هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ) الجمعة مارس 27, 2009 4:56 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته آآيه عظيمة .. تبكي من كآن له قلب ..! كيف اذا وقعت عينك عليها وانت في أمس الحآجة الى من يأخذ بيدك .. مآ ارحمك يآ ربي..
أمن يجيب المضطر
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
في هذه الدنيا لم نخلق للراحة والعافية، إنما خلقنا للكد والتعب:{ لقد خلقنا الإنسان في كبد}. فلسنا في جنات عدن، كلا، بل نحن في دنيا، الأصل فيها الشر والبلاء، كما قال عليه الصلاة والسلام: - ( الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه، وعالما ومتعلما). [ابن ماجة، صحيح الجامع 3414] فلا بد إذن، أن يمسنا من خيرها وشرها القدر المكتوب، لا مفر من ذلك. فالناس كلهم يصيبهم من بلائها وكدها ونكدها، لكن يختلفون في أنواع البلايا التي تقع عليهم: فهذا مصيبته في بدنه.. وآخر في نفسه.. وثالث في أهله وولده.. ورابع في ماله. [ وهكذا.. لا يوجد أحد إلا وهو مبتلى، إن لم يبتل اليوم فغدا ].. فهذه قاعدة تشمل جميع البشر، وإن أظهروا البشر والسرور، ولو كان أحد سالما من مصائب الدنيا، لكان النبي أولى الناس بذلك، لكن الواقع أن الأنبياء هم أكثر الناس بلاء. - قال سعد بن وقاص: قلت: يا رسول! أي الناس أشد بلاء؟، قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان دينه صُلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة، ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد، حتى يتركه يمشي على الأرض، ما عليه خطيئة). [الترمذي بنحوه في الزهد، باب: ما جاء في الصبر على البلاء]. - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء، كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالفقر حتى يأخذ العباءة فيحبو بها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء، كما تفرحون بالرخاء). [رواه أحمد في الزهد] وهذا أيوب عليه السلام أصيب في ماله وولده وجسده، كان له من الحرث والأنعام شيء كثير، وأولاد كثير، ومنازل مرضية، فابتلي في ذلك كله، وذهب عن آخره، ثم ابتلي في جسده بالجذام فلم يبق منه سليم، سوى قلبه ولسانه، يذكر الله بهما، حتى عافه الجليس، وأفرد ناحية من البلد، ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه، سوى زوجته، كانت تقوم بأمره، ثم قال: - (أحمدك رب الأرباب، الذي أحسنت إلي، أعطيتني المال والولد، فلم يبق من قلبي شعبة إلا وقد دخله ذلك، فأخذت ذلك كله مني، وفرغت قلبي، ليس يحول بيني وبينك شيء، لو يعلم عدوي إبليس بالذي صنعت حسدني). فلقي إبليس من ذلك شيئا منكرا، فمكث كذلك أكثر من سبع سنين صابرا يرى ما هو فيه نعمة وأجرا وثوابا حتى سمع من يقول: "ما أصابه ما أصابه، إلا بذنب عظيم أصابه". فعند ذلك قال: - { رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين }. فلما توجه بالشكوى إلا ربه سبحانه استجاب الله له: - { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}. أي وجعلناه في ذلك قدوة؛ لئلا يظن أهل البلاء، إنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله وابتلائه لعباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك. (تفسير ابن كثير 5/353)إن الله قدر على العباد هذه المصائب ليبلوهم أيهم أحسن عملا، وأكثر صبرا واحتسابا، فإن المحن: كفارات للذنوب، ومعظمات للثواب، وتمحيص للإيمان، واختبار للصدق، فهي التي تبين المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب: - {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }. والحقيقة: أنه ربما كان من الواجب على الإنسان أن يخاف، إن هو سلم من بلايا الدنيا، فإن السالم المعافى قد لا يأمن أن يكون مستدرجا ممكورا به، قال تعالى: - { لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد}. إذن الأصل في المؤمن أن يبتلى، وقد قال رسول الله: - (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر). [رواه مسلم، مختصر مسلم2079]
* * *
فإذا علمنا هذا وفهمناه: يجب علينا أن نوطن أنفسنا على تحمل ما يصيبنا، دون جزع أو شكوى إلى غير الله. فالنفس إذا تهيأت لقبول ما يصيبها: تسرت وتصبرت، وعرفت أن جزعها لا يقدم ولا يؤخر ولا يخفف من المصاب. والأمل في الله تعالى، وحسن الظن به، باب الفرج وزوال المحن.. واليأس والقنوط من أسباب فساد الحياة.. فلذا كان التفاؤل خيرا، كما أن التشاؤم شر، وقد جاء النهي عن التشاؤم، واستحباب التفاؤل؛ لأن التفاؤل حسن ظن برب العالمين، والتشاؤم سوء ظن برب العالمين، واليائس والقانط سيء الظن بالله تعالى، وهو ذنب عظيم لم يصف الله به إلا: المشركين، والمنافقين، والكافرين، والضالين. قال تعالى: - { ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم جهنم وساءت مصيرا}. - { إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين }. - { قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون }.. إذن مهما ركبتنا الآلام والأمراض، فالصبر وحسن الظن الله تعالى وقطع اليأس واجب. فإذا فعلنا ذلك سلمنا من كل تلك البلايا.
* * *
ثم إنه لا بد أن نفكر بعدل وإنصاف في نعم الله علينا، ونقارن بلايانا بها، فمهما أصابتنا المصائب فإن نعم الله علينا أكثر وأجل: - فإذا كانت المصيبة في المال، أليس من نعمة الله تعالى أنه لم يجعلها في البدن ؟. - فإذا كانت مصيبتنا في بعض البدن، أليس نعمة الله أنه لم يجعلها في كل البدن ؟. - وإذا كان في كل البدن، أليس نعمة أنه لم يجعلها في العقل؟. - وإذا كانت في العقل، أليس نعمة أنه لم يجعلها في الدين؟. فمهما نظرنا وجدنا: بعض ما يصيبنا أهون من بعض. هذا وإن الدنيا فترة امتحان، فلو عشنا كل ساعاتها في محن ومصائب، دون توقف أو راحة، لما كان ذلك غريبا ولا عجيبا؛ حيث إن فترة الامتحان لابد أن تكون كذلك، والراحة والسلامة لا تكون إلا بعد الامتحان، أي بعد الدنيا.. في الآخرة. لكن رحمة الله تأبى إلا أن تنالنا وتغمرنا حتى في دار الامتحان، فلا بد أن كل منا يجد ساعات فيها الروح والسعادة والعافية، ولو كان يعاني المر والكد والنكد، فقد تكون هنالك أشياء تكدر علينا حياتنا، لكن هل كل أحوالنا كذلك؟: - أليس هنالك شيء صحيح وجميل نعيش فيه؟. - من لم يجد الغنى: أليس يجد الصحة، والأهل، والولد، والسكن، والأمن ؟. - من لم يجد الولد: أليس يجد الصحة، والطعام، والسكن، والأمن، والمال ؟. - من لم يجد الصحة: أليس يجد، الأهل، والولد، والمال، والأمن، والسكن؟. ألسنا في نعم لا تحصى؟، فأين نحن من ذكر هذه النعم؟، لم لا نذكر إلا مصائبنا، وكأن كل حياتنا كذلك؟..
* * *
يقول تعالى: - {وما أصابكم من مصيبة فما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}. - {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} بعض المصائب سببها الذنوب، فالإقلاع عنها سبب في زوال تلك المصائب، ومن رحمة الله أنه يعجل بها في الدنيا، فعقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة.. قال تعالى: - {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون }.
* * *
إن الصبر على أقدار الله تعالى واجب فرض، لقوله تعالى: - { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}. وإن الصبر له أسباب معينة عليه فمن ذلك: أولا: كثرة ذكر الله تعالى، خاصة الاستغفار والتوبة وقول: - ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). أي لا تحول من حال إلى أخرى، ولا قوة على ذلك إلا بالله تعالى، فهو كنز من كنوز الجنة، تحمل عن المهمومين همومهم، وتزيح عنهم أمثال الجبال من الكرب. - كذلك الإكثار من قول: ( يا مقلب القلوب!، ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب!، صرف قلبي على طاعتك). - والدعاء بدعاء أيوب عليه السلام: { رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين }. - { رب إني مسني الشيطان بنصب وعذاب}. - وبدعاء يونس عليه السلام: { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}. - وبدعاء أبينا آدم وأمنا حواء عليهما السلام: { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}. فحري بمن دعا بدعائهم أن يستجاب له، كما أجيب دعاؤهم. - وقد كان من دعاء نبينا عليه الصلاة والسلام في الكرب والهم: ( الله ربي ولا أشرك به شيئا). فأصل المصائب أن يكون في القلب غير الله. وكذلك يدعو بقوله: - ( اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت). - وقوله: ( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من ضلع الدين وقهر الرجال).ثانيا: من الأسباب المعينة على الصبر: كثرة النظر في سير الصابرين، كأيوب عليه السلام. ثالثا: زيارة: المرضى، والمصابين، والفقراء. فإن من نظر في مصيبة غيره هانت عليه مصيبته. يقول أرحم الراحمين: - {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }النمل62.- {قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب}. - {قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون | |
|