هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: الحقد يسبب الشقاء السبت مارس 28, 2009 12:58 pm | |
| ما أحوج المسلمين اليوم إلى العمل بتوجيهات رسولهم الكريم والالتزام بسنته والاهتداء بهديه حتى تستقيم حياتهم الخاصة والعامة وتتحقق لهم الطمأنينة والسكينة اللتان يبحثون عنهما خاصة في هذا العصر الذي تعددت فيه صور الانحراف عن منهج الله ويشعر الإنسان المسلم فيه بالحيرة والقلق والاضطراب لفقدان القدوة والمثل الأعلى.
رحلتنا اليوم مع حديث نبوي كريم وجه فيه الرسول صلوات الله وسلامه عليه أمته إلى جملة من الهدايات الربانية ونهاهم عن سلوك بغيض عند الله وعند الناس، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه “لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل”.
هذه التوجيهات النبوية الكريمة تؤكد التفاوت بين الناس فقد اقتضت حكمته وهو الحكيم العليم أن يختص من عباده من يشاء بما شاء وأن يفاضل بينهم في أنعمه وفيما به قوام حياتهم خلقا وخلقا، قلبا وقالبا والله تبارك وتعالى يقول: “وَلَوْ شَاء رَبكَ لَجَعَلَ الناسَ أمةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَن رحِمَ رَبكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ”.
التفاوت سنة الله في خلقه أي ولو شاء ربك أيها الرسول الحريص على إيمان قومه لجعل الناس أمة واحدة وآمن من في الأرض كلهم جميعا. أي لو شاء ربك لخلق الناس وفي غريزتهم وفطرتهم قبول الدين بلا تفكير كالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم. شاء لهم ذلك وقدر لهم عقولا مختلفة واتجاهات متباينة “إِنكَ لَا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَلَكِن اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ”.
وبهذا عمر الكون وكانوا خلفاء الله في الأرض ولا يزالون مختلفين في كل شيء حتى في قبول الدين وإلى هذا الاختلاف يشير الحق سبحانه: “أهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم معِيشَتَهُمْ فِي الحياةِ الدنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبكَ خَيْرٌ مما يَجْمَعُونَ”.
والناس أمام هذا التفاوت رجلان: شاكر وحاقد، والشاكر راض بقسم الله له غير ناظر إلى من فوقه والحاقد يتأجج قلبه نارا حسدا على من آتاهم الله من فضله قد سولت له نفسه الأمارة بالسوء أنه أحق من هؤلاء بهذا العطاء ومن ثم تصبح الدنيا في ناظريه أضيق من سم الخياط.
وقد جاءت في ذم الحسد أخبار كثيرة فقال صلى الله عليه وسلم: “الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب”. وفي النهي عن الحسد يقول صلى الله عليه وسلم: “لا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا” متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: “دب فيكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين. والذي نفس محمد بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم أفشوا السلام بينكم”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: “إنه سيصيب أمتي داء الأمم، قالوا وما داء الأمم قال الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباعد والحسد حتى يكون البغي ثم الهرج”. وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك” وفي رواية أخرى: فيرحمه الله ويبتليك.
وقوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين: دعوة موجهة إلى كل مؤمن بألا يجعل همه الدنيا، وأن واجبه السعي إلى معالي الأمور والتنزه عن كل ما فيه ريبة فضلا عن المحرمات بما فيها إيذاء الناس بتمني الشر لهم، خاصة أن كمال الإيمان رهن بمقدار حب الخير لإخوانه الأمر الذي يحفز العزائم إلى السعي في تحقيق مثل ما للغير من نعمة دون التفكير في أي شر يصيبه وهو المراد في الحديث ويسمى الغبطة كما يسمى الحرص على تحقيق ذلك منافسة. فإن كان في الطاعة فهي منافسة محمودة ومنه قوله تعالى: “وفي ذلك فليتنافس المتنافسون”.
وإن كان في الجائزات فمباح وإن كان في المعصية فمذموم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ولا تنافسوا فكأنه قال في الحديث لا غبطة أفضل من الغبطة في هذين الأمرين.
اختيار القدوة الصالحة
كما أن قوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين.. تحذير من النظر إلى ما في أيدي الناس من متاع الدنيا وزخرفها خاصة أولئك الذين لا يعرفون حق الله فيما أنعم عليهم وربنا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: “وَلَا تَمُدن عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتعْنَا بِهِ أزْوَاجاً منْهُمْ زَهْرَةَ الحياةِ الدنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبكَ خَيْرٌ وَأبْقَى”.
كما يقول: “لاَ يَغُرنكَ تَقَلبُ الذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُم مَأوَاهُمْ جَهَنمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ”.
قوله صلى الله عليه وسلم: “ورجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار. وفي رواية رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به.. إلخ.
والروايتان في رجل آتاه الله القرآن وعلمه إياه فهو دائم التلاوة له والعمل به مطلقا فهو أعم من تلاوته داخل الصلاة أو خارجها ومن تعليمه والحكم والفتوى بمقتضاه، فما أطيب اللحظات التي يعيشها المرء مع ربه وهو يتلو القرآن إنه كلام الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم للتحدي والإعجاز المتعبد بتلاوته المنقول إلينا تواترا، المجموع بين الدفتين من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس أنزله الله تعالى على خاتم رسله ليكون آخر الكتب المنزلة إلى الناس مشتملا على ما فيه إسعاد البشرية في عاجلها وآجلها ودنياها وآخرتها. قد اتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بما فصل من الأحكام وفرق بين الحلال والحرام.
| |
|