هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: على كل مسلم صدقة السبت مارس 28, 2009 3:34 pm | |
| يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: “على كل مسلم صدقة. فقالوا: يا نبي الله فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قالوا: فمن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فمن لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف. ويمسك عن الشر فإنها له صدقة”.
هذا الحديث الشريف يؤكد أن الناس في هذه الحياة حظوظهم متفاوتة فليسوا جميعا على شاكلة واحدة فهذا غني وهذا فقير وهذا قوي وهذا ضعيف وهذا قد أوتي قسطا من العلم وآخر لم يتح له ذلك.. وهكذا كل ميسر لما خلق له، ومسيرة الحياة لا تمضي سوية إلا إذا تضافرت كل هذه القوى، شأنها شأن الأعضاء في جسم الإنسان، لكي يؤدي وظيفته في عمارة هذا الكون، وفي أداء حق الخلافة عن الله في الأرض لا بد من سلامة جميع الأعضاء وتوفر الاستعداد في كل عضو لكي يمارس من الأعمال ما أراده الله له، وذلك فضلا عما دعا إليه الإسلام من التعاطف والتراحم، وما وعد به من الثواب أصحاب القلوب الرحيمة التي لا يرى المرء بها للحياة قيمة إلا من خلال ما يسدي من خير إلى بني جنسه. ذلك إلى واجب الشكر على ما أولى الله به الإنسان من نعمة. الأمر الذي ذكرنا به سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بقوله: “على كل مسلم صدقة”. ويشير إلى بعض هذه النعم في الإنسان نفسه.
والصدقة المشار إليها في الحديث إما أن تكون بالمال أو بغيره. والمال إما موجود وإما مكتسب وغير المال إما فعل وهو الإغاثة وإما ترك وهو الإمساك عن الشر.
والمسلم في المجتمع ليس بمعزل عنه فهو يأخذ منه ويعطيه لا يعرف الأثرة أو الأنانية يفيء على من حوله مما منّ الله به عليه قدر طاقته ومن فضل ما أعطاه الله له وأكرمه به.
الاستحباب أو الوجوب
وقوله صلى الله عليه وسلم “على كل مسلم صدقة” أي على سبيل الاستحباب المتأكد على أساس أنه لا حق في المال سوى الزكاة إلا على طريق الندب والاستحباب ومكارم الأخلاق.
وقال بعض العلماء: إن قصر الفقهاء الصدقة الواجبة على الزكاة المفروضة غير صحيح. والصحيح أن في كل مال حقوقا سوى حقوق الزكاة المعروفة. وأن هذه الحقوق داخلة في حق المسلم على المسلم خصوصا حين لا تكفي الزكاة ولا تفي بحاجة المحتاجين. عند ذلك يجب في المال حق سوى الزكاة. وهذا الحق لا يتقيد ولا يتحدد إلا بالكفاية فيؤخذ من مال الأغنياء القدر الذي يقوم بكفاية الفقراء.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “فمن لم يجد؟” إشارة إلى ما يجب أن يكون عليه المسلم من الحرص على تلبية داعي الله ورسوله والرغبة الملحة في ما عند الله من المثوبة والأجر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: “يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق” دعوة إلى العمل الذي يكفي صاحبه حاجاته وإلى بذل الجهد لكسب قدر يتصدق منه بعد كفايته ما دام قادرا على ذلك.
والعمل في الحياة وعمارتها لكسب الحلال الذي يقي صاحبه ذل السؤال ولا يكون به عالة على غيره تكريم للإنسان وإعلاء لقدره، وقد كان خلق الأنبياء، وتلبية لدعوة الحق سبحانه بقوله: “فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه” والرسول الكريم يقول: “ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان لا يأكل إلا من عمل يده”.
إغاثة الملهوف
وبعد أن فهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “على كل مسلم صدقة” وأنها العطية في المال. عادوا فسألوا عمن ليس عنده شيء أو كان عاجزا لا يقوى على العمل فبين لهم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف حين سألوه صلى الله عليه وسلم بقولهم: “فإن لم يجد” أي ما يتصدق به قال صلى الله عليه وسلم: “يعين ذا الحاجة الملهوف” والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة”.
والملهوف: المستغيث وهو أعم من أن يكون مظلوما يحتاج إلى من ينصره ويدفع الظلم عنه. يقول صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالما أو مظلوما” وقد يكون عاجزا عن تحصيل ما يحفظ عليه حياته أو يدفع الضر عنه أو يحقق خيرا له. أو ذا عاهة لا يستطيع معها أي عون له أو غارماً فاجأته شدة نزلت به فهو في حاجة إلى من يشد أزره ويقيله من عثرته. وقوله صلى الله عليه وسلم: “فإن لم يجد” من يتصدق عليه أو ما يتصدق به أو كان عاجزا لا يجد ما يخفف به عن الملهوف أو يكشف ما نزل به “فليعمل بالمعروف” والمعروف اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع والعقل معا قال ابن أبي جمرة: زاد البخاري في الأدب المفرد: “ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق وأن تلقي من دلوك في إناء أخيك”. ومن المعروف ما جاء في حديث أبي هريرة: “كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة (أي يصلح أو يحكم بالعدل) ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها صدقة، أو يرفع عليها متاعه صدقة. والكلمة الطيبة صدقة”.
وذلك كالسلام والسؤال عنه للوقوف على حاله “وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة” ومثلها سائر الطاعات. “ويميط الأذى عن الطريق صدقة” وذلك مثل الشوك والحجر والقمامة. وهو أدنى شعب الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة. أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”.
ومن كل ذلك نرى أن أعمال الخير على اختلافها وأن كل ما يقدمه الإنسان فعلا أو قولا لأي من المحتاجين له فيه أجر المتصدق بالمال ولاسيما في حق من لا يقدر على الصدقة، وإنها في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة.
وهذا الحديث والأحاديث المشابهة له توجيه إلى واجب المسلم نحو أخيه المسلم، وأن عليه أن يكون في حاجته، وأن يكون منه بمثابة اليدين تغسل إحداهما الأخرى، وتذود عنها المكروه حتى تظل قوية تستطيع معها إثراء الحياة وتنمية مواردها وحتى لا يكون الجسم بهما ثقلا على المجتمع يأخذ منه ولا يعطيه. مثل هذا الإنسان الذي لا يرى في حياته غير نفسه ولا يتفاعل مع الحياة من حوله ولا يتحسس إلا موضع قدميه. لا يستأهل من المجتمع الذي يعيش فيه نسمة من هواء ولا قطرة من ماء، ولا ذرة من غذاء فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط.
| |
|