| تأويل سورة آل عمران | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:49 pm | |
| تأويل سورة آل عمران بسم الله الرحمن الرحيم ربِّ يَسِّر
القول في تأويل قوله : الم ( 1 ) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ قال أبو جعفر رحمه الله
: قد أتينا على البيان عن معنى قوله: « الم » فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وكذلك البيان عن قوله: « الله » .
وأما معنى قوله: « لا اله إلا هو » ، فإنه خبرٌ من الله جل وعز، أخبرَ عبادَه أن الألوهية خاصةٌ به
دون ما سواه من الآلهة والأنداد، وأن العبادة لا تصلحُ ولا تجوز إلا له لانفراده بالربوبية، وتوحُّده بالألوهية، وأن كل ما دونه فملكه، وأنّ كل ما سواه فخلقه، لا شريك له في سلطانه ومُلكه احتجاجًا منه تعالى ذكره عليهم بأن ذلك إذْ كان كذلك، فغيرُ جائزة لهم عبادةُ غيره، ولا إشراك أحد معه في سلطانه، إذ كان كلّ معبود سواه فملكه، وكل معظَّم غيرُه فخلقهُ، وعلى المملوك إفرادُ الطاعة لمالكه، وصرفُ خدمته إلى مولاه ورازقه ومعرِّفًا مَنْ كان مِنْ خَلقه يَوم أنـزل ذلك إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بتنـزيله ذلك إليه، وإرساله به إليهم على لسانه صلوات الله عليه وسلامه - مقيمًا على عبادة وثن أو صنم أو شمس أو قمر أو إنسي أو مَلَك أو غير ذلك من الأشياء التي كانت بنو آدم مقيمةً على عبادته وإلاهته - ومتَّخذَه دون مالكه وخالقه إلهًا وربًّا أنه مقيم على ضلالة، ومُنعدلٌ عن المحجة، وراكبٌ غير السبيل المستقيمة، بصرفه العبادة إلى غيره، ولا أحدَ له الألوهية غيره.
************************************************** ** قال أبو جعفر رحمه الله
: وقد ذُكر أن هذه السورة ابتدأ الله بتنـزيله فاتحتها بالذي ابتدأ به: من نفي « الألوهية » أن تكون لغيره، ووصفه نفسه بالذي وصَفها به في ابتدائها، احتجاجًا منه بذلك على طائفة من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نَجْرَان فحاجُّوه في عيسى صلوات الله عليه، وألحدوا في الله.
فأنـزل الله عز وجل في أمرهم وأمر عيسى من هذه السورة نيفًا وثمانين آية من أولها، احتجاجًا عليهم وعلى من كان على مثل مقالتهم، لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، فأبوا إلا المقام على ضلالتهم وكفرهم، فدعاهم إلى المباهلة، فأبوا ذلك، وسألوا قَبول الجزية منهم، فقبلها صلى الله عليه وسلم منهم، وانصرفوا إلى بلادهم. غير أن الأمر وإن كان كذلك، وإياهم قصد بالحِجاج، فإن من كان معناه من سائر الخلق معناهم في الكفر بالله، واتخاذ ما سوى الله ربًّا وإلهًا ومعبودًا، معمومون بالحجة التي حجّ الله تبارك وتعالى بها من نـزلت هذه الآيات فيه، ومحجوجون في الفُرْقان الذي فَرَق به لرسوله صلى الله عليه وسلم بينه وبينهم.
(((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((( ذكر الرواية قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران: ستون راكبًا، فيهم أربعة عشرَ رجلا من أشرافهم، في الأربعة عشر ثلاثةٌ نفر إليهم يؤول أمرُهم: « العاقب » أميرُ القوم وذو رأيهم وصاحبُ مشورتهم، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمهُ « عبد المسيح » و « السيد » ثِمالهم وصاحب رَحْلهم ومجتمعهم، واسمه « الأيهم » وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، أسقفُّهم وحَبْرهم وإمامهم وصاحبُ مِدْرَاسهم. وكان أبو حارثة قد شرُف فيهم ودَرَس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرفوه وموّلوه وأخدَموه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم.
| |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:50 pm | |
| : قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر، عليهم ثيابُ الحِبَرَات جُبب وأرْدية، في [ جمال رِجال ] بَلْحارث بن كعب قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: ما رأينا بعدهم وفدًا مثلهم! وقد حانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:دعوهم! فصلوا إلى المشرق. قال: وكانت تسمية الأربعة عشر منهم الذين يؤول إليهم أمرهم: « العاقب » ، وهو « عبد المسيح » ، والسيد، وهو « الأيهم » ، و « أبو حارثة بن علقمة » أخو بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونُبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله. ويُحَنَّس: في ستين راكبًا. فكلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم منهم: « أبو حارثة بن علقمة » ، و « العاقب » ، عبد المسيح، و « الأيهم » السيد، وهم من النصرانية على دين الملك، مع اختلاف من أمرهم. يقولون: « هو الله » ، ويقولون: « هو ولد الله » ، ويقولون: « هو ثالث ثلاثة » ، وكذلك قول النصرانية. فهم يحتجون في قولهم: « هو الله » ، بأنه كان يُحيي الموتى، ويبرئ الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيكون طائرًا، وذلك كله بإذن الله، ليجعله آية للناس. ويحتجون في قولهم: « إنه ولد الله » ، أنهم يقولون: « لم يكن له أب يُعلم، وقد تكلم في المهد، شيءٌ لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله » . ويحتجون في قولهم: « إنه ثالث ثلاثة » ، بقول الله عز وجل: « فعلنا، وأمَرنا، وخلقنا، وقضينا » . فيقولون: « لو كان واحدًا ما قال: إلا » فعلت، وأمرتُ وقضيتُ، وخلقت « ، ولكنه هو وعيسى ومريم » . ففي كل ذلك من قولهم قد نـزل القرآن، وذكر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فيه قولهم. فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما! قالا قد أسلمنا. قال: إنكما لم تسلما، فأسلما! قالا بَلى قد أسلمنا قَبلك! قال: كذبتما، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله عز وجل ولدًا، وعبادتكما الصليبَ، وأكلكما الخنـزير. قالا فمنْ أبوه يا محمد؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فلم يجبهما، فأنـزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله، صدرَ « سورة آل عمران » إلى بضع وثمانين آية منها.
فقال: « الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ » ، فافتتح السورة بتبرئته نفسَه تبارك وتعالى مما قالوا، وتوحيده إياها بالخلق والأمر، لا شريك له فيه رَدًّا عليهم ما ابتدعوا من الكفر، وجعلوا معه من الأنداد واحتجاجًا عليهم بقولهم في صاحبهم، ليعرّفهم بذلك ضلالتهم، فقال: « اللهُ لا إله إلا هو » ، أي: ليس معه شريك في أمره.
(((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((((
عن الربيع في قوله: « الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ » ، قال: إنّ النصارى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له: من أبوه؟ وقالوا على الله الكذبَ والبهتانَ، لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولدٌ إلا وهو يشبه أباه؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن ربَّنا حيّ لا يموت، وأنّ عيسى يأتي عليه الفناء؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن ربنا قَيِّمٌ على كل شيء يكلأهُ ويحفظه ويرزقه؟ قالوا: بلى! قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئًا؟ قالوا: لا! قال: أفلستم تعلمون أن الله عز وجل لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء؟ قالوا: بلى! قال: فهل يعلم عيسى من ذلك شيئًا إلا ما عُلِّم؟ قالوا: لا! قال: فإنّ ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء، فهل تعلمون ذلك؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يُحدِث الحدَث؟ قالوا: بلى! قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غُذِّي كما يغذّى الصبيّ، ثم كان يَطعم الطعام، ويشرب الشرابَ ويُحدث الحدَث؟ قالوا بلى! قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ قال: فعرفوا، ثم أبوا إلا جحودًا، فأنـزل الله عز وجل: « الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ » .
___________________________
يتبع | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:51 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ} * { مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ ٱلْفُرْقَانَ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ
[size=21]قال الطبري رحمه الله"يقول جلّ ثناؤه: يا مـحمد إن ربك وربّ عيسى ورب كل شيء، هو الرب الذي أنزل علـيك { الكِتَـابَ } يعنـي بـالكتاب: القرآن. { بالحَقّ } يعنـي بـالصدق فـيـما اختلف فـيه أهل التوراة والإنـجيـل، وفـيـما خالفك فـيه مـحاجوك من نصارى أهل نـجران، وسائر أهل الشرك غيرهم. { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } يعنـي بذلك القرآن، أنه مصدّق لـما كان قبله من كتب الله التـي أنزلها علـى أنبـيائه ورسله، ومـحقق ما جاءت به رسل الله من عنده، لأن منزل جميع ذلك واحد، فلا يكون فـيه اختلاف، ولو كان من عند غيره كان فـيه اختلاف كثـير.************************************* قال الطبري رحمه الله"
القول فـي تأويـل قوله تعالى: { وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ والإنجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى للنَّاسِ }.يعنـي بذلك جل ثناؤه: وأنزل التوراة علـى موسى، والإنـجيـل علـى عيسى. { مِن قَبْلُ } يقول: من قبل الكتاب الذي نزّله علـيك. ويعنـي بقوله: { هُدًى للنَّاسِ } بـيانا للناس من الله، فـيـما اختلفوا فـيه من توحيد الله وتصديق رسله، ومفـيداً يا مـحمد أنك نبـيـي ورسولـي، وفـي غير ذلك من شرائع دين الله.
********************************* قال الطبري رحمه الله"
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَأَنزَلَ الفُرْقَانَ }.
يعنـي جل ثناؤه بذلك: وأنزل الفصل بـين الـحقّ والبـاطل، فـيـما اختلفت فـيه الأحزاب وأهل الـملل فـي أمر عيسى وغيره. وقد بـينا فـيـما مضى أن الفُرقان إنـما هو الفُعلان من قولهم: فرق الله بـين الـحقّ والبـاطل يفصل بـينهما بنصره بـالـحق علـى البـاطل؛ إما بـالـحجة البـالغة، وإما بـالقهر والغلبة بـالأيدي والقوّة.وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل، غير أن بعضهم وجه تأويـله إلـى أنه فصل بـين الـحق والبـاطل فـي أمر عيسى، وبعضهم إلـى أنه فصل بـين الـحق والبـاطل فـي أحكام الشرائع.
وقد فضّل الطبري ما يلي "
أن يكون معنى الفرقان فـي هذا الـموضع: فصل الله بـين نبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم والذي حاجوه فـي أمر عيسى وفـي غير ذلك من أموره بـالـحجة البـالغة القاطعة عُذْرَهم وعُذْرَ نظرائهم من أهل الكفر بـالله.وإنـما قلنا هذا القول أولـى بـالصواب، لأن إخبـار الله عن تنزيـله القرآن قبل إخبـاره عن تنزيـله التوراة والإنـجيـل فـي هذه الآية قد مضى بقوله: { نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتَـابَ بالحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } ولا شك أن ذلك الكتاب هو القرآن لا غيره، فلا وجه لتكريره مرّة أخرى، إذ لا فـائدة فـي تكريره، لـيست فـي ذكره إياه وخبره عنه ابتداء.
| |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:53 pm | |
| قال الطبري رحمه الله"
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقام }.يعنـي بذلك جل ثناؤه: إن الذين جحدوا أعلام الله وأدلته علـى توحيده وألوهته، وأن عيسى عبد له واتـخذوا الـمسيح إلها وربـا، أو ادّعوه لله ولدا، { لَهُمْ عَذَابٌ } من الله { شَدِيدٌ } يوم القـيامة، والذين كفروا هم الذين جحدوا آيات الله. وآيات الله: أعلام الله وأدلته وحُججه.
***************** قال الطبري رحمه الله"
وهذا القول من الله عزّ وجلّ، يُنْبِىء عن معنى قوله: { وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ } أنه معنـيّ به الفصل الذي هو حجة لأهل الـحقّ علـى أهل البـاطل لأنه عقب ذلك بقوله: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ } يعنـي: أن الذين جحدوا ذلك الفصل والفرقان الذي أنزله فرقاً بـين الـمـحقّ والـمبطل، { لهمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } وعيد من الله لـمن عاند الـحقّ بعد وضوحه له، وخالف سبـيـل الهدى بعد قـيام الـحجة علـيه.
ثم أخبرهم أنه عزيز فـي سلطانه لا يـمنعه مانع مـمن أراد عذابه منهم، ولا يحول بـينه وبـينه حائل، ولا يستطيع أن يعانده فـيه أحد، وأنه ذو انتقام مـمن جحد حججه وأدلته، بعد ثبوتها علـيه، وبعد وضوحها له ومعرفته بها.
| |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:54 pm | |
| قال تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: إن الله لا يخفـى علـيه شيء وهو فـي الأرض ولا شيء وهو فـي السماء. يقول: فـيكف يخفـى علـيّ يا مـحمد، وأنا علام جميع الأشياء، ما يُضَاهَى به هؤلاء الذين يجادلونك فـي آيات الله من نصارى جران فـي عيسى ابن مريـم فـي مقالتهم التـي يقولونها فيه
************************************************** * قال تعالى "
هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }
يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: الله الذي يصوّركم فـيجعلكم صورا أشبـاحا فـي أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحبّ، فـيجعل هذا ذكراً وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر. يعرّف عبـاده بذلك أن جميع من اشتـملت علـيه أرحام النساء مـمن صوّره وخـلقه كيف شاء، وأن عيسى ابن مريـم مـمن صوّره فـي رحم أمه وخـلقه فـيها كيف شاء وأحبّ، وأنه لو كان إلهاً لـم يكن مـمن اشتـملت علـيه رحم أمه، لأن خلاّق ما فـي الأرحام لا تكون الأرحام علـيه مشتـملة، وإنـما تشتـمل علـى الـمخـلوقـين.
وقال آخرون فـي ذلك،ما يلي "
* عن قتادة قوله: { هُوَ الَّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } قادر والله ربنا أن يصوّر عبـاده فـي الأرحام كيف يشاء من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تام خـلقه وغير تام.
******************************
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ }.
وهذا القول تنزيه من الله تعالـى ذكره نفسه أن يكون له فـي ربوبـيته ندّ أو مثل أو أن تـجوز الألوهية لغيره، وتكذيب منه للذين قالوا فـي عيسى ما قالوا من وفد نـجران الذين قدموا علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر من كان علـى مثل الذي كانوا علـيه من قولهم فـي عيسى، ولـجميع من ادّعى مع الله معبوداً، أو أقرّ بربوبـية غيره.
{ هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }
ثم أخبر جل ثناؤه خـلقه بصفته وعيداً منه لـمن عبد غيره أو أشرك فـي عبـادته أحداً سواه، فقال: { هُوَ العَزِيزُ } الذي لا ينصر من أراد الانتقام منه أحد، ولا ينـجيه منه وأْلٌ ولا لَـجَأٌ، وذلك لعزّته التـي يذلّ لها كل مخـلوق، ويخضع لها كل موجود. ثم أعلـمهم أنه الـحكيـم فـي تدبـيره، وإعذاره إلـى خـلقه، ومتابعة حججه علـيهم، لـيهلك من هلك منهم عن بـينة، ويحيا من حيّ عن بـينة.
قال الطبري رحمه الله
القول في تأويل قوله : { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }
قال أبو جعفر
: يعني بقوله جل ثناؤه:"هو الذي أنزل عليك الكتاب"، إن الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هو الذي أنزل عليك الكتاب = يعني ب"الكتاب"، القرآن.
* * * __________
* * *
قال الطبري رحمه الله
وأما قوله:"منه آيات محكمات" فإنه يعني: من الكتاب آيات. يعني ب"الآيات" آيات القرآن.
وأما"المحكمات"، فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جُعلن أدلة عليه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وثواب وعقاب، وأمر وزجر، وخبر ومثل، وعظة وعِبر، وما أشبه ذلك.
* * *
قال الطبري رحمه الله
ثم وصف جل ثناؤه: هؤلاء"الآيات المحكمات"، بأنهن:"هُنّ أمّ الكتاب" . يعني بذلك: أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم.
* * *
وإنما سماهن"أمّ الكتاب"، لأنهن معظم الكتاب، وموضع مَفزَع أهله عند الحاجة إليه، وكذلك تفعل العرب، تسمي الجامعَ معظم الشيء"أمًّا" له. فتسمى راية القوم التي تجمعهم في العساكر:"أمّهم"، والمدبر معظم أمر القرية والبلدة:"أمها".
* * * | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:55 pm | |
| قال الطبري رحمه الله ووحَّد"أمّ الكتاب"، ولم يجمع فيقول: هن أمَّهات الكتاب، وقد قال:"هُنّ" = لأنه أراد جميع الآيات المحكمات"أم الكتاب"، لا أن كل آية منهن"أم الكتاب". ولو كان معنى ذلك أن كل آية منهن"أم الكتاب"، لكان لا شك قد قيل:"هن أمهات الكتاب". ونظير قول الله عز وجل:"هن أمّ الكتاب" على التأويل الذي قلنا في توحيد"الأم" وهي خبر لـ"هُنّ"، قوله تعالى ذكره وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) [سورة المؤمنون: 50] ولم يقل: آيتين، لأن معناه: وجعلنا جميعهما آية. إذ كان المعنى واحدًا فيما جُعلا فيه للخلق عبرة. (1) ولو كان مرادًا الخبرُ عن كل واحد منهما على انفراده، بأنه جعل للخلق عبرة، لقيل: وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين، لأنه قد كان في كل واحد منهما لهم عبرة. وذلك أن مريم ولدت من غير رجل، ونطق ابنها فتكلم في المهد صبيًّا، فكان في كل واحد منهما للناس آية. * * * قال الطبري رحمه الله وقد قال بعض نحويي البصرة: إنما قيل:"هن أم الكتاب"، ولم يَقل:"هن أمهات الكتاب" على وجه الحكاية، كما يقول الرجل:"ما لي أنصار"، فتقول:"أنا أنصارك" = أو:"ما لي نظير"، فتقول:"نحن نظيرك". قال: وهو شبيهُ:"دَعنى من تَمرْتَان"، وأنشد لرجل من فقعس: تَعَرَّضَتْ لِـي بِـمَكانٍ حَلِّتَعَرُّضَ الـمُهْرَةِ فـي الطِّوَلِّتَعَرُّضاً لَـمْ تَأْلُ عَنْ قَتْلاً لِـي حَلِّ أي يحلّ به، علـى الـحكاية، لأنه كان منصوبـاً قبل ذلك، كما يقول: نودي: الصلاةَ الصلاةَ، يحكي قول القائل: الصلاةَ الصلاةَ! وقال: قال بعضهم: إنـما هي أن قتلاً لـي، ولكنه جعله «عن» لأن أن فـي لغته تـجعل موضعها «عن» والنصب علـى الأمر، كأنك قلت: ضربـاً لزيد. وهذا قول لا معنى له، لأن كل هذه الشواهد التـي استشهد بها، لا شكّ أنهنّ حكايات حالتهن بـما حكي عن قول غيره وألفـاظه التـي نطق بهنّ، وأن معلوماً أن الله جلّ ثناؤه لـم يحك عن أحد قوله: أمّ الكتاب، فـيجوز أن يقال: أخرج ذلك مخرج الـحكاية عمن قال ذلك كذلك. ********************** قال الطبري رحمه الله" وأما قوله { وَأَخَّرَ } فإنها جمع أخرى.ثم اختلف أهل العربـية فـي العلة التـي من أجلها لـم يصرف «أُخر»، فقال بعضهم: لـم يصرف أُخَر من أجل أنها نعت واحدتها أخرى، كما لـم تصرف جُمع وكُتع، لأنهنّ نعوت.وقال آخرون: إنـما لـم تصرف الأُخَر لزيادة الـياء التـي فـي واحدتها، وأن جمعها مبنـي علـى واحدها فـي ترك الصرف، قالوا: وإنـما ترك صرف أخرى، كما ترك صرف حمراء وبـيضاء فـي النكرة والـمعرفة لزيادة الـمدة فـيها والهمزة بـالواو، ثم افترق جمع حمراء وأخرى، فبنى جمع أخرى علـى واحدته، فقـيـل: فُعَل أُخَر، فترك صرفها كما ترك صرف أخرى، وبنى جمع حمراء وبـيضاء علـى خلاف واحدته، فصرف، فقـيـل حُمْر وبِـيض. فلاختلاف حالتـيهما فـي الـجمع اختلف إعرابهما عندهم فـي الصرف، ولاتفـاق حالتـيهما فـي الواحدة اتفقت حالتهما فـيها. *********************************************** وأما قوله: { مُتَشَـابِهَـاتٌ } فإن معناه: متشابهات فـي التلاوة، مختلفـات فـي الـمعنى، كما قال جلّ ثناؤه: { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَـابِهاً } يعنـي فـي الـمنظر: مختلفـا فـي الـمطعم، وكما قال مخبرا عمن أخبر عنه من بنـي إسرائيـل أنه قال: { إِنَّ البَقَرَ تَشَـابَهَ عَلَيْنَا } يعنون بذلك: تشابه علـينا فـي الصفة، وإن اختلفت أنواعه.فتأويـل الكلام إذاً: إن الذي لا يخفـى علـيه شيء فـي الأرض ولا فـي السماء، هو الذي أنزل علـيك يا مـحمد القرآن، منه آيات مـحكمات بـالبـيان، هنّ أصل الكتاب الذي علـيه عمادك وعماد أمتك فـي الدين، وإلـيه مفزعك ومفزعهم فـيـما افترضت علـيك وعلـيهم من شرائع الإسلام، وآيات أخر هنّ متشابهات فـي التلاوة، مختلفـات فـي الـمعانـي. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:56 pm | |
| قال الطبري رحمه الله"
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: { مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ هنَّ أُمُّ الكِتَـابِ وَأُخَرُ مُتَشَـابِهَـاتٌ } وما الـمـحكم من آي الكتاب، وما الـمتشابه منه؟فقال بعضهم: الـمـحكمات من آي القرآن: الـمعمول بهنّ، وهن الناسخات، أو الـمثبتات الأحكام؛ والـمتشابهات من آية: الـمتروك العمل بهن، الـمنسوخات.
******************************
قال الطبري رحمه الله"
وقال آخرون: الـمـحكمات من آي الكتاب: ما أحكم الله فـيه بـيان حلاله وحرامه؛ والـمتشابه منها: ما أشبه بعضه بعضاً فـي الـمعانـي وإن اختلفت ألفـاظه. ذكر من قال ذلك:
***************** وقال آخرون: الـمـحكمات من آي الكتاب: ما لـم يحتـمل من التأويـل غير وجه واحد؛ والـمتشابه منها: ما احتـمل من التأويـل أوجهاً. ذكر من قال ذلك:*********************
وقال آخرون: معنى الـمـحكم: ما أحكم الله فـيه من آي القرآن وقصص الأمـم ورسلهم الذين أرسلوا إلـيهم، ففصله ببـيان ذلك لـمـحمد وأمته. والـمتشابه: هو ما اشتهبت الألفـاظ به من قصصهم عند التكرير فـي السور فقصة بـاتفـاق الألفـاظ واختلاف الـمعانـي، وقصة بـاختلاف الألفـاظ واتفـاق الـمعانـي.
*********************************
وقال آخرون: بل الـمـحكم من آي القرآن: ما عرف العلـماء تأويـله، وفهموا معناه وتفسيره؛ والـمتشابه: ما لـم يكن لأحد إلـى علـمه سبـيـل مـما استأثر الله بعلـمه دون خـلقه، وذلك نـحو الـخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريـم، ووقت طلوع الشمس من مغربها، وقـيام الساعة، وفناء الدنـيا، وما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يعلـمه أحد. وقالوا: إنـما سمى الله من آي الكتاب الـمتشابه الـحروف الـمقطعة التـي فـي أوائل بعض سور القرآن من نـحو الـم، والـمص، والـمر، والر، وما أشبه ذلك، لأنهن متشابهات فـي الألفـاظ، وموافقات حروف حساب الـجمل. وكان قوم من الـيهود علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعوا أن يدركوا من قبلها معرفة مدة الإسلام وأهله، ويعلـموا نهاية أُكْلِ مـحمد وأمته، فأكذب الله أحدوثتهم بذلك، وأعلـمهم أن ما ابْتَغَوْا علـمه من ذلك من قبل هذه الـحروف الـمتشابهة لا يدركونه ولا من قبل غيرها، وأن ذلك لا يعلـمه إلا الله. وهذا قول ذكر عن جابر بن عبد الله بن رئاب أن هذه الآية نزلت فـيه، وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه وعن غيره مـمن قال نـحو مقالته فـي تأويـل ذلك فـي تفسير قوله:
{ الم ذلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ } وهذا القول الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أشبه بتأويـل الآية، وذلك أن جميع ما أنزل الله عز وجل من آي القرآن علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنـما أنزله علـيه بـيانا له ولأمته وهدى للعالـمين، وغير جائز أن يكون فـيه ما لا حاجة بهم إلـيه، ولا أن يكون فـيه ما بهم إلـيه الـحاجة، ثم لا يكون لهم إلـى علـم تأويـله سبـيـل.
فإذا كان ذلك كذلك، فكل ما فـيه لـخـلقه إلـيه الـحاجة، وإن كان فـي بعضه ما بهم عن بعض معانـيه الغنى، وإن اضطرته الـحاجة إلـيه فـي معان كثـيرة، وذلك كقول الله عز وجل:
{ يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَـانِهَا خَيْرًا }
فأعلـم النبـيّ صلى الله عليه وسلم أمته أن تلك الآية التـي أخبر الله جل ثناؤه عبـاده أنها إذا جاءت لـم ينفع نفساً إيـمانها لـم تكن آمنت من قبل ذلك، هي طلوع الشمس من مغربها. فـالذي كانت بـالعبـاد إلـيه الـحاجة من علـم ذلك هو العلـم منهم بوقت نفع التوبة بصفته بغير تـحديده بعد بـالسنـين والشهور والأيام، فقد بـين الله ذلك لهم بدلالة الكتاب، وأوضحه لهم علـى لسان رسول صلى الله عليه وسلم مفسِّرا. والذي لا حاجة لهم إلـى علـمه منه هو العلـم بـمقدار الـمدة التـي بـين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية، فإن ذلك مـما لا حاجة بهم إلـى علـمه فـي دين ولا دنـيا، وذلك هو العلـم الذي استأثر الله جل ثناؤه به دون خـلقه، فحجبه عنهم، وذلك وما أشبهه هو الـمعنى الذي طلبت الـيهود معرفته فـي مدة مـحمد صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل قوله: الـم، والـمص، والر، والـمر، ونـحو ذلك من الـحروف الـمقطعة الـمتشابهات، التـي أخبر الله جل ثناؤه أنهم لا يدركون تأويـل ذلك من قِبَله، وأنه لا يعلـم تأويـله إلا الله.فإذا كان الـمتشابه هو ما وصفنا، فكل ما عداه فمـحكم، لأنه لن يخـلو من أن يكون مـحكماً بأنه بـمعنى واحد لا تأويـل له غير تأويـل واحد، وقد استغنـي بسماعه عن بـيان يبـيّنه، أو يكون مـحكماً، وإن كان ذا وجوه وتأويلات وتصرف فـي معان كثـيرة، فـالدلالة علـى الـمعنى الـمراد منه إما من بـيان الله تعالـى ذكره عنه أو بـيان رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته، ولن يذهب علـم ذلك عن علـماء الأمة لـما قد بـينا. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:56 pm | |
| القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { هُنَّ أُمُّ الكِتـابِ }.قد أتـينا علـى البـيان عن تأويـل ذلك بـالدلالة الشاهدة علـى صحة ما قلنا فـيه، ونـحن ذاكرو اختلاف أهل التأويـل فـيه. وذلك أنهم اختلفوا فـي تأويـله، فقال بعضهم: معنى قوله: { هُنَّ أُمُّ الكِتَـابِ } هنّ اللائي فـيهنّ الفرائض والـحدود والأحكام، نـحو قـيـلنا الذي قلنا فـيه.
***************************
وقال آخرون: بل معنـيّ بذلك فواتـح السور التـي منها يستـخرج القرآن.
********************************
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ }.
يعنـي بذلك جل ثناؤه: فأما الذين فـي قلوبهم ميـل عن الـحقّ، وانـحراف عنه. يقال منه: زاغ فلان عن الـحقّ، فهو يزيغ عنه زَيْغاً وَزَيَغاناً وزَيْغُوغة وزُيُوغا، وأزاغه الله: إذا أماله، فهو يُزيغه، ومنه قوله جلّ ثناؤه: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } ا تـملها عن الـحقّ { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }
************************************ ********************************
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ }.يعنـي بقوله جل ثناؤه: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ } ما تشابهت ألفـاظه وتصرفت معانـيه بوجوه التأويلات، لـيحققوا بـادعائهم الأبـاطيـل من التأويلات فـي ذلك ما هم علـيه من الضلالة والزيغ عن مـحجة الـحق تلبـيسا منهم بذلك علـى من ضعفت معرفته بوجوه تأويـل ذلك وتصاريف معانـيه. ********************* وقال آخرون فـي ذلك --
عن السدي فـي قوله: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ } يتبعون الـمنسوخ والناسخ، فـيقولون: ما بـال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مـجاز هذه الآية، فتركت الأولـى وعمل بهذه الأخرى؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تـجيء الأولـى التـي نسخت. وما بـاله يعد العذاب من عمل عملاً يعدّ به النار وفـي مكان آخر من عمله فإنه لـم يوجب النار.
***********************
واختلف أهل التأويـل فـيـمن عنـي بهذه الآية، فقال بعضهم: عنـي به الوفدُ من نصارى نـجران الذين قدموا علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاجوه بـما حاجوه به، وخاصموه بأن قالوا: ألست تزعم أن عيسى روح الله وكلـمته؟ وتأوّلوا فـي ذلك ما يقولون فـيه من الكفر.
***********************************
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية فـي أبـي ياسر بن أخطب، وأخيه حيـي بن أخطب، والنفر الذين ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي قدر مدة أُكْله وأُكل أمته، وأرادوا علـم ذلك من قبل قوله: الـم، والـمص، والـمر، والر فقال الله جل ثناؤه فـيهم: { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } يعنـي هؤلاء الـيهود الذين قلوبهم مائلة عن الهدى والـحقّ، { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ } يعنـي معانـي هذه الـحروف الـمقطعة الـمـحتـملة التصريف فـي الوجوه الـمختلفة التأويلات ابتغاء الفتنة. وقد ذكرنا الرواية بذلك فـيـما مضى قبل فـي أول السورة التـي تذكر فـيها البقرة.
************************
وقال آخرون: بل عنى الله عزّ وجلّ بذلك كل مبتدع فـي دينه بدعة مخالفة لـما ابتعث به رسوله مـحمدا صلى الله عليه وسلم بتأويـل يتأوّله من بعض آي القرآن الـمـحتـملة التأويلات، وإن كان الله قد أحكم بـيان ذلك، إما فـي كتابه وإما علـى لسان رسوله. ** عن عائشة أنها قالت: قرأ نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَـابَ } إلـى: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَـابِ }.
قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإذَا رأيْتُـمُ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِـيهِ " أو قال: " يَتَـجَادَلُونَ فِـيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فـاحْذَرُوهُمْ " قال مطر، عن أيوب أنه قال: «فلا تـجالسوهم، فهم الذين عنى الله فـاحذروهم».** عن عائشة زوج النبـيّ صلى الله عليه وسلم قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَـابَ مِنْهُ آيَـاتٌ مُّحْكَمَـاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَـابِ وَأُخَرُ مُتَشَـابِهَـاتٌ }... الآية كلها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذَا رأيْتُـمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ وَالَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِـيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ، أُولَئِكَ الَّذِينَ قال اللَّهُ: فَلا تُـجالسُوهُمْ "
****************************
يتبع | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:57 pm | |
| القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ }.يعنـي بذلك جل ثناؤه: فأما الذين فـي قلوبهم ميـل عن الـحقّ، وانـحراف عنه. يقال منه: زاغ فلان عن الـحقّ، فهو يزيغ عنه زَيْغاً وَزَيَغاناً وزَيْغُوغة وزُيُوغا، وأزاغه الله: إذا أماله، فهو يُزيغه، ومنه قوله جلّ ثناؤه: { رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } ا تـملها عن الـحقّ { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }
************************************* القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ }.
يعنـي بقوله جل ثناؤه: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ } ما تشابهت ألفـاظه وتصرفت معانـيه بوجوه التأويلات، لـيحققوا بـادعائهم الأبـاطيـل من التأويلات فـي ذلك ما هم علـيه من الضلالة والزيغ عن مـحجة الـحق تلبـيسا منهم بذلك علـى من ضعفت معرفته بوجوه تأويـل ذلك وتصاريف معانـيه.
******************************** وقال آخرون فـي ذلك بـما: * روي عن السدي فـي قوله: { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ } يتبعون الـمنسوخ والناسخ، فـيقولون: ما بـال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مـجاز هذه الآية، فتركت الأولـى وعمل بهذه الأخرى؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تـجيء الأولـى التـي نسخت. وما بـاله يعد العذاب من عمل عملاً يعدّ به النار وفـي مكان آخر من عمله فإنه لـم يوجب النار.
************************************************** **
واختلف أهل التأويـل فـيـمن عنـي بهذه الآية، فقال بعضهم: عنـي به الوفدُ من نصارى نـجران الذين قدموا علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاجوه بـما حاجوه به، وخاصموه بأن قالوا: ألست تزعم أن عيسى روح الله وكلـمته؟ وتأوّلوا فـي ذلك ما يقولون فـيه من الكفر.
*************
وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية فـي أبـي ياسر بن أخطب، وأخيه حيـي بن أخطب، والنفر الذين ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي قدر مدة أُكْله وأُكل أمته، وأرادوا علـم ذلك من قبل قوله: الـم، والـمص، والـمر، والر فقال الله جل ثناؤه فـيهم: { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } يعنـي هؤلاء الـيهود الذين قلوبهم مائلة عن الهدى والـحقّ، { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـابَهَ مِنْهُ } يعنـي معانـي هذه الـحروف الـمقطعة الـمـحتـملة التصريف فـي الوجوه الـمختلفة التأويلات ابتغاء الفتنة. وقد ذكرنا الرواية بذلك فـيـما مضى قبل فـي أول السورة التـي تذكر فـيها البقرة.
*****************
وقال آخرون: بل عنى الله عزّ وجلّ بذلك كل مبتدع فـي دينه بدعة مخالفة لـما ابتعث به رسوله مـحمدا صلى الله عليه وسلم بتأويـل يتأوّله من بعض آي القرآن الـمـحتـملة التأويلات، وإن كان الله قد أحكم بـيان ذلك، إما فـي كتابه وإما علـى لسان رسوله. **************************
وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية: { فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } قال: إن لـم يكونوا الـحرورية والسبئية فلا أدري من هم.
ولعمري لقد كان فـي أهل بدر والـحديبـية الذين شهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بـيعة الرضوان من الـمهاجرين والأنصار، خبر لـمن استـخبر، وعبرة لـمن استعبر، لـمن كان يعقل أو يبصر. إن الـخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثـير بـالـمدينة والشام والعراق وأزواجه يومئذ أحياء، والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حرورياً قط، ولا رضوا الذي هم علـيه ولا مالئوهم فـيه، بل كانوا يحدّثون بعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ونعته الذي نعتهم به، وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ويعادونهم بألسنتهم وتشتدّ والله علـيهم أيديهم إذا لقوهم. ولعمري لو كان أمر الـخوارج هدى لاجتـمع، ولكنه كان ضلالاً فتفرّق، وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فـيه اختلافـا كثـيرا، فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويـل، فهل أفلـحوا فـيه يوما أو أنـجحوا؟ يا سبحان الله كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأوّلهم؟ لو كانوا علـى هدى قد أظهره الله وأفلـحه ونصره، ولكنهم كانوا علـى بـاطل أكذبه الله وأدحضه، فهم كما رأيتهم كلـما خرج لهم قرن أدحض الله حجتهم، وأكذب أحدوثتهم، وأهرق دماءهم؛ وإن كتـموا كان قرحا فـي قلوبهم وغما علـيهم، وإن أظهروه أهراق الله دماءهم، ذاكم والله دين سوء فـاجتنبوه. والله إن الـيهود لبدعة، وإن النصرانـية لبدعة، وإن الـحرورية لبدعة، وإن السبئية لبدعة، ما نزل بهنّ كتاب ولا سنهنّ نبـيّ.
****************************** "وهذا نموذج عن أحاديث في الموضوع "
# عن عائشة قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: { هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الكِتَـابَ } إلـى قوله: { وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَـٰبِ } فقال: " فإذَا رأيْتُـمُ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِـيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فـاحْذَرُوهُمْ "
*****************************
قال أبو جعفر: والذي يدلّ علـيه ظاهر هذه الآية أنها نزلت فـي الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بـمتشابه ما أنزل إلـيه من كتاب الله إما فـي أمر عيسى، وإما فـي مدة أُكُله وأُكْل أمته، وهو بأن تكون فـي الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بـمتشابهه فـي مدته ومدة أمته أشبه، لأن قوله: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ } دالّ علـى أن ذلك إخبـار عن الـمدة التـي أرادوا علـمها من قبل الـمتشابه الذي لا يعلـمه إلا الله. فأما أمر عيسى وأسبـابه، فقد أعلـم الله ذلك نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم وأمته وبـينه لهم، فمعلوم أنه لـم يعن إلا ما كان خفـيا عن الآحاد.
******************************
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ابتغاء الشرك.
وقال آخرون: معنى ذلك ابتغاء الشبهات. ذكر من قال ذلك:
**************************************** وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معناه: إرادة الشبهات واللبس. فمعنى الكلام إذاً: فأما الذين فـي قلوبهم ميـل عن الـحقّ وَحَيْفٌ عنه، فـيتبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفـاظه، واحتـمل صرفه فـي وجوه التأويلات، بـاحتـماله الـمعانـي الـمختلفة إرادة اللبس علـى نفسه وعلـى غيره، احتـجاجا به علـى بـاطله الذي مال إلـيه قلبه دون الـحقّ الذي أبـانه الله فأوضحه بـالـمـحكمات من آي كتابه.
وهذه الآية وإن كانت نزلت فـيـمن ذكرنا أنها نزلت فـيه من أهل الشرك، فإنه معنـيّ بها كل مبتدع فـي دين الله بدعة، فمال قلبه إلـيها، تأويلاً منه لبعض متشابه آي القرآن، ثم حاجّ به وجادل به أهل الـحقّ، وعدل عن الواضح من أدلة آيه الـمـحكمات إرادة منه بذلك اللبس علـى أهل الـحقّ من الـمؤمنـين، وطلبـا لعلـم تأويـل ما تشابه علـيه من ذلك كائنا من كان، وأيّ أصناف البدعة كان من أهل النصرانـية كان أو الـيهودية أو الـمـجوسية، أو كان سبئياً، أو حرورياً، أو قدرياً، أو جهمياً، كالذي قال صلى الله عليه وسلم: " فإذَا رَأيْتُـمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَـاحْذَرُوهُمْ " ********************** وإنـما قلنا: القول الذي ذكرنا أنه أولـى التأويـلـين بقوله: { ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ } لأن الذين نزلت فـيهم هذه الآية كانوا أهل شرك، وإنـما أرادوا بطلب تأويـل ما طلبوا تأويـله اللبس علـى الـمسلـمين والاحتـجاج به علـيهم لـيصدّوهم عما هم علـيه من الـحقّ، فلا معنى لأن يقال: فعلوا ذلك إرادة الشرك، وهم قد كانوا مشركين.
**************************************************
يتبع | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:57 pm | |
| القول في تأويل قوله : وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى « التأويل » ، الذي عَنى الله جل ثناؤه بقوله: « وابتغاء تأويله » . فقال بعضهم: معنى ذلك: الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مُدّة أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر أمته، من قبل الحروف المقطعة من حساب الجُمَّل، « ألم » ، و « ألمص » ، و « ألر » ، و « ألمر » ، وما أشبه ذلك من الآجال.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: « عواقبُ القرآن » . وقالوا: « إنما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام التي كان الله جل ثناؤه شَرَعها لأهل الإسلام قبل مجيئه، فنسخَ ما قد كان شَرَعه قبل ذلك » .
وقال آخرون: معنى ذلك: « وابتغاء تأويل ما تَشابه من آي القرآن، يتأوّلونه - إذ كان ذا وجوه وتصاريفَ في التأويلات - على ما في قلوبهم من الزَّيغ، وما ركبوه من الضلالة » .
قال أبو جعفر: والقول الذي قاله ابن عباس: من أنّ: « ابتغاء التأويل » الذي طلبه القوم من المتشابه، هو معرفة انقضاء المدة ووقت قيام الساعة والذي ذكرنا عن السدي: من أنهم طلبوا وأرادوا معرفة وَقتٍ هو جَاءٍ قبل مجيئه أولى بالصواب، وإن كان السدّي قد أغفل معنى ذلك من وجهٍ صَرَفه إلى حَصره على أن معناه: أن القوم طلبوا معرفة وقت مجيء الناسخ لما قد أحكِم قبل ذلك. وإنما قلنا: إن طلب القوم معرفة الوقت الذي هو جاءٍ قبل مجيئه المحجوب علمه عنهم وعن غيرهم، بمتشابه آي القرآن - أولى بتأويل قوله: « وابتغاء تأويله » ، لما قد دللنا عليه قبلُ من إخبار الله جل ثناؤه أن ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله.
ولا شكّ أن معنى قوله: « قضينا »« فعلنا » ، قد علم تأويله كثيرٌ من جهلة أهل الشرك، فضلا عن أهل الإيمان وأهل الرسوخ في العلم منهم.
#################################################
القول في تأويل قوله : وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا قال أبو جعفر:
يعني جل ثناؤه بذلك: وما يعلم وقتَ قيام الساعة، وانقضاء مدة أكل محمد وأمته، وما هو كائن، إلا الله، دونَ منْ سواه من البشر الذين أمَّلوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة. وأما الراسخون في العلم فيقولون: « آمنا به، كل من عند ربنا » - لا يعلمون ذلك، ولكن فَضْل عِلمهم في ذلك على غيرهم، العلمُ بأن الله هو العالم بذلك دونَ منْ سواه من خلقه.
##################################################
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، وهل « الراسخون » معطوف على اسم « الله » ، بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه، أمْ هم مستأنَفٌ ذكرهم، بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون: آمنا بالمتشابه وصدّقنا أنّ علم ذلك لا يعلمه إلا الله؟
فقال بعضهم: معنى ذلك: وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردًا بعلمه. وأما الراسخون في العلم، فإنهم ابتُدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون: آمنا بالمتشابه والمحكم، وأنّ جَميع ذلك من عند الله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم، وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم يقولون: « آمنا به كلّ من عند ربنا » .
قال أبو جعفر: فمن قال القول الأول في ذلك، وقال: إن الراسخين لا يعلمون تأويل ذلك، وإنما أخبر الله عنهم بإيمانهم وتصديقهم بأنه من عند الله، فإنه يرفع « الراسخين في العلم » بالابتداء في قول البصريون، ويجعل خبره: « يقولون آمنا به » . وأما في قول بعض الكوفيين، فبالعائد من ذكرهم في « يقولون » . وفي قول بعضهم: بجملة الخبر عنهم، وهي: « يقولون » . ومن قال القول الثاني، وزعم أنّ الراسخين يعلمون تأويله، عطف بـ « الراسخين » على اسم « الله » ، فرفعهم بالعطف عليه.
قال أبو جعفر: والصواب عندنا في ذلك أنهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو: « يقولون » ، لما قد بينا قبل من أنهم لا يعلمون تأويل المتشابه الذي ذكره الله عز وجل في هذه الآية، وهو فيما بلغني مع ذلك في قراءة أبيّ: ( وَيَقُولُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) كما ذكرناه عن ابن عباس أنه كان يقرأه. وفي قراءة عبد الله: ( إِنْ تَأْوِيلُهُ إِلا عِنْدَ اللَّهِ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ) .
##################################################
قال أبو جعفر: وأما معنى « التأويل » في كلام العرب، فإنه التفسير والمرجع والمصير. وقد أنشد بعضُ الرواة بيتَ الأعشى: عَــلَى أَنَّهَــا كَـانَتْ تَـأَوُّلُ حُبِّهَـا تَــأَوُّلَ رِبْعِــيِّ السِّـقَابِ فَأَصْحَبَـا وأصلهُ من: « آل الشيء إلى كذا » - إذا صار إليه ورجع « يَؤُول أوْلا » و « أوَّلته أنا » صيرته إليه. وقد قيل إنّ قوله: وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [ سورة النساء: 59 ] أي جزاءً. وذلك أن « الجزاء » هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه.
ويعني بقوله: « تأوّلُ حُبها » : تفسير حبها ومرجعه. وإنما يريد بذلك أنّ حبها كان صغيرًا في قلبه، فآلَ من الصّغر إلى العظم، فلم يزل ينبت حتى أصحَب، فصار قديمًا، كالسَّقب الصغير الذي لم يزل يَشبّ حتى أصحَبَ فصار كبيرًا مثل أمه. وقد يُنشد هذا البيت: عَــلَى أَنَّهَــا كَـانَتْ تَـوَابعُ حُبِّهَـا تَــوَالِىَ رِبْعِــيِّ السِّـقَابِ فَأَصْحَبَـا
################################################## القول في تأويل قوله : وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ
قال أبو جعفر: يعني ب « الراسخين في العلم » ، العلماء الذين قد أتقنوا علمهم ووَعَوْه فحفظوه حفظًا، لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شَكّ ولا لبس. وأصل ذلك من: « رسوخ الشيء في الشيء » ، وهو ثبوته وولوجه فيه. يقال منه: « رسخ الإيمان في قلب فلان، فهو يَرْسَخُ رَسْخًا ورُسُوخًا » .
# عن أبي الدرداء وأبي أمامة قالا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن الراسخ في العلم؟ قال: « من بَرَّت يمينهُ، وصَدقَ لسانه، واستقام به قلبه، وعفّ بطنه، فذلك الراسخُ في العلم. »
وقد قال جماعة من أهل التأويل: إنما سمى الله عز وجل هؤلاء القوم « الراسخين في العلم » ، بقولهم: « آمنا به كل من عند ربنا » .
################################################## وأما تأويل قوله: « يقولون آمنا به » ، فإنه يعني أنّ الراسخين في العلم يقولون: صدقنا بما تشابه من آي الكتاب، وأنه حقّ وإن لم نَعلم تأويله،
##################################################
القول في تأويل قوله : كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: « كل من عند ربنا » ، كلّ المحكم من الكتاب والمتشابه منه « من عند ربنا » ، وهو تنـزيله ووحيه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ##################################################
قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في حكم « كلّ » إذا أضمر فيها. فقال بعض نحويي البصريين: إنما جاز حذفُ المراد الذي كان معها الذي « الكل » إليه مضاف في هذا الموضع، لأنها اسمٌ، كما قال: إِنَّا كُلٌّ فِيهَا [ سورة غافر: 48 ] ، بمعنى: إنا كلنا فيها. قال: ولا يكون « كل » مضمرًا فيها وهي صفة، لا يقال: « مررت بالقوم كل » وإنما يكون فيها مضمرٌ إذا جعلتها اسمًا. لو كان: « إنا كُلا فيها » على الصفة لم يجز، لأن الإضمار فيها ضعيفٌ لا يتمكن في كلّ مكان. وكان بعض نحويي الكوفيين يرى الإضمار فيها وهي صفةٌ أو اسم، سواءً. لأنه غير جائز أن يُحذف ما بعدها عنده إلا وهي كافية بنفسها عما كانت تضاف إليه من المضمر، وغير جائز أن تكون كافية منه في حال، ولا تكون كافية في أخرى. وقال: سبيل « الكل » و « البعض » في الدلالة على ما بعدهما بأنفسهما وكفايتهما منه بمعنى واحد في كل حال، صفةً كانت أو اسمًا.
قال أبو جعفر: وهذا القول الثاني أولى بالقياس، لأنها إذا كانت كافية بنفسها مما حذف منها في حالٍ لدلالتها عليها، فالحكم فيها أنها كلما وجدت دالة على ما بعدها فهي كافية منه. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:58 pm | |
| القول في تأويل قوله : وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ( 7 ) قال أبو جعفر:
يعني بذلك جل ثناؤه: وما يتذكر ويتّعظ وينـزجر عن أن يقول في متشابه آي كتاب الله ما لا علم له به، إلا أولو العقول والنهى، # عن محمد بن جعفر بن الزبير: « وما يذكر إلا أولوا الألباب » ، يقول: وما يذكر في مثل هذا يعني: في ردّ تأويل المتشابه إلى ما قد عرف من تأويل المحكم، حتى يَتّسقا على معنى واحد « إلا أولو الألباب » .
##################################################
القول في تأويل قوله : رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( 8 ) قال أبو جعفر:
يعني بذلك جل ثناؤه: أنّ الراسخين في العلم يقولون: آمنا بما تشابه من آي كتاب الله، وأنه والمحكم من آيه من تنـزيل ربنا ووحيه. ويقولون أيضًا: « ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا » ، يعني أنهم يقولون رغبةً منهم إلى ربهم في أن يصرف عنهم ما ابتلى به الذين زاغت قلوبهم من اتباع متشابه آي القرآن، ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله الذي لا يعلمه غيرُ الله : يا ربنا، لا تجعلنا مثل هؤلاء الذين زاغت قلوبهم عن الحق فصدوا عن سبيلك « لا تزغ قلوبنا » ، لا تملها فتصرفها عن هُدَاك بعد إذ هديتنا له، فوفقتنا للإيمان بمحكم كتابك ومتشابهه « وهب لنا » يا ربنا « من لدنك رحمة » ، يعني: من عندك رحمة، يعني بذلك: هب لنا من عندك توفيقًا وثباتًا للذي نحن عليه من الإقرار بمحكم كتابك ومتشابهه « إنك أنتَ الوهاب » ، يعني: إنك أنت المعطي عبادك التوفيقَ والسدادَ للثبات على دينك، وتصديق كتابك ورسلك، كما:- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير: « ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا » ، أي: لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأحداثنا « وهب لنا من لدنك رحمة » .
##################################################
قال أبو جعفر: وفي مدح الله جل ثناؤه هؤلاء القوم بما مدحهم به من رغبتهم إليه في أن لا يزيغ قلوبهم، وأن يعطيهم رحمةً منه معونة لهم للثبات على ما هُم عليه من حسن البصيرة بالحق الذي هم عليه مقيمون ما أبان عن خطأ قول الجهَلة من القدَرية: أن إزاغة الله قلب من أزاغ قلبه من عباده عن طاعته وإمالته له عنها، جَوْرٌ. لأن ذلك لو كان كما قالوا، لكان الذين قالوا: « ربنا لا تزغ قلوبنا بعدَ إذ هدَيتنا » ، بالذم أولى منهم بالمدح. لأن القول لو كان كما قالوا، لكان القوم إنما سألوا ربَّهم بمسألتهم إياه أن لا يزيغ قلوبهم أن لا يظلمهم ولا يجورَ عليهم. وذلك من السائل جهلٌ، لأن الله جل ثناؤه لا يظلم عبادَه ولا يجور عليهم. وقد أعلم عبادَه ذلك ونَفاه عن نفسه بقوله: وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ [ سورة فصلت: 46 ] . ولا وجه لمسألته أن يكون بالصفة التي قد أخبرهم أنه بها. وفي فساد ما قالوا من ذلك، الدليلُ الواضح على أن عدلا من الله عز وجل: إزاغةُ من أزاغَ قلبه من عباده عن طاعته، فلذلك استحقّ المدحَ مَنْ رغب إليه في أن لا يزيغه، لتوجيهه الرغبة إلى أهلها، ووضعه مسألته موضعها، مع تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برغبته إلى ربه في ذلك، مع محله منه وكرامته عليه.
# عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك! ثم قرأ: » ربنا لا تُزغ قُلوبنا بعدَ إذ هديتنا « ، إلى آخر الآية. » حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن أسماء، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
# عن أم سلمة : أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك! قالت: قلتُ: يا رسول الله، وإن القلب ليقلَّب؟ قال: نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا وقلبه بين إصبعين من أصابعه، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدَانا، ونسأله أن يهبَ لنا من لدنه رحمةً إنه هو الوهاب. قالت: قلتُ: يا رسول الله، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: بلى؛ قولي: اللهم ربّ النبي محمدٍ، اغفر لي ذنبي، وأذهب غَيظَ قلبي، وأجرني من مُضِلات الفتن.
# عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك. فقال له بعض أهله: يُخاف علينا وقد آمنا بك وبما جئت به؟! قال: إن القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن تبارك وتعالى، يقول بهما هكذا وحرّك أبو أحمد إصبعيه قال أبو جعفر: وإن الطوسي وَسَق بين إصبعيه.
# عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقول: « يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك. قلنا: يا رسول الله، قد آمنا بك، وصدّقنا بما جئت به، فيُخاف علينا؟! قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبها تبارك وتعالى. »
# عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن: إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قُلوبنا على دينك - والميزان بيَد الرحمن، يرفع أقوامًا ويخفضُ آخرين إلى يوم القيامة.
# عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الموازين بيد الله، يرفع أقوامًا ويضع أقوامًا، وقلبُ ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أزاغه، وإذا شاء أقامه.
# روي عن عبد الله عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرّحمن كقلبٍ واحد، يصرّف كيف يشاء. ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمّ مصرِّف القلوب صرِّف قُلوبَنا إلى طاعتك.
# روي عن أمّ سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم ثبت قلبي على دينك. قالت: قلت: يا رسول الله، وإن القلوب لتقلَّب؟ قال: نعم، ما من خلق الله من بني آدم بشرٌ إلا إنّ قلبه بين إصبعين من أصابع الله، إن شاءَ أقامه، وإن شاء أزاغه، فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدُنه رحمةً إنه هو الوهاب. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:58 pm | |
| القول في تأويل قوله : رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ( 9 ) قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه أنهم يقولون أيضًا مع قولهم: آمنا بما تشابه من آي كتاب ربّنا، كلّ المحكم والمتشابه الذي فيه من عند ربنا : يا ربنا، « إنك جامعُ الناس ليوم لا ريب فيه إنّ الله لا يخلف الميعاد » . وهذا من الكلام الذي استُغنى بذكر ما ذكر منه عما ترك ذكره. وذلك أن معنى الكلام: ربنا إنك جامع الناس ليوم القيامة، فاغفر لنا يومئذ واعف عنا، فإنك لا تخلف وَعْدك: أنّ من آمن بك، واتَّبع رَسُولك، وعمل بالذي أمرتَه به في كتابك، أنك غافره يومئذ. وإنما هذا من القوم مسألة ربَّهم أن يثبِّتهم على ما هم عليه من حُسن بَصيرتهم، بالإيمان بالله ورسوله، وما جاءهم به من تنـزيله، حتى يقبضهم على أحسن أعمالهم وإيمانهم، فإنه إذا فعل ذلك بهم، وجبتْ لهم الجنة، لأنه قد وعد من فعل ذلك به من عباده أنه يُدخله الجنة. فالآية، وإن كانت قد خرجت مخرج الخبر، فإن تأويلَها من القوم: مسألةٌ ودعاءٌ ورغبة إلى ربهم.
################################################## وأما معنى قوله: « ليوم لا ريب فيه » ، فإنه: لا شك فيه. وقد بينا ذلك بالأدلة على صحته فيما مضى قبل. ومعنى قوله: « ليوم » ، في يوم. وذلك يومٌ يجمع الله فيه خلقَه لفصل القضاء بينهم في موقف العَرضْ والحساب. « والميعاد » « المفعال » ، من « الوعد » . | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:58 pm | |
| القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ( 10 ) قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: « إنّ الذين كفروا » ، إن الذين جحدوا الحق الذي قد عرفوه من نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل ومنافقيهم ومنافقي العرب وكفارهم، الذين في قلوبهم زَيغٌ فهم يتَّبعون من كتاب الله المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله « لنْ تُغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا » ، يعني بذلك أنّ أموالهم وأولادهم لن تُنجيهم من عقوبة الله إن أحلَّها بهم - عاجلا في الدنيا على تكذيبهم بالحق بعد تبيُّنهم، واتباعهم المتشابه طلبَ اللبس - فتدفعها عنهم، ولا يغني ذلك عنهم منها شيئًا، وهم في الآخرة « وقودُ النار » ، يعني بذلك: حَطبُها. ################################################## ##### القول في تأويل قوله : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 11 ) قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا عند حلول عقوبتنا بهم، كسُنَّة آل فرعون وعادتهم « وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » من الأمم الذين كذبوا بآياتنا، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا حين جاءهم بأسنا، كالذين عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربَّهم من قبل آل فرعون: من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم. ******************* واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: « كدأب آل فرعون » . فقال بعضهم: معناه: كسُنَّتهم.
وقال بعضهم: معناه: كعملهم. وقال آخرون: معنى ذلك: كتكذيب آل فرعون.
***************. قال أبو جعفر: وأصل « الدأب » من: « دأبت في الأمر دأْبًا » ، إذا أدمنت العمل والتعب فيه. ثم إن العرب نقلت معناه إلى: الشأن، والأمر، والعادة، كما قال امرؤ القيس بن حجر: وَإنَّ شِـــفَائِي عَــبْرَةٌ مُهَرَاقَــة فَهَـلْ عِنْـدَ رَسْـمٍ دَارِسٍ مِـنْ مُعَوَّلِ كَــدَأْبِكَ مِــنْ أُمِّ الْحُـوَيْرِث قَبْلَهَـا وَجَارَتِهَـــا أُمِّ الرَّبَــابِ بِمَأْسَــلِ يعني بقوله: « كدأبك » ، كشأنك وأمرك وفعلك. يقال منه: « هذا دَأبي ودأبك أبدًا » . يعني به. فعلي وفعلك، وأمري وأمرك، وشأني وشأنك، يقال منه: « دَأبْتُ دُؤُوبًا ودأْبًا » . وحكى عن العرب سماعًا: « دأبْتُ دأَبًا » ، مثقله محركة الهمزة، كما قيل: « هذا شعَرٌ، ونَهَر » ، فتحرك ثانيه لأنه حرفٌ من الحروف الستة، فألحق « الدأب » إذ كان ثانية من الحروف الستة، كما قال الشاعر: لَـهُ نَعَـلٌ لا تَطَّبِـي الكَـلْبَ رِيحُهَـا وَإنْ وُضِعَـتْ بَيْـنَ الْمَجَـالِسِ شُـمَّتِ ################################################## #####
وأما قوله: « واللهُ شديدُ العقاب » ، فإنه يعنى به: والله شديد عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجة عليه.
################################################## ##### القول في تأويل قوله : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ( 12 ) قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في ذلك. فقرأه بعضهم: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ ) بالتاء، على وجه الخطاب للذين كفروا بأنهم سيغلبون. واحتجوا لاختيارهم قراءة ذلك بالتاء بقوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ . قالوا: ففي ذلك دليل على أن قوله: « ستغلبون » ، كذلك، خطابٌ لهم. وذلك هو قراءة عامة قرأة الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين. وقد يجوز لمن كانت نيته في هذه الآية: أنّ الموعودين بأن يُغلبوا، هم الذين أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول ذلك لهم أن يقرَأه بالياء والتاء. لأن الخطابَ بالوحي حين نـزل، لغيرهم. فيكون نظير قول القائل في الكلام: « قلت للقوم: إنكم مغلوبون » ، و « قلت لهم: إنهم مغلوبون » . وقد ذكر أن في قراءة عبد الله: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرُ لَكُمْ ) [ سورة الأنفال: 38 ] ، وهي في قراءتنا: إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ . وقرأت ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: ( سَيُغْلَبُونَ وَيُحْشَرُونَ ) ، على معنى: قل لليهود: سيغلب مشركو العرب ويحشرون إلى جهنم. ومن قرأ ذلك كذلك على هذا التأويل، لم يجز في قراءته غير الياء.
قال أبو جعفر: والذي نختار من القراءة في ذلك، قراءةُ من قرأه بالتاء، بمعنى: قل يا محمد للذين كفروا من يهود بني إسرائيل الذين يتبعون ما تشابه من آي الكتاب الذي أنـزلته إليك ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله: « ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد » . وإنما اخترنا قراءة ذلك كذلك، على قراءته بالياء، لدلالة قوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ، على أنهم بقوله: « ستغلبون » ، مخاطبون خطابهم بقوله: « قد كان لكم » ، فكان إلحاق الخطاب بمثله من الخطاب، أولى من الخطاب بخلافه من الخبر عن غائب. ثمّ أورد رحمه الله أخبارا منها "
# عن ابن عباس قال، لما أصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قريشًا يوم بدْر فقدم المدينة، جمع يهودَ في سوق بني قَينُقاع. فقال: يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشًا! فقالوا: يا محمد، لا تغرّنك نفسك أنك قتلتَ نفرًا من قريش كانوا أغمارًا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا!! فأنـزل الله عز وجل في ذلك من قولهم: « قلْ للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد » إلى قوله: لأُولِي الأَبْصَارِ .
# عن ابن إسحاق قال: كان من أمر بني قينقاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بني قَينُقاع، ثم قال: يا معشر اليهود، احذروا من الله مثل ما نـزل بقريش من النِّقمة، وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبيٌّ مُرْسل، تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم! فقالوا: يا محمد، إنك ترى أنا كقومك! لا يغرَّنك أنك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب فأصبتَ فيهم فرصة! إنا والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنا نحن الناس.
************* قال أبو جعفر: فكل هذه الأخبار تنبئ عن أن المخاطبين بقوله: « ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد » ، هم اليهود المقولُ لهم: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ، الآية - وتدل على أن قراءَة ذلك بالتاء، أولى من قراءته بالياء. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:59 pm | |
| ومعنى قوله: « وتحشرون » ، وتجمعون، فتجلبون إلى جهنم. وأما قوله: « وبئس المهاد » ، وبئس الفراش جهنم التي تحشرون إليها. وكان مجاهد يقول كالذي:- ################################################## ##### القول في تأويل قوله : قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قُلْ، يا محمد، للذين كفروا من اليهود الذين بين ظهرانَيْ بلدك: « قد كان لكم آية » ، يعني: علامةٌ ودلالةٌ على صدق ما أقول: إنكم ستغلبون، وعبرة، كما:- « في فئتين » ، يعني: في فرقتين وحزبين و « الفئة » الجماعة من الناس. « التقتا » للحرب، وإحدى الفئتين رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن شهد وقعة بدر، والأخرى مشركو قريش. « فئة تُقاتل في سبيل الله » ، جماعة تقاتل في طاعة الله وعلى دينه، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه « وأخرى كافرة » ، وهم مشركو قريش، كما:-
################################################## #####
قال أبو جعفر:
ورفعت: « فئةٌ تقاتل في سبيل الله » ، وقد قيل قبل ذلك: « في فئتين » ، بمعنى: إحداهما تقاتل في سبيل الله - على الابتداء، كما قال الشاعر: فَكُـنْتُ كَـذِي رِجْـلَيْنِ رِجْلٌ صَحِيحَةٌ وَرِجْـلٌ رَمَـى فِيهَـا الزَّمَـانُ فَشَلَّتِ وكما قال ابن مفرِّغ: فَكُـنْتُ كَـذِي رِجْـلَيْنِ: رِجْلٌ صَحِيحَةٌ وَرِجْــلٌ بِهَـا رَيْـبٌ مِـنَ الحَدَثَـانِ فَأَمَّـا الَّتِـي صَحَّـتْ فَـأَزْدُ شَـنُوءَةٍ, وَأَمَّــا الّتِــي شَـلَّتْ فَـأَزْدُ عُمَـانِ وكذلك تفعل العرب في كل مكرر على نظير له قد تقدمه، إذا كان مع المكرر خبر: تردُّه على إعراب الأوّل مرة، وتستأنفه ثانيةً بالرفع، وتنصبه في التامِّ من الفعل والناقص، وقد جُرّ ذلك كله، فخفض على الردّ على أوّل الكلام، كأنه يعني إذا خفض ذلك: فكنت كذلك رجلين: كذي رجل صحيحة ورجل سقيمة. وكذلك الخفض في قوله: « فئة » ، جائز على الردّ على قوله: « في فئتين التقتا » ، في فئة تقاتل في سبيل الله. وهذا وإن كان جائزًا في العربية، فلا أستجيز القراءة به، لإجماع الحجة من القرَأة على خلافه. ولو كان قوله: « فئة » ، جاء نصبًا، كان جائزًا أيضًا على قوله: « قد كان لكم آية في فئتين التقتا » ، مُختلفتين. ################################################## ##### القول في تأويل قوله : يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ قال أبو جعفر:
اختلفت القرأةُ في قراءة ذلك. فقرأته قرأة أهل المدينة: ( تَرَوْنَهُمْ ) بالتاء، بمعنى: قد كان لكم أيها اليهود آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ، فئة تقاتل في سبيل الله، والأخرى كافرةٌ، ترونَ المشركين مِثْلي المسلمين رأىَ العين. يريد بذلك عِظَتهم، يقول: إن لكم عبرةً، أيها اليهود، فيما رأيتم من قلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين، وظفر هؤلاء مع قلة عددهم، بهؤلاء مع كثرة عددهم.
################################################## ##### وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة والبصرة وبعض المكيين: ( يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ ) بالياء، بمعنى: يرى المسلمون الذين يقاتلون في سبيل الله، الجماعةَ الكافرةَ مثلي المسلمين في القدْر. فتأويل الآية على قراءتهم: قد كان لكم، يا معشر اليهود، عبرةٌ ومتفكرٌ في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، يرى هؤلاء المسلمون مع قلة عددهم، هؤلاء المشركين في كثرة عددهم. فإن قال قائل: وما وجه تأويل قراءة من قرأ ذلك بالياء؟ وأيّ الفئتين رأت صاحبتها مثليها؟ الفئة المسلمةُ هي التي رأت المشركة مثليها، أم المشركة هي التي رأت المسلمة كذلك، أم غيرهما رأت إحداهما كذلك؟ قيل: اختلف أهل التأويل في ذلك. فقال بعضهم: الفئةُ التي رأت الأخرى مثلى أنفسها، الفئةُ المسلمة رأت عدَد الفئة المشركة مثلي عدد الفئة المسلمة، قلَّلها الله عز وجل في أعينها حتى رأتها مثلي عدد أنفسها، ثم قللها في حال أخرى فرأتها مثل عَدَد أنفسها.
# عن ابن مسعود: « قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين » ، قال: هذا يوم بدر. قال عبد الله بن مسعود: قد نظرنا إلى المشركين، فرأيناهم يُضْعِفون علينا، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدًا، وذلك قول الله عز وجل: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [ سورة الأنفال: 44 ] فمعنى الآية على هذا التأويل: قد كان لكم، يا معشر اليهود، آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا : إحداهما مسلمة والأخرى كافرة، كثيرٌ عدد الكافرة، قليلٌ عدد المسلمة، ترى الفئة القليلُ عددُها، الكثيرَ عددُها أمثالا أنها إنما تكثر من العدد بمثل واحد، فهم يرونهم مثليهم. فيكون أحدُ المثلين عند ذلك، العددُ الذي هو مثل عدد الفئة التي رأتهم، والمثل الآخر الضّعف الزائد على عددهم. فهذا أحد معنيي التقليل الذي أخبر الله عز وجل المؤمنين أنه قلَّلهم في أعينهم. والمعنى الآخر منه: التقليل الثاني، على ما قاله ابن مسعود: وهو أنْ أراهم عددَ المشركين مثل عددهم، لا يزيدون عليهم. فذلك التقليل الثاني الذي قال الله جل ثناؤه: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا . ****************** وقال آخرون من أهل هذه المقالة: إن الذين رأوا المشركين مثليْ أنفسهم، هم المسلمون. غير أن المسلمين رَأوهم على ما كانوا به من عددهم لم يقلَّلوا في أعينهم، ولكن الله أيدهم بنصره. قالوا: ولذلك قال الله عز وجل لليهود: قد كان لكم فيهم عبرةٌ، يخوّفهم بذلك أنْ يحل بهم منهم مثل الذي أحَلَّ بأهل بدر على أيديهم. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ، أنـزلت في التخفيف يوم بدر، فإن المؤمنين كانوا يومئذ ثلثمئة وثلاثة عشر رجلا وكان المشركون مثليهم، فأنـزل الله عز وحل: « قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين » ، وكان المشركون ستةً وعشرين وستمئة، فأيد الله المؤمنين. فكان هذا الذي في التخفيف على المؤمنين. قال أبو جعفر: وهذه الرواية خلافُ ما تظاهرت به الأخبار عن عدة المشركين يوم بدر. وذلك أن الناس إنما اختلفوا في عددهم على وجهين. فقال بعضهم: كان عددهم ألفًا وقال بعضهم: ما بين التسعمئة إلى الألف.
# عن علي قال: سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين، منهم رجل من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط. فأما القرشيّ فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول: كم القوم؟ فيقول: هم والله كثير شديدٌ بأسُهم! فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: كم القوم؟ فقال: هم والله كثير شديدٌ بأسهم! فجهد النبي صلى الله عليه وسلم على أن يخبره كم هم، فأبى. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله: « كم يَنحرون من الجزُر؟ قال: عشرة كل يوم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القومُ ألفٌ. » ************ ذكر القول الذي فيه : « كان عددهم ما بين التسعمئة إلى الألف » :
# عن عروة بن الزبير قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم نفرًا من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبرَ له عليه، فأصابوا راويةً من قريش: فيها أسلم، غلام بني الحجاج، وعَريض أبو يسار غلام بني العاص. فأتوا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما: كم القوم؟ قالا كثير! قال: ما عدّتهم؟ قالا لا ندري! قال: كم يَنحرون كل يوم؟ قالا يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا. قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: القومُ ما بين التسعمئة إلى الألف. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 12:59 pm | |
| قال أبو جعفر:
فكل هؤلاء الذين ذكرنا مخالفون القولَ الذي رويناه عن ابن عباس في عدد المشركين يوم بدر. فإذْ كان ما قاله من حكينا قوله - ممن ذكر أن عددهم كان زائدًا على التسعمئة - [ صحيحًا ] ، فالتأويل الأول الذي قلناه على الرواية التي روينا عن ابن مسعود، أولى بتأويل الآية.
وقال آخرون: كان عددُ المشركين زائدًا على التسعمئة، فرأى المسلمون عدَدَهم على غير ما كانوا به من العدد. وقالوا: أرى اللهُ المسلمين عددَ المشركين قليلا آية للمسلمين. قالوا: وإنما عنى الله عز وجل بقوله: « يرونهم مثليهم » ، المخاطبين بقوله: قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ . قالوا: وهم اليهود، غيرَ أنه رجع من المخاطبة إلى الخبر عن الغائب، لأنه أمرٌ من الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك لهم، فحسن أن يخاطب مرة، ويخبرَ عنهم على وجه الخبر مرّة أخرى، كما قال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [ سورة يونس: 22 ] وقالوا: فإن قال لنا قائل: فكيف قيل: « يرونهم مثليهم رأي العين » ، وقد علمتم أن المشركين كانوا يومئذ ثلاثة أمثال المسلمين؟ قلنا لهم: كما يقول القائل وعنده عبد: « أحتاج إلى مثله » ، فأنت محتاج إليه وإلى مثله، ثم يقول: « أحتاج إلى مثليه » ، فيكون ذلك خبرًا عن حاجته إلى مثله، وإلى مثلَيْ ذلك المثل. وكما يقول الرجل: « معي ألفٌ وأحتاج إلى مثليه » . فهو محتاج إلى ثلاثة. فلما نوى أن يكون « الألف » داخلا في معنى « المثل » صار « المثل » اثنين، والاثنان ثلاثة. قال: ومثله في الكلام: « أراكم مثلكم » ، كأنه قال: أراكم ضعفكم « وأراكم مثليكم » . يعني: أراكم ضعفيكم. قالوا: فهدا على معنى ثلاثة أمثالهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنّ الله أرى الفئةَ الكافرةَ عددَ الفئة المسلمة مثلَيْ عددهم. وهذا أيضًا خلاف ما دلّ عليه ظاهر التنـزيل. لأن الله جل ثناؤه قال في كتابه: وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [ سورة الأنفال: 44 ] ، فأخبر أن كلا من الطائفتين قلل عددها في مرأى الأخرى.
################################################## ##### قال أبو جعفر: وقرأ آخرون ذلك: ( تُرَوْنَهُمْ ) بضم التاء، بمعنى: يريكموهم الله مثليهم. قال أبو جعفر: وأولى هذه القراءات بالصواب، قراءةُ من قرأ: « يرونهم » بالياء، بمعنى: وأخرى كافرة، يراهم المسلمون مثليهم - يعني: مثلي عدد المسلمين ، لتقليل الله إياهم في أعينهم في حال، فكان حَزْرهم إياهم كذلك، ثم قللهم في أعينهم عن التقليل الأول، فحزروهم مثل عدد المسلمين، ثم تقليلا ثالثًا، فحزروهم أقل من عدد المسلمين، وقد روى عن قتادة أنه كان يقول: لو كانت: « ترونهم » ، لكانت « مثليكم » . حدثني المثنى قال، حدثني عبد الرحمن بن أبي حماد، عن ابن المبارك، عن معمر، عن قتادة بذلك. ************ قال أبو جعفر: ففي الخبرين اللذين روينا عن عبد الله بن مسعود، ما أبان عن اختلاف حَزْر المسلمين يومئذ عددَ المشركين في الأوقات المختلفة، فأخبر الله عز وجل - عما كان من اختلاف أحوال عددهم عند المسلمين - اليهودَ، على ما كان به عندهم، مع علم اليهود بمبلغ عدد الفئتين إعلامًا منه لهم أنه مؤيد المؤمنين بنصره، لئلا يغتروا بعددهم وبأسهم، وليحذروا منه أن يُحلّ بهم من العقوبة على أيدي المؤمنين، مثلَ الذي أحلّ بأهل الشرك به من قريش على أيديهم ببدر. ################################################## #####
وأما قوله: « رأي العين » ، فإنه مصدر: « رَأيتهُ » يقال: « رأيته رأيًا ورُؤْية » ، و « رأيت في المنام رؤيَا حسنةٌ » ، غير مُجْراة. يقال: « هو مني رَأيَ العين، ورِئاءَ العين » ، بالنصب والرفع، يراد: حيث يقع عليه بصري، وهو من « الرأي » مثله. و « القوم رئاءٌ » ، إذا جلسوا حيث يرى بعضُهم بعضًا. فمعنى ذلك: يرونهم - حيث تلحقهم أبصارُهم وتراهم عيونُهم - مثليْهم. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:00 pm | |
| القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأَبْصَارِ ( 13 ) قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: « والله يؤيد » ، يقوّي « بنصره من يشاء » . من قول القائل: « قد أيَّدت فلانًا بكذا » ، إذا قوّيته وأعنته، « فأنا أؤيّده تأييدًا » . و « فَعَلت » منه: « إدته فأنا أئيده أيدًا » ، ومنه قول الله عز وجل: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ [ سورة ص: 17 ] ، يعني: ذا القوة. ########################################### قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: قد كان لكم يا معشر اليهود، في فئتين التقتا، إحداهما تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، يراهم المسلمون مثليهم رأي أعينهم، فأيدنا المسلمة وهم قليلٌ عددهم، على الكافرة وهم كثير عدَدُهم حتى ظفروا بهم معتبر ومتفكر، والله يقوّى بنصره من يشاء. وقال جل ثناؤه « إنّ في ذلك » ، يعني: إن فيما فعلنا بهؤلاء الذين وصفنا أمرهم: من تأييدنا الفئة المسلمة مع قلة عددها، على الفئة الكافرة مع كثرة عددها « لعبرة » ، يعني: لمتفكرًا ومتَّعظًا لمن عقل وادّكر فأبصر الحق، ########################################### القول في تأويل قوله : زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: زُيِّن للناس محبة ما يشتهون من النساء والبنين وسائر ما عدّ. وإنما أراد بذلك توبيخ اليهود الذين آثرُوا الدنيا وحبَّ الرياسة فيها، على اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بصدقه. وكان الحسن يقول: منْ زَيْنِها، ما أحدٌ أشدّ لها ذمًّا من خالقها. *********** وأما « القناطير » فإنها جمع « القنطار » . واختلف أهل التأويل في مبلغ القنطار. فقال بعضهم: هو ألف ومئتا أوقية. وقال آخرون: القنطار ألف دينار ومئتا دينار. وقال آخرون: القنطار اثنا عشر ألف درهم، أو ألف دينار. . وقال آخرون: هو ثمانون ألفًا من الدراهم، أو مئة رطل من الذهب. وقال آخرون: القنطار سبعون ألفًا.
وقال أخرون: هي مِلء مَسْك ثور ذهبًا. وقال آخرون: هو المال الكثير. وقد ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب: أن العرب لا تحدّ القنطار بمقدار معلوم من الوزن، ولكنها تقول: « هو قَدْرُ وزنٍ » . ########################################### قال أبو جعفر: وقد ينبغي أن يكون ذلك كذلك، لأن ذلك لو كان محدودًا قدرُه عندها، لم يكن بين متقدمي أهل التأويل فيه كلّ هذا الاختلاف. قال أبو جعفر: فالصواب في ذلك أن يقال: هو المال الكثير، كما قال الربيع بن أنس، ولا يحدُّ قدرُ وزنه بحدٍّ على تَعسُّف. وقد قيل ما قيل مما روينا. وأما « المقنطرة » ، فهي المضعَّفة، وكأن « القناطير » ثلاثة، و « المقنطرة » تسعة.
وهو كما قال الربيع بن أنس: المال الكثيرُ بعضه على بعض،
وقال آخرون: معنى « المقنطرة » : المضروبة دراهم أو دنانير.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا - خبرٌ لو صحّ سندُه، لم نعدُه إلى غيره.
#عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [ سورة النساء: 20 ] ، قال: ألفا مئين يعني ألفين. ########################################### القول في تأويل قوله : وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى « المسوَّمة » . فقال بعضهم: هى الراعية.
وقال آخرون: « المسوّمة » : الحسان. وقال آخرون: « الخيل المسوّمة » ، المعلَمة. ********** وقال غيرهم: « المسوّمة » ، المعدّة للجهاد. # قال، قال ابن زيد: « والخيل المسومة » ، قال: المعدّة للجهاد. قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل قوله: « والخيل المسوّمة » ، المعلَمة بالشِّيات، الحسان، الرائعة حسنًا من رآها. لأن « التسويم » في كلام العرب: هو الإعلام. فالخيل الحسان مُعلَمةٌ بإعلام الله إياها بالحسن من ألوانها وشِياتها وهيئاتها، وهي « المطهَّمة » ، أيضًا. ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان في صفة الخيل: بِضُمْـــرٍ كَـــالقِدَاحِ مُســوَّماتٍ عَلَيْهَـــا مَعْشَــرٌ أَشْــبَاهُ جِــنِّ يعني ب « المسوّمات » ، المعلمات، وقول لبيد: وَغَــدَاةَ قَــاعِ القُــرْنَتَيْنِ أَتَيْنَهُـمْ زُجَــلا يُلُــوحُ خِلالَهَــا التَّسْـوِيمُ فمعنى تأويل من تأول ذلك: « المطهمةَ، والمعلمة، والرائعة » ، واحدٌ. ************ وأما قول من تأوّله بمعنى: الراعية، فإنه ذهب إلى قول القائل: « أسمْتُ الماشية فأنا أُسيمها إسامة » ، إذا رعيتها الكلأ والعشب، كما قال الله عز وجل: وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [ سورة النحل: 10 ] ، بمعنى: ترعَوْن، ومنه قول الأخطل: مِثْـلَ ابْـنِ بَزْعَـةَ أَوْ كـآخَرَ مِثْلِـهِ, أَوْلَـى لَـكَ ابْـنَ مُسِـيمَةِ الأجْمَـالِ! يعني بذلك: راعية الأجمال. فإذا أريد أنّ الماشية هي التي رعت، قيل: « سامت الماشية تسوم سومًا » ، ولذلك قيل: « إبل سائمة » ، بمعنى: راعية، غير أنه غير مستفيض في كلامهم: « سوَّمتُ الماشيةَ » ، بمعنى أرعيتها، وإنما يقال إذا أريد ذلك: « أسمتها » . فإذْ كان ذلك كذلك، فتوجيه تأويل « المسوّمة » إلى أنها « المعلمة » بما وصفنا من المعاني التي تقدم ذكرها، أصحّ. وأما الذي قاله ابن زيد: من أنها المعدّة في سبيل الله، فتأويل من معنى « المسوّمة » ، بمعزِلٍ. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:00 pm | |
| القول في تأويل قوله : وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ قال أبو جعفر: فـ « الأنعام » جمع « نَعَم » ، وهي الأزواج الثمانية التي ذكرها في كتابه: من الضّأن والمعِز والبقر والإبل. وأما « الحرث » ، فهو الزّرع. وتأويل الكلام: زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء، ومن البنين، ومن كذا، ومن كذا، ومن الأنعام والحرث. ########################################### القول في تأويل قوله : ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ( 14 ) قال أبو جعفر: يعني بقوله جَل ثناؤه: « ذلك » ، جميعَ ما ذُكر في هذه الآية من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث. فكنى بقوله: « ذلك » عن جميعهن. وهذا يدل على أن « ذلك » يشتمل على الأشياء الكثيرة المختلفة المعاني، ويكنى به عن جميع ذلك. ########################################### وأما قوله: « متاع الحياة الدنيا » ، فإنه خبر من الله عن أن ذلك كله مما يَستمتع به في الدنيا أهلها أحياءً، فيتبلَّغون به فيها، ويجعلونه وُصْلة في معايشهم، وسببًا لقضاء شهواتهم، التي زُيِّن لهم حبها في عاجل دنياهم، دون أن تكون عدّة لمعادهم، وقُرْبة لهم إلى ربهم، إلا ما أسلِك في سبيله، وأنفق منه فيما أمَر به. ########################################### وأما قوله: « والله عنده حسن المآب » ، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه: وعند الله حُسن المآب يعني: حسن المرْجع، ** وهو مصدر على مثال « مَفْعَل » من قول القائل: « آب الرجل إلينا » ، إذا رجع، « فهو يؤوب إيابًا وأوبة وأيبةً وَمآبًا » ، غير أن موضع الفاء منها مهموز، والعين مبدلة من « الواو » إلى « الألف » بحركتها إلى الفتح. فلما كان حظها الحركة إلى الفتح، وكانت حركتها منقولة إلى الحرف الذي قبلها - وهو فاء الفعل - انقلبت فصارت « ألفا » ، كما قيل: « قال » فصارت عين الفعل « ألفًا » ، لأن حظها الفتح. « والمآب » مثل « المقال » و « المعاد » و « المجال » ، كل ذلك « مفعَل » منقولة حركة عينه إلى فائه، فمصيَّرةٌ واوه أو ياؤه « ألفًا » لفتحة ما قبلها. ########################################### قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وكيف قيل: « والله عنده حسن المآب » ، وقد علمتَ ما عنده يومئذ من أليم العذاب وشديد العقاب؟ قيل: إن ذلك معنىّ به خاصٌ من الناس، ومعنى ذلك: والله عنده حسن المآب للذين اتقوا ربهم. وقد أنبأنا عن ذلك في هذه الآية التي تليها. فإن قال: وما « حسن المآب » ؟ قيل: هو ما وصفه به جل ثناؤه، وهو المرجع إلى جنات تجري من تحتها الأنهار مُخلَّدًا فيها، وإلى أزواج مطهرة ورضوان من الله. ########################################### القول في تأويل قوله : قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ( 15 ) قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: قل، يا محمد، للناس الذين زُيِّن لهم حب الشهوات من النساء والبنين، وسائر ما ذكر ربنا جل ثناؤه: « أؤنبئكم » ، أأخبركم وأعلمكم « بخير من ذلكم » ، يعني: بخير وأفضل لكم « من ذلكم » ، يعني: مما زُيِّن لكم في الدنيا حبُّ شهوته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأنواع الأموال التي هي متاع الدنيا. ثم اختلف أهل العربية في الموضع الذي تناهى إليه الاستفهام من هذا الكلام. فقال بعضهم: تناهى ذلك عند قوله: « من ذلكم » ، ثم ابتدأ الخبر عما للذين اتقوا عند ربهم، فقيل: « للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها » ، فلذلك رفع « الجنات » . ومن قال هذا القول لم يجز في قوله: « جنات تجري من تحتها الأنهار » إلا الرفع، وذلك أنه خبر مبتدأ غيرُ مردود على قوله: « بخير » ، فيكون الخفض فيه جائزا. وهو وإن كان خبرًا مبتدأ عندهم، ففيه إبانة عن معنى « الخير » الذي أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: للناس: أؤنبئكم به؟ « والجنات » على هذا القول مرفوعة باللام التي في قوله: « للذين اتقوا عند ربهم » . *********** وقال آخرون منهم بنحو من هذا القول، إلا أنهم قالوا: إن جعلت اللام التي في قوله: « للذين » من صلة « الإنباء » ، جاز في « الجنات » الخفض والرفع: الخفضُ على الرد على « الخير » ، والرفع على أن يكون قوله: « للذين اتقوا » خبرَ مبتدأ، على ما قد بيَّناه قبلُ. وقال آخرون: بل منتهى الاستفهام قوله: « عند ربهم » ، ثم ابتدأ: « جناتٌ تجري من تحتها الأنهار » . وقالوا: تأويل الكلام: « قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم » ، ثم كأنه قيل: « ماذا لهم » . أو: « ما ذاك » ؟ فقال: هو « جناتٌ تجري من تحتها الأنهار » ، الآية. قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من جعل الاستفهام متناهيًا عند قوله: « بخير من ذلكم » ، والخبر بعده مبتدأ عمن له الجنات بقوله: « للذين اتقوا عند ربهم جنات » ، فيكون مخرج ذلك مخرج الخبر، وهو إبانة عن معنى « الخير » الذي قال: أؤنبئكم به؟ فلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير. قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: وأما قوله: « خالدين فيها » ، فمنصوب على القطع ########################################### ومعنى قوله: « للذين اتقوا » ، للذين خافوا الله فأطاعوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. « عند ربهم » ، يعني بذلك: لهم جنات تجري من تحتها الأنهار عند ربهم. « والجنات » ، البساتين، وقد بينا ذلك بالشواهد فيما مضى وأنّ قوله: « تجري من تحتها الأنهار » ، يعني به: من تحت الأشجار، وأن « الخلود » فيها دوام البقاء فيها، وأن « الأزواج المطهرة » ، هن نساء الجنة اللواتي طُهِّرن من كل أذًى يكون بنساء أهل الدنيا، من الحيض والمنىّ والبوْل والنفاس وما أشبه ذَلك من الأذى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:01 pm | |
| وقوله: « ورِضْوَانٌ من الله » ، يعني: ورضى الله، وهو مصدر من قول القائل: « رَضي الله عن فلان فهو يَرْضى عنه رضًى » منقوص « ورِضْوانًا ورُضْوانًا ومَرْضاةً » . فأما « الرُّضوان » بضم الراء، فهو لغة قيس، وبه كان عاصم يقرأ. قال أبو جعفر: وإنما ذكر الله جل ثناؤه فيما ذكر للذين اتقوا عنده من الخير رضْوانَه، لأن رضوانه أعلى منازل كرامة أهل الجنة، كما:-
########################################### وقوله: « والله بصير بالعباد » ، يعني بذلك: واللهُ ذو بصر بالذي يتقيه من عباده فيخافه، فيطيعه، ويؤثر ما عنده مما ذكر أنه أعدّه للذين اتقوه على حُبّ ما زُيِّنَ له في عاجل الدنيا من شهوات النساء والبنين وسائر ما عدّد منها تعالى ذكره وبالذي لا يتقيه فيخافه، ولكنه يعصيه ويطيع الشيطان ويؤثر ما زيِّن له في الدنيا من حب شهوة النساء والبنين والأموال، على ما عنده من النعيم المقيم عالمٌ تعالى ذكره بكلّ فريق منهم، حتى يجازي كلَّهم عند معادهم إليه جزاءَهم، المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته. | |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:02 pm | |
| القول في تأويل قوله : الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( 16 ) قال أبو جعفر:
ومعنى ذلك. قل هل أنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا، [ الذين ] يقولون: « ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار » . وقد يحتمل « الذين يقولون » ، وجهين من الإعراب: الخفض على الردّ على « الذين » الأولى، والرفع على الابتداء، إذ كان في مبتدأ آية أخرى غير التي فيها « الذين » الأولى، فيكون رفعها نظير قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [ سورة التوبة: 111 ] ، ثم قال في مبتدأ الآية التي بعدها: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ [ سورة التوبة: 112 ] . ولو كان جاء ذلك مخفوضًا كان جائزًا. __________________________________________
ومعنى قوله: « الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا » : الذين يقولون: إننا صدّقنا بك وبنبيك وما جاء به من عندك « فاغفر لنا ذنوبنا » ، يقول: فاستر علينا ذنوبنا، بعفوك عنها، وتركك عقوبتنا عليها « وقنا عذاب النار » ، ادفع عنا عذابك إيانا بالنار أن تعذبنا بها. وإنما معنى ذلك: لا تعذبنا يا ربنا بالنار. وإنما خصّوا المسألةَ بأن يقيهم عذاب النار، لأن من زُحزح يومئذ عن النار فقد فاز بالنجاة من عذاب الله وحسن مآبه. وأصل قوله: « قنا » من قول القائل: « وقى الله فلانًا كذا » ، يراد: دفع عنه، « فهو يقيه » . فإذا سأل بذلك سائلٌ قال: « قِنِى كذا » . __________________________________________ القول في تأويل قوله : الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ قال أبو جعفر: يعني بقوله: « الصابرين » ، الذين صبروا في البأساء والضراء وحين البأس. ويعني بـ « الصادقين » ، الذين صدقوا الله في قولهم بتحقيقهم الإقرارَ به وبرسوله وما جاء به من عنده، بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه. ويعني بـ « القانتين » ، المطيعين له. وقد أتينا على الإبانة عن كل هذه الحروف ومعانيها بالشواهد على صحة ما قلنا فيها، وبالأخبار عمن قال فيها قولا فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد كان قتادة يقول في قوله: « الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين » ، « الصادقين » : قوم صدَقت أفواههم واستقامت قُلوبهم وألسنتهم، وصَدقوا في السرّ والعلانية « والصابرين » ، قوم صبروا على طاعة الله، وصَبروا عن محارمه « والقانتون » ، هم المطيعون لله. __________________________________________ وأما « المنفقون » ، فهم المؤتون زكوات أموالهم، وواضعوها على ما أمرهم الله بإتيانها، والمنفقون أموالهم في الوجوه التي أذن الله لهم جل ثناؤه بإنفاقها فيها. __________________________________________
وأما « الصابرين » و « الصادقين » ، وسائر هذه الحروف، فمخفوض ردًا على قوله: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا ، والخفض في هذه الحروف يدل على أن قوله: الَّذِينَ يَقُولُونَ خفض، ردًّا على قوله: لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ . __________________________________________ القول في تأويل قوله : وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ( 17 ) قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في القوم الذين هذه الصفة صفتهم. فقال بعضهم: هم المصلون بالأسحار. وقال آخرون: هم المستغفرون. وقال آخرون: هم الذين يشهدون الصّبح في جماعة. __________________________________________
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل قوله: « والمستغفرين بالأسحار » ، قول من قال: هم السائلون ربهم أن يستر عليهم فضيحتهم بها. « بالأسحار » وهى جمع « سَحَر » . وأظهر معاني ذلك أن تكون مسألتهم إياه بالدعاء. وقد يحتمل أن يكون معناه: تعرّضهم لمغفرته بالعمل والصلاة، غيرَ أنّ أظهر معانيه ما ذكرنا من الدعاء. __________________________________________
القول في تأويل قوله : شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 18 ) قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وشهدت الملائكة، وأولو العلم. فـ « الملائكة » معطوف بهم على اسم « الله » ، و « أنه » مفتوحة بـ « شهد » . قال أبو جعفر: وكان بعض البصريين يتأول قوله: « شهد الله » ، قضى الله، ويرفع « الملائكة » ، بمعنى: والملائكة شهود وأولو العلم. وهكذا قرأت قرأة أهل الإسلام بفتح الألف من « أنه » ، على ما ذكرت من إعمال « شهد » في « أنه » الأولى، وكسر الألف من « إن » الثانية وابتدائها. سوى أنّ بعض المتأخرين من أهل العربية، كان يقرأ ذلك جميعًا بفتح ألفيهما، بمعنى: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وأنّ الدين عند الله الإسلام - فعطف بـ « أن الدين » على « أنه » الأولى، ثم حذف « واو » العطف، وهى مرادة في الكلام. واحتج في ذلك بأن ابن عباس قرأ ذلك: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ ) الآية. ثم قال: إِنَّ الدِّينَ ، بكسر « إنّ » الأولى، وفتح « أنّ » الثانية بإعمال « شهد » فيها، وجعل « أن » الأولى اعتراضًا في الكلام غير عامل فيها « شَهد » وأن ابن مسعود قرأ: « شهد الله أنه لا إله إلا هو » بفتح « أن » وكسر « إنّ » من: « إنّ الدّين عند الله الإسلام » على معنى إعمال « الشهادة » في « أن » الأولى، و « أن » الثانية مبتدأة. فزعم أنه أراد بقراءته إياهما بالفتح، جمع قراءة ابن عباس وابن مسعود. فخالف بقراءته ما قرأ من ذلك على ما وصفت، جميعَ قرأة أهل الإسلام المتقدّمين منهم والمتأخرين، بدعوى تأويلٍ على ابن عباس وابن مسعود، زعم أنهما قالاه وقرآ به. وغيرُ معلوم ما ادّعى عليهما برواية صحيحة ولا سقيمة. وكفى شاهدًا على خطأ قراءته، خروجها من قراءة أهل الإسلام.
| |
|
| |
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة آل عمران الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:02 pm | |
| قال أبو جعفر: فالصواب إذ كان الأمر على ما وصفنا من قراءة ذلك - فتحُ الألف من « أنه » الأولى، وكسر الألف من « إنّ » الثانية، أعني من قوله: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ، ابتداءً. وقد روي عن السدي في تأويل ذلك قول كالدالّ على تصحيح ما قرأ به في ذلك من ذكرنا قوله من أهل العربية، في فتح « أنّ » من قوله: « أنّ الدين » ، وهو ما:- روي عن السدي: « شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة » إلى « لا إله إلا هو العزيز الحكيم » ، قال: الله يشهد هو والملائكة والعلماء من الناس: أنّ الدين عند الله الإسلام. فهذا التأويل يدل على أن « الشهادة » إنما هي عاملة في « أنّ » الثانية التي في قوله: « إن الدين عند الله الإسلام » . فعلى هذا التأويل جائز في « أن » الأولى وجهان من التأويل:
أحدهما: أن تكون الأولى منصوبةً على وجه الشرط، بمعنى: شهد الله بأنه واحد فتكون مفتوحة بمعنى الخفض في مذهب بعض أهل العربية، وبمعنى النصب في مذهب بعضهم « والشهادة » عاملة في « أن » الثانية، كأنك قلت: شهد الله أن الدّين عند الله الإسلام، لإنه واحدٌ، ثم تقدم « لأنه واحد » ، فتفتحها على ذلك التأويل.
والوجه الثاني: أن تكون « إنّ » الأولى مكسورة بمعنى الابتداء، لأنها معترضٌ بها، « والشهادة » واقعة على « أنّ » الثانية: فيكون معنى الكلام: شهد الله فإنه لا إله إلا هو - والملائكة، أنّ الدين عند الله الإسلام، كقول القائل: « أشهد - فإني محقٌ - أنك مما تعاب به برئ » ، فـ « إن » الأولى مكسورة، لأنها معترضة، « والشهادة » واقعة على « أنّ » الثانية. قال أبو جعفر: وأما قوله: « قائمًا بالقسط » ، فإنه بمعنى: أنه الذي يلي العدل بين خلقه. « والقسط » ، هو العدل، من قولهم: « هو مقسط » و « قد أقسط » ، إذا عَدَل. ونصب « قائمًا » على القطع. __________________________________________ وكان بعض نحويي أهل البصرة يزعم أنه حال من « هو » التي في « لا إله إلا هو » . وكان بعض نحويي الكوفة يزعم أنه حالٌ من اسم « الله » الذي مع قوله: « شهد الله » ، فكان معناه: شهد الله القائمُ بالقسط أنه لا إله إلا هو. وقد ذُكر أنها في قراءة ابن مسعود كذلك: ( وَأُولُو الْعِلْمِ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ ) ، ثم حذفت « الألف واللام » من « القائم » ، فصار نكرة وهو نعت لمعرفة، فنصب. __________________________________________
قال أبو جعفر: وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي، قولُ من جعله قَطعًا، على أنه من نعت الله جل ثناؤه، لأن « الملائكة وأولي العلم » ، معطوفون عليه. فكذلك الصحيح أن يكون قوله: « قائمًا » حالا منه. __________________________________________ وأما تأويل قوله: « لا إله إلا هو العزيز الحكيم » ، فإنه نفى أن يكون شيء يستحقّ العُبودَة غير الواحد الذي لا شريك له في ملكه. ويعني ب « العزيز » ، الذي لا يمتنع عليه شيء أراده، ولا ينتصر منه أحد عاقبه أو انتقم منه « الحكيم » في تدبيره، فلا يدخله خَلل. __________________________________________ قال أبو جعفر: وإنما عنى جل ثناؤه بهذه الآية نَفْيَ ما أضافت النصارَى الذين حاجُّوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في عيسى من البنوّة، وما نسب إليه سائرُ أهل الشرك من أنّ له شريكًا، واتخاذهم دونه أربابًا. فأخبرهم الله عن نفسه أنه الخالقُ كلّ ما سواه، وأنه ربّ كلِّ ما اتخذه كل كافر وكل مشرك ربًّا دونه، وأنّ ذلك مما يشهد به هو وملائكته وأهلُ العلم به من خلقه. فبدأ جل ثناؤه بنفسه، تعظيمًا لنفسه، وتنـزيهًا لها عما نسب الذين ذكرنا أمرهم من أهل الشرك به - ما نسبوا إليها، كما سنّ لعباده أن يبدءوا في أمورهم بذكره قبل ذكر غيره، مؤدِّبًا خلقه بذلك. والمرادُ من الكلام، الخبرُ عن شهادة من ارتضاهم من خلقه فقدّسوه: من ملائكته وعلماء عباده. فأعلمهم أن ملائكته - التي يعظِّمها العابدون غيره من أهل الشرك ويعبدُها الكثير منهم - وأهلَ العلم منهم، منكرون ما هم عليه مقيمون من كفرهم وقولهم في عيسى، وقولَ من اتخذ ربًّا غيره من سائر الخلق، فقال: شهدت الملائكة وأولُو العلم أنه لا إله إلا هو، وأن كل من اتخذ ربًّا دون الله فهو كاذبٌ احتجاجًا منه لنبيه عليه السلام على الذين حاجُّوه من وفد نجران في عيسى. واعترض بذكر الله وصفته، على ما بيَّنتُ، كما قال جل ثناؤه: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [ سورة الأنفال: 41 ] ، افتتاحًا باسمه الكلام، فكذلك افتتح باسمه والثناء على نفسه الشهادةَ بما وصفناه: من نَفْي الألوهة عن غيره، وتكذيب أهل الشرك به. فأما ما قال الذي وصفنا قوله: من أنه عنى بقوله: « شهد » ، قضى - فمما لا يعرف في لغة العرب ولا العجم، لأن « الشهادة » ، معنًى، « والقضاء » غيرها.
| |
|
| |
| تأويل سورة آل عمران | |
|