هبة الله الادارة
نقاط : 13559
| موضوع: عثمان بن طلحة الأربعاء مارس 18, 2009 4:35 pm | |
| “في وقت، نحن فيه أحوج ما نكون إلى “النموذج”: نموذج الفرد الذي يؤدي عمله وهو يرى ربه معه، في كل ما يأتي من أمر أو ينتهي عن نهي؛ نموذج الفرد الذي يتعامل مع مجتمعه، من خلال تعامله مع ربه.. لنا أن نلقي نظرة على تاريخنا وتراثنا، تاريخنا العربي وتراثنا الإسلامي؛ نظرة نرى من خلالها بعضاً من تلك “النماذج” التي استطاعت أن تنتقل، أو تنقل نفسها بالأحرى، من رعاة إبل جفاة غلاظ يشعلون الحرب لأوهى الأسباب، إلى قادة وهداة؛ قادة إلى الحق، وهداة إلى الله الواحد الأحد، عبر آداب القرآن الكريم، وأحكامه”.
رجل من الرجال الأبطال، وفارس عرفته الحروب، وعنيد لم يستجب لدعوة الإسلام، إلا بعد أن ظهرت كل الدلائل، وقامت الحجج والبينات على أن محمداً صادق. فهو نبي مرسل ويأتيه الوحي من السماء.. وهذا ما توصل إليه عثمان بن طلحة، بعد الهزائم المتلاحقة التي منيت بها قريش.
أما عن والده فهو طلحة بن أبي طلحة خرج مع قريش عندما جمعت جموعها لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد وكانت معه زوجته سلافة بنت سعد. كما خرج معه أبو سفيان بن حرب ومعه زوجه هند بنت عتبة، واقتدى بهم في اصطحاب زوجاتهم كل فرسان قريش.
وفي هذه الغزوة قتل طلحة، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتل أولاده الثلاثة مسافع بن طلحة والجلاس بن طلحة والحارث بن طلحة.
وعاش عثمان بعد قتل والده وإخوته الثلاثة في مكة يشارك قريشاً في تدبيرها ويترقب معركة أخرى مع محمد وأتباعه حتى يأخذ بثأره.. وينتقم لهؤلاء الرجال الذين جندلتهم سيوف المسلمين. وأحس عثمان بن أبي طلحة أن همومه قاربت على الانتهاء، وأن الفرصة قد أوشكت للقصاص ممن قتل والده واخوته. وسار مع جيش قريش وبقية الأحزاب إلى المدينة، ولكن الله رد كيدهم في نحورهم وعادوا كما ذهبوا ولم ينالوا شيئاً. وتعجب في هذه المرة، أكثر من تعجبه في كل مرة، فلقد عادوا مهزومين مدحورين، فمن الذي هزمهم وحطم خيامهم؟! إن جنود محمد لم يحاربوهم، وسيوفهم لم تنل منهم هذه المرة، ومع ذلك هزموا وعادوا إلى ديارهم فارين وجلين. لقد ملأ الرعب قلوبهم، وسيطر الخوف على نفوسهم. أيكون محمد هو رسول الله؟! هل بقي لديه شك في ذلك؟!
وذهب عثمان بن أبي طلحة إلى عمرو بن العاص يشكو له همومه، ويضع أمامه ما يعانيه، ولكنه لم يستطع أن يفضي له بما في داخله. وعندما رأى عمرو ذلك قال: “إني أرى أمر محمد يعلو الأمور علواً منكراً، وإني قد رأيت أمراً فما ترون فيه؟”.. قالوا: “ماذا رأيت؟”. قال: “رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فإنا نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير”. قالوا: “إن هذا لرأي”. ثم يحكي عثمان مقابلتهم لملك الحبشة.
قلت: “نعم أيها الملك، قد أهديت إليك أدماً كثيراً، ثم قربته إليه فأعجبه واشتهاه”. ثم قلت: “أيها الملك، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا”.
فغضب النجاشي، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقاً منه. ثم قلت: “أيها الملك، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه”.
قال: “أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله؟”. قلت: “أيها الملك أكذاك هو؟”. قال: “ويحك يا عمرو أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده”. قلت: “أفتبايعني له على الإسلام؟”. قال: “نعم فبسط يده فبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابي، وقد تحول رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي”.
وعادوا إلى مكة، عاد عمرو ومن كان معه، عندما لم يطب لهم مقام فيها، أو لما بيته عمرو من أمر. ونقول: هل سافر عثمان بن أبي طلحة مع عمرو إلى أرض الحبشة؟.. أم تراه بقي في مكة حتى عاد عمرو مع صحبه إليها؟ لا نستطيع أن نقطع في سفره برأي.. ولكن الثابت، والذي ذكرته كتب التاريخ، أن ثلاثتهم التقوا على أرض مكة وهم يتأهبون للخروج إلى يثرب: عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن أبي طلحة. وسار ثلاثتهم إلى يثرب قاصدين مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى وصلوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فلما رآهم عليه السلام قال: “رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها”. وتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع. ثم تقدم عمرو إلى رسول الله وقال: “إني أبايعك على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولا أذكر ما تأخر”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عمرو بايع فإن الإسلام يجب ما كان قبله، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها”. ثم تقدم عثمان بن أبي طلحة فأسلم وبايع.
وعن صفية بنت شيبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة، واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت فطاف به سبعاً على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة ففتحت له فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها، ثم وقف على باب الكعبة وقد اجتمع له الناس في المسجد..
فقال: “يا معشر قريش، ما ترون إني فاعل بكم؟”. قالوا: “خيراً.. أخ كريم وابن أخ كريم”. قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومفتاح الكعبة في يده، فقال: “يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أين عثمان بن طلحة؟”. فدعا له فقال: “هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء”.
وفي رواية أخرى: أنه أعطاه مفتاح الكعبة ومعه شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وقال: “خذها خالدة تالدة لا ينزعها (يا بني أبي طلحة) منكم إلا ظالم”.
| |
|