بسم الله الرحمن الرحيم قد مرت أكثر من مئة عام على ولادة المفكّر مالك بن نبي (1905- 1973م)، الذي يعدّ واحداً من أعلام الفكر الإسلامي الذين حجب فكرهم عن الناس عدم اهتمام الدارسين بهم، فقد أمضى أكثر من ثلاثين عاماً متأملاً يحلّل ويضع شروط النهضة للمجتمع الإسلامي.
ولد مالك بن نبي عام 1905 في قسنطينة في شرق الجزائر وكانت مراحل دراسته الابتدائية والثانوية بين مدينتي (تِبِسّة) و (قسنطينة).
سافر عام 1925 إلى مرسيليا وليون وباريس بحثاً عن عمل ولكن دون جدوى، فعاد إلى الجزائر حيث عمل في تِبسَّة مساعد كاتب في المحكمة. وأتاح له عمله هذا الاحتكاك بمختلف شرائح المجتمع أيام الاستعمار مما ساعد على تفسير ظواهر مختلفة فيما بعد.
وفي عام 1928 تعرّف مالك بن نبي على الشيخ عبد الحميد بن باديس (1887- 1940م)، وعرف قيمته الإصلاحية. ثم سافر مرّة ثانية إلى فرنسا عام 1930، حيث سعى للدخول إلى معهد الدراسات الشرقية، ولكنه لم ينجح في الدخول، وسُمح له بدخول معهد اللاسلكي وتخرّج فيها مهندساً كهربائياً، بقي في باريس من عام 1939 إلى 1956، ثم ذهب إلى القاهرة للمشاركة في الثورة الجزائرية من هناك، انتقل إلى الجزائر عام 1963– بعد الاستقلال– حيث عيّن مديراً للتعليم العالي ولكنه استقال من منصبه عام 1967 وانقطع للعمل الفكري وتنظيم ندوات فكرية كان يحضرها الطلبة من مختلف المشارب كانت النواة لملتقى الفكر الإسلامي الذي يُعقد كل عام في الجزائر، وظل مالك بن نبي يُنير الطريق أمام العالم الإسلامي بفكره إلى أن توفى في 31 أكتوبر عام 1973.
أما آثاره الفكرية، فيمكن القول أنه لم يكف عن التأليف منذ سنة 1946 حيث ألَّف أول كتاب له وهو (الظاهرة القرآنية)، وتلاه برواية (لبَّيك) 1947 وهي رواية فلسفية، ثم (شروط النهضة) 1948 ؛ (وجهة العالم الإسلامي) ؛ (الفكرة الأفروآسيوية) 1956 ؛ (مشكلة الثقافة) 1959 ؛ (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) 1960 وهو أول كتاب كتبه مالك بن نبي بالعربية مباشرة بخلاف معظم كتبه التي ألّفها بالفرنسية.
وفي عام 1960 كتب أيضاً كتابه (فكرة كومنولث إسلامي) ؛ (ميلاد مجتمع) 1962 ؛ (إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي) 1969؛ (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي) ؛ (مذكرات شاهد القرن) 1970؛ (المسلم في عالم الاقتصاد)، ونشر له بعد وفاته كتب (دور المسلم ورسالته في القرن العشرين) 1977؛ (بين الرشاد والتيه) 1978، ولمالك بن نبي آثار فكرية لم تطبع وهي في صورة مخطوطات مثل: (دولة مجتمع إسلامي)؛ (العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها)؛ (مجالس تفكير) وغيرها.
فكيف لنا أن لانعرف هذا الرجل العظيم الذي أبدع في طرح أفكاره الفلسفية بشكل وحلة إسلامية ،ألا يجدر بنا أن نغوص قليلا في بحر عطائه كي نصطاد بعضا من أفكاره التي ولا شك أنها تجربة حياة مبدع راحل تاركا خلفه أسس حضارة راقية لمن أراد فهم معانيها........
رحم الله مفكرنا وأسكنه فسيح جنانه