رحلة الحج والعمرة هي الرحلة الإيمانية التربوية التي تربطك بذكريات إيمانية عميقة، فهي تذكرك بتاريخ آبائك وأجدادك وأنبيائك السابقين آدم و إبراهيم وإسماعيل ومحمد عليهم جميعا صلوات ربي وسلامه وتحلق بروحك معهم، وتتمنى اللحاق بهم والحشر معهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، فيرتبط قلبك بحب تقليدهم وتتحمس نفسك لدراسة قصصهم، فإذا أقبلت على الحج و العمرة بهمة عالية وإخلاص وتوبة: تنال مغفرة الذنوب ومحو السيئات، وتحصل على مزيد من الحسنات، وتنال رفع الدرجات، وبذلك تُمنح جرعة إيمانية عالية تجعلك تعود زاهداً في الدنيا راغبا فيما عند الله تعالى.
إنَّ للحج آدابًا عظيمة، وأخلاقًا قويمة، يحسن بالحاج أنْ يقف عليها، ويجمل به أن يأخذ بها؛ ليكون حجه كاملاً ومبرورًا، وسعيه مقبولاً مشكورًا، ويعود من حجه مولودا جديدا.
وسنبين هنا الواجبات الأساسية التي ينبغي مراعاتها قبل وأثناء الحج:
أولا: الأمور المهمة التي ينبغي لمن سافر للحج (أو العمرة) أن يعتني بها:
1. الإخلاص:إخلاص النية لله، فلا يبتغي بعمله هذا السمعة والرياء بل يريد به وجه الله والدار الآخرة، حتى يكون مقبولا بنية صالحة وهذا الشرط الأول لقبول العمل وذلك: بأن ينوي التقرب إلى الله عز وجل في جميع أحواله؛ لتكون أقواله وأفعاله ونفقاته مقربة له إلى الله سبحانه وتعالى، تزيد في حسناته، وتكفّر سيئاته، وترفع درجاته، والشرط الثاني أن يكون العمل موافقا لهدي سيد الأنام نبينا محمد رسول أو لشريعة الإسلام، قال الله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف: 110.
2. الحج بالمال الحلال: وذلك بإعداد النفقة الطيبة من الكسب الحلال؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون 51 وَقَالَ تعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)البقرة172 ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " رواه مسلم.
فكما أن الرسل مأمورون بأكل الطيب الحلال فإن المؤمنين مأمورون بذلك كما هم مأمورون بالعمل الصالح. ولا يبخل الحاج في الإنفاق على مصروفات رحلة الحج فالدرهم الذي ينفقه الحاج بسبعمائة درهم كما قال الله رسول الله صلى الله عليه وسلم:" النفقة في الحج كالجهاد في سبيل الله تعالى، الدرهم بسبعمائة ضعف" حديث صحيح رواه الطبراني.
3. الحرص على الرفقة الصالحة: فينبغي على الجميع الحرص على مصاحبة الأخيار ومجالسة الصالحين الذين يتناصحون فيما بينهم ويتخلقون بالأخلاق الحسنة في السفر والحضر، كالصبر والحلم والتحمل والتواضع والكرم، إضافة إلى الوفاء، والأمانة، والصدق والبذل والثناء، فالجليس الصالح يدلك على الخير وينهاك عن الشر، ويعينك ويقضى حاجتك ويحقق واجبات الأخوة ويراعي حقوقها و آدابها.ولنتذكر قوله تعالى
الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) الزخرف:67 وقوله
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً. لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي) الفرقان:27- 29، ولنتذكر حديث رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « مَثَلُ الجليس الصَّالِح و الجَليس السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ، وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أَوْ ثَوْبَكَ أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحاً خَبِيثَةً » متفق عليه.
4. احترام النظام: فليحرص الحجاج على تعيين رئيس من بينهم ينظم أمورهم وينصحهم، ويوجههم، ويشاورهم في أمورهم، ويرفق بهم، ويساعد ضعيفهم، ويعين محتاجهم، وهكذا يعملنا الإسلام، فهو دين النظام والتخطيط، وبهذا يأمرنا رسول الأنام صلى الله عليه وسلم، فإذا كان الحجاج جماعة فعليهم أن يؤمروا أميرًا، وأن يكون ذا خبرة وسداد رأي، وعليهم أن يلتزموا بطاعته في غير معصية الله، وليحذروا من الاختلاف عليه، ويعتبروا رأيه برأيين عند المشورة لحسم الخلاف، وله أن يختار فريقا للعمل والتشاور معه والهدف من هذا الترتيب هو تنظيم خدمة الحجاج وإعانتهم، وتوفير الراحة لهم، مع ملاحظة أن الشورى ليست للجميع، ولا في كل الأمور، ورأي الأمير أو المسؤول يرفع الخلاف وينهي النزاع، حتى لا يكثر الجدال في الحج وهو من الأمور المنهي عنها كما قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة:197.