منتديات امل الزاوية
التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني 829894
ادارة المنتدي التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني 103798
منتديات امل الزاوية
التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني 613623

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني 829894
ادارة المنتدي التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني 103798
منتديات امل الزاوية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات امل الزاوية


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فرح
عضو مميز
عضو مميز
فرح


نقاط : 1386

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Empty
مُساهمةموضوع: التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني   التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Emptyالأربعاء أبريل 29, 2009 5:45 am

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني

-بسم الله-


أصدر الشيخ عايض القرني كتابا جديدا في التفسير بعنوان التفسير الميسر وقامت جريدة المدينة الصادرة في جدة بتقديم مقاطع يومية من هذا التفسير خلال شهر رمضان وقمت بنقلها في سلسلة المجلة الرمضانية بركن شهر رمضان المبارك

وبناء على اقتراح الأخت الداعية أنقلها لهذا الركن داعيا الله أن تكون نافعة لمن يقرأها فلا تنسوا الكاتب والناقل من دعائكم وجزاكم الله خيرا


التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

سيطل علينا طوال الشهر الفضيل فضيلة الشيخ الدكتور عائض بن عبدالله القرني في رحلة ماتعة بين آي الذكر الحكيم والتفسير الميسر

25- (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وبشر يا محمد عبادنا الصالحين من أتباعك بما أعددنا لهم من النعيم المقيم، والخير العميم جزاء لإيمانهم وأعمالهم الصالحة من توحيد وصلاة وصيام وصدقة وحج ونحوه، فهم في جنة ثمراتها متشابهة الألوان، مختلفة الطعوم حتى يخيل إلى من سكنها ان الثمرة إذا قدمت له بعد الثمرة انها مثل ثمرة الدنيا، وهي مختلفة في ذوقها، لزيادة النعيم، وعندهم زوجات جميلات ناعمات مطهرات مما يعرض لنساء الدنيا من نجاسات وقاذورات وأخلاق رديئة، ومع هذا النعيم فهم مقيمون أبداً، متنعمون سرمداً لا ينقطع عنهم النعيم ولا يخافون الزوال والانتقال.

26- (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)

فالله لا يستحيي ان يضرب الأمثال بما شاء من خلق البعوضة فما فوقها، فالكل خلقه، فبديع حكمته في خلق البعوضة والنملة مثل عجيب خلقه في الفيل والجمل، بل ان تركيبه للصغير الحقير يلفت النظر أكثر من الكبير، والمؤمن عند سماع هذه الأمثال يعتقد ان هذا المثل صدق لا مرية فيه من عند الله، بخلاف الكافر الذي يقف حائراً متردداً، وكل مثل يساق يزداد به المؤمن إيماناً والكافر كفراً، ولهذا تجد عند العالم بآيات الله من اليقين والرسوخ، لتوارد الأدلة وكثرة البراهين ما لا يوجد عند الجاهل المعرض، وتجد المنحرف الفاجر يزداد فجوراً عند سماع البينات والحجج الواضحات.

27- (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) هؤلاء هم الذين ينقضون العهد الذي بينهم وبين ربهم من الإيمان به وإتباع رسوله، وكل ميثاق عقدوه على أنفسهم من الإيمان والنذور والمعاهدات، لأنهم فجرة، وكل ما أمر الله به ان يوصل من بر الوالدين، وصلة الرحم، وحق الجار، قطعه هؤلاء العصاة المردة، فلا مع الخالق صدقوا، ولا مع الخلق وفوا، ثم هم يسعون في الأرض فساداً من إشعال الفتن، ونشر الفرقة، واختلاف الكلمة، والتربص بالمؤمنين، وحبك المؤامرة على المسلمين، فهم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم وحياتهم وسعادتهم، فلا اشد منهم هلاكاً، ولا اغبن منهم صفقة، فالخسارة المالية تعوض، ولكن خسارة الدين والقيم لا عوض منها، لان خسارة هؤلاء المكذبين خسارة دائمة في الدارين، فلعظم خسارتهم حصر الخسارة فيهم. (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)

28- (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

كيف تجحدون ألوهية ربكم وقد كنتم في عالم العدم فأوجدكم في الحياة بعد الفناء، ثم هو بعد هذه الحياة يميتكم ثم يخرجكم من قبوركم للحساب، أفلا يستحق من هذا وصفه جل وعلا (ان يعبد ويوحد، لأنه لا خالق ولا محيي ولا مميت الا هو؟ فلماذا لا تفردونه بالعبودية؟ فان من يملك الإحياء والإماتة والبعث هو وحده الذي تجب عبوديته، لكن عجباً لكم جحدتم بهذا الحق كله، وكفرتم بهذا الإحسان جميعه، فصيرتم العبادة لغيره، وأشركتم معه سواه، فأي جرم أعظم من جرمكم؟ ام أي ذنب اكبر من ذنبكم؟

التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

29- (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

فالله -سبحانه- الذي يستحق العبادة، وهو الذي اوجد لكم كل ما في الأرض من غذاء وماء وهواء ودواء وضياء، وجعل الأصل فيما خلق لكم الحل والطهارة، وبعدما خلق لكم ما في الأرض من نعم، قصد إلى السماء فأبدعهن وحسن خلقهن، واحكم صناعتهن، وجعلها سبع سموات، ومع هذا الخلق والإبداع فعلمه -سبحانه- محيط شامل، فله -سبحانه- كمال الخلق، وتمام العلم، فمن كان هذا وصفه من القدرة على الخلق وكمال العلم مستحق ان يعبد وحده، وان يشكر بامتثال أمره واجتناب نهيه.

30- (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)

يخبرنا الله انه اخبر ملائكته انه سوف يجعل في الأرض من يعمرها ويحييها بالإيمان، وهم ادم وذريته، وبعضهم يخلف بعضاً، ليبقى العمار والنماء والحياة، وتتم سنة الابتلاء وحكمة الخليقة، فقالت الملائكة: أتجعل في الأرض خليفة يفسد فيها بالعصيان والظلم والفتنة ويسفك الدماء المعصومة بغير حق. لان الملائكة سالمون من الذنوب والخطايا، منزهون عن الظلم والعدوان، عندها اخبرهم سبحانه انه يعلم ما لا يعلمون من سر الخلق وعواقب الأمور وبديع الحكم التي لا يطلع عليها الا الله من إقامة الدين والدعوة إلى الله ووجود الأنبياء والعلماء والأولياء والعباد والزهاد ومن يصلح لعمارة الأرض.

31- (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)

علم الله آدم أسماء المسميات من المخلوقات من سماء وارض، وجبل وشجر ونحوها، ليتميز عليهم بالعلم الذي هو فوق كل شرف، واجله ما كان من الله -عز وجل- كعلم ادم وعموم العلم الشرعي، وبعدما علم ادم الأسماء عرض المسميات على الملائكة ليكون التفضيل بعد الامتحان، ويكون التكريم بعد الابتلاء، وقال للملائكة: اخبروني بأسماء هذه المخلوقات ان كنت صادقين بأنكم أهل فضيلة وميزة على ادم وذريته.

32- (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)

قالت الملائكة لما أمرهم سبحانه بذكر أسماء المسميات: يا ربنا تبارك اسمك وتقدس نحن لا نستطيع ذكر هذه الأسماء الا إذا علمتنا أنت، لان علمك شاسع محيط، وأنت مع العلم حكيم، فعلمك وحكمتك من اجل صفاتك، وهذا يدلك على ان العالم الحكيم هو الرباني بحق، فمن فاتته الصفتان أو إحداهما فاتته الإمامة في الدين، وانظر كيف حصروا العلم والحكمة لله وحده، لأنه الأعلم الأحكم تقدس اسمه.

33- (قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)

فلما عجز الملائكة عن معرفة الأسماء امر الله ادم بما علمه ان يذكر الأسماء أمام الملائكة، ليظهر فضله ويبين شرفه وليأخذ الاصطفاء باستحقاق، فأخذ آدم يذكر أسماء المسميات أمام الملائكة، حينها قال الله للملائكة، اما أخبرتكم انني العالم بكل ما في السموات والأرض واعلم ما تبدون من أعمال أقوال وما تكتمون من عقائد وأسرار، وهذا يدلك على فضل العلم، لأنه الصفة الوحيدة التي فاق بها آدم على الملائكة، ثم ان الله مدح نفسه بالعلم، ثم ان الملائكة اعترفوا بالفضل لآدم، لأنهم أدركوا شرفه عليهم بما علمه الله، فمن أراد العلو والرفعة فعليه بطلب العلم النافع الذي انزله الله على رسله، فهو الذي تحصل به الفضيلة.

منقول ويتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح
عضو مميز
عضو مميز
فرح


نقاط : 1386

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني   التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Emptyالأربعاء أبريل 29, 2009 5:45 am

التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

34- (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)

فلما ظهر للملائكة فضل آدم عليهم بالعلم أمرهم سبحانه بالسجود إكراماً له لما ميزه الله عليهم بعلم الأسماء، لأنه لا يوجد أفضل من صفة العلم، فامتثلوا أمر ربهم وسجدوا له، لأنه يجب على المفضول احترام الفاضل اعترافاً وإكراماً، ولكن إبليس لكبره وشقاقه امتنع عن السجود، وعرض الأمر بالقياس، وضرب الأمثال كبراً وعتواً، فأذله الله واخزاه وطرده ولعنه، وهذا شأن أتباعه من أهل الكبر لا يذعنون للحق، فمرض الشبهة أعظم من داء الشهوة، فالأول مرض إبليس، ولذلك طرد، والثاني أصاب آدم لما أكل من الشجرة، لكنه تاب فتاب الله عليه، فالواجب على العبد المبادرة عند الأمر وترك التسويف والاعتراض، وهذا السجود لآدم سجود تحية وتعظيم، لا سجود عبادة الذي لا يصح الا لله.

35- (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)

ثم امر الله آدم ان يسكن الجنة مع زوجه في أمن وأمان وخير ورضوان، في عيش هنيء لا كدح فيه ولا مشقة، بل فيه ألوان من النعيم وصنوف من اللذائذ وأنواع من الثمار، مما تشتهيه الأنفس، ويسر النظر، ويشرح البال، ونهاهم تعالى عن أكل نوع من الشجر ابتلاء منه لهما وامتحاناً ليظهر صبرهما وجهادهما للنفس، وحذرهما من مغبة ارتكاب المنهي، فان من فعل ذلك بعد البيان فقد ظلم نفسه، وعصى ربه.

36- (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)

فاجتهد الشيطان في ابعادهما عن الجنة حسداً لهما، وسوّل لهما ولبّس عليهما فوقعا في فخه المنصوب، وهذه بداية الصراع العالمي بينه وبين عباد الله إلى يوم الدين، فلما ارتكبا المحظور، حرما من الحبور والسرور، وهذا جزاء من عصى فانه يحرم بسبب معصيته من مقامات الأمن والرعاية بحسب معصيته، فيا شؤم المعصية، ويا سوء عاقبتها، ثم أمر الله آدم وحواء والشيطان بالنزول إلى الأرض، وجعل بينهم العداوة الأبدية لتتم سنة الابتلاء والمدافعة والمجاهرة، وجعل الأرض لبني آدم داراً للعيش والسكنى والتمتع مدة معلومة من الزمن حتى يأذن الله لقيام الساعة ونهاية العالم، فالمستقر سكن ووطن، والمتاع غذاء وماء فلا بقاء للدنيا، ولا لأهلها، وإنما سوف يعودون لإحدى الدارين دار آدم الجنة، ودار إبليس النار.

37- (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

من رحمة الله ولطفه بآدم وذريته ان علّمه كلمات يستوجب بها الرحمة والغفران، وهي كلمات الاعتراف بالذنب وإعلان التوبة وطلب العفو، وفي هذا فضل الاستغفار، وان الذنب قد تكون فيه مصالح عظيمة للعبد إذا تاب وأناب من الانكسار والندم والاجتهاد في الطاعة والبكاء والخوف والتواضع لعباد الله.

38- (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)

ولما أمرهم -سبحانه- بالنزول إلى الأرض من الجنة بين لهم انه لن يتركهم هملاً، بل سوف يرسل اليهم رسلاً، وينزل اليهم كتباً، من آمن بالله واتبع رسله واهتدى بهداه فله الامن من الله، فلا يخاف مما يستقبله، لان الله حافظه وكافيه ولا يحزن على ما مضى، فالله يغفر له ويتجاوز عنه، والسعادة مبنية على أصلين: لا خوف، ولا حزن.



التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

41- (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)

واتبعوا هدي النبي الأمي محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- وما جاء به من الوحي، لأنه مصدق لما جاء به موسى من التوراة، بل يؤيده ويعضده، فكيف تفرقون بين الرسولين والكتابين، واحذروا ان تكونوا أول المكذبين بهذا النبي فيفتدي بكم غيركم فتكونون أسوة شر، ومفتاح فتنة وصد عن سبيل الله.

وإياكم ان تشتروا بآياتي التي عندكم عرض الدنيا الزائل فتكتموا الحق وتشهدوا الزور، وتكذبوا مقابل رشوة أو مراباة أو كسب خبيث، فالدنيا كلها ثمن قليل فكيف بجزء منها، وعليكم باتقاء الله وحده بفعل ما امر واجتناب ما عنه زجر، فلن يحول بينكم وبين عذاب الله الا تقواه.

42- (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

وإياكم يا بني إسرائيل ان تخلطوا الحق بالباطل، فتمزجوا بين الصدق والكذب لتروجوا على الناس باطلكم، لان بعض الفجرة يذكر شيئاً من الحق ليصدق في باطله، وإياكم ان تكتموا الحق الذي ظهر وبان بقيام الأدلة والبراهين من نبوة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وصدق رسالته وان دينه حق وشرعه صدق، وانتم تعلمون انه رسول من عند الله، فهو مكتوب عندكم بعلاماته وصفاته فكيف تجحدون ما تعلمون.

43- (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)

وعليكم بإقامة الصلاة التي امركم الله بها، لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ما أقيمت على الوجه الصحيح، لا مجرد صلاة بلا خشوع وحضور، وأدوا زكاة أموالكم لتزكوا بها نفوسكم وتحط عنكم خطاياكم، ويرضى عنكم ربكم، وتسخو قلوبكم، ويذهب الشح عنكم، وصلوا مع المصلين، واستدل بهذا من اوجب صلاة الجماعة، وقيل: اخضعوا لربكم مثل ما خضع له عباده الصالحون.

44- (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)

ما لكم تزكون الناس بكلامكم وانتم في ظلمة المعاصي واقفون، تأمرون غيركم ولا تأتمرون، وتنهون عن الذنوب ولا تنتهون، ثم عندكم كتاب يتلى فيه حجج بينات، وبراهين واضحات، ومع ذلك لم تستضيئوا بنوره، ولم تهتدوا بهداه، وإذا لم يزجركم العلم أفلا يزجركم العقل! فان العقل الراجح يدعو إلى الفضائل ويزجر عن الرذائل، ويمنع من السفه ولهذا قال: (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) فلا نقل ولا عقل ولا رشد من رواية، ولا وازع من دراية.

45- (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)

وعليكم بالصبر على أداء الأمور واجتناب المحذور -والصبر قوة من قوى النفس تدخل في كل نظام الحياة واعمالها-، وداوموا على الصلاة، لأنها تعين صاحبها في الأزمات، وتريحه في الكربات، وفي الحديث: (أرحنا بالصلاة يا بلال)، فهي قرة العيون، وبهجة النفوس، وهذه الصلاة كبيرة وشاقة وصعبة الا على الخاشعين المخبتة قلوبهم وجوارحهم للجبار جل جلاله، ولا يشق عليهم أداؤها في وقت النوم والراحة والبرد والسفر والمرض، واما المنافق فمن اشق شيء وأصعبه عليه.

46- (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

وهؤلاء المؤمنون الخاشعون الصادقون يتيقنون بالبعث بعد الموت، ولقاء الله للحساب، والرجوع إليه للثواب والعقاب، وهذه مسألة الايمان باليوم الاخر التي هي من أركان الايمان العظيمة، وهي التي تحمل صاحبها على تقوى الله، لأنه يعلم انه سوف يلقاه في يوم لا ريب فيه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح
عضو مميز
عضو مميز
فرح


نقاط : 1386

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني   التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Emptyالأربعاء أبريل 29, 2009 5:46 am

التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

46- (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

وهؤلاء المؤمنون الخاشعون الصادقون يتيقنون بالبعث بعد الموت، ولقاء الله للحساب، والرجوع إليه للثواب والعقاب، وهذه مسألة الايمان باليوم الاخر التي هي من أركان الايمان العظيمة، وهي التي تحمل صاحبها على تقوى الله، لأنه يعلم انه سوف يلقاه في يوم لا ريب فيه.

47- (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)

يا أبناء النبي الكريم الصالح يعقوب الذي لم تفعلوا فعله في الاستجابة لنا، لماذا لا تذكرون نعمنا عليكم، اما نجيناكم من العذاب؟ اما ظللنا عليكم السحاب؟ اما والينا عليكم النعم، وصرفنا عنكم النقم وفضلناكم على عالمي زمانكم بكثرة الأنبياء منكم، ونزول الكتب فيكم ونصركم على الأعداء مع كثرة أيادينا عليكم، فهلا للنعيم شكرتم وللاحسان ذكرتم؟

48- (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ)

وخافوا يوماً تعرضون فيه على الله، لا تدفع نفس عن نفسها خيراً، ولا تجلب لها نفعاً، ولا شفاعة تقبل لكافر، ولا يفتدى فيه من العذاب بمال، ولا ناصر لمن حق عليه العذاب ينقذه، فلا شافع قبل العذاب، ولا فدية إذا حل، ولا ناصر إذا وقع، فهي أربعة يتعلق بها الكفار في الآخرة لا تنفعهم نفس بدل نفس تفديها، ولا صاحب جاه يشفع لينجيها، ولا ثمن مال من الهلاك يحميها، ولا مدافع صاحب قوة يكفيها.

49- (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ)

واذكروا يا بني إسرائيل نعمتنا عليكم يوم نجيناكم وسلمناكم من فرعون وقومه لما هربتم من بطشه، فأدرككم ففلقنا لكم البحر، وخرجتم سالمين من بعد ما كان يذبح كل مولود لكم من الذكور، ويترك كل مولود من الإناث للخدمة في بيوت قوم فرعون، وهذه ابتلاءات واختبارات بالنعم والنقم عظيمة، ولكنكم كفرتم النعم، ونسيتم النقم، وخير ما تبكت به اللئيم تذكيره بما أسديت إليه من نعيم.

50- (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)

واذكروا يا بني إسرائيل يوم شققنا لكم البحر وقد ضاق عليكم الامر، لان البحر كان من امامكم والعدو من خلفكم، وقد أشرفتم على الهلال فانجيناكم وأغرقنا ال فرعون، وقد كان أقوى بل كانوا طالبين لكم، وانتم مطلوبون، فجعلنا الدائرة عليهم، وأغرقناهم وانتم تبصرون غرقهم زيادة في التشفي منهم، ولئلا تنكروا هذه النعمة أو لتقوم بها عليكم الحجة.

51- (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ)

واذكروا حين واعدنا موسى قبل ان نكلمه بطور سيناء، وجعلنا له أربعين ليلة قبل هذا الموعد، وكل هذا من اجل هدايتكم وصلاح أموركم، فكفرتم الإحسان، واتخذتم العجل إلهاً يعبد من دون الله بعد غياب موسى، فاي ظلم اظلم من فعلكم؟! واي بغي اشد من بغيكم؟ لانكم صدقتم الدجل، وعبدتم العجل، ورضيتم بالجهل، وشتان بين امة موسى وامة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فامة موسى غاب نبيها أربعين يوماً فجعلوا العجل معبودهم، وامة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- مات نبيها فيهم إلى يوم القيامة.


التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

(يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا اظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير).

كما يوشك البرق ان يذهب ببصر من رآه، فكذلك زواجر القرآن توشك ان تذهب برؤية من لم يهتد به، والمنافقون ينتفعون بالإسلام انتفاعاً دنيوياً ظاهراً في الحياة الدنيا في حقن الدماء،

وحفظ الأموال، كما ينتفع من يمشي في ضوء البرق زمناً قصيراً ثم تطبق عليه الظلمة. كذلك المنافقون في حيرة وشك، ثم عذاب دائم في نار جهنم، مع انه من المعلوم أن الله قادر على طمس ابصارهم وأخذ اسماعهم، لأن الله لا يعجزه شيء لكمال قدرته جل في علاه.

( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون).

المستحق للعبادة حقيقة هو الله –جل في علاه – فلا يجوز ان يشرك معهم في ألوهيته أحد؛ لأن الربوبية له، فهو الخالق للناس وحده لا سواه، فالخالق أحق ان يعبد، نادى الله عباده – وهذا أول نداء في القرآن – وأمرهم ان يعبدوه فهو خالقهم وخالق من قبلهم، والرب حقيق ان يُعْبَد، والعبد حقيق ان يَعْبُد؛ ليتقي سخطه وأليم عقابه، وهذه الآية هي مقصود الله من الخليقة، ومن أجل عبادته أوجد الخلق وارسل الرسل، وأنزل الكتب، فهي المقصود الأعظم، والمطلب الأسمى.

(الذي جعل لكم الارض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون).

أليس الله هو الذي مهّد الأرض كالفراش للناس، ووطأها لهم ليعيشوا على ظهرها، ويتمتعوا بأنواع النعم عليها، وصير السماء سقفاً لهذه الأرض، وجعل فيها ما ينفع الإنسان من الشمس والقمر والنجوم والكواكب، ثم انبت – سبحانه – بالماء الذي أنزله انواع الثمار والحبوب من فواكه وخضروات مما لذ وطاب وراق العين، ولذ في الفم، وما دام ان الرازق هو الله، فهو أحق ان يشكر وحده، فكيف تعبدون غيره، وأنتم تعلمون ان لا خالق ولا رزاق غيره.

(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين).

ان كنتم شاكين في هذا الوحي الذي نزل على الرسول- صلى الله عليه وسلم- فتعالوا بسورة من مثله في البيان والاعجاز

.فأنتم اهل فصاحة وبلاغة، والكلام متاح لكم. واستعينوا بمن شئتم به من اعوانكم ليساعدوكم على معارضة هذا القرآن بسورة مثل احدى سوره، ان كنتم صادقين أنكم تستطيعون المعارضة والتحدي، ولكن هيهات لقد أفحموا – والله – غاية الافحام، وهُزموا شرَّ هزيمة. (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين).

فإن لم تستطيعوا على هذه المعارضة ولن تستطيعوا؛ لأن القرآن كلام الحكيم الخبير فارحموا انفسكم بالايمان بالله؛ لينجيكم من نار تلظى، فلن يتقى عذابه الا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وانتم لا تقدرون على عذاب النار التي تشتعل بالناس والحجارة، و الله جعلها مثوى من كفر به سبحانه.

وفيها ان المؤمن العاصي لو عذب في النار لا يخلد فيها كما يخلد الكفار.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح
عضو مميز
عضو مميز
فرح


نقاط : 1386

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني   التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Emptyالأربعاء أبريل 29, 2009 5:46 am

التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

25- (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

وبشر يا محمد عبادنا الصالحين من أتباعك بما أعددنا لهم من النعيم المقيم، والخير العميم جزاء لإيمانهم وأعمالهم الصالحة من توحيد وصلاة وصيام وصدقة وحج ونحوه، فهم في جنة ثمراتها متشابهة الألوان، مختلفة الطعوم حتى يخيل إلى من سكنها ان الثمرة إذا قدمت له بعد الثمرة انها مثل ثمرة الدنيا، وهي مختلفة في ذوقها، لزيادة النعيم، وعندهم زوجات جميلات ناعمات مطهرات مما يعرض لنساء الدنيا من نجاسات وقاذورات وأخلاق رديئة، ومع هذا النعيم فهم مقيمون أبداً، متنعمون سرمداً لا ينقطع عنهم النعيم ولا يخافون الزوال والانتقال.

26- (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)

فالله لا يستحيي ان يضرب الأمثال بما شاء من خلق البعوضة فما فوقها، فالكل خلقه، فبديع حكمته في خلق البعوضة والنملة مثل عجيب خلقه في الفيل والجمل، بل ان تركيبه للصغير الحقير يلفت النظر أكثر من الكبير، والمؤمن عند سماع هذه الأمثال يعتقد ان هذا المثل صدق لا مرية فيه من عند الله، بخلاف الكافر الذي يقف حائراً متردداً، وكل مثل يساق يزداد به المؤمن إيماناً والكافر كفراً، ولهذا تجد عند العالم بآيات الله من اليقين والرسوخ، لتوارد الأدلة وكثرة البراهين ما لا يوجد عند الجاهل المعرض، وتجد المنحرف الفاجر يزداد فجوراً عند سماع البينات والحجج الواضحات.

27- (الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)

هؤلاء هم الذين ينقضون العهد الذي بينهم وبين ربهم من الإيمان به وإتباع رسوله، وكل ميثاق عقدوه على أنفسهم من الإيمان والنذور والمعاهدات، لأنهم فجرة، وكل ما أمر الله به ان يوصل من بر الوالدين، وصلة الرحم، وحق الجار، قطعه هؤلاء العصاة المردة، فلا مع الخالق صدقوا، ولا مع الخلق وفوا، ثم هم يسعون في الأرض فساداً من إشعال الفتن، ونشر الفرقة، واختلاف الكلمة، والتربص بالمؤمنين، وحبك المؤامرة على المسلمين، فهم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم وحياتهم وسعادتهم، فلا اشد منهم هلاكاً، ولا اغبن منهم صفقة، فالخسارة المالية تعوض، ولكن خسارة الدين والقيم لا عوض منها، لان خسارة هؤلاء المكذبين خسارة دائمة في الدارين، فلعظم خسارتهم حصر الخسارة فيهم. (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)

28- (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)

كيف تجحدون ألوهية ربكم وقد كنتم في عالم العدم فأوجدكم في الحياة بعد الفناء، ثم هو بعد هذه الحياة يميتكم ثم يخرجكم من قبوركم للحساب، أفلا يستحق من هذا وصفه جل وعلا (ان يعبد ويوحد، لأنه لا خالق ولا محيي ولا مميت الا هو؟ فلماذا لا تفردونه بالعبودية؟ فان من يملك الإحياء والإماتة والبعث هو وحده الذي تجب عبوديته، لكن عجباً لكم جحدتم بهذا الحق كله، وكفرتم بهذا الإحسان جميعه، فصيرتم العبادة لغيره، وأشركتم معه سواه، فأي جرم أعظم من جرمكم؟ ام أي ذنب اكبر من ذنبكم؟


التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

53- (وإذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ والْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)

وتذكروا با بني إسرائيل يوم أكرمنا موسى بالتوراة وبيان الحلال والحرام، هداية لكم وإرشاداً لعلكم تستقيمون على أمر الله، وتهتدون بهداه، لكنكم رفضتم البرهان، وكفرتم بالرحمن، واتبعتم الشيطان.

54- (وإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ العِجْلَ فَتُوبُوا إلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

واذكروا حين نهاكم موسى عن عبادة العجل، وأنكر عليكم فعلكم الشنيع الفظيع في عبادتكم لعجل يخور،وتمثال كالثور، وعرض عليكم موسى التوبة إلى الله والعودة إلى دينه، لأنه سبحانه هو خالقكم ورازقكم ومبدعكم، لا ربَّ غيره ولا إله سواه، وهذه التوبة تقتضي منكم أن يقتل منكم البريء المجرم، لأن في هذا تطهيراً لكم من دنس الذنب وبراءة للذمة، ودليلاً لصدق التوبة وامتثالاً للأمر، فلما فعلتم تاب الله عليكم من ذلك الذنب العظيم والجرم الأثيم، لأنه –سبحانه- يتوب على من تاب، ويرحم من أناب، فلا يأخذ بالذنب بعد التوبة، ولكنه يرحم من استغفر من الحوبة.

فيا لها من آيات وابتلاءات ومقامات وامتحانات يُحدث بها اتباعهم بعد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.

55- (وإذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وأَنتُمْ تَنظُرُونَ)

ومن تمردكم وتنكركم والتوائكم طلبتم من موسى أن يريكم الله –جل في علاه- مباشرة لترونه عياناً بأبصاركم، والله عز وجل أعظم وأجل من أن يُرى في الدنيا، وإنما يُرى في الجنة لأوليائه بقوة خاصة يُمدّهم بها، فكيف طلبتم هذا الأمر الجليل، وهو من المستحيل، وكفرتم بالتنزيل، ورفضتم الدليل، ولكنكم لما سألتم هذا السؤال عاقبناكم بصاعقة من السماء خلعت قلوبكم، وأحرقت أجسامكم وأنتم تشاهدون مصارع بعضكم، فهلا كان عندكم حياء من تذكر ذلك البلاء؟ وهلا استفدتم من تلك المشاهد العظيمة في زجر النفوس الأثيمة؟

56- (ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

وبعدما أهلكناكم بالصاعقة بعثناكم من جديد، وأعدناكم إلى حياة لعلكم تراجعون أنفسكم وتوحدون ربكم وتتبعون رسولكم، ولكن ما نفعت فيكم العبر، وما أجدت فيكم العظات، لأن النفوس شريرة، والطباع خبيثة، والفطر فاسدة، والأخلاق دنسة.

57- (وظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغَمَامَ وأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ والسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ومَا ظَلَمُونَا ولَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

ومن زيادة النعم لكم نشرنا السحاب عليكم، يُلطّف لكم الجو ويحجب عنكم حرارة الشمس، ويكون مصدراً للغيث، وتكفلنا بطعامكم من المن الذي هو كالعسل حلاوة وطلاوة والسلوى وهو لحم الطير اللذيذ الشهي، فالجو لكم قد طاب بتظليل اصحاب وتوفير الطعام والشراب، فكلوا من الطيبات واعملوا الصالحات، واشكروا رب الأرض والسموات، ولكن هيهات هيهات لقد قابلوا الإحسان بالإساءة، والجميل بالدناءة، فأعرضوا عن الهداية، وركبوا الغواية، فكان ظلمهم على أنفسهم ومغبة ذنوبهم عليهم، فالله لا تضره – سبحانه - معصية العاصي، كما لا تنفعه طاعة الطائع، لأنه الغني عما سواه، لا إله إلا الله ولا نعبد سواه، وفي الآية الاكتفاء بالطيبات عن الخبائث، وبالحلال عن الحرام.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح
عضو مميز
عضو مميز
فرح


نقاط : 1386

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني   التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Emptyالأربعاء أبريل 29, 2009 5:47 am

الشيخ عائض القرني

(وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطّة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين).

وأمرناكم بدخول فلسطين لطلبكم ذلك وهيأنا لكم فيها معيشة هنيئة بلا مشقة ولا عناء في تحصيلها بل رزق وافر من طعام لذيذ من راحة بال وحسن حال وأمرناكم بدخول باب القرية خاضعين خاشعين شكراً لله مستغفرين لذنوبكم طالبين العفو من ربكم ووعدناكم بغفران الخطايا اذا تبتم وتكفير الذنوب اذا استغفرتم ومن لم يكن منكم مذنباً زدناه باستغفاره وصلاحه حسنات ورفعناه درجات فالمسئ نكفر سيئاته والمحسن نزيد في حسناته فوعدناكم اذا استقمتم بعيش رغيد ومقام سعيد وغفران للخطايا وزيادة في العطايا.

وفي الآية وجوب الاستغفار من الذنوب مع تقوى القلوب فكم من مستغفر وهو محروم وكم من ساكت وهو مرحوم، ذاك قلبه فاجر وهذا قلبه ذاكر.

( فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون).

فغيّر الفجرة منكم ما أمرناكم به من الاستغفار وقلبوا الكلام فسقاً وعناداً فقالوا:حنطة مكان حطة وما ذاك الا لكثرة تمردهم على ربهم وتأصل الخبث في نفوسهم بعدها انزلنا عليهم عذاباً من السماء نّكل بهم جزاء فعلهم الشنيع وقولهم القبيح فكم من آية مرت بهم وبلاء وكم من محنة عاشوها ورخاء لكن المخدر بسكار المعصية لا يشعر والمفتون بحب الدنيا لا يحس فالذنوب تميت القلوب وتنسيها علام الغيوب فما اذهب الفطنة وعطل الفهم ومحق البركة مثل المعصية.

(وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين).

فلما أمّنا لكم الطعام مما لذ وطاب بقي الشراب فلما دعانا موسى ان نسقيكم الماء البارد جعلناه بطريق المعجزة لعكم تشاهدون قدرة الله فتخافوا وتنظرون فضله فتشكروه وتبصرون كرمه فتحبوه فلا شكر على النعم ولا خوف من النعم ولا حب على كثرة الايادي.

أما ضرب موسى بعصاه الصخر مثلما ضرب بها البحر فانفجر الصخر بالماء وانفلق البحر للنجاة فاليابس القاسي بقدرتنا لان وقلوبكم ما لانت والسائل بأمرنا تجمد فهل من معتبر؟ وفجرنا من الصخر لكم اثنتي عشرة عيناً بعدد قبائلكم ليقل الزحام ولا يقع الخصام فكل قبيلة تعرف مشربها فها هو الطعام والشراب مهيأ لكم وكله من فضل الله فهلا شكرتموه وعبدتموه فلله في كل لقمة نعمة وفي كل قطرة ماء آلاء وفي كل نسمة هواء عطاء وقد حذرناكم مغبة العصيان وعاقبة الكفران من السعي في الارض بالظلم وسفك الدم الحرام والقطيعة وأخذ اموال الناس بالباطل وشهادة الزور ونحوها ولكن تركتم المأمور وارتكبتم المحذور وخالفتم الرسول وجانبتم الحق واطعتم الهوى.







( وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فان لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).

وبعدما هيأنا لكم احسن الطعام من اللحم والحلوى والشراب البارد مللتم ذلك لانعكاس الفطرة وخواء القلوب والتنكر للنعم ومحبة التبديل والتغيير حتى في الاكل والشرب اقترحتم على موسى طعاماً آخر وهو أدنى من الاول في الطعم والقيمة من البقل وانواع الحبوب والخضروات فكيف تستبدلون – حتى في الطعام- الادنى بالاحسن والرخيص بالغالي فلا تمييز عندكم ولا فرقان حتى فيما تأكلون؟! ولكننا اعيناكم طلبكم ايضا وانزلناكم فلسطين تأكلون من الثمار والحبوب والخضروات وجزاء لعتوِّكم والتوائكم وتمردكم جعلنا الهوان عليكم فضربناكم بالخوف في القلوب والفقر في النفوس مع خسة الهمم وانحطاط العزيمة لأنكم رضيتم بالدون وطلبتم الأخس من كل شيء ورفضتم اختيارنا لكم من العلو والرفعة وطهارة النفس وسلامة الاخلاق وصفاء الضمير وصحة المنهج فغضبنا عليكم اشد الغضب لمخالفتكم وفجوركم بعد قيام الحجة وثبوت الدليل ووضوح البرهان فالعالم العاصي مغضوب عليه والجاهل العاصي ضال وسبب غضب الله على اليهود كفرهم بالرسالة ورفضهم الايمان وقتلهم للانبياء وهي جرائم بشعة فظيعة وخطايا هائلة مرعبة وهذا الهوان الذي حلّ بهم والذل الذي لزمهم والغضب الذي وقع عليهم بسبب عصيانهم في ترك المأمور وعدوانهم بارتكاب المحظور ويمكن ان يكون العصيان ظلم النفس والعدوان ظلم الناس.

(إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

هذه الآية في أهل الكتاب قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم المعنى أن من آمن من هذه الطوائف من اليهود والنصارى والصائبة الذين هم فرقة من النصارى وعمل صالحاً فهم مأجورون عند الله لا يخافون مما أمامهم من الاهوال ولا يحزنون مما خلفهم من آثار الاعمال واما بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يصح ايمان مؤمن حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلم وهذه الآية فيها احتراز واستثناء لانه لما ذم بني اسرائيل اخبر ان فيهم مؤمنين ثم ذكر النصارى والصابئين ليكون الحكم عاما والقاعدة مطردة في كل من آمن وعمل صالحاً وبيّن أن اجرهم عند ربهم وهي الجنات ولا يلحقهم خوف من عقاب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فرح
عضو مميز
عضو مميز
فرح


نقاط : 1386

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني   التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Emptyالأربعاء أبريل 29, 2009 5:47 am

الشيخ عائض القرني

63- (وإذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ ورَفَعْنَا فَوْْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) واذكروا يا بني إسرائيل أخذنا عليكم العهد الثقيل بطاعتنا واتباع رسولنا، وأكدنا ذلك برفع جبل الطور فأصبح كالسحابة فوق رؤوسكم حتى تخافوا وترهبوا، وأمرنا بالجد والاجتهاد في أخذ التوراة والصبر على تعاليمها والعمل بأوامرها واجتناب نواهيها، مع تدارس هذا الكتاب وتذكره وتدبره ودوام تلاوته، ليبقى حاضراً معكم، لأن الإهمال طريق النسيان، ولأن في لزوم قراءته ما يدعو لتقوى الله بما يحب واجتناب ما يكره، وهذا هو المقصود من المدارسة للكتاب لا مجرد التلاوة بلا عمل. فالقوة في أخذ الكتاب تقتضي حسن التلقي، وصحة العمل، فلا كسل في الأخذ، ولا وهن في التنفيذ.

64- (ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الخَاسِرِينَ)

وبعد هذه الآيات والحجج والبينات أعرضتم عن الهداية واخترتم الغواية، فلولا أن الله تفضل عليكم بالإمهال والتوبة ولم يعاجلكم بالعقوبة لحل بكم الهلاك، فلا ناصر يدفع، ولا ولياً يشفع، وفضل الله يشمل الإحسان للمحسن، ورحمته تعم التجاوز عن المسيء.

65- (ولَقَدْ عَلِمْتُمُ الَذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)

ولقد عرفتم قصة أصحاب القرية حاضرة البحر الذين خالفوا حرمة يوم السبت، فصادوا فيه فعاقبناهم بتغيير صورهم إلى قرود ذليلة قبيحة حقيرة، فمن بدّل النص والسورة عوقب بتبديل الشكل والصورة، كما في الحديث: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله صورته صورة حمار). والجامع بينهم وبين القرود الهوان والذلة وقبح الصورة.

66- (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا ومَا خَلْفَهَا ومَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ)

فجعلنا هذه العقوبة التي حلت بهم عظة وعبرة لمن شاهدها، وسمع بها في عصرهم، ولمن نقلت إليهم ممن يأتي بعدهم إلى قيام الساعة، ليرتدع العاصي، ويحذر المتقي، وتقوم الحجة، وتظهر نقمة العظيم بأعدائه، والسعيد من وُعظ بغيره، ومصائب قوم عند قوم فوائد، وذكرت هذه الآيات لهذه الأمة لتأخذ الحيطة و الحذر من مخالفة أمر الملك الحق، ولكن لا ينتفع بهذه الآيات إلى المتقي، لتمام بصيرته وكمال إيمانه وحسن تدبره.

67- (وإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ) واذكروا حين قال لكم موسى إذا قتلتم قتيلاً منكم ثم اختلفتم فيمن قتله، وكادت تقع بينكم فتنة، فأمركم بذبح بقرة وأخذ عضو من أعضائها وضرب المقتول به ليخبر من قتله، لكنكم ما بادرتم لامتثال أمر موسى بل تلكأتم وترددتم وتشددتم في السؤال فشدد الله عليكم في أوصاف البقرة، ولو أنكم بادرتم إلى أيَّة بقرة فذبحتموها لاستقام الحال وحصل الامتثال. فلما أمرهم موسى بذبح البقرة ظنّوها سخرية منه، فقالوا: نسألك عن القاتل، فتقول: اذبحوا بقرة؟! ومعاذ الله أن يهزل رسول الله في أوامر الله، فكلام الرسل جدٌّ ليس بالهزل


التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

، بل حق وصدق وفصل، ولهذا تعوّذ موسى من الجهل الذي منه الاستهزاء بالناس، والسخرية بعباد الله. والتكلم بكلام لا فائدة فيه، واللعب بأمر الله، والمزاح في شرعه سبحانه.

فمن مزح بالحق فقد جهل، ومن استهزأ بالناس فقد خسر.

68- (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ ولا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ)

فلما علموا صدق موسى أخذوا يطلبون أوصاف البقرة تعجيزاً وتردداً، فقالوا: يا موسى، اسأل ربك يخبرنا ما سنّها؟! أكبيرة هي أم صغيرة؟ فقال موسى: ربي يقول: إنها وسط ليست بالفارض وهي الكبيرة، ولا بالبكر وهي الصغيرة، بل هي بينهما،وذلك الأقوى والأحسن والأكمل نمواً، فهيا بادروا إلى الأمر واتركوا التشدد والتعنت فمن سأل عم سُكت عنه ساءه ما صدر منه.

69- (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)

فلما سألوا عن السن وأجيبوا، سألوا عن اللون، فقال لهم موسى: إن ربي يقول: إنها صفراء شديدة الصفرة، وهي أحسن ألوان الدواب التي تبهج العين حسناً وتسر النفس مشاهدة، وقيل في الصفراء إنها السوداء شديدة السواد، ولكن نبقى على ظاهرة القرآن.

70- (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وإنَّا إن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ)

وما زال اللبس عندهم بعد هذا البيان، فقالوا: ادع لنا يا موسى ربك يبين لنا شأن هذه البقرة وإنا بعد ذلك لمهتدون بمشيئة الله، ولو لم يقولوا: إن شاءالله ما اهتدوا.

71- (قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ ولا تَسْقِي الحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا ومَا كَادُوا يَفْعَلُونَ)

فقال لهم موسى إنا ليست مذللة للعمل، ولا مسخرة للخدمة، ولا يُحرث عليها، ولا يُسقى عليها، سالمة من العيوب كالعرج والعور والمرض، أو سالمة من العمل، ولونها لون واحد لا لون فيها غير الصفرة، وبعد هذا التشدد منهم شدد الله عليهم، فقالوا لموسى بعد هذه الأوصاف: عرفنا البقرة الموصوفة، فذبحوها بعد عنت ومشقة.

72- (وإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا واللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)

وقد قتل أناس منكم نفساً معصومة، واختلفتم فيمن قتلها والقاتل جاحد والشاهد كاتم، فجعل الله علامة بينت الحق، وهي أن الله أمركم بذبح البقرة، ثم أخذ عضو منها وضرب المقتول به، فأحياه الله وأخبر بمن قتله، فأخرج الله البينة التي أخفاها القاتل وكتمها الشاهد.

73- (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتَى ويُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)

فلما أمرناكم بضرب المقتول بعضو من أعضاء البقرة أحيينا المقتول بإذن الله ليتحدث بنفسه ويخبر عمن قتله، وتكون لكم أية على قدرة –الله تعالى- في الإحياء لعلكم تراجعون عقولكم، لأنكم بعد هذه الآيات والحجة ضللتم في المحجة.

التفسير الميسر

الشيخ عائض القرني

34- (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)

فلما ظهر للملائكة فضل آدم عليهم بالعلم أمرهم سبحانه بالسجود إكراماً له لما ميزه الله عليهم بعلم الأسماء، لأنه لا يوجد أفضل من صفة العلم، فامتثلوا أمر ربهم وسجدوا له، لأنه يجب على المفضول احترام الفاضل اعترافاً وإكراماً، ولكن إبليس لكبره وشقاقه امتنع عن السجود، وعرض الأمر بالقياس، وضرب الأمثال كبراً وعتواً، فأذله الله واخزاه وطرده ولعنه، وهذا شأن أتباعه من أهل الكبر لا يذعنون للحق، فمرض الشبهة أعظم من داء الشهوة، فالأول مرض إبليس، ولذلك طرد، والثاني أصاب آدم لما أكل من الشجرة، لكنه تاب فتاب الله عليه، فالواجب على العبد المبادرة عند الأمر وترك التسويف والاعتراض، وهذا السجود لآدم سجود تحية وتعظيم، لا سجود عبادة الذي لا يصح الا لله.

35- (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)

ثم امر الله آدم ان يسكن الجنة مع زوجه في أمن وأمان وخير ورضوان، في عيش هنيء لا كدح فيه ولا مشقة، بل فيه ألوان من النعيم وصنوف من اللذائذ وأنواع من الثمار، مما تشتهيه الأنفس، ويسر النظر، ويشرح البال، ونهاهم تعالى عن أكل نوع من الشجر ابتلاء منه لهما وامتحاناً ليظهر صبرهما وجهادهما للنفس، وحذرهما من مغبة ارتكاب المنهي، فان من فعل ذلك بعد البيان فقد ظلم نفسه، وعصى ربه.

36- (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)

فاجتهد الشيطان في ابعادهما عن الجنة حسداً لهما، وسوّل لهما ولبّس عليهما فوقعا في فخه المنصوب، وهذه بداية الصراع العالمي بينه وبين عباد الله إلى يوم الدين، فلما ارتكبا المحظور، حرما من الحبور والسرور، وهذا جزاء من عصى فانه يحرم بسبب معصيته من مقامات الأمن والرعاية بحسب معصيته، فيا شؤم المعصية، ويا سوء عاقبتها، ثم أمر الله آدم وحواء والشيطان بالنزول إلى الأرض، وجعل بينهم العداوة الأبدية لتتم سنة الابتلاء والمدافعة والمجاهرة، وجعل الأرض لبني آدم داراً للعيش والسكنى والتمتع مدة معلومة من الزمن حتى يأذن الله لقيام الساعة ونهاية العالم، فالمستقر سكن ووطن، والمتاع غذاء وماء فلا بقاء للدنيا، ولا لأهلها، وإنما سوف يعودون لإحدى الدارين دار آدم الجنة، ودار إبليس النار.

37- (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)

من رحمة الله ولطفه بآدم وذريته ان علّمه كلمات يستوجب بها الرحمة والغفران، وهي كلمات الاعتراف بالذنب وإعلان التوبة وطلب العفو، وفي هذا فضل الاستغفار، وان الذنب قد تكون فيه مصالح عظيمة للعبد إذا تاب وأناب من الانكسار والندم والاجتهاد في الطاعة والبكاء والخوف والتواضع لعباد الله.

38- (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)

ولما أمرهم -سبحانه- بالنزول إلى الأرض من الجنة بين لهم انه لن يتركهم هملاً، بل سوف يرسل اليهم رسلاً، وينزل اليهم كتباً، من آمن بالله واتبع رسله واهتدى بهداه فله الامن من الله، فلا يخاف مما يستقبله، لان الله حافظه وكافيه ولا يحزن على ما مضى، فالله يغفر له ويتجاوز عنه، والسعادة مبنية على أصلين: لا خوف، ولا حزن.

كانت هذه مختارات من هذا التفسير للشيخ القرني

منقول للأفادة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
هبة الله
الادارة
الادارة
هبة الله


نقاط : 13559

التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Empty
مُساهمةموضوع: رد: التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني   التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني Emptyالأربعاء أبريل 29, 2009 11:22 am

جزاك الله عنا خيرا ورزظقك من الحسنات من حيث لا تحتسب اضعافا مضاعفة
وبارك الله فيك وزادك من كل خير واعانك على طاعته في كل وقت وحين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التفسير الميسر - الشيخ عايض القرني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» طرق تناول التفسير الموضوعي
» الجدول الميسر للمواريث
» مكتبة الشيخ صالح آل الشيخ - الاصدار الأول
» محاضرات صوتية _ للشيخ عائض القرني
» ابن كثير ومنهجه في التفسير

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات امل الزاوية :: المنتدى الاسلامي :: القرآن الكريم و التفسير-
انتقل الى: