حينما فرَّ درزي من مصر توجه إلى بلاد تيم في لبنان، وكانت تقيم فيه قبائل عربية في الجاهلية ثم اعتنقوا الإسلام.
وفي أيام الدولة العبيدية انتشر بينهم المذهب الإسماعيلي بتأثير هذا الداعي وفراغهم عن معرفة الدين الإسلامي.
وهذه العقيدة على تفاهتها وجدت من يستمع لها ويدين بها إلى وقتنا الحاضر مع شدة حرصهم على كتمانها، الأمر الذي جعل المعلومات حولهم ناقصة جداً ومتضاربة في كثير منها حول ديانة هؤلاء الدروز، وهي في مجملها تتألف من أفكار شتى ونظريات مختلفة فلسفية وهندية ويونانية وفارسية وفرعونية، ثم أحاطوها بالسرية الكاملة لا يبيحون لأحد أن يطَّلع عليها غيرهم، كما لا يبيحون لأحد منهم أن يفشي سراً من أسرارها.
وقد جاء في كلام لحمزة بن علي قوله في الترهيب من إفشاء أسرارهم: ((إن أكبر الآثام وأعظمها إظهار سر الديانة وإظهار كتب الحكمة –يعني كتبهم- والذي يظهر شيئاً من ذلك يقتل حالاً تجاه الموحدين ولا أحد يرحمه)).
ويقول: ((عليكم أيها الإخوان الموحدون في دفن هذه الأسرار، ولا يقرأها إلا الإمام على الموحدين في مكان خفي، ولا يجوز أن تظهر كتب الحكمة الذي كلها رسم ناسوت مولانا سبحانه، وإن وجد شيء من هذه الأسرار في يد كافر فيقطع إرباً إرباً)) .
على أنه لا مانع مع الحفاظ على هذا التكتم أن يتظاهر الدرزي –كما أوصاه علماؤه- بإنكار هذه المبادئ أمام الآخرين إذا لم تكن له قوة أمامهم مستعملا في ذلك ما بوسعه من النفاق والكذب والخداع، وأن يظهر لكل أهل مذهب الرضى عن مذهبهم والسلوك في سبيلهم على طريقة الباطنية.
وقد ذهب الغلو بمحمد كامل حسين أن يقول: ((وللدروز قضاة منهم يحكمون دائماً حسب الشريعة والتقاليد الإسلامية، إلا أنهم في بعض المسائل الخاصة يحكمون حسب التقاليد الدرزية)) .
ثم مثَّل بعدة أمثلة هي ضد الإسلام، ومما ينبغي التنبيه له أن الدروز لا يزالون على اعتقاد تأليه الحاكم إلى وقتنا الحاضر يقرونه في مجالسهم الخاصة وخلواتهم، ولكنهم قد يتظاهرون أمام الناس بعدم تأليه الحاكم وهم يعلمون أنهم لو تركوا هذه الفكرة لأصبحوا بلا دين.
وقد كشف هذا الستار أحد علماء الدروز وهو عبد الله النجار الذي قتلوه بعد ذلك في أحداث لبنان فهو يقول: ((وإني لأذكر عتاب كبير الأشياخ الثقات؛ لأني ذكرت في أحد الكتب المطبوعة أن أم الحاكم كانت صقلية؛ إذ قال لي: إن الحاكم لا أم له مردداً ما جاء في الرسالة 26: حاشا مولانا جل ذكره من الابن والعم والخال ((لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد)))) .
فهذه شهادة شاهد من أهلها، والباطل لا بد وأن يكشفه الله مهما حاول أهله التستر عليه. وقد كان لهذه الفكرة الإجرامية نتائجها على الحاكم فيما بعد؛ فإنه أنكر ولم يوص بالخلافة لولده ((الظاهر بالله)) وإنما أوصى بها إلى شخص آخر للإيحاء بأن الأمر لا يزال بيده حتى وإن غاب عنهم يعطيه من يشاء ويمنعه عن من يشاء. ومن هنا فقد انتقم الظاهر من هؤلاء بعد توليه الخلافة أشد انتقام.