|
| تأويل سورة البقرة | |
| | |
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:36 pm | |
| قال أبو جعفررحمه الله
فكذلك الصحيح من القول - في الآيات التي افتتح فيها ذِكر بعض مساوى أفعال المنافقين - أنْ يختم ذلك بالوعيد على ما افتتح به ذِكرَه من قبائح أفعالهم. فهذا هذا ، مع دلالة الآية الأخرى على صحة ما قلنا، وشهادتِها بأن الواجب من القراءة ما اخترنا, وأنّ الصواب من التأويل ما تأوّلنا، من أنّ وعيد الله المنافقين في هذه الآية العذابَ الأليمَ على الكذب الجامع معنى الشكّ والتكذيب, وذلك قولُ الله تبارك وتعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ سورة المنافقون: 1، 2 ] . والآية الأخرى في المجادلة: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [ سورة المجادلة: 16 ] . فأخبر جل ثناؤه أنّ المنافقين - بقيلهم ما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, مع اعتقادهم فيه ما هم معتقدون - كاذبون. ثم أخبر تعالى ذكره أنّ العذاب المُهينَ لهم، على ذلك من كذبهم.
ولو كان الصحيح من القراءة على ما قرأه القارِئون في سورة البقرة: « ولهم عذاب أليم بما كانوا يُكَذِّبون » لكانت القراءةُ في السورة الأخرى: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لمكذِّبون, ليكون الوعيدُ لهم الذي هو عَقِيب ذلك وعيدًا على التكذيب لا على الكذب. وفي إجماع المسلمين على أنّ الصواب من القراءة في قوله: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ بمعنى الكذب - وأن إيعاد الله تبارك وتعالى فيه المنافقين العذابَ الأليمَ على ذلك من كذبهم - أوضحُ الدّلالة على أن الصحيح من القراءة في سورة البقرة: « بما كانوا يَكْذِبون » بمعنى الكذِب, وأن الوعيدَ من الله تعالى ذِكره للمنافقين فيها على الكذب - حقٌّ - لا على التكذيب الذي لم يجر له ذِكر - نظيرَ الذي في سورة المنافقين سواءً.
********************************** قال أبو جعفررحمه الله
وقد زعم بعضُ نحويِّي البصرة أن « ما » من قول الله تبارك اسمه « بما كانوا يكذبون » ، اسم للمصدر, كما أنّ « أنْ » و « الفعل » اسمان للمصدر في قولك: أحب أن تَأتيني, وأن المعنى إنما هو بكَذبِهم وتَكْذِيبهم. قال: وأدخل « كان » ليخبر أنه كان فيما مضى, كما يقال: ما أحسن ما كان عبدُ الله، فأنت تعجَبُ من عبد الله لا من كونه, وإنما وَقع التعجُّب في اللفظ على كوْنه. وكان بعض نحويِّي الكوفة يُنكر ذلك من قوله ويستخطئه، ويقول: إنما ألغِيَت « كان » في التعجُّب، لأن الفعل قد تقدَّمها, فكأنه قال: « حَسَنًا كان زيد » و « حَسَن كان زَيْدٌ » يُبْطِلُ « كان » , ويُعْمِل مع الأسماء والصِّفات التي بألفاظِ الأسماء، إذا جاءت قبل « كان » ، ووقعت « كان » بينها وبين الأسماء. وأما العِلَّة في إبطالها إذا أبطِلت في هذه الحال، فَلِشَبَهِ الصِّفات والأسماء بـ « فعل » و « يفعل » اللتين لا يظهرُ عمل « كان » فيهما. ألا ترى أنك تقول: « يقوم كان زيد » , ولا يظهر عمل « كان » في « يقوم » , وكذلك « قام كان زيد » . فلذلك أبطل عملها مع « فاعل » تمثيلا بـ « فعل » و « يفعل » , وأعملت مع « فاعل » أحيانًا لأنه اسم، كما تعمل في الأسماء. فأما إذا تقدمت « كان » الأسماءَ والأفعالَ، وكان الاسم والفِعْلُ بعدها, فخطأ عنده أن تكون « كان » مبطلة. فلذلك أحال قول البصريّ الذي حكيناه, وتأوّل قول الله عز وجل « بما كانوا يكذبون » أنه بمعنى: الذي يكذبونه. ***************************** يتبع
| |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| | | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:39 pm | |
| القول في تأويل قول الله جل ثناؤه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قال أبو جعفر رحمه الله :وتأويل قوله: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني: وإذا قيل لهؤلاء الذين وَصَفهم الله ونعتَهم بأنهم يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ صَدِّقوا بمحمد وبما جاء به من عند الله، كما صدق به الناس. ويعني بـِ " الناس ": المؤمنين الذين آمنوا بمحمد ونبوته وما جاء به من عند الله. # عن ابن عباس في قوله: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ )، يقول: وإذا قيل لهم صدِّقوا كما صدَّق أصحاب محمد, قولوا: إنَّه نبيٌّ ورسول, وإنّ ما أنـزل عليه حقّ, وصدِّقوا بالآخرة, وأنَّكم مبعوثون من بعد الموت .
************************************************ قال أبو جعفر رحمه الله : وإنما أدخِلت الألف واللام في" الناس "، وهم بعضُ الناس لا جميعُهم، لأنهم كانوا معروفين عند الذين خُوطبوا بهذه الآية بأعيانهم، وإنما معناه: آمِنُوا كما آمَن الناس الذين تعرفونهم من أهل اليقين والتصديق بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر. فلذلك أدخِلت الألف واللام فيه، كما أدخِلَتا في قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [سورة آل عمران: 173]، لأنه أشِير بدخولها إلى ناس معروفين عند مَن خُوطب بذلك.
* * * القول في تأويل قوله جل ثناؤه: قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ قال أبو جعفر:والسفهاء جمع سَفِيه, كما العلماء جمع عليم ، والحكماء جمعُ حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيفُ الرأي, القليلُ المعرفة بمواضع المنافع والمضارّ. ولذلك سمى الله عز وجل النِّساء والصبيانَ سفهاء, فقال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [سورة النساء: 5]، فقال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان، لضعف آرائهم, وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضارِّ التي تصرف إليها الأموال. وإنما عَنَى المنافقون بقيلهم: أنؤمن كما آمَن السُّفهاء - إذْ دُعوا إلى التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم, وبما جاء به من عند الله, والإقرار بالبعث فقيل لهم: آمنوا كما آمن [الناس] - أصحابَ محمدٍ وأتباعَه من المؤمنين المصدِّقين به، من أهل الإيمان واليقين، والتصديقِ بالله، وبما افترض عليهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفي كتابه، وباليوم الآخر. فقالوا إجابة لقائل ذلك لهم: أنؤمن كما آمَن أهل الجهل، ونصدِّق بمحمد صلى الله عليه وسلم كما صدّق به هؤلاء الذين لا عقولَ لهم ولا أفهام؟ # عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ )، يعنون أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم. 345. * * * القول في تأويل قوله جل ثناؤه: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) قال أبو جعفر:وهذا خبرٌ من الله تعالى عن المنافقين الذين تقدم نعتُه لهم، ووصفُه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب - أنَّهم هُم الجُهَّال في أديانهم, الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم، من الشكّ والريْب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوته, وفيما جاء به من عند الله, وأمر البعث, لإساءَتهم إلى أنفسهم بما أتَوْا من ذلك وهم يحسبون أنَّهم إليها يُحْسِنون. وذلك هو عَيْنُ السَّفه, لأن السفيه إنما يُفسد من حيث يرى أنه يُصلحُ، ويُضيع من حيث يَرى أنه يحفظ، فكذلك المنافق: يَعصي رَبَّه من حيث يرى أنه يطيعُه, ويكفرُ به من حيث يرى أنه يُؤمن به, ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنه يُحسن إليها, كما وصفهم به ربنا جلّ ذكره، فقال: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ، وقال: (ألا إنهم هم السفهاء) - دون المؤمنين المصدّقين بالله وبكتابه، وبرسوله وثوابه وعقابه -(ولكن لا يعلمون). وكذلك كان ابن عباس يتأول هذه الآية. | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:40 pm | |
| القول في تأويل قوله جل ثناؤه: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ قال أبو جعفر رحمه الله
: وهذه الآية نظيرة الآية الأخرى التي أخبر الله جلّ ثناؤه فيها عن المنافقين بخداعهم الله ورسولَه والمؤمنين, فقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ . ثم أكْذَبهم تعالى ذكره بقوله: وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، وأنهم بقيلهم ذلك يخُادعون الله والذين آمنوا. وكذلك أخبر عنهم في هذه الآية أنهم يقولون -للمؤمنين المصدِّقين بالله وكتابه ورسوله- بألسنتهم: آمنا وصدَّقنا بمحمد وبما جاء به من عند الله, خِداعًا عن دمائهم وأموالهم وذَرَاريهم, ودرءًا لهم عنها, وأنهم إذا خَلَوْا إلى مَرَدَتهم وأهل العُتُوّ والشر والخُبث منهم ومن سائر أهل الشرك الذين هم على مثل الذي هم عليه من الكُفر بالله وبكتابه ورسوله - وهم شياطينهم، وقد دللنا فيما مضى من كتابنا على أن شياطينَ كل شيء مَرَدَتُه - قالوا لهم: " إنا معكم "، أي إنا معكم على دينكم, وظُهراؤكم على من خالفكُم فيه, وأولياؤكم دون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ بالله وبكتابه ورسوله وأصحابه، ************************************************* قال الطّبري رحمه الله "
فإن قال لنا قائل: أرأيتَ قولَه (وإذا خلوا إلى شياطينهم)؟ فكيف قيل: (خلوا إلى شياطينهم)، ولم يقل خَلَوْا بشياطينهم؟ فقد علمتَ أنّ الجاريَ بين الناس في كلامهم: " خلوتُ بفلان " أكثر وأفشَى من: " خلوتُ إلى فلان "؛ ومن قولك: إن القرآن أفصح البيان! قيل: قد اختلف في ذلك أهل العلم بلغة العرب. فكان بعض نحويِّي البصرة يقول: يقال " خلوتُ إلى فلان " إذا أريدَ به: خلوتُ إليه في حاجة خاصة. لا يحتَمِل -إذا قيل كذلك- إلا الخلاءَ إليه في قضاء الحاجة. فأما إذا قيل: " خلوت به " احتمل معنيين: أحدهما الخلاء به في الحاجة, والآخَر في السخرية به. فعلى هذا القول، ( وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ )، لا شكّ أفصحُ منه لو قيل " وإذا خلوا بشياطينهم "، لما في قول القائل: " إذا خلوا بشياطينهم " من التباس المعنى على سامعيه، الذي هو مُنتفٍ عن قوله: " وإذا خلوا إلى شياطينهم ". فهذا أحد الأقوال.
والقول الآخر: فأن تُوَجِّه معنى قوله (وإذا خلوا إلى شياطينهم)،" وإذا خلوا مع شياطينهم ", إذ كانت حروف الصِّفات يُعاقِبُ بعضُها بعضًا ، كما قال الله مخبرًا عن عيسى ابن مريم أنه قال للحواريين: مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ [سورة الصف: 14]، يريد: مع الله. وكما توضع " على " في موضع " من "، و " في" و " عن " و " الباء ", وكما قال الشاعر:
إِذَا رَضِيَــتْ عَــلَيَّ بَنُــو قُشَـيْرٍ لَعَمْــرُ اللــهِ أَعْجَــبَنِي رِضَاهَـا بمعنى عَنِّي. وأما بعض نحويي أهل الكوفة، فإنه كان يتأوَّل أن ذلك بمعنى: وإذا لَقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا صَرفوا خَلاءهم إلى شياطينهم - فيزعم أن الجالب لِـ " إلى "، المعنى الذي دلّ عليه الكلامُ: من انصرافِ المنافقين عن لقاء المؤمنين إلى شياطينهم خالين بهم, لا قوله " خَلَوْا ". وعلى هذا التأويل لا يصلح في موضع " إلى " غيرُها، لتغير الكلام بدخول غيرها من الحروف مكانها. وهذا القول عندي أولى بالصواب, لأن لكل حرف من حُرُوف المعاني وجهًا هو به أولى من غيره فلا يصلح تحويل ذلك عنه إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها. ولِـ " إلى " في كل موضع دخلت من الكلام حُكْم، وغيرُ جائز سلبُها معانِيَها في أماكنها. | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| | | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:41 pm | |
| قال الإمام الطبري رحمه الله "
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ قال أبو جعفر: اختُلف في صفة استهزاءِ الله جلّ جلاله، الذي ذَكر أنه فاعله بالمنافقين، الذين وَصَف صفتهم. فقال بعضهم: استهزاؤه بهم، كالذي أخبرنا تبارك اسمه أنه فاعلٌ بهم يوم القيامة في قوله تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى [سورة الحديد: 13، 14]. الآية.
وكالذي أخبرنا أنَّه فَعَل بالكفار بقوله: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [سورة آل عمران: 178]. فهذا وما أشبهه من استهزاء الله جلّ وعزّ وسخريتِه ومكرِه وخديعتِه للمنافقين وأهل الشرك به - عند قائلي هذا القول، ومتأوّلي هذا التأويل.
وقال آخرون: بل استهزاؤه بهم، توبيخُه إياهم ولومه لهم على ما ركِبوا من معاصي الله والكفر به, كما يقال: " إن فلانًا ليُهْزَأ منه منذ اليوم، ويُسخر منه "، يُراد به توبيخُ الناس إياه ولومهم له, أو إهلاكه إياهم وتدميرُه بهم ، كما قال عَبِيد بن الأبرص:
سَـائِلْ بِنَـا حُجْـرَ ابْـنَ أُمِّ قَطَـامِ, إذْ
ظَلَّـتْ بِـهِ السُّـمْرُ النَّـوَاهِلُ تَلْعَـبُ
فزعموا أن السُّمر -وهي القَنَا- لا لعب منها, ولكنها لما قتلتْهم وشرَّدتهم، جَعل ذلك مِنْ فعلها لعبًا بمن فعلت ذلك به. قالوا: فكذلك اسْتهزاءُ الله جل ثناؤه بمن اسْتهزأ به من أهل النفاق والكفر به: إمّا إهلاكه إياهم وتدميرُه بهم، وإمّا إملاؤهُ لهم ليأخذهم في حال أمنهم عند أنفسهم بغتةً, أو توبيخه لهم ولأئمته إياهم. قالوا: وكذلك معنى المكر منه والخديعة والسُّخرية. *************** وقال آخرون قوله: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [سورة النساء: 142] على الجواب, كقول الرجل لمن كان يَخْدَعه إذا ظفر به: " أنا الذي خدعتُك "، ولم تكن منه خديعة، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه. قالوا: وكذلك قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [سورة آل عمران: 54]، و " الله يستهزئ بهم "، على الجواب. والله لا يكونُ منه المكرُ ولا الهُزْء، والمعنى أن المكرَ والهُزْءَ حاق بهم.
**************** وقال آخرون: قوله: إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ، وقوله: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [سورة النساء: 142] ، وقوله: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [سورة التوبة: 79] ، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [سورة التوبة: 67] ، وما أشبه ذلك, إخبارٌ من الله أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء, ومعاقبهم عقوبةَ الخداع. فأخرج خبرَه عن جزائه إياهم وعقابه لهم، مُخْرَج خبره عن فعلهم الذي عليه استحقُّوا العقاب في اللفظ، وإن اختلف المعنيان. كما قال جل ثناؤه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [سورة الشورى: 40] ، ومعلومٌ أن الأولى من صاحبها سيئة، إذْ كانت منه لله تبارك وتعالى معصية, وأن الأخرى عَدلٌ، لأنها من الله جزاءٌ < 1-303 > للعاصي على المعصية، فهما -وإن اتفق لفظاهما- مختلفتا المعنى. وكذلك قوله: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [سورة البقرة: 194] ، فالعدوان الأول ظلم, والثاني جزاءٌ لا ظلم, بل هو عدل، لأنه عقوبة للظالم على ظلمه، وإن وافق لفظه لفظ الأول. وإلى هذا المعنى وَجَّهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك، مما هو خبرٌ عن مكر الله جل وعزّ بقومٍ, وما أشبه ذلك.
وقال آخرون: إنّ معنى ذلك: أن الله جل وعز أخبر عن المنافقين أنهم إذا خَلَوْا إلى مَرَدَتهم قالوا: إنا معكم على دينكم في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به, وإنما نحن بما نُظهر لهم - من قولنا لهم: صدقنا بمحمد عليه السلام وما جاء به - مستهزئون. يعنون: إنا نُظهر لهم ما هو عندنا باطل لا حَقٌّ ولا هدًى. قالوا: وذلك هو معنى من معاني الاستهزاء، فأخبر الله أنه " يستهزئ بهم "، فيظهر لهم من أحكامه في الدنيا خلافَ الذي لهم عنده في الآخرة, كما أظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في الدين ما هم على خلافه في سرائرهم. | |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:42 pm | |
| قال الإمام الطبري رحمه الله "
والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا: أن معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهارُ المستهزِئ للمستهزَإ به من القول والفعل ما يُرضيه ظاهرًا، وهو بذلك من قِيله وفِعْله به مُورِثه مَساءة باطنًا . وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر. فإذا كان ذلك كذلك = وكان الله جل ثناؤه قد جعل لأهل النفاق في الدنيا من الأحكام - بما أظهروا بألسنتهم، من الإقرار بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله، المُدْخِلِهم في عداد من يشمله اسمُ الإسلام ، وإن كانوا لغير ذلك مستبطنين - أحكامَ المسلمين المصدِّقين إقرارَهم بألسنتهم بذلك، بضمائر قلوبِهم، وصحائح عزائمهم، وحميدِ أفعالهم المحققة لهم صحة إيمانهم - معَ علم الله عز وجل بكذبهم, واطلاعِه على خُبث اعتقادهم، وشكِّهم فيما ادَّعوا بألسنتهم أنهم به مصدِّقون ، حتى ظنُّوا في الآخرة إذْ حشروا في عِداد من كانوا في عِدادهم في الدنيا، أنَّهم وارِدُون موْرِدَهم. وداخلون مدخلهم. والله جل جلاله - مع إظهاره ما قد أظهر لهم من الأحكام المُلْحِقَتِهم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة إلى حال تمييزه بينهم وبين أوليائه، وتفريقِه بينهم وبينهم - معدٌّ لهم من أليم عقابه ونَكال عذابه، ما أعدّ منه لأعدى أعدائه وشر عباده, حتى ميز بينهم وبين أوليائه، فألحقهم من طبقات جحيمه بالدَّرك الأسفل = كان معلومًا أنه جل ثناؤه بذلك من فعلِه بهم - وإن كان جزاءً لهم على أفعالهم، وعدلا ما فعل من ذلك بهم لاستحقاقهم إياه منه بعصيانهم له -كان بهم- بما أظهرَ لهم من الأمور التي أظهرها لهم: من إلحاقه أحكامهم في الدنيا بأحكام أوليائِه وهم له أعداء, وحشرِه إياهم في الآخرة مع المؤمنين وهم به من المكذبين -إلى أن ميَّز بينهم وبينهم- مستهزئًا، وبهم ساخرًا، ولهم خادعًا، وبهم ماكرًا ,,
. إذ كان معنى الاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة ما وصفنا قبل, دون أن يكون ذلك معناه في حالٍ فيها المستهزئ بصاحبه له ظالم، أو عليه فيها غير عادل, بل ذلك معناه في كل أحواله، إذا وُجدت الصفات التي قدَّمنا ذكرها في معنى الاستهزاء وما أشبهه من نظائره. *********************************************** قال الإمام الطبري رحمه الله "
وأما الذين زعموا أن قول الله تعالى ذكره: الله يَسْتَهْزِئ بِهِمْ"، إنما هو على وجه الجواب, وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكرٌ ولا خديعة، فنافُون على الله عز وجل ما قد أثبته الله عز وجل لنفسه، وأوجبه لها. وسواءٌ قال قائل: لم يكن من الله جل ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخريةٌ بمن أخبر أنه يستهزئ ويسخر ويمكر به, أو قال: لم يخسف الله بمن أخبر أنه خَسَف به من الأمم, ولم يُغرق من أخبر أنه أغرقه منهم.
ويقال لقائل ذلك: إن الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكرَ بقوم مضَوْا قبلنا لم نَرَهُم, وأخبر عن آخرين أنه خَسَف بهم, وعن آخرين أنه أغرقهم, فصدَّقْنا الله تعالى ذكره فيما أخبرنا به من ذلك, ولم نُفَرِّق بين شيء منه. فما بُرهانُك على تفريقك ما فَرَّقت بينه، بزعمك: أنه قد أغرقَ وخَسف بمن أخبر أنه أغرق وخسف به, ولم يمكُرْ بمن أخبر أنه قد مكر به؟
ثم نعكس القول عليه في ذلك، فلن يقول في أحدهما شيئًا إلا ألزِم في الآخَر مثله. فإن لجأ إلى أن يقول: إن الاستهزاء عبثٌ ولعبٌ, وذلك عن الله عز وجل منفيٌّ. قيل له: إن كان الأمر عن, دك على ما وصفتَ من معنى الاستهزاء, أفلست تقول: " الله يستهزئ بهم "، و " سَخِر الله منهم " و " مكر الله بهم ", وإن لم يكنْ من الله عندك هزء ولا سخرية؟
فإن قال: " لا "، كذَّب بالقرآن، وخرج عن ملة الإسلام. وإن قال: " بلى ", قيل له: أفنقول من الوجه الذي قلت: " الله يستهزئ بهم " و " سخر الله منهم " -" يلعب الله بهم " و " يعبث " - ولا لعبَ من الله ولا عبث؟ فإن قال: " نعم "! وَصَف الله بما قد أجمع المسلمون على نفيه عنه، وعلى تخطئة واصفه به, وأضاف إليه ما قد قامت الحجة من العقول على ضلال مضيفه إليه.
وإن قال: لا أقول: " يلعب الله بهم " ولا " يعبث ", وقد أقول " يستهزئ بهم " و " يسخر منهم ". قيل: فقد فرقت بين معنى اللعب والعبث, والهزء والسخرية, والمكر والخديعة. ومن الوجه الذي جازَ قِيلُ هذا، ولم يَجُزْ قِيلُ هذا، افترق معنياهُما. فعُلم أن لكل واحد منهما معنى غير معنى الآخر. وللكلام في هذا النوع موضع غير هذا، كرهنا إطالة الكتاب باستقصائه. وفيما ذكرنا كفاية لمن وُفق لفهمه.
| |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:42 pm | |
| قال الإمام الطبري رحمه الله "
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: وَيَمُدُّهُمْ : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (ويمدهم)، فقال بعضهم بما-: وكان بعضُ نحوييّ البصرة يتأوَّل ذلك أنه بمعنى: يَمُدُّ لَهُم, ويزعم أن ذلك نظيرُ قول العرب: الغلامُ يلعَب الكِعَابَ، يراد به يَلعب بالكعاب. قال: وذلك أنهم قد يقولون: " قد مَددت له وأمددتُ له " في غير هذا المعنى, وهو قول الله تعالى ذكره: وَأَمْدَدْنَاهُمْ [سورة الطور: 22]، وهذا من: " مددناهم " . قال: ويقال: قد " مَدَّ البحر فهو مادٌّ" و " أَمَدَّ الجرح فهو مُمِدّ". وحكي عن يونس الجَرْمِيّ أنه كان يقول: ما كان من الشر فهو " مدَدْت ", وما كان من الخير فهو " أمْدَدت ". ثم قال: وهو كما فسرت لك، إذا أردت أنك تركته فهو " مَدَدت له "، وإذا أردت أنك أعطيته قلت: " أمْددت ".
وأما بعضُ نحويي الكوفة فإنه كان يقول: كل زيادة حدثت في الشيء من نفسه فهو " مَدَدت " بغير ألف, كما تقول: " مدَّ النهر, ومدَّه نهرٌ آخر غيره "، إذا اتصل به فصار منه، وكلّ زيادة أحدِثتْ في الشيء من غيره فهو بألف, كقولك: " أمدَّ الجرحُ", لأن المدّة من غير الجرح, وأمدَدتُ الجيش بمَدَدٍ. وأولى هذه الأقوال بالصواب في قوله: " وَيَمُدُّهُمْ": أن يكون بمعنى يزيدهم, على وجه الإملاء والترك لهم في عُتوِّهم وتمردهم, كما وصف ربُّنا أنه فعل بنظرائهم في قوله < 1-308 > وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [سورة الأنعام: 110]، يعني نذرُهم ونتركهم فيه، ونملي لهم ليزدادوا إثمًا إلى إثمهم. ولا وجه لقول من قال: ذلك بمعنى " يَمُدُّ لهم "، لأنه لا تدافُع بين العرب وأهل المعرفة بلغتها أن يستجيزوا قول القائل: " مدَّ النهرَ نهرٌ آخر ", بمعنى: اتصل به فصار زائدًا ماءُ المتَّصَل به بماء المتَّصِل - من غير تأوُّل منهم. ذلك أن معناه: مدّ النهرَ نهرٌ آخر. فكذلك ذلك في قول الله: ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ )
* * * قال الإمام الطبري رحمه الله "
القول في تأويل قوله : فِي طُغْيَانِهِمْ و " الطُّغيان "" الفُعْلان ", من قولك: " طَغَى فلان يطغَى طُغيانًا ". إذا تجاوز في الأمر حده فبغى. ومنه قوله الله: كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [سورة العلق: 6، 7]، أي يتجاوز حدّه. ومنه قول أمية بن أبي الصَّلْت:
وَدَعَــا اللــهَ دَعْــوَةً لاتَ هَنَّــا
بَعْــدَ طُغْيَانِــه, فَظَــلَّ مُشِــيرَا
وإنما عنى الله جل ثناؤه بقوله ( وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ ) ، أنه يُملي لهم، ويَذَرُهم يَبغون في ضلالهم وكفرهم حيارى يترددون.
* * * القول في تأويل قوله: يَعْمَهُونَ (15) قال أبو جعفر:
والعَمَهُ نفسُه: الضَّلال. يقال منه: عَمِه فلان يَعْمه عَمَهانًا وعُمُوهًا، إذا ضل . ومنه قول رؤبة بن العجاج يصف مَضَلَّة من المهامه:
وَمَخْـــفَقِ مِــن لُهْلُــهٍ وَلُهْلُــهِ
مِــنْ مَهْمَــهٍ يَجْتَبْنَـهُ فِـي مَهْمَـهِ أَعْمَى الهُدَى بِالجاهلين العُمَّهِ
و " العُمَّه " جمع عامِهٍ, وهم الذين يضلّون فيه فيتحيرون.
فمعنى قوله إذًا: ( فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) : في ضلالهم وكفرهم الذي قد غمرهم دنسُه، وعلاهم رِجْسُه, يترددون حيارى ضُلالا لا يجدون إلى المخرج منه سبيلا لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها, فأعمى أبصارهم عن الهدى وأغشاها, فلا يبصرون رُشْدا ولا يهتدون سبيلا. ****************************************** يتبع
| |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:43 pm | |
| القول في تأويل قول الله جل ثناؤه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قال أبو جعفر رحمه الله :
وتأويل قوله: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) يعني: وإذا قيل لهؤلاء الذين وَصَفهم الله ونعتَهم بأنهم يقولون: آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ صَدِّقوا بمحمد وبما جاء به من عند الله، كما صدق به الناس. ويعني بـِ " الناس ": المؤمنين الذين آمنوا بمحمد ونبوته وما جاء به من عند الله.
# عن ابن عباس في قوله: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ )، يقول: وإذا قيل لهم صدِّقوا كما صدَّق أصحاب محمد, قولوا: إنَّه نبيٌّ ورسول, وإنّ ما أنـزل عليه حقّ, وصدِّقوا بالآخرة, وأنَّكم مبعوثون من بعد الموت .
************************************************ قال أبو جعفر رحمه الله : وإنما أدخِلت الألف واللام في" الناس "، وهم بعضُ الناس لا جميعُهم، لأنهم كانوا معروفين عند الذين خُوطبوا بهذه الآية بأعيانهم، وإنما معناه: آمِنُوا كما آمَن الناس الذين تعرفونهم من أهل اليقين والتصديق بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله وباليوم الآخر. فلذلك أدخِلت الألف واللام فيه، كما أدخِلَتا في قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [سورة آل عمران: 173]، لأنه أشِير بدخولها إلى ناس معروفين عند مَن خُوطب بذلك.
* * * القول في تأويل قوله جل ثناؤه: قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ قال أبو جعفر:
والسفهاء جمع سَفِيه, كما العلماء جمع عليم ، والحكماء جمعُ حكيم. والسفيه: الجاهل، الضعيفُ الرأي, القليلُ المعرفة بمواضع المنافع والمضارّ. ولذلك سمى الله عز وجل النِّساء والصبيانَ سفهاء, فقال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [سورة النساء: 5]، فقال عامة أهل التأويل: هم النساء والصبيان، لضعف آرائهم, وقلة معرفتهم بمواضع المصالح والمضارِّ التي تصرف إليها الأموال. وإنما عَنَى المنافقون بقيلهم: أنؤمن كما آمَن السُّفهاء - إذْ دُعوا إلى التصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم, وبما جاء به من عند الله, والإقرار بالبعث فقيل لهم: آمنوا كما آمن [الناس] - أصحابَ محمدٍ وأتباعَه من المؤمنين المصدِّقين به، من أهل الإيمان واليقين، والتصديقِ بالله، وبما افترض عليهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفي كتابه، وباليوم الآخر. فقالوا إجابة لقائل ذلك لهم: أنؤمن كما آمَن أهل الجهل، ونصدِّق بمحمد صلى الله عليه وسلم كما صدّق به هؤلاء الذين لا عقولَ لهم ولا أفهام؟
# عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ )، يعنون أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم. 345.
* * * القول في تأويل قوله جل ثناؤه: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) قال أبو جعفر:
وهذا خبرٌ من الله تعالى عن المنافقين الذين تقدم نعتُه لهم، ووصفُه إياهم بما وصفهم به من الشك والتكذيب - أنَّهم هُم الجُهَّال في أديانهم, الضعفاء الآراء في اعتقاداتهم واختياراتهم التي اختاروها لأنفسهم، من الشكّ والريْب في أمر الله وأمر رسوله وأمر نبوته, وفيما جاء به من عند الله, وأمر البعث, لإساءَتهم إلى أنفسهم بما أتَوْا من ذلك وهم يحسبون أنَّهم إليها يُحْسِنون. وذلك هو عَيْنُ السَّفه, لأن السفيه إنما يُفسد من حيث يرى أنه يُصلحُ، ويُضيع من حيث يَرى أنه يحفظ، فكذلك المنافق: يَعصي رَبَّه من حيث يرى أنه يطيعُه, ويكفرُ به من حيث يرى أنه يُؤمن به, ويسيء إلى نفسه من حيث يحسب أنه يُحسن إليها, كما وصفهم به ربنا جلّ ذكره، فقال: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ، وقال: (ألا إنهم هم السفهاء) - دون المؤمنين المصدّقين بالله وبكتابه، وبرسوله وثوابه وعقابه -(ولكن لا يعلمون). وكذلك كان ابن عباس يتأول هذه الآية.
| |
| | | هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: رد: تأويل سورة البقرة الثلاثاء أبريل 21, 2009 1:43 pm | |
| قال أبو جعفر رحمه الله : . وأما وَجْهُ دخول الألف واللام في" السُّفهاء "، فشبيه بوجه دخولهما في النَّاسُ في قوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ ، وقد بيَّنا العلة في دخولهما هنالك, والعلةُ في دخولهما في" السفهاء " نظيرتها في دخولهما في النَّاسُ هنالك، سواء. والدلالةُ التي تدل عليه هذه الآية من خطأ قول من زعم أن العقوبةَ من الله لا يستحقّها إلا المعاند ربَّه، بعد علمه بصحة ما عانده فيه - نظيرُ دلالة الآيات الأخَر التي قد تقدم ذكرنا تأويلَها في قوله وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ ، ونظائر ذلك .
************************************************** ************** يتبع
| |
| | | | تأويل سورة البقرة | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|