بيعة العقبة الأولى

عن الصحابي الجليل عبادة بن الصامت الانصاري رضي الله عنه، ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “بايعوني على ان لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرفوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا اولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين ايديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن اصاب في ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن اصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو الى الله ان شاء عفا عنه، وان شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك”، اخرجه البخاري والنسائي والبيهقي والدرامي والطبراني والحاكم.

في هذا الحديث النبوي الشريف صيغة للبيعة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع الانصار في بيعة العقبة الاولى، وهذه البيعة بيعة النساء المشهورة الواردة في سورة الممتحنة، فيقول سبحانه وتعالى: “يا أيها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ان لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن، ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم”. الآية 12.

ويخاطب رسولنا الاكرم صلى الله عليه وسلم نفرا من الانصار ويطلب منهم ان يبايعوه ويعاهدوه على عدة امور، وهي:

1- الايمان بالله وحده وعدم الاشراك به وهذا الامر يمثل القاعدة الاساسية في الاسلام، فالتوحيد هو الاصل في هذا الدين العظيم، وقد وردت مئات الآيات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة التي تحض على الايمان بالله وحده، وتنهى عن الشرك بالله عز وجل.

2- تحريم السرقة: وتعد السرقة من الكبائر، وان وقوع السرقات في المجتمع يؤدي الى اضطرابات في الامن، والذعر والخوف لدى المواطنين فالمجتمع الصالح السليم يكون خاليا من جرائم السرقة، ويشيع فيه التكافل الاجتماعي والانتعاش الاقتصادي، وان العقوبة الرادعة في الاسلام بحق السارق قد جعلت المجتمع نظيفا مستقرا آمنا مطمئنا، وان السجون لا تردع المجرمين بل يزداد عددهم ويتفننون بتنوع اساليب السرقة.

3- تحريم جريمة الزنا: يعدّ القرآن الكريم جريمة الزنا فاحشة لشدة تحريمها، وان الاسلام حريص على الاعراض وحفظ النسل، وان منع وقوع الزنا يأتي من تقوية الايمان الاسلامي العظيم ويسعى الى نظافة المجتمع من فاحشة الزنا كما يسعى الى نظافة المجتمع من جريمة السرقة.

4- تحريم قتل الاولاد: لا يجوز شرعا قتل الاولاد لأي سبب من الاسباب حتى لا يجوز الاجهاض الذي هو قتل الجنين في بطن امه، والله سبحانه وتعالى يقول:.. ولا تقتلوا اولادكم من املاق نحن نرزقكم واياهم..” سورة الانعام الآية ،151 فالله عز وجل تكفل برزق الآباء والاولاد. ويقول في الآية الثانية “ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق، نحن نرزقهم واياكم..” (خشية املاق) التخوف من وقوع الفقر. فالله سبحانه وتعالى قد تكفل برزق الاولاد والاباء، ففي الآية الاولى قدم ذكر الآباء على الاولاد، في حين قدم ذكر الاولاد على الاباء في الآية الثانية. اما الحكمة من ذلك فان الفقر في الآية الاولى قد حصل ووقع وبالتالي فان الله يطمئن الاباء بانه سيرزقهم ويرزق الاولاد، اما في الآية الثانية فان الفقر غير واقع وانما يتوقع الاباء حصوله، فالله عز وجل يطمئن الاباء بانه سيرزق الاولاد ويرزق الاباء. وعلى كل الاحوال فإنه لا يجوز شرعا للآباء قتل الاولاد حتى الاجنة في بطون الامهات، وحينما نذكر الأولاد فإنهم يشملون البنات ايضا من الناحية اللغوية والخطابية، وبالإضافة الى ذلك يقول سبحانه وتعالى: “وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت” سورة التكوير الآيتان 8 و9.

5- وفي هذا الحديث الشريف نهي عن الادعاء ببنوة الاطفال الذين ليسوا من صلبهم، وفي الوقت الذي حرم الاسلام التبني بقوله عز وجل “ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانكم في الدين ومواليكم” سورة الاحزاب الآية 5. وبقوله سبحانه وتعالى: “فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم..” سورة الاحزاب الآية 37.

فان ديننا الاسلامي العظيم قد شرع الكفالة والرعاية وحث عليهما في كثير من الايات الكريمة والاحاديث النبوية الشريفة فيقول سبحانه وتعالى: “ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا”. سورة الانسان (الدهر) الآية 8.

ويقول صلى الله عليه وسلم ايضا( الساعي على الارملة والمسكين كالساعي في سبيل الله”. متفق عليه عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه.

6- النهي عن الامتناع عن تأدية المعروف بمعنى ان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث اصحابه على عمل المعروف والتزام الحسنات واجتناب المعاصي والموبقات. وهذا الامر واسع في الشريعة الاسلامية لان طاعة الله عز وجل تشمل مناحي الحياة كلها في التقيد باحكام الشريعة السمحاء.