تأويل سورة الصف
##################
قال تعالى "
{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } * { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ }
قال الطبري رحمه الله "
يقول جلّ ثناؤه: { سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّمَوَاتِ } السبع { وَما فِي الأرْضِ } من الخلق، مُذعنين له بالألوهية والربوبية { وَهُوَ العَزِيزُ } في نقمته ممن عصاه منهم، فكفر به، وخالف أمره { الْحَكِيمُ } في تدبيره إياهم.
************************
قال الطبري رحمه الله "
وقوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا صدّقوا الله ورسوله، لم تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم { كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ } يقول: عظم مقتاً عند ربكم قولكم ما لا تفعلون.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أُنْزلت هذه الآية، فقال بعضهم: أُنزلت توبيخاً من الله لقوم من المؤمنين، تمنوا معرفة أفضل الأعمال، فعرّفهم الله إياه، فلما عرفوا قصروا، فعوتبوا بهذه الآية.
***************
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول فعلت كذا وكذا، فعذلهم الله على افتخارهم بما لم يفعلوا كذباً.
************************
وقال آخرون: بل هذا توبيخ من الله لقوم من المنافقين، كانوا يَعِدُونَ المؤمنين النصر وهم كاذبون.
****************
قال الطبري رحمه الله "
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عنى بها الذين قالوا: لو عرفنا أحبّ الأعمال إلى الله لعملنا به، ثم قصروا في العمل بعدما عرفوا.
وإنما قلنا: هذا القول أولى بها، لأن الله جلّ ثناؤه خاطب بها المؤمنين، فقال: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا } ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسموْا، ولم يوصفوا بالإيمان، ولو كانوا وصفوا أنفسهم بفعل ما لم يكونوا فعلوه، كانوا قد تعمدوا قيل الكذب، ولم يكن ذلك صفة القوم، ولكنهم عندي أمَّلوا بقولهم: لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله عملناه أنهم لو علموا بذلك عملوه فلما علموا ضعفت قوى قوم منهم، عن القيام بما أملوا القيام به قبل العلم، وقوي آخرون فقاموا به، وكان لهم الفضل والشرف.
********************
واختلفت أهل العربية في معنى ذلك، وفي وجه نصب قوله: { كَبُرَ مَقْتاً } فقال بعض نحويي البصرة: قال: { كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ }: أي كبر مقتكم مقتاً، ثم قال: { أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ }: أذى قولكم.
وقال بعض نحويي الكوفة: قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ }: كان المسلمون يقولون: لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله لأتيناه، ولو ذهبت فيه أنفسنا وأموالنا فلما كان يوم أُحد، نزلوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى شُجّ، وكُسرت رباعيته، فقال: { لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ } ، ثم قال: { كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ } كبر ذلك مقتاً: أي فأن في موضع رفع، لأن كبر كقوله: بئس رجلاً أخوك. ***************************
وقوله: { كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا } ، أُضْمِرَ في كبر اسم يكون مرفوعاً.
والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله { مَقْتاً } منصوب على التفسير، كقول القائل: كبر قولاً هذا القول.