هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: والسماء رفعها ووضع الميزان الخميس أبريل 02, 2009 1:23 pm | |
| يأخذنا القرآن الكريم من جو الأرض بأشجارها ومائها وصخورها وجبالها وما فيها من مخلوقات الى ملكوت السماوات الذي لا نهاية له. فالإنسان هو أحد المخلوقات الأرضية القليلة الذي يستطيع النظر في جميع الاتجاهات، غير أنه الوحيد الذي يطيل النظر الى السماء فوقه ويتابع ما فيها من كواكب ونجوم وأبراج وأفلاك، ومع ذلك فإن القليل من الناس يتفكرون في خلق السماوات وما فيها من آيات تبهر العقول وتنير القلوب “وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون”. (يوسف 105).
وحين يتعرض القرآن الكريم لذكر السماوات وما فيها من آيات فإنه يدلك بذلك على قدرة الله عز وجل غير المحدودة، ويدعونا الى التفكر وتدبر ما فيها من آيات لا حصر لها “إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار (191)” (آل عمران).
رفع السماء
ويخبرنا القرآن الكريم عن السماوات، وعن سبع سماوات، وعن السماء الدنيا، وعن السماء عموماً، وكما يقول اللغويون فإن “السماء” هي كل ما علاك، وليس هناك تحديد معروف للسماوات أو عددها أو أبعادها، والحديث في ذلك لن يؤدي الى نتيجة واضحة. ولذلك سنقتصر على بعض الأمثلة ذات المعاني الواضحة لبيان إعجاز القرآن في ضربه للأمثلة بالسماء وما فيها من آيات.
ونبدأ برفع السماء وهي من الآيات الكبرى التي يراها الناس جميعا ولا يتفكر فيها إلا القليل منهم، يقول سبحانه وتعالى: “والسماء رفعها ووضع الميزان” (الرحمن: 7) مقرناً بين رفع السماء والتوازن الكامل في خلق الله سبحانه وتعالى، ويقول سبحانه في سورة الغاشية: “أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19) وإلى الأرض كيف سطحت (20)” مقرناً بين تلك المخلوقات وكيفية خلق كل منها على تلك الهيئة والوضع الذي نشاهده بأعيننا، أما في سورة الرعد فيأتي قوله تعالى: “الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها.. (2)” وفي سورة لقمان: “خلق السماوات بغير عمد ترونها.. (10)”.
عندما ننظر الى السماء فوقنا فإننا لا نرى شيئاً سوى جو السماء الشفاف الذي لا يحجب شيئاً، واذا رفعنا أيدينا فإننا لا نصادف مقاومة ولا نشعر بوزن أو ثقل الهواء أو السماء، فكيف إذن يكون رفع السماء آية؟ وكيف يكون رفعها بغير عمد آية كبرى، تحتاج الى تفكر والى تدبر؟
ضد الجاذبية
إن الحقيقة أن لجو السماء وزناً كبيراً، اكبر مما نتصوره، فهل تعلم أن وزن الغلاف الجوي الذي يحيط بالكرة الأرضية يبلغ ملايين الملايين من الأطنان؟ هذا الجزء من السماوات والذي يمكن أن نقول عنه السماء الدنيا، فكيف يتم رفع هذه الملايين من الأطنان الى أعلى ضد جاذبية الأرض القوية التي تجذب كل ما عليها من انسان وحيوان ونبات ومياه وصخور وتمنعها من الانطلاق هاربة من الأرض؟ تلك الجاذبية العنيفة للأرض لا بد من التغلب عليها لرفع أي شيء الى أعلى.. أما إبقاء الأشياء مرتفعة عن سطح الأرض فيحتاج الى قوة كبيرة أو أعمدة ترتكز عليها تلك الأشياء لتظل مرتفعة عن سطح الأرض ولا تسقط اليها ثانية.
فأين تلك القوة التي رفعت ملايين الأطنان في جو السماء؟ وأين تلك القوة التي أبقت عليها مرفوعة حتى الآن فلم تسقط على الأرض ولن تسقط؟ وأين تلك الأعمدة التي ترتكز عليها السماء فلا تقع على الأرض؟ ان الأرض تدور بسرعة وتدور معها السماء من حولها فلا تقع عليها ولا ينفرط عقدها فتنطلق أجزاؤها ومكوناتها الى الفضاء الخارجي بفعل ما اصطلحنا على تسميته بقوة الطرد المركزية. والتي يمكن إدراكها اذا ربطت حجراً بخيط ثم جعلت الحجر يدور حولك بقوة فإذا تركت الخيط اندفع الحجر بعيداً مسافة تتناسب مع سرعة الدوران وقوته السابقة لإفلاتك للخيط. لا يحدث ذلك مع السماء والأرض، فالله الخالق عز وجل قد وضع الميزان ليسير كل ما في الكون حسب سنن مقدرة من لدنه سبحانه وتعالى، فلا السماء تقع على الأرض، ولا الأرض تنطلق الى الفضاء الخارجي فتزول، ولا يتبدل تركيب جو السماء ولا يتغير ما فيه من مكونات بنسب مقدرة ومحددة للحياة على الأرض، فالله وحده هو الذي وضع تلك القوانين وهو وحده الذي سخرها فلا تتغير ولا تتبدل “إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً” (فاطر - 41). فلننظر الى السماء مرة ومرات، ولنتدبر ما فيها من آيات، كيف رفعت؟ وكيف بقيت، بغير عمد ترى، فلا تسقط ولا تزول، بقدرة الله العظيم الحكيم العليم؟ عجائب السماوات لا تنتهي وآياتها عظيمة ومعبرة عن قدرة لا حدود لها.
| |
|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: والسماء رفعها ووضع الميزان الخميس أبريل 02, 2009 1:23 pm | |
| مواقع النجوم
ولنتدبر مثلاً آخر ضربه الخالق عز وجل في خلق السماء وما فيها من آيات، ذلك هو (مواقع النجوم) حيث يقول عز وجل في سورة الواقعة: “فلا أقسم بمواقع النجوم (75)، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76)”. لقد ضرب الله الأمثلة الكثيرة بالنجوم وتسخيرها وحركتها وأبراجها وغير ذلك، ولكننا سنكتفي هنا بمواقعها.
إننا حين ننظر الى السماء نرى تلك الأجسام المضيئة التي نسميها النجوم، فنرى أعداداً لا حصر لها منها، ولو تتبعناها لوجدناها تتحرك في السماء وكأنها تسير في خطوط مستقيمة كل منها منفصل عن الآخر، ولو استخدمنا مرقاباً “تلسكوباً” لأمكننا تمييز مجموعات هائلة من تجمعات النجوم تسمى “المجرات” فمثلاً ما نراه في الليالي الصافية من تجمع هائل من النجوم في السماء بالعين المجردة يسمى “طريق التبَّانة أو الطريق اللبني” وهو عبارة عن المجرة التي تقع ضمن نجومها الشمس وما حولها من كواكب، وتتكون من مئات الملايين من النجوم، منها ما هو في حجم الشمس ومنها ما هو اكبر من الشمس مئات وآلاف المرات، وحجم تلك المجرة كبير جدا، لدرجة ان شعاعاً من الضوء يسير بسرعة مائتين وسبعين كيلومتراً في الثانية الواحدة عليه أن يسير مدة مائة ألف سنة ليقطع تلك المجرة طولاً، أو ثمانين ألف سنة ليقطعها عرضاً، أو ثلاثين ألف سنة ليقطعها سمكاً.. فهل تتخيل الآن حجمها إن كنت تستطيع؟ ان ما فيها من ملايين الملايين من النجوم في حركة مستمرة لا تبطىء ولا تقف، فالمجرة كالقرص الهائل الذي يدور حول محوره، فهل تعرف كم تستغرق الدورة الواحدة للمجرة حول مركزها؟ إنها تكمل دورة واحدة كل مائتين وخمسين مليون سنة من سنوات الأرض.
تلك هي مجرتنا الصغيرة بالنسبة لبقية المجرات، فهل تتخيل مواقع ما فيها من ملايين الملايين من النجوم التي تتحرك حركة دائمة منذ خلقها منذ بلايين السنين، لا تنحرف عن مساراتها، ولا تصطدم بغيرها، كل نجم له فلك محدد ومسار مقدر، وكلها تتحرك داخل المجرة، والمجرة تدور حول مركزها وفي الوقت نفسه تنطلق بسرعة خيالية في ملك الله الذي لا نهاية له كغيرها من المجرات التي لا يعلم عددها إلا الله. إن شعاع الضوء الذي ذكرناه اذا انطلق خارجاً من مجرتنا فإن عليه ان ينطلق آلاف أو ملايين السنين ليصل الى مجرة أخرى. فهل نتخيل تلك الابعاد السحيقة لأبعاد المجرات، ثم لمواقع ما فيها من نجوم؟
ان نجماً داخل مجرتنا مثلا يبعد عنا خمسين ألف سنة ضوئية أي يبعد عنا مسافة يقطعها شعاع من الضوء في خمسين ألف سنة فإننا حين نراه فإنما نرى صورته التي انطلقت منه منذ خمسين ألف سنة، وبذلك فإننا نرى موقعه الذي كان فيه منذ خمسين ألف سنة، فأين هو الآن؟! سنعرف بعد خمسين ألف سنة.. هل تتخيل ذلك؟
آيات لأولي الألباب
وبذلك فإننا حين ننظر الى النجوم والمجرات في السماء نرى الماضي ولا نرى الحاضر، نرى ما كانت عليه مواقع النجوم منذ مئات وآلاف وملايين السنين أما ما هي عليه الآن فلا ندري عنه شيئاً بالمرة. إن النجم الوحيد الذي يمكننا رؤية مكانه بعد ثماني دقائق هو الشمس وذلك لأن ضوءها يصل الينا في ثماني دقائق فقط.. أما غيرها من النجوم فإن أقربها إلينا يصل ضوؤه بعد أكثر من سنتين ونصف السنة وهو النجم “ألفا سنتوري” في مجرتنا “طريق التبَّانة” التي سميت هكذا تشبيها بالتبن الذي يتساقط في الطريق عند مرور حملته من الانعام والدواب.
هكذا تبدو النجوم، وهكذا مواقع النجوم “وكل في فلك يسبحون” (يس: 40)، الكل يتحرك بسرعات تفوق الخيال “والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم” (يس: 39)، الكل يجري، والكل له بداية، وله مسار وفلك لا يتعداه، وكل له نهاية ومستقر، كل المخلوقات لها بداية ولها نهاية، وان اختلفت الصور والأشكال.
ان حركة النجوم وجريها في أفلاكها شيء مذهل، حينما نتصور أحجامها وأفعالها بالنسبة للأرض أو الشمس وما حولها من كواكب سيارة، من يحركها ومن يمسكها ان تقع أو تزول؟ ومن خلقها هكذا وقدر خلقها وقدر لها أفلاكها وأعمارها؟ إنه الله الواحد الحي القيوم.
“إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب” (آل عمران:190) فلنتدبر في تلك الآيات، والتي ذكرنا منها ما تحتمله هذه العجالة من الأمثال القرآنية وإلا فللزمان مجلدات ومجلدات لبيان ما في ضرب الأمثال بالسماء والنجوم من آيات ومعجزات. فلننظر إلى السماء ولنقرأ ما فيها من آيات بينات لندرك أن للكون إلهاً، وان هذا الخلق له غاية، وأن النهاية بعدها بعث وخلق جديد وحساب، فثواب أو عقاب، وندعو ربنا الواحد الأحد “ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار”.
| |
|