التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني
-بسم الله-
أصدر الشيخ عايض القرني كتابا جديدا في التفسير بعنوان التفسير الميسر وقامت جريدة المدينة الصادرة في جدة بتقديم مقاطع يومية من هذا التفسير خلال شهر رمضان وقمت بنقلها في سلسلة المجلة الرمضانية بركن شهر رمضان المبارك
وبناء على اقتراح الأخت الداعية أنقلها لهذا الركن داعيا الله أن تكون نافعة لمن يقرأها فلا تنسوا الكاتب والناقل من دعائكم وجزاكم الله خيرا
التفسير الميسر
الشيخ عائض القرني
سيطل علينا طوال الشهر الفضيل فضيلة الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني في رحلة ماتعة بين آي الذكر الحكيم والتفسير الميسر
25- (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
وبشر يا محمد عبادنا الصالحين من أتباعك بما أعددنا لهم من النعيم المقيم، والخير العميم جزاء لإيمانهم وأعمالهم الصالحة من توحيد وصلاة وصيام وصدقة وحج ونحوه، فهم في جنة ثمراتها متشابهة الألوان، مختلفة الطعوم حتى يخيل إلى من سكنها ان الثمرة إذا قدمت له بعد الثمرة انها مثل ثمرة الدنيا، وهي مختلفة في ذوقها، لزيادة النعيم، وعندهم زوجات جميلات ناعمات مطهرات مما يعرض لنساء الدنيا من نجاسات وقاذورات وأخلاق رديئة، ومع هذا النعيم فهم مقيمون أبداً، متنعمون سرمداً لا ينقطع عنهم النعيم ولا يخافون الزوال والانتقال.
26- (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)
فالله لا يستحيي ان يضرب الأمثال بما شاء من خلق البعوضة فما فوقها، فالكل خلقه، فبديع حكمته في خلق البعوضة والنملة مثل عجيب خلقه في الفيل والجمل، بل ان تركيبه للصغير الحقير يلفت النظر أكثر من الكبير، والمؤمن عند سماع هذه الأمثال يعتقد ان هذا المثل صدق لا مرية فيه من عند الله، بخلاف الكافر الذي يقف حائراً متردداً، وكل مثل يساق يزداد به المؤمن إيماناً والكافر كفراً، ولهذا تجد عند العالم بآيات الله من اليقين والرسوخ، لتوارد الأدلة وكثرة البراهين ما لا يوجد عند الجاهل المعرض، وتجد المنحرف الفاجر يزداد فجوراً عند سماع البينات والحجج الواضحات.
27- (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) هؤلاء هم الذين ينقضون العهد الذي بينهم وبين ربهم من الإيمان به وإتباع رسوله، وكل ميثاق عقدوه على أنفسهم من الإيمان والنذور والمعاهدات، لأنهم فجرة، وكل ما أمر الله به ان يوصل من بر الوالدين، وصلة الرحم، وحق الجار، قطعه هؤلاء العصاة المردة، فلا مع الخالق صدقوا، ولا مع الخلق وفوا، ثم هم يسعون في الأرض فساداً من إشعال الفتن، ونشر الفرقة، واختلاف الكلمة، والتربص بالمؤمنين، وحبك المؤامرة على المسلمين، فهم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم وحياتهم وسعادتهم، فلا اشد منهم هلاكاً، ولا اغبن منهم صفقة، فالخسارة المالية تعوض، ولكن خسارة الدين والقيم لا عوض منها، لان خسارة هؤلاء المكذبين خسارة دائمة في الدارين، فلعظم خسارتهم حصر الخسارة فيهم. (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)
28- (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
كيف تجحدون ألوهية ربكم وقد كنتم في عالم العدم فأوجدكم في الحياة بعد الفناء، ثم هو بعد هذه الحياة يميتكم ثم يخرجكم من قبوركم للحساب، أفلا يستحق من هذا وصفه جل وعلا (ان يعبد ويوحد، لأنه لا خالق ولا محيي ولا مميت الا هو؟ فلماذا لا تفردونه بالعبودية؟ فان من يملك الإحياء والإماتة والبعث هو وحده الذي تجب عبوديته، لكن عجباً لكم جحدتم بهذا الحق كله، وكفرتم بهذا الإحسان جميعه، فصيرتم العبادة لغيره، وأشركتم معه سواه، فأي جرم أعظم من جرمكم؟ ام أي ذنب اكبر من ذنبكم؟
التفسير الميسر
الشيخ عائض القرني
29- (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
فالله -سبحانه- الذي يستحق العبادة، وهو الذي اوجد لكم كل ما في الأرض من غذاء وماء وهواء ودواء وضياء، وجعل الأصل فيما خلق لكم الحل والطهارة، وبعدما خلق لكم ما في الأرض من نعم، قصد إلى السماء فأبدعهن وحسن خلقهن، واحكم صناعتهن، وجعلها سبع سموات، ومع هذا الخلق والإبداع فعلمه -سبحانه- محيط شامل، فله -سبحانه- كمال الخلق، وتمام العلم، فمن كان هذا وصفه من القدرة على الخلق وكمال العلم مستحق ان يعبد وحده، وان يشكر بامتثال أمره واجتناب نهيه.
30- (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
يخبرنا الله انه اخبر ملائكته انه سوف يجعل في الأرض من يعمرها ويحييها بالإيمان، وهم ادم وذريته، وبعضهم يخلف بعضاً، ليبقى العمار والنماء والحياة، وتتم سنة الابتلاء وحكمة الخليقة، فقالت الملائكة: أتجعل في الأرض خليفة يفسد فيها بالعصيان والظلم والفتنة ويسفك الدماء المعصومة بغير حق. لان الملائكة سالمون من الذنوب والخطايا، منزهون عن الظلم والعدوان، عندها اخبرهم سبحانه انه يعلم ما لا يعلمون من سر الخلق وعواقب الأمور وبديع الحكم التي لا يطلع عليها الا الله من إقامة الدين والدعوة إلى الله ووجود الأنبياء والعلماء والأولياء والعباد والزهاد ومن يصلح لعمارة الأرض.
31- (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
علم الله آدم أسماء المسميات من المخلوقات من سماء وارض، وجبل وشجر ونحوها، ليتميز عليهم بالعلم الذي هو فوق كل شرف، واجله ما كان من الله -عز وجل- كعلم ادم وعموم العلم الشرعي، وبعدما علم ادم الأسماء عرض المسميات على الملائكة ليكون التفضيل بعد الامتحان، ويكون التكريم بعد الابتلاء، وقال للملائكة: اخبروني بأسماء هذه المخلوقات ان كنت صادقين بأنكم أهل فضيلة وميزة على ادم وذريته.
32- (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
قالت الملائكة لما أمرهم سبحانه بذكر أسماء المسميات: يا ربنا تبارك اسمك وتقدس نحن لا نستطيع ذكر هذه الأسماء الا إذا علمتنا أنت، لان علمك شاسع محيط، وأنت مع العلم حكيم، فعلمك وحكمتك من اجل صفاتك، وهذا يدلك على ان العالم الحكيم هو الرباني بحق، فمن فاتته الصفتان أو إحداهما فاتته الإمامة في الدين، وانظر كيف حصروا العلم والحكمة لله وحده، لأنه الأعلم الأحكم تقدس اسمه.
33- (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)
فلما عجز الملائكة عن معرفة الأسماء امر الله ادم بما علمه ان يذكر الأسماء أمام الملائكة، ليظهر فضله ويبين شرفه وليأخذ الاصطفاء باستحقاق، فأخذ آدم يذكر أسماء المسميات أمام الملائكة، حينها قال الله للملائكة، اما أخبرتكم انني العالم بكل ما في السموات والأرض واعلم ما تبدون من أعمال أقوال وما تكتمون من عقائد وأسرار، وهذا يدلك على فضل العلم، لأنه الصفة الوحيدة التي فاق بها آدم على الملائكة، ثم ان الله مدح نفسه بالعلم، ثم ان الملائكة اعترفوا بالفضل لآدم، لأنهم أدركوا شرفه عليهم بما علمه الله، فمن أراد العلو والرفعة فعليه بطلب العلم النافع الذي انزله الله على رسله، فهو الذي تحصل به الفضيلة.
منقول ويتبع