هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: تحذير من الفتن السبت مارس 28, 2009 12:54 pm | |
| عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالأعمال الصالحة ستكون فتناً، وفي رواية “إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويُمسي كافراً أو يمسي مؤمنا ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الترمذي
وقانا الله وإياك يا أخي المسلم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وفي هذا الهدي النبوي الشريف صفحة من صفحات الجمال الفني في روعة العرض وسمو التصوير والتشبيه، فإن الانسان يحس بالبلاء الذي ينزل والفتن التي تحيط به، وكأنها ملموسة محسوسة تلاحقه كما يلاحق الظلام غسق الليل وتلازمه كما يلازم الهلع قلب الجبان. إن كل انسان يفزع وهو يرى ذلك المنظر المخيف وتلك الصورة الرهيبة التي تملك عليه شعوره وإحساسه صورة الفتن تتلاحق كتلاحق الجيوش يطارد بعضها بعضا، وتشتد هذه الفتن كاشتداد الظلام يبدأ رويدا رويدا ثم لا يزال يشتد ويشتد حتى يعم أرجاء الكون ويصبح ظلاماً دامساً لا يرى فيه الإنسان ما حوله “إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور”.
وإن الناظر ليلمس خطر هذه الفتن العصيبة والمحن المريرة في الانقلاب العظيم الذي تحدثه في نفوس البشر إذ ينقلب الإنسان ما بين عشية وضُحاها من الإيمان إلى الكفر ويعود من الهدى إلى الضلال، وينتقل من النور إلى الظلام فيصاب بأعظم نكسة وأفدح مصيبة، وهل هنالك من مصيبة تعدل المصيبة في الدين والإيمان؟ وهل هناك من خسارة توازي هذه الخسارة؟ إنها المادية الطاغية التي حدثنا عنها الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، إنها فتنة المادة التي تجرف في تيارها أصحاب النفوس المريضة الذين عاشوا لبطونهم وشهواتهم ممن آثروا الحياة الدنيا على الآخرة فخدعوا ببريقها واغتروا بحطامها حتى باعوا أقدس شيء لديهم ألا وهو الإيمان بأتفه شيء ألا وهو الحطام “أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهُدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين”.
إنه طغيان المادة الذي يطغى على القيم الروحية والخلقية والدينية فيجعل الفرد لا يفكر إلا في المادة ولا يعيش إلا من أجلها فهل بعد هذا الانتكاس من انتكاس؟
“ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”.
وفي قوله “بين يدي الساعة” استعارة مكنية، فقد شبه الساعة برجل وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو اليد على سبيل الاستعارة المكنية بجامع القرب بين كل منهما فاليد قريبة من الرجل والفتن قريبة من الساعة.
وهذا الحديث النبوي الشريف من نبوءاته صلى الله عليه وسلم والتشبيه الوارد أفاد الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة في قوله “بادروا بالأعمال الصالحة” قبل تعذرها بما يحدث من الفتن وهو، صلى الله عليه وسلم، اختار التعبير في المشبه به بقطع الليل المظلم ليدل بهذا على مدى تراكم الفتن وشدتها وخطورتها على المسلمين فهي فتن تعمي الناس وتجعلهم كأنهم يعيشون في ظلام دامس لا يعرفون كيف يتحركون ولا أين يذهبون؟
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “كقطع الليل المظلم” دون قوله كالليل المظلم يدل على أن هذا الظلام متكاثف بعضه فوق بعض فهو قطع متراكبة لا يجلوها قليل من العمل الصالح مثلما لا يجلو قطع الليل المظلم بصيص نور وشعاع ضوء، بل هي فتن إذا أخرج يده لم يكد يراها تحتاج إلى اعمال صالحة كثيرة تبدد تلك الفتن. وفي هذا دلالة على أن الأعمال الصالحة في فتن الحياة كالمصابيح في قطع الظلام الهالك، ولذلك جاء بعد المشبه به بوصف المشبه فتناً فقال “يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً” وفي هذا كشف لمبلغ ما يكون لهذه الفتن من تأثير في حركة الحياة واستقرارها، فتن لا تبقى من كذا شيء وهو تشبيه مرسل مفصل لأن اداة التشبيه مذكورة فيه، ومفصل لأن وجه الشبه وهو الظلمة قد ذكر فيه وقد تمت فيه الأركان.
والنبي صلى الله عليه وسلم بدأ الحديث بهذا الأمر “بادروا” والأمر من أساليب الإنشاء ففي اختيار قوله بادروا دلالة على أن العاقل لا بد أن يعد نفسه قبل دخول الفتنة، وأن الفتنة قد تُلهي عن العمل الصالح حين تأتي، فليكن لك من عملك الصالح ما تستقبل به الفتن فتبددها كمن يعد العدة.
| |
|