|
| سورة البقرة | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 1:55 pm | |
| إن الصلاة صلة ولقاء بين العبد والرب . صلة يستمد منها القلب قوة , وتحس فيها الروح صلة ; وتجد فيها النفس زادا أنفس من أعراض الحياة الدنيا . . ولقد كان رسول الله [ ص ] إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة , وهو الوثيق الصلة بربه الموصول الروح بالوحي والإلهام . . وما يزال هذا الينبوع الدافق في متناول كل مؤمن يريد زادا للطريق , وريا في الهجير , ومددا حين ينقطع المدد , ورصيدا حين ينفد الرصيد . .
واليقين بلقاء الله - واستعمال ظن ومشتقاتها في معنى اليقين كثير في القرآن وفي لغة العرب عامة - واليقين بالرجعة إليه وحده في كل الأمور . . هو مناط الصبر والاحتمال ; وهو مناط التقوى والحساسية . كما أنه مناط الوزن الصحيح للقيم:قيم الدنيا وقيم الآخرة . ومتى استقام الميزان في هذه القيم بدت الدنيا كلها ثمنا قليلا , وعرضا هزيلا ; وبدت الآخرة على حقيقتها , التي لا يتردد عاقل في اختيارها وإيثارها .
وكذلك يجد المتدبر للقرآن في التوجيه الذي قصد به بنو إسرائيل أول مرة , توجيها دائما مستمر الإيحاء للجميع . .
الدرس الثاني:47 - 48:تذكير اليهود وتهديدهم
ومن ثم عودة إلى نداء بني إسرائيل , وتذكيرهم بنعمة الله عليهم , وتخويفهم ذلك اليوم المخيف إجمالا قبل الأخذ في التفصيل:
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم , وأني فضلتكم على العالمين . واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا , ولا يقبل منها شفاعة , ولا يؤخذ منها عدل , ولا هم ينصرون).
وتفضيل بني إسرائيل على العالمين موقوت بزمان استخلافهم واختيارهم , فأما بعد ما عتوا عن أمر ربهم , وعصوا أنبياءهم , وجحدوا نعمة الله عليهم , وتخلوا عن التزاماتهم وعهدهم , فقد اعلن الله حكمه عليهم باللعنة والغضب والذلة والمسكنة , وقضى عليهم بالتشريد وحق عليهم الوعيد .
وتذكيرهم بتفضيلهم على العالمين , هو تذكير لهم بما كان لهم من فضل الله وعهده ; وإطماع لهم لينتهزوا | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 1:56 pm | |
| وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
الفرصة المتاحة على يدي الدعوة الإسلامية , فيعودوا إلى موكب الإيمان . وإلى عهد الله ; شكرا على تفضيله لآبائهم , ورغبة في العودة إلى مقام التكريم الذي يناله المؤمنين .
ومع الإطماع في الفضل والنعمة , التحذير من اليوم الذي يأتي وصفه:
(لا تجزي نفس عن نفس شيئا). .
فالتبعة فردية , والحساب شخصي , وكل نفس مسؤولة عن نفسها , ولا تغني نفس عن نفس شيئا . . وهذا هو المبدأ الإسلامي العظيم . مبدأ التبعة الفردية القائمة على الإرادة والتمييز من الإنسان , وعلى العدل المطلق من الله . وهو أقوم المباديء التي تشعر الإنسان بكرامته , والتي تستجيش اليقظة الدائمة في ضميره . وكلاهما عامل من عوامل التربية , فوق أنه قيمة إنسانية تضاف إلى رصيده من القيم التي يكرمه بها الإسلام .
(ولا يقبل منها شفاعة . ولا يؤخذ منها عدل).
فلا شفاعة تنفع يومئذ من لم يقدم إيمانا وعملا صالحا ; ولا فدية تؤخذ منه للتجاوز عن كفره ومعصيته .
(ولا هم ينصرون). .
فما من ناصر يعصمهم من الله , وينجيهم من عذابه . . وقد عبر هنا بالجمع باعتبار مجموع النفوس التي لا تجزي نفس منها عن نفس , ولا يقبل منها شفاعة , ولا يؤخذ منها عدل , وانصرف عن الخطاب في أول الآية إلى صيغة الغيبة في آخرها للتعميم . فهذا مبدأ كلي ينال المخاطبين وغير المخاطبين من الناس أجمعين .
الدرس الثالث:49 - 50:عد بعض نعم الله عليهم
بعدئذ يمضي يعدد آلاء الله عليهم , وكيف استقبلوا هذه الآلاء , وكيف جحدوا وكفروا وحادوا عن الطريق . وفي مقدمة هذه النعم كانت نجاتهم من آل فرعون ومن العذاب الأليم: | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 1:56 pm | |
| وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب , يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم . وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون). .
إنه يعيد على خيالهم ويستحيي في مشاعرهم صورة الكرب الذي كانوا فيه - باعتبار أنهم أبناء هذا الأصل البعيد - ويرسم أمامهم مشهد النجاة كما رسم أمامهم مشاهد العذاب .
يقول لهم:واذكروا إذ نجيناكم من آل فرعون حالة ما كانوا يديمون عذابكم , [ من سام الماشية أي جعلها سائمة ترعى دائما ] وكأن العذاب كان هو الغذاء الدائم الذي يطعمونهم إياه !! ثم يذكر لونا من هذا العذاب . هو تذبيح الذكور واستيحاء الإناث . كي يضعف ساعد بني إسرائيل وتثقل تبعاتهم !
وقبل أن يعرض مشهد النجاة يعقب بأن ذلك التعذيب كان فيه بلاء من ربهم عظيم . ليلقي في حسهم - وحس كل من يصادف شدة - أن إصابة العباد بالشدة هي امتحان وبلاء , واختبار وفتنة . وأن الذي يستيقظ لهذه الحقيقة يفيد من الشدة , ويعتبر بالبلاء , ويكسب من ورائهما حين يستيقظ . والألم لا يذهب ضياعا إذا أدرك صاحبه أنه يمر بفترة امتحان لها ما بعدها إن أحسن الانتفاع بها . والألم يهون على النفس حين تعيش بهذا التصور وحين تدخر ما في التجربة المؤلمة من زاد للدنيا بالخبرة والمعرفة والصبر والاحتمال , ومن زاد للآخرة باحتسابها عند الله , وبالتضرع لله وبانتظار الفرج من عنده وعدم اليأس من رحمته . . ومن ثم هذا التعقيب الموحى: (وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم).
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
فإذا فرغ من التعقيب جاء بمشهد النجاة بعد مشاهد العذاب . .
(وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون). . وقد وردت تفصيلات هذه النجاة في السور المكية التي نزلت من قبل . أما هنا فهو مجرد التذكير لقوم يعرفون القصة . سواء من القرآن المكي , أو من كتبهم وأقاصيصهم المحفوظة . إنما يذكرهم بها في صورة | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 1:57 pm | |
| مشهد , ليستعيدوا تصورها , ويتأثروا بهذا التصور , وكأنهم هم الذين كانوا ينظرون إلى فرق البحر , ونجاة بني إسرائيل بقيادة موسى - عليه السلام - على مشهد منهم ومرأى ! وخاصية الاستحياء هذه من أبرز خصائص التعبير القرآني العجيب .
الدرس الرابع :51 - 54 : عقوبتهم لعبادتهم العجل
ثم يمضي السياق قدما مع رحلة بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر ناجين:
(وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة , ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون . ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون . وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون . وإذ قال موسى لقومه:يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل , فتوبوا إلى بارئكم , فاقتلوا أنفسكم , ذلكم خير لكم عند بارئكم , فتاب عليكم , إنه هو التواب الرحيم). .
وقصة اتخاذ بني إسرائيل للعجل , وعبادته في غيبة موسى - عليه السلام - عندما ذهب إلى ميعاد ربه على الجبل , مفصلة في سورة طه السابقة النزول في مكة . وهنا فقط يذكرهم بها , وهي معروفة لديهم . يذكرهم بانحدارهم إلى عبادة العجل بمجرد غيبة نبيهم , الذي أنقذهم باسم الله , من آل فرعون يسومونهم سوء العذاب . ويصف حقيقة موقفهم في هذه العبادة: (وأنتم ظالمون). . ومن أظلم ممن يترك عبادة الله ووصية نبيه ليعبد عجلا جسدا , وقد أنقذه الله ممن كانوا يقدسون العجول !
ومع هذا فقد عفا الله عنهم , وآتى نبيهم الكتاب - وهو التوراة - فيه فرقان بين الحق والباطل , عسى أن يهتدوا إلى الحق البين بعد الضلال .
ولم يكن بد من التطهير القاسي ; فهذه الطبيعة المنهارة الخاوية لا تقومها إلا كفارة صارمة , وتأديب عنيف . عنيف في طريقته وفي حقيقته:
(وإذ قال موسى لقومه:يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل , فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم . ذلكم خير لكم عند بارئكم). .
أقتلوا أنفسكم . ليقتل الطائع منكم العاصي . ليطهره ويطهر نفسه . . هكذا وردت الروايات عن تلك الكفارة العنيفة . . وإنه لتكليف مرهق شاق , أن يقتل الأخ أخاه , فكأنما يقتل نفسه برضاه . ولكنه كذلك كان تربية لتلك الطبيعة المنهارة الخوارة , التي لا تتماسك عن شر , ولا تتناهى عن نكر . ولو تناهوا عن المنكر في غيبة نبيهم ما عبدوا العجل . وإذ لم يتناهوا بالكلام فليتناهوا بالحسام ; وليؤدوا الضريبة الفادحة الثقيلة التي تنفعهم وتربيهم ! | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 1:57 pm | |
| وهنا تدركهم رحمة الله بعد التطهير:
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56)
(فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم). .
الدرس الخامس:55 - 57:طلبهم رؤية الله وجحودهم النعمة
ولكن إسرائيل هي إسرائيل ! هي هي كثافة حس , ومادية فكر , واحتجابا عن مسارب الغيب . . فإذا هم يطلبون أن يروا الله جهرة , والذي طلب هذا هم السبعون المختارون منهم , الذين اختارهم موسى لميقات ربه - الذي فصلت قصته في السور المكية من قبل - ويرفضون الإيمان لموسى إلا أن يروا الله عيانا . والقرآن يواجههم هنا بهذا التجديف الذي صدر من آبائهم , لينكشف تعنتهم القديم الذي يشابه تعنتهم الجديد مع الرسول الكريم , وطلبهم الخوارق منه , وتحريضهم بعض المؤمنين على طلب الخوارق للتثبت من صدقه:
(وإذ قلتم:يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون . ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون . وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى . كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). . إن الحس المادي الغليظ هو وحده طريقهم إلى المعرفة . . أم لعله التعنت والمعاجزة . .
والآيات الكثيرة , والنعم الإلهية , والعفو والمغفرة . . كلها لا تغير من تلك الطبيعة الجاسية , التي لا تؤمن إلا بالمحسوس , والتي تظل مع ذلك تجادل وتماحل ولا تستجيب إلا تحت وقع العذاب والتنكيل , مما يوحي بأن فترة الإذلال التي قضوها تحت حكم فرعون الطاغية قد أفسدت فطرتهم إفسادا عميقا . وليس أشد إفسادا للفطرة من الذل الذي ينشئه الطغيان الطويل , والذي يحطم فضائل النفس البشرية , ويحلل مقوماتها , ويغرس فيها المعروف من طباع العبيد:استخذاء تحت سوط الجلاد , وتمردا حين يرفع عنها السوط , وتبطرا حين يتاح لها شيء من النعمة والقوة . . وهكذا كانت إسرائيل , وهكذا هي في كل حين . .
ومن ثم يجدفون هذا التجديف . ويتعنتون هذا التعنت:
(وإذ قلتم:يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة):
ومن ثم يأخذهم الله جزاء ذلك التجديف , وهم على الجبل في الميقات المعلوم: | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 1:58 pm | |
| فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون). .
ومرة أخرى تدركهم رحمة الله , وتوهب لهم فرصة الحياة عسى أن يذكروا ويشكروا , ويذكرهم هنا مواجهة بهذه النعمة:
(ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون). .
ويذكرهم برعايته لهم في الصحراء الجرداء حيث يسر لهم طعاما شهيا لا يجهدون فيه ولا يكدون , ووقاهم هجير الصحراء وحر الشمس المحرق بتدبيره اللطيف:
(وظللنا عليكم الغمام , وأنزلنا عليكم المن والسلوى . كلوا من طيبات ما رزقناكم . وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). .
وتذكر الراويات أن الله ساق لهم الغمام يظللهم من الهاجرة . والصحراء بغير مطر ولا سحب , جحيم يفور بالنار , ويقذف بالشواظ . وهي بالمطر والسحاب رخية ندية تصح فيها الأجسام والأرواح . . وتذكر الروايات كذلك أن الله سخر لهم(المن)يجدونه على الأشجار حلوا كالعسل , وسخر لهم(السلوى)وهو طائر السماني يجدونه بوفرة قريب المنال . وبهذا توافر لهم الطعام الجيد , والمقام المريح , وأحلت لهم هذه الطيبات . . ولكن
وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (59)
أتراهم شكروا واهتدوا . . إن التعقيب الأخير في الآية يوحي بأنهم ظلموا وجحدوا . وإن كانت عاقبة ذلك عليهم , فما ظلموا إلا أنفسهم !
(وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). .
الدرس السادس:58 - 59:عقابهم على مخالفة دخولهم القرية
ويمضي السياق في مواجهتهم بما كان منهم من انحراف ومعصية وجحود:
(وإذ قلنا:ادخلوا هذه القرية , فكلوا منها حيث شئتم رغدا , وادخلوا الباب سجدا , وقولوا:حطة . نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين . فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم , فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء , بما كانوا يفسقون). .
وتذكر بعض الروايات أن القرية المقصودة هنا هي بيت المقدس , التي أمر الله بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر أن يدخلوها , ويخرجوا منها العمالقة الذين كانوا يسكنونها , والتي نكص بنو إسرائيل عنها وقالوا: (يا موسى إن فيها قوما جبارين , وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون). . والتي قالوا بشأنها لنبيهم موسى - عليه السلام -: (إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون !). . ومن ثم كتب عليهم ربهم التيه أربعين سنة , حتى نشأ جيل جديد بقيادة يوشع بن نون , فتح المدينة ودخلها . . ولكنهم بدلا من أن يدخلوها سجدا كما أمرهم الله , علامة على التواضع والخشوع , ويقولوا:حطة . . أي حط عنا ذنوبنا واغفر لنا . . دخلوها على غير الهيئة التي أمروا بها , وقالوا قولا آخر غير الذي أمروا به . . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 1:59 pm | |
| والسياق يواجههم بهذا الحادث في تاريخهم ; وقد كان مما وقع بعد الفترة التي يدور عنها الحديث هنا - وهي عهد موسى - ذلك أنه يعتبر تاريخهم كله وحدة , قديمه كحديثه , ووسطه كطرفيه . . كله مخالفة وتمرد وعصيان وانحراف !
وأيا كان هذا الحادث , فقد كان القرآن يخاطبهم بأمر يعرفونه , ويذكرهم بحادث يعلمونه . . فلقد نصرهم الله فدخلوا القرية المعينة ; وأمرهم أن يدخلوها في هيئة خشوع وخضوع , وأن يدعوا الله ليغفر لهم ويحط عنهم ; ووعدهم أن يغفر لهم خطاياهم , وأن يزيد المحسنين من فضله ونعمته . فخالفوا عن هذا كله كعادة يهود:
(فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم). .
ويخص الذين ظلموا بالذكر . إما لأنهم كانوا فريقا منهم هو الذي بدل وظلم . وإما لتقرير وصف الظلم لهم جميعا , إذا كان قد وقع منهم جميعا .
(فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون). .
والرجز:العذاب . والفسوق:المخالفة والخروج . . وكانت هذه واحدة من أفاعيل بني إسرائيل !
الدرس السابع:60 الإنعام عليهم بالماء في الصحراء
وكما يسر الله لبني إسرائيل الطعام في الصحراء والظل في الهاجرة , كذلك أفاض عليهم الري بخارقة من الخوارق الكثيرة التي أجراها الله على يدي نبيه موسى - عليه السلام - والقرآن يذكرهم بنعمة الله عليهم في هذا المقام , وكيف كان مسلكهم بعد الإفضال والأنعام:
(وإذ استسقى موسى لقومه , فقلنا:اضرب بعصاك الحجر , فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا . قد علم
وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
كل أناس مشربهم . كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين). .
لقد طلب موسى لقومه السقيا . طلبها من ربه فاستجاب له . وأمره أن يضرب حجرا معينا بعصاه , فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا بعدة أسباط بني إسرائيل , وكانوا يرجعون إلى اثني عشر سبطا بعدة أحفاد يعقوب - وهو إسرائيل الذي ينتسبون إليه - وأحفاد إسرائيل - أو يعقوب - هم المعروفون باسم الأسباط , والذين يرد ذكرهم مكررا في القرآن , وهم رؤوس قبائل بني إسرائيل . وكانوا ما يزالون يتبعون النظام القبلي , الذي تنسب فيه القبيلة إلى رأسها الكبير .
ومن ثم يقول: (قد علم كل أناس مشربهم). . أي العين الخاصة بهم من الاثنتي عشرة عينا . وقيل لهم , على سبيل الإباحة والإنعام والتحذير من الاعتداء والإفساد:
(كلوا واشربوا من رزق الله , ولا تعثوا في الأرض مفسدين). . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:00 pm | |
| الدرس الثامن:61 البنية النفسية لليهود وموقفهم من أداء أمانة التكليف
لقد كانوا بين الصحراء بجدبها وصخورها , والسماء بشواظها ورجومها . فأما الحجر فقد أنبع الله لهم منه الماء , وأما السماء فأنزل لهم منها المن والسلوى:عسلا وطيرا . . ولكن البنية النفسية المفككة , والجبلة الهابطة المتداعية , أبت على القوم أن يرتفعوا إلى مستوى الغاية التي من أجلها أخرجوا من مصر , ومن أجلها ضربوا في الصحراء . . لقد أخرجهم الله - على يدي نبيهم موسى - عليه السلام - من الذل والهوان ليورثهم الأرض المقدسة , وليرفعهم من المهانة والضعة . . وللحرية ثمن , وللعزة تكاليف , وللأمانة الكبرى التي ناطهم الله بها فدية . ولكنهم لا يريدون أن يؤدوا الثمن , ولا يريدون أن ينهضوا بالتكاليف , ولا يريدون أن يدفعوا الفدية . حتى بأن يتركوا مألوف حياتهم الرتيبة الهينة . حتى بأن يغيروا مألوف طعامهم وشرابهم , وأن يكيفوا أنفسهم بظروف حياتهم الجديدة , في طريقهم إلى العزة والحرية والكرامة . إنهم يريدون الأطعمة المنوعة التي ألفوها في مصر . يريدون العدس والثوم والبصل والقثاء . . وما إليها ! وهذا ما يذكرهم القرآن به . وهم يدعون في المدينة دعاواهم العريضة:
(وإذ قلتم:يا موسى لن نصبر على طعام واحد , فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها . قال:أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ? اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم . . وضربت عليهم الذلة والمسكنة , وباؤوا بغضب من الله , ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق . ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون). .
ولقد تلقى موسى - عليه السلام - طلبهم بالاستنكار:
(أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ?). .
أتريدون الدنية وقد أراد الله لكم العلية ?
(اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم). .
إما بمعنى أن ما يطلبونه هين زهيد , لا يستحق الدعاء ; فهو موفور في أي مصر من الأمصار , فاهبطوا أية مدينة فإنكم واجدوه فيها . . وإما بمعنى عودوا إذن إلى مصر التي أخرجتم منها . . عودوا إلى حياتكم الدارجة المألوفة . إلى حياتكم الخانعة الذليلة . . حيث تجدون العدس والبصل والثوم والقثاء ! ودعوا الأمور الكبار التي ندبتم لها . . ويكون هذا من موسى - عليه السلام - تأنيبا لهم وتوبيخا . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:01 pm | |
| وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62)
وأنا أرجح هذا التأويل الذي استبعده بعض المفسرين , أرجحه بسبب ما أعقبه في السياق من قوله تعالى:
(وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله). .
فإن ضرب الذلة والمسكنة عليهم , وعودتهم بغضب الله , لم يكن - من الناحية التاريخية - في هذه المرحلة من تاريخهم ; إنما كان فيما بعد , بعد وقوع ما ذكرته الآية في ختامها:
(ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله , ويقتلون النبيين بغير الحق . ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون).
وقد وقع هذا منهم متأخرا بعد عهد موسى بأجيال . إنما عجل السياق بذكر الذلة والمسكنة والغضب هنا لمناسبته لموقفهم من طلب العدس والبصل والثوم والقثاء ! فناسب أن يكون قول موسى لهم , (اهبطوا مصرا)هو تذكير لهم بالذل في مصر , وبالنجاة منه , ثم هفوة نفوسهم للمطاعم التي ألفوها في دار الذل والهوان !
الدرس التاسع:62:من المقبول من الطوائف الأربعة
ولم يشهد تاريخ أمة ما شهده تاريخ إسرائيل من قسوة وجحود واعتداء وتنكر للهداة . فقد قتلوا وذبحوا ونشروا بالمناشير عددا من أنبيائهم - وهي أشنع فعلة تصدر من أمة مع دعاة الحق المخلصين - وقد كفروا أشنع الكفر , واعتدوا أشنع الاعتداء , وعصوا أبشع المعصية . وكان لهم في كل ميدان من هذه الميادين أفاعيل ليست مثلها أفاعيل !
ومع هذا كله فقد كانت لهم دعاوى عريضة عجيبة . كانوا دائما يدعون أنهم هم وحدهم المهتدون , وهم وحدهم شعب الله المختار , وهم وحدهم الذين ينالهم ثواب الله ; وأن فضل الله لهم وحدهم دون شريك . . وهنا يكذب القرآن هذه الدعوى العريضة , ويقرر قاعدة من قواعده الكلية , التي تتخلل القصص القرآني , أو تسبقه أو تتلوه . يقرر قاعدة وحدة الإيمان . . ووحدة العقيدة , متى انتهت إلى إسلام النفس لله , والإيمان به إيمانا ينبثق منه العمل الصالح . وإن فضل الله ليس حجرا محجورا على عصبية خاصة , إنما هو للمؤمنين أجمعين , في كل زمان وفي كل مكان , كل بحسب دينه الذي كان عليه , حتى تجيء الرسالة التالية بالدين الذي يجب أن يصير المؤمنون إليه:
(إن الذين آمنوا , والذين هادوا , والنصارى , والصابئين - من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا - فلهم أجرهم عند ربهم , ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). .
والذين آمنوا يعني بهم المسلمين . والذين هادوا هم اليهود - إما بمعنى عادوا إلى الله , وإما بمعنى أنهم أولاد يهوذا - والنصارى هم اتباع عيسى - عليه السلام - والصابئون:الأرجح أنهم تلك الطائفة من مشركي العرب قبل البعثة , الذي ساورهم الشك فيما كان عليه قومهم من عبادة الأصنام , فبحثوا لأنفسهم عن عقيدة يرتضونها , فاهتدوا إلى التوحيد , وقالوا:إنهم يتعبدون على الحنيفية الأولى , ملة إبراهيم , واعتزلوا عبادة قومهم دون أن تكون لهم دعوة فيهم . فقال عنهم المشركون:إنهم صبأوا - أي مالوا عن دين آبائهم - كما كانوا يقولون عن المسلمين بعد ذلك . ومن ثم سموا الصابئة . وهذا القول أرجح من القول بأنهم عبدة النجوم كما جاء في بعض التفاسير . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:01 pm | |
| والآية تقرر أن من آمن بالله واليوم الآخر من هؤلاء جميعا وعمل صالحا , فإن لهم أجرهم عند ربهم , ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . فالعبرة بحقيقة العقيدة , لا بعصبية جنس أو قوم . . وذلك طبعا قبل البعثة
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (64)
المحمدية . أما بعدها فقد تحدد شكل الإيمان الأخير .
الدرس العاشر:63 - 64:تذكريهم برفع الطور فوقهم
ثم يمضي السياق يستعرض مواقف بني إسرائيل في مواجهة يهود المدينة بمسمع من المسلمين . .
(وإذ أخذنا ميثاقكم , ورفعنا فوقكم الطور:خذوا ما آتيناكم بقوة , واذكروا ما فيه لعلكم تتقون . ثم توليتم من بعد ذلك , فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين). .
وتفصيل هذا الميثاق وارد في سور أخرى , وبعضه ورد في هذه السورة فيما بعد . والمهم هنا هو استحضار المشهد , والتناسق النفسي والتعبيري بين قوة رفع الصخرة فوق رؤوسهم وقوة أخذ العهد , وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة . وأن يعزموا فيه عزيمة . فأمر العقيدة لا رخاوة فيه ولا تميع , ولا يقبل أنصاف الحلول ولا الهزل ولا الرخاوة . . إنه عهد الله مع المؤمنين . . وهو جد وحق , فلا سبيل فيه لغير الجد والحق . . وله تكاليف شاقة , نعم ! ولكن هذه هي طبيعته . إنه أمر عظيم . أعظم من كل ما في هذا الوجود . فلا بد أن تقبل عليه النفس إقبال الجاد القاصد العارف بتكاليفه , المتجمع الهم والعزيمة المصمم على هذه التكاليف . ولا بد أن يدرك صاحب هذا الأمر أنه إنما يودع حياة الدعة والرخاء والرخاوة , كما قال رسول الله [ ص ] وقد نودي للتكليف:" مضى عهد النوم يا خديجة " . . وكما قال له ربه: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا . . وكما قال لبني إسرائيل:
(خذوا ما آتيناكم بقوة). (واذكروا ما فيه لعلكم تتقون). .
ولا بد مع أخذ العهد بقوة وجد واستجماع نفس وتصميم . . لا بد مع هذا من تذكر ما فيه , واستشعار حقيقته , والتكيف بهذه الحقيقة , كي لا يكون الأمر كله مجرد حماسة وحمية وقوة . فعهد الله منهج حياة , منهج يستقر في القلب تصورا وشعورا , ويستقر في الحياة وضعا ونظاما , ويستقر في السلوك أدبا وخلقا , وينتهي إلى التقوى والحساسية برقابة الله وخشية المصير .
ولكن هيهات ! لقد أدركت إسرائيل نحيزتها , وغلبت عليها جبلتها: | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:02 pm | |
| توليتم من بعد ذلك). .
ثم أدركتها رحمة الله مرة أخرى وشملها فضله العظيم ; فأنقذها من الخسار المبين:
(فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين). .
الدرس الحادي عشر:65 - 66:تذكريهم بمسخ المعتدين في السبت
ومرة أخرى يواجههم بمظهر من مظاهر النكث والنكسة , والتحلل من العهد والعجز عن الاستمساك به , والضعف عن احتمال تكاليفه , والضعف أمام الهوى أو النفع القريب:
(ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت:فقلنا لهم:كونوا قردة خاسئين , فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها , وموعظة للمتقين). .
وقد فصل القرآن حكاية اعتدائهم في السبت في موضع آخر فقال: (واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا , ويوم لا يسبتون لا تأتيهم). . فلقد طلبوا أن يكون لهم يوم راحة مقدس , فجعل الله لهم يوم السبت راحة مقدسا لا يعملون فيه للمعاش . ثم ابتلاهم بعد ذلك بالحيتان تكثر يوم السبت , وتختفي في غيره ! وكان ابتلاء لم تصمد له يهود ! وكيف تصمد وتدع هذا الصيد القريب يضيع ?
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (66)
أتتركه وفاء بعهد واستمساكا بميثاق ? إن هذا ليس من طبع يهود !
ومن ثم اعتدوا في السبت . اعتدوا على طريقتهم الملتوية . راحوا يحوطون على الحيتان في يوم السبت , ويقطعونها عن البحر بحاجز , ولا يصيدونها ! حتى إذا انقضى اليوم تقدموا وانتشلوا السمك المحجوز !
(فقلنا لهم:كونوا قردة خاسئين). .
لقد حق عليهم جزاء النكول عن عهدهم مع الله , والنكوص عن مقام الإنسان ذي الإرادة . فانتكسوا بهذا إلى عالم الحيوان والبهيمة , الحيوان الذي لا إرادة له , والبهيمة التي لا ترتفع على دعوة البطون ! انتكسوا بمجرد تخليهم عن الخصيصة الأولى التي تجعل من الإنسان إنسانا . خصيصة الإرادة المستعلية المستمسكة بعهد الله .
وليس من الضروري أن يستحيلوا قردة بأجسامهم , فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم , وانطباعات الشعور والتفكير تعكس على الوجوه والملامح سمات تؤثر في السحنة وتلقي ظلها العميق !
ومضت هذه الحادثة عبرة رادعة للمخالفين في زمانها وفيما يليه , وموعظة نافعة للمؤمنين في جميع العصور: (فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:03 pm | |
| | الدرس الثاني عشر:67 - 74:قصة البقرة
وفي نهاية هذا الدرس تجيء قصة "البقرة " . . تجيء مفصلة وفي صورة حكاية , لا مجرد إشارة كالذي سبق , ذلك أنها لم ترد من قبل في السور المكية , كما أنها لم ترد في موضع آخر ; وهي ترسم سمة اللجاجة والتعنت والتلكؤ في الاستجابة , وتمحل المعاذير , التي تتسم بها إسرائيل:
وإذ قال موسى لقومه:إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة . قالوا:أتتخذنا هزوا ? قال:أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين . قالوا:ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ? قال:إنه يقول:إنها بقرة لا فارض ولا بكر , عوان بين ذلك , فافعلوا ما تؤمرون . قالوا:ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ? قال:إنه يقول:إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين . قالوا:ادع لنا ربك يبين لنا ما هي , إن البقر تشابه علينا , وإنا إن شاء الله لمهتدون . قال:إنه يقول:إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث , مسلمة لا شية فيها . قالوا:الآن جئت بالحق . فذبحوها وما كادوا يفعلون . . وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها , والله مخرج ما كنتم تكتمون . فقلنا:اضربوه ببعضها , كذلك يحيي الله الموتى , ويريكم آياته لعلكم تعقلون . .
وفي هذه القصة القصيرة - كما يعرضها السياق القرآني - مجال للنظر في جوانب شتى . . جانب دلالتها على طبيعة بني إسرائيل وجبلتهم الموروثة . وجانب دلالتها على قدرة الخالق , وحقيقة البعث , وطبيعة الموت والحياة . ثم جانب الأداء الفني في عرض القصة بدءا ونهاية واتساقا مع السياق . .
إن السمات الرئيسية لطبيعة إسرائيل تبدو واضحة في قصة البقرة هذه:انقطاع الصلة بين قلوبهم , وذلك النبع الشفيف الرقراق:نبع الإيمان بالغيب , والثقة بالله , والاستعداد لتصديق ما يأتيهم به الرسل . ثم التلكؤ في الاستجابة للتكاليف , وتلمس الحجج والمعاذير , والسخرية المنبعثة من صفاقة القلب وسلاطة اللسان !
لقد قال لهم نبيهم: (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة). . وكان هذا القول بهذه الصيغة يكفي للاستجابة والتنفيذ . فنبيهم هو زعيمهم الذي أنقذهم من العذاب المهين , برحمة من الله ورعاية وتعليم ; وهو ينبئهم أن هذا ليس أمره وليس رأيه , إنما هو أمر الله , الذي يسير بهم على هداه . . فماذا كان الجواب ? لقد كان جوابهم سفاهة وسوء أدب , واتهاما لنبيهم الكريم بأنه يهزأ بهم ويسخر منهم ! كأنما يجوز لإنسان يعرف الله -
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ (68)
فضلا على أن يكون رسول الله - أن يتخذ اسم الله وأمره مادة مزاح وسخرية بين الناس:
(قالوا:أتتخذنا هزوا ?).
وكان رد موسى على هذه السفاهة أن يستعيذ بالله ; وأن يردهم برفق , وعن طريق التعريض والتلميح , إلى جادة الأدب الواجب في جانب الخالق جل علاه ; وأن يبين لهم أن ما ظنوه به لا يليق إلا بجاهل بقدر الله , لا يعرف ذلك الأدب ولا يتوخاه:
(قال:أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين). . وكان في هذا التوجيه كفاية ليثوبوا إلى أنفسهم , ويرجعوا إلى ربهم , وينفذوا أمر نبيهم . . ولكنها إسرائيل ! نعم . لقد كان في وسعهم - وهم في سعة من الأمر - أن يمدوا أيديهم إلى أية بقرة فيذبحوها , فإذا هم مطيعون لأمر الله , منفذون لإشارة رسوله . ولكن طبيعة التلكؤ والالتواء تدركهم , فإذا هم يسألون: (قالوا:ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ?). . والسؤال بهذه الصيغة يشي بأنهم ما يزالون في شكهم أن يكون موسى هازئا فيما أنهى إليهم ! فهم أولا:يقولون: (ادع لنا ربك). . فكانما هو ربه وحده لا ربهم كذلك ! وكأن المسألة لا تعنيهم هم إنما تعني موسى وربه ! وهم ثانيا:يطلبون منه أن يدعو ربه ليبين لهم: (ما هي ?)والسؤال عن الماهية في هذا المقام - وإن كان المقصود الصفة - إنكار واستهزاء . . ما هي ? إنها بقرة . وقد قال لهم هذا من أول الأمر بلا تحديد لصفة ولا سمة . بقرة وكفى ! |
| |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:03 pm | |
| معهم في جدل شكلي . . إنما يجيبهم كما ينبغي أن يجيب المعلم المربي من يبتليه الله بهم من السفهاء المنحرفين . يجيبهم عن صفة البقرة:
قال:إنها بقرة لا فارض ولا بكر , عوان بين ذلك . .
إنها بقرة لا هي عجوز ولا هي شابة , وسط بين هذا وذاك . ثم يعقب على هذا البيان المجمل بنصيحة آمرة حازمة:
(فافعلوا ما تؤمرون). .
ولقد كان في هذا كفاية لمن يريد الكفاية ; وكان حسبهم وقد ردهم نبيهم إلى الجادة مرتين , ولمح لهم بالأدب الواجب في السؤال وفي التلقي . أن يعمدوا إلى أية بقرة من أبقارهم , لا عجوز ولا صغيرة , متوسطة السن , فيخلصوا بها ذمتهم , وينفذوا بذبحها أمر ربهم , ويعفوا أنفسهم من مشقة التعقيد والتضييق . . ولكن إسرائيل هي إسرائيل !
لقد راحوا يسألون:
(قالوا:ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ?). .
هكذا مرة أخرى: (ادع لنا ربك)! ولم يكن بد - وقد شققوا الموضوع وطلبوا التفصيل - أن يأتيهم الجواب بالتفصيل:
(قال:إنه يقول , إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين). .
وهكذا ضيقوا على أنفسهم دائرة الاختيار - وكانوا من الأمر في سعة - فأصبحوا مكلفين أن يبحثوا لا عن بقرة . . مجرد بقرة . . بل عن بقرة متوسطة السن , لا عجوز ولا صغيرة , وهي بعد هذا صفراء فاقع لونها ;
قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
وهي بعد هذا وذلك ليست هزيلة ولا شوهاء: (تسر الناظرين). . وسرور الناظرين لا يتم إلا أن تقع أبصارهم على فراهة وحيوية ونشاط والتماع في تلك البقرة المطلوبة ; فهذا هو الشائع في طباع الناس:أن يعجبوا بالحيوية والاستواء ويسروا , وأن ينفروا من الهزال والتشويه ويشمئزوا .
ولقد كان فيما تلكأوا كفاية , ولكنهم يمضون في طريقهم , يعقدون الأمور , ويشددون على أنفسهم , فيشدد الله عليهم . لقد عادوا مرة أخرى يسألون من الماهية:
(قالوا:ادع لنا ربك يبين لنا ما هي). .
ويعتذرون عن هذا السؤال وعن ذلك التلكؤ بأن الأمر مشكل: | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:04 pm | |
| إن البقر تشابه علينا). .
وكأنما استشعروا لحاجتهم هذه المرة . فهم يقولون:
(وإنا إن شاء الله لمهتدون). .
ولم يكن بد كذلك أن يزيد الأمر عليهم مشقة وتعقيدا , وأن تزيد دائرة الاختيار المتاحة لهم حصرا وضيقا , بإضافة أوصاف جديدة للبقرة المطلوبة , كانوا في سعة منها وفي غنى عنها:
(قال:إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث , مسلمة لا شية فيها). .
وهكذا لم تعد بقرة متوسطة العمر . صفراء فاقع لونها فارهة فحسب . بل لم يعد بد أن تكون - مع هذا - بقرة غير مذللة ولا مدربة على حرث الأرض أو سقي الزرع ; وأن تكون كذلك خالصة اللون لا تشوبها علامة .
هنا فقط . . وبعد أن تعقد الأمر , وتضاعفت الشروط , وضاق مجال الاختيار:
(قالوا:الآن جئت بالحق). .
الآن ! كأنما كان كل ما مضى ليس حقا . أو كأنهم لم يستيقنوا أن ما جاءهم به هو الحق إلا اللحظة ! (فذبحوها وما كادوا يفعلون)!!
عندئذ - وبعد تنفيذ الأمر والنهوض بالتكليف - كشف الله لهم عن الغاية من الأمر والتكليف:
(وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها , والله مخرج ما كنتم تكتمون , فقلنا:اضربوه ببعضها . كذلك يحيي الله الموتى , ويريكم آياته لعلكم تعقلون). .
وهنا نصل إلى الجانب الثاني من جوانب القصة . جانب دلالتها على قدرة الخالق , وحقيقة البعث , وطبيعة الموت والحياة . وهنا يتغير السياق من الحكاية إلى الخطاب والمواجهة:
لقد كشف الله لقوم موسى عن الحكمة من ذبح البقرة . . لقد كانوا قد قتلوا نفسا منهم ; ثم جعل كل فريق يدرأ عن نفسه التهمة ويلحقها بسواه . ولم يكن هناك شاهد ; فأراد الله أن يظهر الحق على لسان القتيل ذاته ; وكان ذبح البقرة وسيلة إلى إحيائه , وذلك بضربه ببعض من تلك البقرة الذبيح . . وهكذا كان , فعادت إليه الحياة , ليخبر بنفسه عن قاتله , وليجلو الريب والشكوك التي أحاطت بمقتله ; وليحق الحق ويبطل الباطل بأوثق البراهين . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:05 pm | |
| ولكن . فيم كانت هذه الوسيلة , والله قادر على أن يحيي الموتى بلا وسيلة ? ثم ما مناسبة البقرة المذبوحة مع القتيل المبعوث ?
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
إن البقر يذبح قربانا كما كانت عادة بني إسرائيل . . وبضعة من جسد ذبيح ترد بها الحياة إلى جسد قتيل . وما في هذه البضعة حياة ولا قدرة على الأحياء . . إنما هي مجرد وسيلة ظاهرة تكشف لهم عن قدرة الله , التي لا يعرف البشر كيف تعمل . فهم يشاهدون آثارها ولا يدركون كنهها ولا طريقتها في العمل و: (كذلك يحيي الله الموتى). . كذلك بمثل هذا الذي ترونه واقعا ولا تدرون كيف وقع ; وبمثل هذا اليسر الذي لا مشقة فيه ولا عسر .
إن المسافة بين طبيعة الموت وطبيعة الحياة مسافة هائلة تدير الرؤوس . ولكنها في حساب القدرة الإلهية أمر يسير . . كيف ? . . هذا ما لا أحد يدريه . وما لا يمكن لأحد إدراكه . . إن إدراك الماهية والكيفية هنا سر من أسرار الألوهية , لا سبيل إليه في عالم الفانين ! وإن يكن في طوق العقل البشري إدراك دلالته والاتعاظ بها: (ويريكم آياته لعلكم تعقلون). .
وأخيرا نجيء إلى جمال الأداء وتناسقه مع السياق . .
هذه قصة قصيرة نبدؤها , فإذا نحن أمام مجهول لا نعرف ما وراءه . نحن لا نعرف في مبدأ عرض القصة لماذا يأمر الله بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة , كما أن بني إسرائيل إذ ذاك لم يعرفوا , وفي هذا اختبار لمدى الطاعة والاستجابة والتسليم .
ثم تتابع الحوار في عرض القصة بين موسى وقومه , فلا نرى الحوار ينقطع ليثبت ما دار بين موسى وربه ; على حين أنهم كانوا في كل مرة يطلبون منه أن يسأل ربه , فكان يسأله , ثم يعود إليهم بالجواب . . ولكن سياق القصة لا يقول:إنه سأل ربه ولا إن ربه أجابه . . إن هذا السكوت هو اللائق بعظمة الله , التي لا يجوز أن تكون في طريق اللجاجة التي يزاولها بنو إسرائيل !
ثم تنتهي إلى المباغتة في الخاتمة - كما بوغت بها بنو إسرائيل - انتفاض الميت مبعوثا ناطقا , على ضربة من بعض جسد لبقرة بكماء مذبوحة , ليس فيها من حياة ولا مادة حياة !
ومن ثم يلتقي جمال الأداء التعبيري بحكمة السياق الموضوعية في قصة قصيرة من القصص القرآني الجميل .
وتعقيبا على هذا المشهد الأخير من القصة , الذي كان من شأنه أن يستجيش في قلوب بني إسرائيل الحساسية والخشية والتقوى ; وتعقيبا كذلك على كل ما سلف من المشاهد و الأحداث والعبر والعظات , تجيء هذه الخاتمة المخالفة لكل ما كان يتوقع ويرتقب: | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:06 pm | |
| ثم قست قلوبكم من بعد ذلك , فهي كالحجارة أو أشد قسوة . وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار , وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء . وإن منها لما يهبط من خشية الله . وما الله بغافل عما تعملون). .
والحجارة التي يقيس قلوبهم إليها , فإذا قلوبهم منها أجدب وأقسى . . هي حجارة لهم بها سابق عهد . فقد رأوا الحجر تتفجر منه اثنتا عشرة عينا , ورأوا الجبل يندك حين تجلى عليه الله وخر موسى صعقا ! ولكن قلوبهم لا تلين ولا تندى , ولا تنبض بخشية ولا تقوى . . قلوب قاسية جاسية مجدبة كافرة . . ومن ثم هذا التهديد:
(وما الله بغافل عما تعملون).
وبهذا يختم هذا الشطر من الجولة مع بني إسرائيل في تاريخهم الحافل بالكفر والتكذيب , والالتواء
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)
واللجاجة , والكيد والدس , والقسوة والجدب , والتمرد والفسوق . . الوحدة الرابعة:81 - 98 آياتها:75 - 103 موضوعها:تفنيد مزاعم اليهود والتحذير منهم
تقديم الوحدة الرابعة
انقضى المقطع السابق في السورة في تذكير بني إسرائيل بأنعم الله عليهم وجحودهم لهذا الإنعام المتواصل ; وباستعراض مشاهد الإنعام والجحود , بعضها باختصار وبعضها بتطويل ; وانتهى هذا الاستعراض بتقرير ما انتهت إليه قلوبهم في نهاية المطاف من قسوة وجفاف وجدب , أشد من قسوة الحجارة وجفافها وجدبها .
فالأن يأخذ السياق في الاتجاه بالخطاب إلى الجماعة المسلمة يحدثها عن بني إسرائيل , ويبصرها بأساليبهم ووسائلهم في الكيد والفتنة ; ويحذرها كيدهم ومكرهم على ضوء تاريخهم وجبلتهم , فلا تنخدع بأقوالهم ودعاويهم ووسائلهم الماكرة في الفتنة والتضليل . ويدل طول هذا الحديث , وتنوع أساليبه على ضخامة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من الكيد المنصوب لها والمرصود لدينها من أولئك اليهود !
وبين آن وآخر يلتفت السياق إلى بني إسرائيل ليواجههم - على مشهد من المسلمين - بما أخذ عليهم من المواثيق , وبما نقضوا من هذه المواثيق ; وبما وقع منهم من انحرافات ونكول عن العهد وتكذيب بأنبيائهم , وقتلهم لهؤلاء الأنبياء الذين لا يطاوعونهم على هواهم , ومن مخالفة لشريعتهم , ومن التوائهم وجدالهم بالباطل , وتحريفهم لما بين أيديهم من النصوص .
يستعرض جدالهم مع الجماعة المسلمة وحججهم ودعاويهم الباطلة , ويلقن الرسول [ ص ] أن يفضح دعاويهم , ويفند حججهم , ويكشف زيف ادعاءاتهم , ويرد عليهم كيدهم بالحق الواضح الصريح:
فلقد زعموا أن لن تمسهم النار إلا أياما معدودة بحكم ما لهم من المكانة الخاصة عند الله ! فلقن الله نبيه [ ص ] أن يرد عليهم قولهم هذا: (قل:أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ? أم تقولون على الله ما لا تعلمون ?). . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:06 pm | |
| وكانوا إذا دعوا إلى الإسلام (قالوا:نؤمن بما أنزل علينا , ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم). . فلقن الله رسوله [ ص ] أن يفضح دعواهم أنهم يؤمنون بما أنزل إليهم: (قل:فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ? ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ? وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا . قالوا:سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم . قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين !). .
وكانوا يدعون أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس . فلقن الله رسوله [ ص ] أن يتحداهم بدعوتهم إلى المباهلة أي أن يجتمع الفريقان:هم والمسلمون , ثم يدعون الله أن يميت الكاذبقل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين). . وقرر أنهم لن يتمنوه أبدا - وهذا ما حدث . فقد نكصوا عن المباهلة لعلمهم أنهم كاذبون فيما يدعون !
وهكذا يمضي السياق في هذه المواجهة , وهذا الكشف , وهذا التوجيه . . ومن شأن هذه الخطة أن تضعف - أو تبطل - كيد اليهود في وسط الصف المسلم ; وأن تكشف دسائسهم وأحابيلهم ; وأن تدرك الجماعة المسلمة طريقة اليهود في العمل والكيد والادعاء , على ضوء ما وقع منهم في تاريخهم القديم .
وما تزال الأمة المسلمة تعاني من دسائس اليهود ومكرهم ما عاناه أسلافها من هذا المكر ومن تلك الدسائس ; غير أن الأمة المسلمة لا تنتفع - مع الأسف - بتلك التوجيهات القرآنية , وبهذا الهدى الإلهي , الذي انتفع به أسلافها , فغلبوا كيد اليهود ومكرهم في المدينة , والدين ناشيء , والجماعة المسلمة وليدة . . وما يزال اليهود - بلؤمهم ومكرهم - يضللون هذه الأمة عن دينها , ويصرفونها عن قرآنها , كي لا تأخذ منه أسلحتها الماضية , وعدتها الواقية . وهم آمنون ما انصرفت هذه الأمة عن موارد قوتها الحقيقية , وينابيع معرفتها الصافية . . وكلمن يصرف هذه الأمة عن دينها وعن قرآنها فإنما هو من عملاء يهود ; سواء عرف أم لم يعرف , أراد أم لم يرد , فسيظل اليهود في مأمن من هذه الأمة ما دامت مصروفة عن الحقيقة الواحدة المفردة التي تستمد منها وجودها وقوتها وغلبتها - حقيقة العقيدة الإيمانية والمنهج الإيماني والشريعة الإيمانية - فهذا هو الطريق . وهذه هي معالم الطريق:
الدرس الأول:75 - 77:تيئيس المسلمين من اليهود المحرفين المنافقين
(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم , وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله , ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ? وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا , وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا:أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ? أفلا تعقلون ? أو لا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ?). . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:07 pm | |
| تنض منها قطرة , ولا يلين لها ممس , ولا تنبض فيها حياة . . وهي صورة توحي باليأس من هذه الطبيعة الجاسية الجامدة الخاوية . . وفي ظل هذا التصوير , وظل هذا الإيحاء , يلتفت السياق إلى المؤمنين , الذين يطمعون في هداية بني إسرائيل , ويحاولون أن يبثوا في قلوبهم الإيمان , وأن يفيضوا عليها النور . . يلتفت إلى أولئك المؤمنين بسؤال يوحي باليأس من المحاولة , وبالقنوط من الطمع:
(أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ? وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله , ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ?). .
إلا أنه لا مطمع ولا رجاء في أن يؤمن أمثال هؤلاء . فللإيمان طبيعة أخرى , واستعداد آخر . إن الطبيعة المؤمنة سمحة هينة لينة , مفتحة المنافذ للأضواء , مستعدة للإتصال بالنبع الأزلي الخالد بما فيها من نداوة ولين وصفاء . وبما فيها من حساسية وتحرج وتقوى . هذه التقوى التي تمنعها أن تسمع كلام الله ثم تحرفه من بعد تعقله . تحرفه عن علم وإصرار . فالطبيعة المؤمنة طبيعة مستقيمة , تتحرج من هذا التحريف والالتواء .
والفريق المشار إليه هنا هو أعلم اليهود وأعرفهم بالحقيقة المنزلة عليهم في كتابهم هم الأحبار والربانيون , الذين يسمعون كلام الله المنزل على نبيهم موسى في التوراة ثم يحرفونه عن مواضعه , ويؤولونه التأويلات البعيدة التي تخرج به عن دائرته . لا عن جهل بحقيقة مواضعه , ولكن عن تعمد للتحريف , وعلم بهذا التحريف . يدفعهم الهوى , وتقودهم المصلحة , ويحدوهم الغرض المريض ! فمن باب أولى ينحرفون عن الحق الذي جاء به محمد [ ص ] وقد انحرفوا عن الحق الذي جاء به نبيهم موسى - عليه السلام - ومن باب أولى - وهذا خراب ذممهم , وهذا إصرارهم على الباطل وهم يعلمون بطلانه - أن يعارضوا دعوة الإسلام , ويروغوا منها ويختلقوا عليها الأكاذيب !
(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا:آمنا , وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا:أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ? أفلا تعقلون ?). .
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم , وهم يضيفون إلى خراب الذمة , وكتمان الحق , وتحريف الكلم عن مواضعه . . الرياء والنفاق والخداع والمراوغة ?
وقد كان بعضهم إذا لقوا المؤمنين قالوا:آمنا . . أي آمنا بأن محمدا مرسل , بحكم ما عندهم في التوراة من البشارة به , وبحكم أنهم كانوا ينتظرون بعثته , ويطلبون أن ينصرهم الله به على من عداهم . وهو معنى قوله: (وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا). . ولكن: (إذا خلا بعضهم إلى بعض). . عاتبوهم | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:08 pm | |
| وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80)
على ما أفضوا للمسلمين من صحة رسالة محمد [ ص ] ومن معرفتهم بحقيقة بعثته من كتابهم , فقال بعضهم لبعض: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم). . فتكون لهم الحجة عليكم ? . . وهنا تدركهم طبيعتهم المحجبة عن معرفة صفة الله وحقيقة علمه ; فيتصورون أن الله لا يأخذ عليهم الحجة إلا أن يقولوها بأفواههم للمسلمين ! أما إذا كتموا وسكتوا فلن تكون لله عليهم حجة ! . . وأعجب العجب أن يقول بعضهم لبعض في هذا: (أفلا تعقلون ?). . فيا للسخرية من العقل والتعقل الذي يتحدثون عنه مثل هذا الحديث !!
ومن ثم يعجب السياق من تصورهم هذا قبل أن يمضي في استعراض ما يقولون وما يفعلون:
(أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ?). .
الدرس الثاني:78 - 79 فريقا اليهود:جاهل ومحرف
ثم يستطرد يقص على المسلمين من أحوال بني إسرائيل:إنهم فريقان . فريق أمي جاهل , لا يدري شيئا من كتابهم الذي نزل عليهم , ولا يعرف منه إلا أوهاما وظنونا , وإلا أماني في النجاة من العذاب , بما أنهم شعب الله المختار , المغفور له كل ما يعمل وما يرتكب من آثام ! وفريق يستغل هذا الجهل وهذه الأمية فيزور على كتاب الله , ويحرف الكلم عن مواضعه بالتأويلات المغرضة , ويكتم منه ما يشاء , ويبدي منه ما يشاء ويكتب كلاما من عند نفسه يذيعه في الناس باسم أنه من كتاب الله . . كل هذا ليربح ويكسب , ويحتفظ بالرياسة والقيادة:
(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون , فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم , ثم يقولون:هذا من عند الله , ليشتروا به ثمنا قليلا . فويل لهم مما كتبت أيديهم , وويل لهم مما يكسبون). .
فكيف ينتظر من أمثال هؤلاء وهؤلاء أن يستجيبوا للحق , وأن يستقيموا على الهدى , وأن يتحرجوا من تحريف ما يقف في طريقهم من نصوص كتابهم نفسه ? إن هؤلاء لا مطمع في أن يؤمنوا للمسلمين . وإنما هو الويل والهلاك ينتظرهم . الويل والهلاك لهم مما كتبت أيديهم من تزوير على الله ; والويل والهلاك لهم مما يكسبون بهذا التزوير والاختلاق ! | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:08 pm | |
| وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80)
على ما أفضوا للمسلمين من صحة رسالة محمد [ ص ] ومن معرفتهم بحقيقة بعثته من كتابهم , فقال بعضهم لبعض: (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم). . فتكون لهم الحجة عليكم ? . . وهنا تدركهم طبيعتهم المحجبة عن معرفة صفة الله وحقيقة علمه ; فيتصورون أن الله لا يأخذ عليهم الحجة إلا أن يقولوها بأفواههم للمسلمين ! أما إذا كتموا وسكتوا فلن تكون لله عليهم حجة ! . . وأعجب العجب أن يقول بعضهم لبعض في هذا: (أفلا تعقلون ?). . فيا للسخرية من العقل والتعقل الذي يتحدثون عنه مثل هذا الحديث !!
ومن ثم يعجب السياق من تصورهم هذا قبل أن يمضي في استعراض ما يقولون وما يفعلون:
(أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ?). .
الدرس الثاني:78 - 79 فريقا اليهود:جاهل ومحرف
ثم يستطرد يقص على المسلمين من أحوال بني إسرائيل:إنهم فريقان . فريق أمي جاهل , لا يدري شيئا من كتابهم الذي نزل عليهم , ولا يعرف منه إلا أوهاما وظنونا , وإلا أماني في النجاة من العذاب , بما أنهم شعب الله المختار , المغفور له كل ما يعمل وما يرتكب من آثام ! وفريق يستغل هذا الجهل وهذه الأمية فيزور على كتاب الله , ويحرف الكلم عن مواضعه بالتأويلات المغرضة , ويكتم منه ما يشاء , ويبدي منه ما يشاء ويكتب كلاما من عند نفسه يذيعه في الناس باسم أنه من كتاب الله . . كل هذا ليربح ويكسب , ويحتفظ بالرياسة والقيادة:
(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون , فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم , ثم يقولون:هذا من عند الله , ليشتروا به ثمنا قليلا . فويل لهم مما كتبت أيديهم , وويل لهم مما يكسبون). .
فكيف ينتظر من أمثال هؤلاء وهؤلاء أن يستجيبوا للحق , وأن يستقيموا على الهدى , وأن يتحرجوا من تحريف ما يقف في طريقهم من نصوص كتابهم نفسه ? إن هؤلاء لا مطمع في أن يؤمنوا للمسلمين . وإنما هو الويل والهلاك ينتظرهم . الويل والهلاك لهم مما كتبت أيديهم من تزوير على الله ; والويل والهلاك لهم مما يكسبون بهذا التزوير والاختلاق ! | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:09 pm | |
| الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
والانحراف والنكول عن العهد والميثاق . ويواجه اليهود بهذه المواقف على مشهد من المسلمين:
(وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ; وبالوالدين إحسانا ; وذي القربى واليتامى والمساكين ; وقولوا للناس حسنا ; وأقيموا الصلاة , وآتوا الزكاة . . ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون . وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم . ثم أقررتم وأنتم تشهدون . . ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم , وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان , وإن يأتوكم أسارى تفادوهم , وهو محرم عليكم إخراجهم . أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ? فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا , ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب , وما الله بغافل عما تعملون . أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة , فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون). .
ولقد سبقت الإشارة إلى الميثاق في معرض تذكير الله لبني إسرائيل بإخلاف موقفهم معه في الدرس الماضي . فهنا شيء من التفصيل لبعض نصوص هذا الميثاق .
ومن الآية الأولى ندرك أن ميثاق الله مع بني إسرائيل , ذلك الميثاق الذي أخذه عليهم في ظل الجبل , والذي أمروا أن يأخذوه بقوة وأن يذكروا ما فيه . . أن ذلك الميثاق قد تضمن القواعد الثابتة لدين الله . هذه القواعد التي جاء بها الإسلام أيضا , فتنكروا لها وأنكروها .
لقد تضمن ميثاق الله معهم:ألا يعبدوا إلا الله . . القاعدة الأولى للتوحيد المطلق . وتضمن الإحسان إلى الوالدين وذي القربى واليتامى والمساكين . وتضمن خطاب الناس بالحسنى , وفي أولها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . . كذلك تضمن فريضة الصلاة وفريضة الزكاة . وهذه في مجموعها هي قواعد الإسلام وتكاليفه . .
ومن ثم تتقرر حقيقتان:الأولى هي وحدة دين الله ; وتصديق هذا الدين الأخير لما قبله في أصوله . والثانية هي مقدار التعنت في موقف اليهود من هذا الدين , وهو يدعوهم لمثل ما عاهدوا الله عليه , وأعطوا عليه الميثاق .
وهنا - في هذا الموقف المخجل - يتحول السياق من الحكاية إلى الخطاب , فيوجه القول إلى بني إسرائيل . وكان قد ترك خطابهم والتفت إلى خطاب المؤمنين . ولكن توجيه الخطاب إليهم هنا أخزى وأنكى:
(ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون). . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:09 pm | |
| وهكذا تتكشف بعض أسرار الالتفات في سياق القصص وغيره في هذا الكتاب العجيب !
ويستمر السياق يوجه الخطاب إلى بني إسرائيل , وهو يعرض عليهم متناقضات موقفهم من ميثاقهم مع الله . .
(وإذ أخذنا ميثاقكم:لا تسفكون دماءكم , ولا تخرجون أنفسكم من دياركم . ثم أقررتم وأنتم تشهدون). .
فماذا كان بعد الإقرار وهم شاهدون حاضرون ?
(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم , وتخرجون فريقا منكم من ديارهم , تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان . وإن يأتوكم أسارى تفادوهم , وهو محرم عليكم إخراجهم . أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ?). .
ولقد كان هذا الذي يواجههم به واقعا قريب العهد قبيل غلبة الإسلام على الأوس والخزرج . كان الأوس والخزرج مشركين , وكان الحيان أشد ما يكون حيان من العرب عداء . وكان اليهود في المدينة ثلاثة أحياء ترتبط بعهود مع هذا الحي وذاك من المشركين . . كان بنو قينقاع وبنو النضير حلفاء الخزرج , وكان ينو قريظة حلفاء الأوس . فكانت الحرب إذا نشبت بينهم قاتل كل فريق مع حلفائه ; فيقتل اليهودي أعداءه ,
ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (86)
وقد يقتل اليهودي اليهودي من الفريق الآخر - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - وكانوا يخرجونهم من ديارهم إذا غلب فريقهم وينهبون أموالهم ويأخذون سباياهم - وهذا حرام عليهم بنص ميثاق الله معهم - ثم إذا وضعت الحرب أوزارها فادوا الأسارى , وفكوا أسر المأسورين من اليهود هنا أو هناك , عندهم أو عند حلفائهم أو أعداء حلفائهم على السواء - وذلك عملا بحكم التوراة وقد جاء فيها:إنك لا تجد مملوكا من بني إسرائيل إلا أخذته فأعتقته . .
هذا التناقض هو الذي يواجههم به القرآن ; وهو يسألهم في استنكار:
(أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ?). . | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:10 pm | |
| وهذا هو نقض الميثاق الذي يتهددهم عليه بالخزي في الحياة الدنيا , والعذاب الأشد في الآخرة . مع التهديد الخفي بأن الله ليس غافلا عنه ولا متجاوزا:
(فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا , ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب . وما الله بغافل عما تعملون). .
ثم يلتفت إلى المسلمين وإلى البشرية جميعا , وهو يعلن حقيقتهم وحقيقة عملهم:
(أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة . فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون). .
وكذبوا إذن في دعواهم أن لن تمسهم النار إلا أياما معدودة . . فهؤلاء هم هناك: (فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون). .
وقصة شرائهم الحياة الدنيا بالآخرة هنا في هذه المناسبة:هي أن الدافع لهم على مخالفة ميثاقهم مع الله , هو استمساكهم بميثاقهم مع المشركين في حلف يقتضي مخالفة دينهم وكتابهم . فإن انقسامهم فريقين , وانضمامهم إلى حلفين , هي هي خطة إسرائيل التقليدية , في إمساك العصا من الوسط ; والانضمام إلى المعسكرات المتطاحنة كلها من باب الاحتياط , لتحقيق بعض المغانم على أية حال ; وضمان صوالح اليهود في النهاية سواء انتصر هذا المعسكر أم ذاك ! وهي خطة من لا يثق بالله , ولا يستمسك بميثاقه , ويجعل اعتماده كله على الدهاء , ومواثيق الأرض , والاستنصار بالعباد لا برب العباد . والإيمان يحرم على أهله الدخول في حلف يناقض ميثاقهم مع ربهم , ويناقض تكاليف شريعتهم , باسم المصلحة أو الوقاية , فلا مصلحة إلا في اتباع دينهم , ولا وقاية إلا بحفظ عهدهم مع ربهم .
الدرس السادس:87 مزاجية اليهود في التعامل مع الحق
ثم يمضي السياق يواجه بني إسرائيل بمواقفهم تجاه النبوات وتجاه الأنبياء . . أنبيائهم هم , وما كان من سوء صنيعهم معهم كلما جاءوهم بالحق , الذي لا يخضع للأهواء . .
(ولقد آتينا موسى الكتاب , وقفينا من بعده بالرسل ; وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس . أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم , ففريقا كذبتم , وفريقا تقتلون ?). .
ولقد كانت حجة بني إسرائيل في إعراضهم عن الإسلام , وإبائهم الدخول فيه , أن عندهم الكفاية من تعاليم أنبيائهم , وأنهم ماضون على شريعتهم ووصاياهم . . فهنا يفضحهم القرآن ويكشف عن حقيقة موقفهم من أنبيائهم وشرائعهم ووصاياهم . ويثبت أنهم هم هم كلما واجهوا الحق , الذي لا يخضع لأهوائهم .
وفيما تقدم واجههم بالكثير من مواقفهم مع نبيهم موسى - عليه السلام - وقد آتاه الله الكتاب . ويزيد هنا | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:11 pm | |
| وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87)
أن رسلهم توالت تترى , يقفو بعضهم بعضا ; وكان آخرهم عيسى بن مريم . وقد آتاه الله المعجزات البينات , وأيده بروح القدس جبريل - عليه السلام - فكيف كان استقبالهم لذلك الحشد من الرسل ولآخرهم عيسى عليه السلام ? كان هذا الذي يستنكره عليهم ; والذي لا يملكون هم إنكاره , وكتبهم ذاتها تقرره وتشهد به:
(أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم:ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون !)!
ومحاولة إخضاع الهداة والشرائع للهوى الطارىء والنزوة المتقلبة . ظاهرة تبدو كلما فسدت الفطرة , وانطمست فيها عدالة المنطق الإنساني ذاته . المنطق الذي يقتضي أن ترجع الشريعة إلى مصدر ثابت - غير المصدر الإنساني المتقلب - مصدر لا يميل مع الهوى , ولا تغلبه النزوة . وأن يرجع الناس إلى ذلك الميزان الثابت الذي لا يتأرجح مع الرضى والغضب , والصحة والمرض , والنزوة والهوى , لا أن يخضعوا الميزان ذاته للنزوة والهوى !
ولقد قص الله على المسلمين من أنباء بني إسرائيل في هذا ما يحذرهم من الوقوع في مثله , حتى لا تسلب منهم الخلافة في الأرض والأمانة التي ناطها بهم الله , فلما وقعوا في مثل ما وقع فيه بنو إسرائيل , وطرحوا منهج الله وشريعته , وحكموا أهواءهم وشهواتهم , وقتلوا فريقا من الهداة وكذبوا فريقا . ضربهم الله بما ضرب به بني إسرائيل من قبل , من الفرقة والضعف , والذلة والهوان , والشقاء والتعاسة . . إلا أن يستجيبوا لله ورسله , وإلا أن يخضعوا أهواءهم لشريعته وكتابه , وإلا أن يفوا بعهد الله معهم ومع أسلافهم , وإلا أن يأخذوه بقوة , ويذكروا ما فيه لعلهم يهتدون .
الدرس السابع:88 - 93:حقد اليهود على النبي الخاتم وبعض جرائمهم
ذلك كان موقفهم مع أنبيائهم , يبينه ويقرره , ثم يجابههم بموقفهم من الرسالة الجديدة والنبي الجديد , فإذا هم هم , كأنهم أولئك الذين جابهوا الأنبياء من قبل: وقالوا:قلوبنا غلف . بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم - وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا - فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به . فلعنة الله على الكافرين . بئسما اشتروا به أنفسهم:أن يكفروا بما أنزل الله - بغيا , أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده - فباؤوا بغضب على غضب , وللكافرين عذاب مهين . وإذا قيل لهم:آمنوا بما أنزل الله , قالوا:نؤمن بما أنزل علينا . ويكفرون بما وراءه , وهو الحق مصدقا لما معهم , قل:فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ? | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: سورة البقرة الجمعة مارس 27, 2009 2:11 pm | |
| ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون . وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور:خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا . قالوا:سمعنا وعصينا , وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم . قل:بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ! . .
إن الأسلوب هنا يعنف ويشتد , ويتحول - في بعض المواضع - إلى صواعق وحمم . . إنه يجبههم جبها شديدا بما قالوا وما فعلوا ; ويجردهم من كل حججهم ومعاذيرهم , التي يسترون بها استكبارهم عن الحق , وأثرتهم البغيضة , وعزلتهم النافرة , وكراهتهم لأن ينال غيرهم الخير , وحسدهم أن يؤتي الله أحدا من فضله . جزاء موقفهم الجحودي المنكر من الإسلام ورسوله الكريم . .
(وقالوا:قلوبنا غلف . بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون). .
قالوا:إن قلوبنا مغلفة لا تنفذ إليها دعوة جديدة , ولا تستمع إلى داعية جديد ! قالوها تيئيسا لمحمد [ ص ] وللمسلمين , من دعوتهم إلى هذا الدين ; أو تعليلا لعدم استجابتهم لدعوة الرسول .
وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ (88) وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90)
ويقول الله ردا على قولتهم: (بل لعنهم الله بكفرهم). . أي إنه طردهم وأبعدهم عن الهدى بسبب كفرهم . فهم قد كفروا ابتداء فجازاهم الله على الكفر بالطرد وبالحيلولة بينهم وبين الانتفاع بالهدى . . (فقليلا ما يؤمنون). . أي قليلا ما يقع منهم الإيمان بسبب هذا الطرد الذي حق عليهم جزاء كفرهم السابق , وضلالهم القديم . أو أن هذه حالهم:أنهم كفروا فقلما يقع منهم الإيمان , حالة لاصقة بهم يذكرها تقريرا لحقيقتهم . . وكلا المعنيين يتفق مع المناسبة والموضوع .
وقد كان كفرهم قبيحا , لأنهم كفروا بالنبي الذي ارتقبوه , واستفتحوا به على الكافرين , أي ارتقبوا أن ينتصروا به على من سواهم . وقد جاءهم بكتاب مصدق لما معهم:
(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم - وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا - فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به). .
وهو تصرف يستحق الطرد والغضب لقبحه وشناعته . . ومن ثم يصب عليهم اللعنة ويصمهم بالكفر: (فلعنة الله على الكافرين). . | |
| | | | سورة البقرة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|