
4- أن يجرد نفسه عن الميل إلى مذهب بعينه، حتى لا يحمله ذلك على تفسير القرآن على حسب رأيه ومذهبه، ولا يزيغ بالقرآن عن منهجه الواضح، وطريقه المستقيم.
5- مراعاة المعنى الحقيقي والمجازي ، حتى لا يصرف الكلام عن حقيقته إلى مجازه إلا بصارف ، وليقدم الحقيقة الشرعية على اللغوية وكذلك الحقيقة العرفية ، وليراع حمل كلام الله على معان جديدة أولى من حمله على التأكيد ، وليراع الفروق الدقيقة بين الألفاظ .
6- مراعاة تأليف الكلام ، والغرض الذي سبق له ، فإن ذلك يعينه على فهم المعنى المراد ، وإصابة الصواب ، قال الزركشي في البرهان : ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سبق له ، وإن خالف أصل الوضع اللغوي ، لثبوت التجوز .
7- يجب على المفسر البداءة بما يتعلق بالمفردات، وتحقق معانيها ثم يتكلم عليها بحسب التركيب ، فيبدأ بالإعراب إن كان خفيًا ، ثم ما يتعلق بالمعاني ، ثم البيان ، ثم البديع ، ثم ليبين المعنى المراد ، ثم ما يستنبط من الآيات من الأحكام والآداب ، وليراع القصد فيما يذكر من لغويات ، أو نحويات ، أو بلاغيات ، أو أحكام ، حتى لا يطغى ذلك على جوهر التفسير .
8- التحاشي عن ذكر الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة ، والروايات المدسوسة : من الإسرائيليات ونحوها ، حتى لا يقع فيما وقع فيه كثير من المفسرين السابقين من الموضوعات ، والإسرائيليات في أسباب النزول ، وقصص الأنبياء والسابقين ، وبدء الخلق والمعاد ونحوها.