انقل لكم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فنقفُ وقفةً يسيرةً مع آيةٍ من كتاب الله.
قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
يقول تبارك وتعالى: قل يا محمَّد معظِّمًا لربِّكَ، وشاكرًا له، ومفوِّضًا إليه، ومتوكِّلاً عليه: اللهم مالِكَ المُلْك، والمُلْكُ: قيل النبوَّة، وقيل: الغَلَبَة، وقيل: المال والعبيد، والصحيحُ الذي رجَّحه بعض المفسِّرين: أنه عامٌّ لما يصدق عليه اسم المُلْك من غير تخصيص، فقوله: {تؤتي المُلْكَ مَنْ تشاءُ وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تشاء}؛ أي: أنت المُعطي، وأنت المانِع، وأنت الذي ما شئتَ كان، وما لم تَشَأْ لم يكن، وأنت المتصرِّف في خَلْقِكَ، الفعَّال لما تُريدُ.
قال ابن كثير - رحمه الله -: "ردَّ تعالى على مَنْ يحكم عليه في أمره؛ حيث قال : وقالوا – أي: الكفار – لولا نزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتيْن عظيم، كالوليد بن المغيرة وغيره؛ قال الله ردًّا عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف:32]؛ أي: أَهُمُ الخُزَّان لرحمة الله، وبيدهم تدبيرها، فيُعطون النبوَّة والرسالة مَنْ يشاؤون، ويمنعونها عمَّن يشاؤون؟! فنحن نتصرَّف فيما خَلَقْنا كما نريد، بلا مانِع ولا مُدافِع، لنا الحكمة البالغة والحُجَّةُ التامَّة، وهكذا يُعطي النبوَّة لمن يريد؛ قال سبحانه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]". اهـ[1].
قوله تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [آل عمران :26].
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: "أي: الخير كله منكَ، ولا يأتي بالحسنات والخيرات إلا الله، وأمَّا الشرُّ، فإنَّه لا يُضاف إلى الله، لا وَصْفًا ولا اسْمًا، ولكنه يدخل في مفعولاته، ويندرج في قضائه وقدره؛ فالخير والشرُّ داخلان في القضاء والقدر، فلا يقع في مُلْكِه إلاَّ ما شاءه، ولكن لا يُضاف إلى الله، فلا يُقال: بيدكَ الخيرُ والشرُّ، ولكن بيدك الخير؛ كما قال الله وقال رسوله". اهـ[2].
جاء عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعائه في قيام الليل: أنه كان يقول: ((والخير كلُّه في يديْكَ، والشرُّ ليس إليْكَ))[3]؛ تَأَدُّبًا مع الله تعالى.
ومن فوائد الآيتَيْنِ الكريمتَيْنِ:
أولاً: ما نَقَلَهُ ابنُ كثيرٍ في "تفسيره": أنَّ فيها تنبيهًا وإرشادًا