السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
منهـج إعـداد المـرأة
مسألة إعداد المرأة كزوجة وأُم :
لا شكّ أنّ دور المرأة كزوجة وأُم دور مقدّس وهام في الحياة وتكوّن المجتمع الانساني ،
فإنّ «الله سبحانه وتعالى خلق النساء وجهّزهنّ بما يوجب أن يسكن إليهنّ الرجال ،
وجعل بينهم مودّة ورحمة ، فاجتذبن الرجال بالجمال ، والدّلال ، والمودّة ، والرّحمة ،
فالنساء هنّ الركن الأوّل والعامل الجوهري للإجتماع الإنساني»() .
ولأهميّة هذا الدور وخطورته وعظمته كانت «الجنّة تحت أقدام الاُمّهات» ،
وذلك لحجم التضحيات التي تقدمها المرأة الاُم ، ولأنّ الانسان ينشأ في حضنها ويتشرب بروحها .
لذا فإنّ المرأة أُعِدّت تكوينياً لأداء هذا الدور الهام وجُهِّزت فسيولوجيا للقيام بهذه المسؤولية الخطيرة ،
ولحكمة إلهية تحفظ استمرار النوع البشري ووجوده المبارك على الأرض ،
فقد كانت فترة الحمل والاُمومة تمثِّل مرحلة من مراحل تكامل المرأة ،
كما يقول (كاريل) : «يبدو أنّ النساء ، من بين الثدييات ،
هنّ فقط اللاّئي يصلن إلى نموّهنّ الكامل بعد حمل أو إثنين ..
كما إنّ النساء اللاّئي لم يلدن لسن متّزنات توازناً كاملاً كالوالدات ،
فضلاً عن أنّهنّ يصبحن أكثر عصبية فهنّ ...
صفوة القول أنّ وجود الجنين الذي تختلف أنسجته اختلافاً كبيراً عن أنسجة الاُم بسبب صغرها ،
ولأ نّها جزيئاً من أنسجة زوجها تحدث أثراً كبيراً في المرأة ...
إنّ هذه الوظيفة ـ الحمل ـ لازمة لاكتمال نموّ المرأة ...
ومن ثمّ فمن سخف الرأي أن نجعل المرأة تتنكّر للاُمومة»() .
ولا شكّ بأنّ هذه الوظيفة المقدّسة والأساسية تتطلّب أن تولى العناية والاهتمام في برامج إعداد المرأة وخطط التربية للبنات ، إلاّ أ نّه يجب أن يعلم أيضاً أنّ «النساء شقائق الرجال» كما جاء في الحديث الشريف، والمرأة إنسان متكامل له دوره الاجتماعي العام وحياته الفردية الخاصّة به، بحسب ظروفه الشخصية والاجتماعية ، فإنّ من الخطأ أن تركّز برامج التربية على أساس تهيئة المرأة لتكون زوجة واُمّاً دون الإلتفات بشكل أساس إلى إعداد المرأة لتكون «إنساناً» متكاملاً وسوياً ورشيداً لينهض بشؤونه الفردية ويقوم بتكاليفه الاجتماعية على أحسن وجه .
فإنّ مهام الزوجية والاُمومة ـ على رفعتهما وقدسيتهما وأهمّيتهما ـ
تمثِّل جزءاً من حياة المرأة ودوراً من أدوارها الشامخة التي تؤدِّيها لا كل حياتها ولا جميع أدوارها .
فالمرأة مرأة قبل أن تكون زوجة واُمّاً وبعد ما تكون زوجة واُمّاً .
وقد تكون نساء كثيرات ولسبب أو آخر لم ولا يتزوجن وبالتالي لايعني ذلك إلغاء دورهنّ العظيم في الحياة الانسانية ولا ينقص ذلك من قيمتهنّ ولا يعيق نهضتهنّ وحركتهنّ باتّجاه التسامي والعلو والرفعة في الحياة الدنيا وكذا الآخرة .
كما إنّ كثيراً من الزوجات أيضاً لا يرزقن بأولاد ولا يعني ذلك أيضاً نقصاً في أنفسهنّ أو إعاقة لدورهنّ أو تأخراً في مسيرتهنّ ، إذ لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها ، وإذا كنّ قد حرمن من رزق معيّن فقد يجعل الله فيهنّ خـيراً كثيراً ويرزقهنّ أشياء اُخرى لا توفق لها نساء كثيرات ممّن رزقهنّ الله الولد() .
على أنّ مرحلة الاُمومة هي فترة مؤقتة من حياة المرأة الاُم قد تمتد من ولادة الطفل حتى بلوغه ورشده وهي لا تعني العمر كلّه .
ولماذا نركِّز على المرأة كزوجة واُم ولا نركِّز على تربية الذكور كأزواج وآباء ؟
ولا بدّ هنا أن نؤكِّد أنّ إعداد الأولاد ذكوراً وإناثاً لكي يكونوا أزواجاً موفقين وآباءً صالحين مسألة ، وهي ضرورية ومفيدة ، ومسألة التركيز والحصر الذي نوليه لدور المرأة في الزوجية والاُمومة مسألة اُخرى .
لأنّ هذا التوجه قد يخلق عند المرأة عقدة نفسية في حالة عدم زواجها أو عدم قدرتها على الإنجاب فيولد عندها الشعور بالنقص والحقارة يوهمها بالتخلّف عن ركب النساء ويؤدي إلى شقائها وتحجيم دورها في المجتمع ، وبذلك يخسر المجتمع طاقات مفيدة .
وعلى العكس من ذلك نجد في التاريخ أمثلة كثيرة لنساء لم يتزوجن أو لم يلدن وقدّمن خدمات جليلة وقمن بأدوار عظيمة لأ نّهنّ شعرن بقيمتهنّ الانسانية واستفدن من طاقاتهنّ الاُخرى المتنوعة والمتعددة .
والإشكال الثاني الذي يواجهه هذا النوع من الاعداد الاُنثوي ـ الخاص ـ هو أنّ المرأة يتطلب منها ـ خصوصاً في الحياة المعاصرة ـ مواجهة المشاكل المختلفة وخوض تجارب الحياة في الدراسة والعمل ...
وحتى الزواج وتكوين الاُسرة وتربية الأبناء ، يتطلب منها كل ذلك شجاعة وشهامة وعلماً وخبرة حياتية ، تتغلب بها على مشاكل الحياة وتواجه بها العقبات وحتى المزاحمات ، بموقف شجاع وردّ فعل جريء ، دون أي شعور بالضعف والانسحابية والانطوائية التي ربيت عليها النساء في السابق ، واللاّتي ربين ليبقين في البيوت بعيداً عن أيّة مواجهة أو احتكاك مع المجتمع .