هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: قلوب مغلقة عن الكفر و الضلال السبت مارس 28, 2009 9:18 am | |
| إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون. ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم. وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم”. (البقرة: ،6 7).
هذا أول مثل للكفار في كتاب الله، “ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى ابصارهم غشاوة”. إنها قلوب انغلقت تماماً على ما هي عليه من كفر وضلال وفسق وصد عن سبيل الله.. فكأن هناك اقفالا وأختاما محكمة قوية على تلك القلوب وعلى الأسماع تمنعها من استقبال كلمة الحق والهداية، وليس ذلك فحسب فهم لا يبصرون فهناك غشاوة على ابصارهم تحجب عنها آيات الله البينات في جميع المخلوقات.. فهم عمي لا يبصرون، صم لا يسمعون، وإذا سمعوا أو ابصروا فهم لا يفقهون، فالاستقبال لديهم معدوم، وأبوابه موصدة بأختام لا سبيل الى النفاذ خلالها.
صم بكم عمي
ويتكرر المثل للكفار في الآية (17) من سورة البقرة: “كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاد ونداء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون”، ان البهائم والأنعام والحيوانات. جميعها تسمع ولكنها لا تفقه مما ينادى عليها به شيئا غير ما ينبه النداء بجرس معين فيها غريزة من الغرائز، بل ان الكفار أكثر من ذلك فهم صم تماما بكم لا ينطقون بخير، عمي لا يرون من آيات الله شيئا ولا يعقلون ما يسمعون ولا يعقلون ما يرون.
ولذلك يضرب لهم الحق تبارك وتعالى مثلا في سورة الأعراف مكملا ومفصلا للصورة السابقة وذلك في قوله تعالى عنهم وعن الذين هم على شاكلتهم ممن فقدوا السمع والبصر والفؤاد والعقل “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الإنس والجن، لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون” (الأعراف: 179) فهذا هو مثلهم مرة أخرى كالأنعام، بل اضل من الأنعام، فالأنعام تسمع وقد تطيع بعض ما يصدر اليها من اشارات أو أصوات بحكم الغريزة وليس عقلا أو فهما لما يقال لها أو ينادى عليها به، بل ان الأنعام تستخدم بصرها وسمعها.
في الدرك الأسفل
ومثل آخر للذي سمع أيات الله فرفض الإيمان بها وفضل اتباع هواه وشيطانه وانحط الى الدرك الاسفل لا يرى إلا ما تحت قدميه من الأرض “فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون” (الاعراف: 176) فهم في عناء دائم، يلهثون وراء لا شيء، لا يقر لهم قرار ولا يتمتعون براحة أو طمأنينة، ولا يستقر بهم حال.
ومن هؤلاء فئة من أهل الكتاب جاءتهم التوراة بالبينات تكليفا لهم وفرضا عليهم ان يحملوها ويبينوا ما فيها للناس، فأبوا واعرضوا فماذا كان مثلهم في كتاب الله؟ “مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا، بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، والله لا يهدي القوم الظالمين” (الجمعة: 5) فالحمار حمار مهما حمل من كتب قيمة فيها من العلم والحكمة ما فيها، سيظل حمارا لا يفقه ولا يعي ولا يدرك شيئا مما يحمل.. ذلك مثل بني اسرائيل الذين كفروا بالتوراة والذين حرفوها واخفوا منها الكثير وجعلوها قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا منها، وكذلك غيرهم ممن وصلت اليهم رسالة الإسلام فرفضوا حملها والعمل بها واتبعوا أهواءهم وشياطينهم.
السراب الخادع
وقد يدعي الكفار أنهم يعملون الخير ويحسنون الى غيرهم، وينجزون الأعمال لمصلحة البشرية والانسانية ورفع المعاناة عن الفقراء والمساكين واختراع الآلات والأجهزة لسعادة بني آدم ورفاهيته، ولديهم الكثير من المال والرجال، وان كل ذلك يمنحهم قربا من الله جل وعلا فيدخلهم الجنة دون حساب أو بعد قليل من الحساب، ولكنهم نسوا أو تناسوا أن كل ذلك على غير أساس من الايمان بالله، وان كل ما يبنون في الدنيا كالذي يشيد بناء على الماء أو على أساس من الرمال المتحركة. فهو بناء لا بقاء له ولا امكانية لاستمراره بأي حال من الأحوال، وهؤلاء وأمثالهم يضرب لنا القرآن الكريم الأمثال المعبرة عن أعمالهم ومآلها ومآلهم في اكثر من سورة من السور الحكيمة.
يقول الحق تبارك وتعالى في سورة النور: “والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب” (39) فهو كالظمآن الذي اشتد به العطش يرى السراب، وكلنا يعرف ما السراب، فيحسبه ماء ويؤمل قرب الفرج ويزداد تفاؤله كلما اقترب منه، حتى اذا وصل الى مكانه جاءته المفاجأة المذهلة المرعبة حيث لا يجد ماء ولا يرى الا الرمال الحارقة ويشتد عطشه، ولكن الأدهى من ذلك والأمر أنه يجد نفسه في مواجهة عقاب الله وعذابه الشديد على ما قدمه من عمل، فكل عمله في الدنيا كان سرابا، وكل آماله كانت سرابا، عاش في وهم ومات على وهم وبعث ليرى الحقيقة التي هرب منها ماثلة أمام عينيه لا مهرب منها ولا مفر.
| |
|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: قلوب مغلقة عن الكفر و الضلال السبت مارس 28, 2009 9:19 am | |
| ظلمات ورماد
“أو كظلمات في بحر لجي، يغشاه موج من فوقه موج، من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض. اذا اخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور” (النور: 40) فأين هي أعماله في الدنيا؟ انه الآن في ظلام دامس يبحث عن أي بصيص من نور من عمل حسبه خيرا فلا يجد إلا ظلمات بعضها فوق بعض، لا نور ولا أمل في هداية أو في نجاه، فالبحر متلاطم الأمواج، موج من فوقه موج، وفوق ذلك سحاب، ظلمة حالكة، فلا أعمال تفيده ولا أنوار تهديه، ولا معين له ولا ناصر، صورة حالكة السواد لأعمال الكافر في الدنيا مهما بدا له أو لغيره أنها خير وصلاح، فكلها كانت لغير الله، فذهبت ادراج الرياح وبقي له ظلام الكفر والاعراض والعصيان. وقد يبدو لبعض الناس وللكفار أنفسهم أنهم يعملون من الخير ما يملأ الدنيا شرقا وغربا، وتتحدث عنه وسائل الاعلام والاعلان باكبار وتعظيم، وان لأعمالهم دويا يصل الى عنان السماء، فما هو مثلهم في كتاب الله؟ “مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد” (ابراهيم: 18) فالرماد يملأ الجو شرقا وغربا وعاليا واسفلا وتدفعه الريح حتى لا يرى الناس شيئا غيره ولا يرون من خلاله شيئا ويحيطهم من كل اتجاه، ولكن هل يستطيع انسان ان يجمعه أو يحصره؟ ان الريح تذروه وتذهب به فلا يبقى له أدنى أثر، وينتهي وكأنه لم يكن، وهكذا أعمال الكافر مهما بلغت من الكثرة والانتشار فهي هباء وسدى ولا بقاء لها ولا أثر.. ذلك مثل الذين كفروا وأعمالهم في الدنيا.
وتتوالى الأمثال للذين كفروا افرادا وجماعات، ويضرب الله سبحانه وتعالى لنا الأمثال بالأمم السابقة وطواغيتها أمثال فرعون وهامان وقارون “ألم تر كيف فعل ربك بعاد. ارم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد، وثمود الذين جابوا الصخر بالواد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فصب عليهم ربك سوط عذاب، ان ربك لبالمرصاد” (الفجر) فأين هم الآن؟
امرأتا نوح ولوط
وأخيرا وليس آخراً يضرب الحق تبارك وتعالى المثل للذين كفروا بامرأتين، امرأة نوح عليه السلام وامرأة لوط عليه السلام وهما نبيان من انبياء الله الصالحين لم يقصرا في الدعوة الى الله والى دين الله ولم يخونا عهد الله وميثاقه، عاشتا في كنف نبيين صالحين ومع ذلك لم تؤمنا واستحبتا العمى على الهدى، وفضلتا الكفر على الايمان فكان جزاء كل منهما العذاب الشديد في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وابقى.
غرقت امرأة نوح مع من غرق، ودمرت امرأة لوط مع باقي قومها بحجارة من سجيل “ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما، فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين” (التحريم: 10) فلا تزر وازرة وزر اخرى، وكل انسان يلزمه الله طائره في عنقه، ولا اكراه في الدين، فلا عجب ان يخرج من ظهر النبي ولد كافر كابن نوح عليه السلام، أو من ظهر الكافر نبي كإبراهيم عليه السلام من ابيه آزر عدو الله، وقد تكون ذرية النبي أو الصالح من الناس صالحة مصطفاة من عند الله “ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم” (آل عمران: 33-34) وبعد، فهذه كانت عجالة عن أمثلة الكفار كما ذكرها لنا كتاب الله الكريم، نذكر بعضها دون ذكر لأكثرها علها تفي بالبيان وتحقق القصد من استعراضها.
وتبقى بعد ذلك فئة أشد شرا وأكثر سوءا من الكافرين، ألا وهم المنافقون. ولشدة خطورتهم على الاسلام والمسلمين عني القرآن الكريم بضرب الأمثلة لهم، حتى أنه سميت سورة باسم المنافقين علما عليهم. وهذا ان شاء الله موضوع الحلقة القادمة.
| |
|